• اخر تحديث : 2025-10-08 15:26
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: إستشهاد السيد الأسمى حسن نصر الله: الآثار السياسية والثقافية والميدانية على المقاومة وساحاتها


للمرة الأولى منذ ما يقرب من أربعة عقود حلّ شهر أيلول خاليًا من حضور شهيد الأمة الأسمى سماحة السيد حسن نصر الله الذي أمضى تلك العقود ونيّف في مقاومة الكيان الصهيوني، والهيمنة الغربية، ومجابهة الإرهاب التكفيري،  وصناعة الوعي المقاوم من دون كلل ولا ملل في سبيل رفعة الأنسان إلى أن ارتفع شهيدًا قبيل غروب السابع والعشرين من أيلول العام 2024 على طريق القدس وهو يرفع الصوت والاصبع في وجه الاحتلال الصهيوني وأعداء الأمة، لاسيما اعداء القضية الفلسطينية.

في الذكرى الأولى لاستشهاده  الكثير من الكلام عن أن ذكرى غياب هذه الشخصية بمختلف أبعادها في القيادة والمقاومة والمجتمع  محطة لتجديد العهد، وتزخيم المقاومة، وإسناد غزة بأهلها ومقاومتها، مصحوبًا في الوقت نفسه ثمة قلق على المقاومة وأهلها في مختلف الساحات: من لبنان إلى فلسطين، واليمن والعراق، وصولًا إلى ايران؛  في المقابل، يرى أعداء مشروع التحرر الانساني في استشهاده فرصة لوقف المقاومة، والنيل من عزيمة أهلها وبيئتها، وأنه هزّة جيواستراتيجية تمكنها كسر إرادة المقاومة وبيئتها، وبالتالي إعادة ترتيب موازين المنطقة بمختلف دولها، بدءًا من لبنان.

وهو ما ناقشته هذه الحلقة المعنونة: "استشهاد السيد الأسمى حسن نصر الله: الآثار السياسية والثقافية والميدانية على المقاومة وساحاتها" .

 

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

نهار الإثنين الموافق 29 أيلول 2025

المكان

جسر المطار – مقابل القاعة الرياضية لبلدية الغبيري ـ  الطابق الأرضي

 

المشاركون

1

د. محسن صالح

2

د. ناصر قنديل                                                                                                                                                                                           

3

الأستاذ حمزة البشتاوي                

4

الأستاذ محمد الزبيدي      

5

د. وسام ياسين

6

أمينة السر د. وفاء حطيط

 

المداخلات:

د. محسن صالح:

بدايةً رحّب  رئيس الرابطة د. محسن صالح بالسادة الأعضاء المشاركين، ثم بدأ ادارة الحلقة بمداخلة وجدانية قال فيها:

هذا السيد الذي هو كل القضايا ، وهو فيلسوف جمهورية افلاطون اليوناني، هو إمام الفارابي الفيلسوف الإسلامي، هو تدبير المتوحد الموصوف عند ابن باجة المغربي، وهو كاسترو وغيفارا وهوش منه، وهو ماوتسي تونغ وغاندي... وهو فوق ذلك في سياق تحقيق الحرية والعدالة والثورة روح روح الله الخميني (رض). وفي القيادة وفي التدبير الثوري هو شريك سماحة السيد القائد في محور المقاومة ونشأة محور المقاومة، وطبعًا الحاج قاسم سليماني.

في المنطقة العربية لا قرين له؛ فالناصرية ما استطاعت أن تدخل قلوب وعقول الجماهير العربية كما دخل سماحة السيد حسن نصرالله، ناهيك عن أن يكون له نظير في لبنان، فهو جسد انتفاضة ثوار القرن العشرين من أدهم خنجر الى ناصيف نصار ... الى السيد عبد الحسين شرف الدين ... وثقافة وكاريزما السيد موسى الصدر.

السيد نصرالله هو عصارة التاريخ الديني والروحي والعمي الثوري والثقافة النابضة والحوزة الناطقة، والقيم الأخلاقية ورمزية وثورة الإمام الحسين (ع). وقد تجاوز بالانتصارات كل عقلية الانقسام التاريخي، ووضع الأهداف الجامعة والموحدة. واستطاع أن يكون قبلة الجميع في القضايا المعاصرة.. خاصة قضية فلسطين كتجسيد لقضية التحرير والتحرر،  والانطلاق إلى ثورة عقلية وسياسية غير قابلة للتراجع.

والسؤال: هل يستطيع حزب الله وحاضنته الشعبية أن يتراجع قيد أنملة عن ما رسمه هذا القائد العظيم؟، فهو حجة الاسلام والمسلمين وهو القائد الميداني والسياسي، وبالنسبة اليه كقائد للسفينة التي تبحر في مجتمع المقاومة، وهذه البيئة التي تحن على السفينة وقبطانها والبحارة والمسافرين الى الشهادة.. يلفهم بقلبه وأمواجه وهديره، وفي سكونه وحركاته.. صدى القائد الباني لهذه الروح نحو الحرية... نحو شاطئ الأمان.

حزب الله ومجتمعه في زمن المقاومة سيعيش طويلًا في كنف هذه الرمزية رمزية كل هؤلاء، فهذا الزمن زمن نصر الله القائد.. وهو زمن نصر الله الشهيد.. ولعله في شهادته أقوى وأفعل - قائدًا وشهیدًا - قائد الشهادة کما قائد الميدان الشاهد على قضايا العصر. أصبح القضايا كلها، والعزيمة استقوت بالشهادة حتى تصبح الحرية بالشهادة أقوى من كل الهيمنة والاستكبار والاستسلام.. نصر الله الزمن المستمر...

قرأت كتاب "حزب الله" الصادر حديثًا للعقيد غاي والدكتور كرنغ معهد هرتسليا، وهناك الكثير من حركات الاستكشاف النفسي لحركة سماحة السيد حول الايديولوجية والبرغماتية، وتقييمي للكتاب انه غير ناجح، لأنه في باعتقادي قصر حتى من المسلمين في رؤيته بعمق، فمن يسمع سماحة السيد في ليالي عاشوراء تشعر الى اي مدى لبسته رسالة وشخصية ورمزية الامام الحسين بكل حركته، وقد سمعت منه أن كربلاء  هي رمزية القدس، لذلك اعتقد أنه النبع الذي تبقى تشرب منه من دون ان تشبع، وتقدر أن تتمثل بأجزاء منه ولا تقدر ان تتمثله كله، لأنه هو في هذه الشخصية المبنية غير المركبة من كل حدب وصوب من العناصر، بل هي بذاتها كل واحدة من هذه العناصر، بمعنى اذا اتينا الى فلسطين... قضية وحدة المسلمين... عاشوراء ..ز الدين ... المستضعفين وثورة الامام الخميني (رض) ستجد أنه هو في قلبها.

إن هذه الشخصية لها ابعاد متعددة بذاتها.  ونحن بحاجة الى مركز دراسات ليدرس ليس الشخصية فقط، بل القضايا التي عاشها سماحة السيد، وفعليًا نحن بحاجة الى دراسات مديدة وعميقة لهذه الشخصية.

سماحة السيد بمسيرته الطويلة وخطاباته وتأثيره وردود الفعل وعلاقاته، هذه الشخصية تحتاج الى مركز دراسات لكي تستطيع تقديم هذه الشخصية، وهذه الثقافة، وهذا الايمان، وهذا التحول، وبالتالي الاستجابات الحاصلة الآن سواء في الميدان في فلسطين، أو لبنان هي درس تاريخي للأجيال اللاحقة.

مداخلة  الأستاذ حمزة البشتاوي:

هذه الحشود التي توافدت على مرقد السيد هي تأكيد اضافي بأنه صحيح استطاع الكيان الصهيوني استهداف جسد سماحة السيد، ولكن حضوره وفكره، وكل اسراره مزروعة في قلب كل انسان شريف وحرَ في هذه المنطقة، وأن هذا الحب لهذا القائد العظيم مغروس عند كل الناس.

 وعلى المستوى الفلسطيني منذ استلم الشهيد الاقدس الأمانة العامة لحزب الله من سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي، استطاع أن ينسج علاقات مع كل التيارات الفلسطينية، ومع كل الفصائل الفلسطينية تحت عنوان واحد تحرير فلسطين، وكل جلسات سماحة السيد مع قادة الفصائل كان دائمًا يتحدث عن زوال إسرائيل، ويستخدم دائمًا ما قاله الامام الخميني "مشكلة المنطقة هي وجود هذا الكيان السرطاني والعلاج استئصاله وزوال اسرائيل"، "عليكم بذل كل الجهود لزوال اسرائيل"، هذه القيادات الفلسطينية كانت تبحث عن صورة مع سماحة السيد، وقد حضرت عند القيادات الفلسطينية والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس هذه الشخصية المحببة والصادقة والقائد الذي يعني لهم كل شيء ويمثل الامل بالنسبة لهم.

بعد انتصار العام 2000 والحديث عن انتهاء زمن الهزائم أصبح هناك يقين عند الشعب الفلسطيني الذي مارس عمليًا هذا اليقين في انتفاضة الاقصى في شهر أيلول، وأصبح لديه اليقين بأنن زمن انتصارات الجيش الاسرائيلي قد ولى، فبمثل ما بدأ زمن الانتصارات هذا يعني ان زمن انتصارات الجيش الاسرائيلي قد ولى،  ومن هنا انتفاضة الاقصى حملت السلاح، حيث كنا في الانتفاضة الاولى بالحجر/ وهنا الفلسطيني طور ادواته في مواجهة الاحتلال واصبح لديه يقين بالقدرة على النصر والقدرة على دخول زمن وعصر الانتصارات.

العلاقة بين الفلسطينيين وبين شخصية الشهيد الأقدس هي علاقة حب، الرابط الاول كان المحبة والحب وهذا تجسد في الهتافات في الضفة الغربية والقدس، دائمًا الهتافات "يا نصرالله ويا حبيب"، وهذا القائد اصبح بالنسبة لهم هو القائد الرمز والملهم لكل شعوب المنطقة، واصبحت شخصية السيد بالنسبة لهم اهم من كل الشخصيات بحكم قربها من الناس، وكان يشعر به الفلسطينيون كما كل شعوب المنطقة.

 صحيح أن خطابات السيد كانت لكل الناس، ولكن كل واحد كان يشعر أنه يخاطبه هو بالبعد السياسي والديني والاجتماعي، ودائمًا ينظرون الى شخصية سماحة السيد في ثلاثة أبعاد:

ـ العاطفة والحب (البعد العاطفي، الناس يحبون شخصية السيد ويعتقدون أنه قائدهم والملهم، فالبعد العاطفي كان بعدًا أساسيًا)،

ـ البعد الاخلاقي (هذا القائد الصادق الامين المؤتمن وترجم اقواله بالأفعال)

ـ  البعد الايماني العقائدي بعد أساسي في شخصية سماحة السيد ، وهو الاساس الجامع؛ فالسيد كان مرتبطًا بطهر اجداده وهذا الايمان المكلل بالشجاعة والعنفوان.

وقد تجسد البعدان الاخلاقي والعقائدي في معركة الاسناد. وفي سياق كل عمله على مدى أكثر من ثلاثة عقود كانت فلسطين والقدس مركز عمله السياسي والعسكري والأمني، وهي أولى الاولويات، وهذا كله كان يستند الى وضوح الرؤية ووحدة الهدف والعقيدة والايمان، وثقافة الانتصار والقدرة على هزيمة العدو.

هتافات "يا نصرالله ويا حبيب" حصلت في قلب الازهر، وهذا أزعج الكثير من الانظمة والكثير من المؤسسات الرسمية العربية، هذا الحب عند الشعوب لشخصية السيد جعل بعض نظام الرسمي العربي والمؤسسات الرسمية العربية تشعر بالهزيمة بدل ان تنتمي الى ثقافة الانتصار، وشعرت بالهزيمة والاحباط.

وهناك الكثير من الجوانب في شخصيته وحياته اليومية وادارته لمنظومة العمل المقاوم في لبنان وفلسطين، نحن دائمًا نتحدث عن الاطلالة التي بات لها التأثير على مسيرة ومجرى الصراع مع كيان الاحتلال، وكان الجميع ينتظر هذه الاطلالة ذات التأثير الاستراتيجي، ليس نحن فقط، بل الأصدقاء والاعداء دائمًا كانوا يرسمون اليوم التالي بناءًا على خطابات السيد، وعندما كان يتحدث بالموضوع الاسرائيلي تشعر أنه خبير بالشأن الاسرائيلي بتفاصيل التفاصيل ، وكان يعلم بكل نقاط الضعف وكل نقاط القوة. 

حرب الاسناد انطلقت من البعد الأخلاقي والعقائدي، ومن يقوم بحسابات ربح وخسارة ربما لا يدخل في معركة كهذه، والبعد العقائدي والاخلاقي هو الاساس، ونحن هنا نتكلم عن قائد هو رمز انساني لا يمكن ان يكون هذا القائد مثل هذه القيادات العربية التي وقفت وانتهجت سياسة الخزلان واتأمر على الشعب الفلسطيني، والمكان الطبيعي لحزب الله حدده سماحة السيد بالاستمرار في نهج المقاومة ودعم المقاومين في فلسطين، وهو كان قائد للمحرومين في وطنهم وللمحرومين من وطنهم، وفكرة اسناد غزة كان ينظر لها سماحة السيد بحسب اعتقادي بأن هناك نداء فهناك اطفال ونساء وشيوخ وشعب يذبح ويقول "هل من ناصر ينصرنا"، والسيد بحسب اعتقادي كان الامر الطبيعي ان يلبي هذا النداء وان يقف مع الشعب الفلسطيني ومع غزة مهما كانت الاثمان، وبالتالي قدمت المقاومة اغلى الاثمان في سبيل الاسناد ولم تتوقف، والعمل مازال مستمر وهناك شيء معلن وهناك شيء غير معلن، ومسيرة المقاومة بموضوع القدس وفلسطين لم تنتهي ومازالت مستمرة حتى الان.

هناك شعور بألم الفقدان والم غياب الجسد ولكن هو حاضر وسيبقى السيد حاضر لدى الفلسطينيين، ولدى كل القوى الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وعلى الرغم من كل الدمار وحرب الابادة في قطاع غزة يتم احياء الذكرى السنوية، وعلى الرغم من كل ما يجري على الضفة الغربية يتم احياء الذكرى السنوية، والان تحدث عمليات اعتقالات في مناطق 48، وعندما يتم اعتقال شاب من مناطق 48 أول شيء يتم سؤاله عنه في التحقيق: هل لديك صورة للسيد حسن نصرالله في منزلك، حتى صورته مؤثرة على كيان الاحتلال.     

هذه المسيرة العظيمة لا يمكن أن تتوج الا بالشهادة، وهو كان دائمًا يتكلم عن ثقافة النصر، أو الاستشهاد، وهو زرع فينا ثقافة النصر، وأكد أن كل حر وشريف في هذه المنطقة يجب أن يذهب الى احدى الحسنيين: الشهادة أو النصر.  وسيكون لاستشهاد سماحة السيد تأثيرًا بالأجيال المقبلة أكبر في اعتقادي من التأثير الحالي.

مداخلة  الأستاذ محمد الزبيدي:

إن فهم الاثار يتطلب بدايةً  العودة الى الموقع والتموضع بالنسبة للسيد في هذا المسار، في البعد السياسي والبعد الثقافي، والبعد الميداني.

المعروف عن طبيعة موقع السيد في هذه المسارات أنه كان صاحب نظرة استراتيجية في الرؤية والخطاب، وصاحب رؤية عميقة في فهم الاشكاليات وتوظيفها، وفي اجتراح الحلول أيضًا، وهذه بعض النقاط التي نستوعب من خلالها موقع السيد وتموضعه في هذه المسارات حتى نفهم الاثر.

على مستوى الاثار السياسية في ما يخص غياب السيد:

لاحظنا كيف طغت المشاريع الدولية الاستعمارية بعد استشهاده. 

الحديث عن شرق أوسط جديد والحديث الفج الاسرائيلي عن "إسرائيل الكبرى".

هذه المشاريع الكبرى جاءت بعد غياب السيد، وهذا يبين أثر غيابه، وهذا الموضوع بالذات نحن بجاجة فيه الى الكثير من الموضوعية والواقعية حتى نقيم وضعنا، ونفهم اثر غياب هذا السيد القائد العظيم.

كان السيد في خطابه وتوجهاته يرسم سياسات الداخل، وكان لخطاباته السياسية الدور ليس في ضبط الداخل فقط، وإنما في ضبط الخارج الذي كان ينظر الى خطاباته ليفهم أين يرفع السقف، وأين يخفض.

ولفهم أثر الغياب في السياسة يجب أن نلحظ خطاب الخارج السياسي، والغرب تحديدًا ما قبل الاغتيال وما بعده ، ما قبل الاغتيال لم يكن بهذه الفجاجة وبهذه الوقاحة وبهذا الوضوح في طبيعة المشروع، وما بعد الاغتيال بات أكثر وضوحًا وأكثر وقاحة، ولعل نموذج ما يجري اليوم من تصريحات نتنياهو وحتى توم براك كانت تبدي نوعًا من الوقاحة والفجاجة في طبيعة المشاريع، وهذه المسائل لم نكن نلاحظها ونشهدها خلال وجود السيد، وإن كان ثمة مشاريع ولكن ليست بهذه الطريقة الفجة.   وقد لقي طرح الخارج الوقح صداه في الداخل، وما جاء به الخارج كمشاريع سياسية حملته اطراف الداخل وبأداء اكثر فجاجة أو ما يمكن تسميته بعمالة اكثر فجاجة.

كانت خطاباته على المستوى السياسي لا تقدم رؤية وتحليل آني للأحداث والوقائع فقط، بل كان صاحب رؤية وفكر استشرافي، وتنبأ بما سيحصل في المنطقة منذ وقت مبكر، خاصة ما يجري في سوريا، فحديثه في هذا السياق كان واضحًا للغاية.

لقد أعاد الشهيد السيد طرحًا، أو خطابًا عابرًا للمذهبية والاقليمية والفئوية والطائفية، وكان يحمل هم الامة، وليس هم مقاومة او حزب، ومن هنا نستوعب الأثر على السياسة على مستوى الإقليم، وعلى مستوى المنطقة، فلم يكن صاحب خطاب ضيق، بل كان خطابه واسعًا، هذا بالنسبة للأثر على المستوى السياسي.

على المستوى الثقافي، لقد صحح  بعض المفاهيم، وعزز بعض المفاهيم في جانب اخر، واعتقد ان الجبهة الثقافية هي الجبهة المتينة التي لاتزال تحمل بريقها وكأن السيد حاضر، لان الأثر الثقافي والفكري الذي تركه وورّثه السيد كان كبيرًا جدّا بما يكفي كي يحافظ على هذا البريق، وشكل مخزونًا ضامنًا لأمن واستقرار لبنان وحتى المنطقة بدليل الخطابات التي نشعر من خلالها وكأن السيد لايزال حاضرًا. فما تركه من مخزون في الخطابات والموجّهات أسس لأجيال تحمل نفس الرؤية ونفس المنهج ونفس المسار.

على المستوى الميداني، الفرادة التي تميز بها السيد حين جمع ما بين القدرة على القيادة السياسية والقدرة على القيادة العسكرية، وهذه فرادة استثنائية في شخصية السيد.   لقد كان قائدًا كما يصفه كثر، راسمًا للمعادلات، خاصة المعادلات على مستوى الردع.  وكان القائد الملهم على المستوى الميداني، وكان الكثيرون يأخذون منه ما يتعلق بطبيعة الرؤى ومنهجية التخطيط وغير ذلك.

لقد شكل وجوده بحد ذاته توازن قوى ليس على مستوى لبنان، بل على مستوى المنطقة.  إذ كان نقطة توازن اقليمية ودولية وما كان بالأمس ينظر الى عدد من الدول في المنطقة على انها "محور شر"، باتت اليوم المنطقة بكلها تمثل "محور شر" في نظر الاميركي والاسرائيلي، وهذا فارق في ما يتعلق بطبيعة أثر غياب السيد على المستوى الميداني. 

إننا نحن في اليمن أكثر من افتقد هذا السيد العزيز لأسباب واضحة للجميع، فحينما شعرنا بمظلومية العدوان على اليمن كنا نلمس الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبنا في المحنة الكبيرة التي لاتزال قائمة حتى اليوم المتمثلة  في العدوان على اليمن. ، وعبر منذ اليوم الثاني من العدوان هو نفسه حين تحدث بالقول اذا سألتموني عن أعظم وأشرف وأكرم عمل قمت به فهو الخطاب الذي ألقيته في اليوم الثاني من هذا العدوان، عدا عن كثير من الخطابات التي كان في الحقيقة يشير فيها الى جانب كبير في ما يتعلق بمظلومية اليمن والعدوان على اليمن، وحتى غنه كان يقدم النصح للأطراف الأخرى، لأنه كان اليمن وكان يدرك عمق وطبيعة هذا البلد، وكان يدرك البعد الروحي والبعد الايماني الذي له علاقة برؤية استشرافية بطبيعة ما يمكن أن يحققه هذا اليمن، وبالفعل أتذكر في خطاباته أنه كان يوجه النصح للسعودية وغير ذلك بأن لا يورطوا أنفسهم، وألا يُدخلوا أنفسهم في هذا الوحل الذي لا يمكن أن يخرجوا منه.

مداخلة  د. ناصر قنديل:

السيد ظاهرة عابرة للزمان والمكان، وكما المسيح والحسين هناك شخصية عالمية خرجت من هذه البلاد بمفهوم معاصر في مواجهة قضية الحرية والعدالة والتحرر، واستنهضت تيارًا عالميًا كبيرًا  بدأ يظهر بعد استشهاده.  وهنا أود أن أتناول نقطتين على مستوى الفكر السياسي ويحتاجان الى اضاءة، ويستحقان أن يُنجَز عنهما اكثر من بحث، وأكثر من نقاش:

أولًا. قراره في جبهة الاسناد.

ثانيًا .كيف نقرأ بعد سنة من الاستشهاد سردية الاستشهاد، بمعنى موقع الاستهداف والاستشهاد في المشروع الاميركي الاسرائيلي.

في الإجابة عن موضوع جبهة الاسناد، أعتقد أن من يعرف السيد عن بعد وليس بالضرورة عن قرب يدرك جيدًا أنه كان يعرف حجم ما يمثله قرار فتح جبهة جنوب لبنان على شمال فلسطين الذي هو كسرُ لخطوط حمراء دولية أعمق حتى من سايكس بيكو، وتهديد ببدء حرب التحرير، واستهداف عمق شمال فلسطين فإن أكثر شخص يدرك معنى ذلك هو سماحة السيد، وهو يعلم أنه بهذا القرار قلب معادلات الإقليم وربما العالم، وأن تبعات هذا القرار ليست أقل من حرب أميركية، وليست أقل من قرار تصفية، وأعتقد أنه ذهب إلى جبهة الاسناد ونصبَ عينيه المترتبات والتبعات، واخذ القرار.

حرص السيد على أن يكمل الاسناد المشروط على ألا تتسع الحرب على العمق اللبناني الاخر، يعني خارج البيئة المباشرة للمقاومة، ومدرك لحقيقة أن اسرائيل عندما يصبح الضرب حاميًا ستقوم بهذا الامر.

كان السؤال على جبهة الاسناد برأيي هو بطرح سؤال عكسي، ماذا لو لم تفتح جبهة الاسناد؟،

 بغض النظر عن تقييم شاورونا أم لم يشاورونا لقد وقع الطوفان وانتهى الموضوع، وحسابات الاخوة في غزة كانت تقول بعدم إمكانية التعايش مع هذا الوضع، وترك الامور تستمر، وأنه في حال استمرت فالمطحنة قادمة، وستسحق غزة في اطار خطة الهند اوروبا التي لا يمكن لها أن تمر وغزة مسلحة، وبالتالي الأفضل هو أن نذهب بأقصى القوة التي نستطيع حيث نستطيع ونرى ماذا يحدث، يعني هو اقرب الى قلب طاولة من خطة، وغزة قلبت الطاولة ونحن من الناس الذين قلبت الطاولة بوجههم، بمعنى انتم يا مقاومة، ويا محور مقاومة وفلسطين القضية تفضلوا ماذا انتم فاعلون، هنا اعتقد أنه يأتي  الجواب عن سؤال ماذا لو لم تُفتَح جبهة الاسناد؟: لانتهى محور المقاومة، ولسقط حزب الله، ولسقطت ايران اخلاقيًا، ولسقطت القضية والعنوان، وجاؤوا الينا ونحن نيام بعد التخلص من غزة، لذلك فإن قرار الاسناد كان أصوب قرارات المقاومة؛  وأعتقد أن هذه السردية هي التي نحتاج الى بنائها في وعي الناس، أصوبها وأدقها وأكثرها حسابًا في تاريخ المقاومة، وسنكتشف أن الناس سيعرفون خلفيات  قرار جبهة الاسناد عند الإجابة عن سؤال: ماذا لو لم تُفتَح جبهة الاسناد؟

لقد أخذ قرار هذه المخاطرة، وهو منذ ذاك الوقت بدأ يتصرف كشهيد، لكنه لا يريد للبنان أن يُسحق، بل حرص على أن يحمي لبنان بعباءته وعمامته ما استطاع أن يبقى مواصلًا لهذه المعركة وادارتها وقيادتها.  

ما خص نتنياهو فقد خرجت مظاهرة الـ 500 ألف في تل ابيب في 17 تموز في سياق تصاعدي، فهو كذب على الاسرائيليين في كانون الثاني وقال لهم عندما ندخل مجمع الشفاء تنتهي المسألة، وعندما انتهى من دخول المجمع قال لهم دير البلح، وعندما انتهى قال لهم خان يونس، وأخيرًا وقف عند رفح شهرين، ويقول لهم إن مجرد دخول رفح ننتهي، وانتهى من رفح في اول حزيران وبدأ التصاعد ضد نتنياهو ليس فقط المعارضة بل الشارع أيضًا، والمقاومة تمسك بغزة عسكريًا،  وجبهة لبنان تزداد قدرة على التأثير،  وبدا الشارع الإسرائيلي يسأل: ماذا يعمل الجيش وعقد الحماية بيننا وبينه، نعطيه أولادنا ليحمينا وهو فشل في الحماية فلماذا نبقى فيه، وبدأت معادلة التآكل في الكيان سياسيًا واعلاميًا ما وضع نتنياهو في مأزق فذهب الى واشنطن، وفي واشنطن لا شخصية نتنياهو تتناسب مع معادلة إن هُزمنا هزمتم اذا لم يكن يرى الهزيمة امامه، نتنياهو لا يقولها، بل يقول لهم إن انتصرنا انتصرتم، وأن يقول لهم إن هُزمنا هزمتم فهذا ليس نتنياهو،  بل قراءاته أن الامور خطيرة، وأنه لا يملك اوراقًا، لذا نشهد كل البهورة التي يقوم بها وما  هي سوى أفلام هوليودية. 

ما جرى بعد زيارة نتنياهو لواشنطن كان اميركيًا صرف، فقد حسب الأميركيون أن بقاء الوضع مع بدء التآكل وانهارت إسرائيل فماذا سيحدث بالمشروع الاميركي؟، وماذا تستطيع اميركا فعله: لذا فتحت خزائنها وما فيها من مشاريع احتياطية معدة مهيأة، ووضع الاميركي ما عنده من أدوات حاضرة بما فيها وعلى رأسها في رأيي اغتيال السيد.

بعدها جاء دور الإسرائيلي: الدخول البري، وما انيط بالإسرائيلي في هذا الجانب فشل، فهو فشل في الدخول البري، وأخذ الاميركي على عاتقه أنه اذا نجح الإسرائيلي، أو فشل الاسرائيلي تأتي الحلقة الثانية التي أسمