• اخر تحديث : 2025-08-12 16:04
news-details
مقالات عربية

معاناة الأمهات الحوامل والأطفال الرُضَّع في ظل حملة الإبادة على غزة


مع استمرار حرب الإبادة على غزة قرابة العامين، تتزايد أشكال الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، وخصوصاً في حق الفئات الأكثر هشاشة، كالأمهات والأطفال. وتشير الإحصاءات، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى مقتل 12,400 امرأة، و18,000 طفل، بينما هناك ما يقارب 4700 امرأة وطفل مفقودون. هذا يُظهِر السياسات الصهيونية التي تركز على استهداف النساء كونهن مَن يحملن هذه الأجيال المقاوِمة،  والأطفال كونَهم الأجيال الصاعدة التي ستقاوم هذا الاحتلال.
 
وتواجه الأمهات في قطاع غزة، وخصوصاً الحوامل والمرضعات منهن، كل أشكال المعاناة؛ النفسية والجسدية والعقلية. كما أن النساء الحوامل في قطاع غزة يواجهن العديد من المخاوف والصعوبات، أبرزها خوفهن من فقدان أجنتهن. وفي هذا الصدد، تذكر شيماء، وهي امرأة فلسطينية، تجربة حَمْلِهَا بطفلها الثاني: "لا إرادياً، فقدتُ خوفي على نفسي في مقابل الرعب الذي عَايَشْتُهُ للمحافظة على جنيني. ونجوتُ من القصف وأنا حامل في شهري السابع، إذ قُصف بيتي، وخرجتُ من تحت الركام ووسط الدخان الخانق وجسمي يرتعش خوفاً." وتحدّثت شيماء عن أوضاع حملها القاسية؛ منها إصابتها بفيروس الكبد الوبائي نتيجة عدم نظافة المياه، وكذلك التلوُث البيئي الناجم عن تدمير البنية التحتية في غزة، وتدمير شبكات الصرف الصحي، وعدم توفُر مياه صالحة للشرب، فضلاً عن مشاركتها المرحاض مع مئات الأشخاص غيرها في مراكز الإيواء، وتناوُل المأكولات المعلبة.
 
شيماء هي إحدى الناجيات من قصفٍ طال منزلَها مرتين؛ فعاشت خوفاً كبيراً، واستنشقت الدخان والغازات الضارة الناتجة من القصف، وهو ما جعلها تلد مباشرة بعد القصف الثاني، بينما لم يتجاوز حملها الشهر الثامن، فأنجبت صالح بوزن لا يتجاوز الكيلوغرامَين بسبب سوء التغذية الحاد والأمراض التي أصابتها خلال فترة حمْلها. وبعد ولادته، بدأت رحلة جديدة من المعاناة مع رضيعها، ومنها معاناة توفير الغذاء والدواء والحليب.
 
ويُشكّل فيروس التهاب الكبد الوبائي تهديداً مباشراً على حياة الأمهات والأطفال في غزة، إذ يتسبب بمضاعفات خطِرة في أثناء الحمل يمكن أن تؤدي إلى وفاة الجنين أو الأم في ظل غياب الرعاية الصحية، كما يُفاقم المعاناة النفسية والجسدية، الأمر الذي يجعل الوقاية والتوعية وتوفير الغذاء والعلاج ضرورةً ملحّة لحماية الأمهات وأطفالهنّ من تداعيات هذا المرض. ويؤكد د. رائد السعودي، رئيس قسم التوليد والنساء في مستشفى العودة في النصيرات، أن كل الأوضاع السابقة تزيد تفشّي هذا الفيروس بين النساء.
 
وبحسب الأونروا، فإن تفشّي التهاب الكبد الوبائي في غزة يشكّل تهديداً خطِراً على الأمهات والأطفال، إذ يفاقم من ضعفهم الصحي في ظل أوضاع النزوح وسوء النظافة ونقْص الرعاية الطبية، وهو ما يعرّضهم لمضاعفات صحية خطِرة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، وخصوصاً أنه لا يوجد علاج لهذا المرض في الوقت الحالي.
 
وتقول نور أيضاً – وهي أمّ لطفلين - إن أدنى مستويات الاحتياط والوقاية من هذا الفيروس معدومة: "عم يقلي الدكتور لازم تاكلي خضرا معقمة وتشربي مي معدنية وتستخدمي أغراض شخصية وعدم مشاركتها مع أحد وعدم الاختلاط بشكل مباشر مع أحد"، وتضيف ساخرةً: "الحمد لله ولا إشي بقدر أعمله غير إني أتوجع من المرض." 
 
يصف أطباء مدينة غزة - الذين يبذلون جهود كبيرة لمحاولة إنقاذ حياة النساء الحوامل وأجنتهن – أن ما يعشنه نساء غزة حالة كارثية، إذ خسرت عدة أمهات أجنتهن، أو واجهن ولادة مبكرة  نتيجة الحسرة والخوف اللذين يعشنهما، وهذا من ناحية نفسية. أمّا على الصعيد الجسدي أو الطبي، فالأمر أكثر سوءاً، إذ لا يوجد غذاء ولا دواء ولا أدنى معايير الرعاية الطبية.
وأشارت منظمة اليونيسف أيضاً إلى أن الأوضاع غير الإنسانية التي يعشنها النساء الحوامل في غزة تعرّض حياتهن وحياة الجنين للخطر، وتزيد نسبة الإجهاض والولادة المبكرة.
وتفيد الأونروا بأن 55% من الأمهات المرضعات في قطاع غزة يعانين جرّاء أوضاع صحية مزرية تعيق قدرتهن على إرضاع أطفالهن، كما أن 99% منهن يواجهن تحديات توفُّر حليب الأم.
 
جفاف حليب الأمهات ونفاد الحليب الصناعي من أسواق غزة
حذّر مدير الإغاثة الطبية، محمد أبو عفش، من تدهوُر الحالة الصحية للأطفال الرُضّع نتيجةَ القيود الإسرائيلية التي تمنع إدخال الحليب إلى غزة، والتي تَحْظُرُ أيضاً دخول أي بدائل تغذوية يمكن أن تعوّض الأطفال.
 
وهذا ما أشارت إليه شيماء في معرض حديثها عن إرضاع طفلها بصورة شحيحة حتى عمر الخمسة أشهر؛ فاكتئاب ما بعد الولادة وقسوة الحرب فاقما تَدَهْوُرَ صحتها النفسية، بالإضافة إلى سوء التغذية الحاد الذي عانت جرّاءه، الأمر الذي أثّر في قُدْرَتِهَا على إنتاج الحليب لرضيعها.
 
أمّا الخيار الثاني، فكان الحليب الصناعي، لكن حتى هذا الخيار كان، ولا يزال، صعب المنال؛ فعلبة الحليب سعرها 100 – 120 شيكلاً، أي ما يعادل 60 دولاراً، ولا تكفي العلبة الوحدة إلاّ لثلاثة أيام؛ وفي المحصلة، "طفلي يحتاج إلى 450 – 500 شيكل/200 دولار أسبوعياً."
 
ولم يكن أمام سمر - أمّ أنجبت طفلها البكر في ظل هذه الأوضاع المتوحشة - سوى أن تُرضع طفلها، الذي لم يتجاوز عمره خمسة أسابيع، حليباً صناعياً منتهي الصلاحية، وتقول بحسرة: "هذا كل ما استطعتُ تأمينه، وأنا أدرك تماماً مدى خطورة ذلك. لكن ماذا في وسعي أن أفعل؟"
 
لا تستطيع الأمهات توفير أدنى متطلبات أطفالهن الرُضّع نتيجة إغلاق المعابر وعدم وجود أي بضائع، ويواجهن أسعاراً جنونية لا يستطيع أي أحد توفيرها، وهو ما اضطر شيماء إلى اللجوء إلى حليب مخصَص لكبار السن، كونَه أقلَ سعراً، على الرغم من أنها تدرك مخاطره، لكنها كانت وسيلتها المتاحة لإسكات بكاء معدة طفلها الجائع. وفي أحيان أُخرى، تضطر إلى إسكاته بحساء العدس بينما لا يزال عمره بضعة أشهر.
 
وليس الحليبُ الشيءَ الوحيد الذي يصعب توفيره في غزة؛ فهناك أمهات يقلن إن سعر البامبرز يتجاوز الـ 250 شيكلاً، أي ما يعادل 50 دولاراً لـ 40 قطعة تكفي تقريباً لأسبوع واحد فقط، عدا عن بقية المستلزمات التي من الاستحالة توفيرها؛ كالملابس، والأدوات الصحية، والشامبو، والرضّاعات، والمكملات الغذائية.
 
كما أن الأمهات اضطررن إلى استعمال بدائل مؤذية كونَها الوحيدة المتاحة، كحفاظات بقياسات أكبر- إذا توفرت بسعر أرخص - وعندما لا تتوفر، فإنهن يستبدلنها بأكياس نايلون مع قِطَعِ قماش لا تناسب الأطفال، وهو ما يعرّضهم للإصابة بتسلُّخات جلدية حادة في الوقت الذي لا تتوفر فيه الأدوية والمراهم اللازمة لعلاجها، بحسب ما ذكرت نور وشيماء. 
 
طفولة مسلوبة
تخبرنا أسماء وَضْعَ ابنتها ليا، وكان عمرها لا يتجاوز الشهرين في بداية الحرب. والآن، لم تبلغ ليا من العمر سنتين، لكنها لا تدرك من الحياة سوى معاني النزوح، والجوع، والقتل، والدم، وشاحنات المساعدات الغذائية التي يذهب والدها إليها مخاطراً بحياته أملاً في الحصول على أي لقمة لعائلته.
 
إن طفلةً تبلغ من العمر سنتين من المفترض ألاّ تعي سوى معاني المرح، وألعابَها، وأصدقاءَها، وحلوياتها، وطعامَها المفضل، وألوانَها، وعائلتَها التي تحبها. لكن حين يتعلق الأمر بأطفال غزة، فهناك قصص وحكايا فوق التصوُّر البشري، وفوق انفطار القلب لسماعها.
 
تقول أسماء: "صرلي 7 سنين بحلم بإنجاب بنوتة، والآن عمرها سنتين وبس تجوع ما بتطلب غير الدقة" [طعام مكوَن من القمح المطحون والفلفل الأسود الحار وملح الحامض]، أو العدس، لأنها لا تعرف غذاءً غيره. فكيف لمعدتها أن تحتمل؟
 
هذا ما تحذّر منه الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في ظل تفشّي سوء التغذية الحاد الذي يعاني جرّاءه أطفال غزة، إذ يواجه الآلاف منهم خطر الموت جوعاً نتيجة نقص الغذاء والدواء، وانعدام الوصول إلى المساعدات الإنسانية بسبب الحصار والقيود المفروضة من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي.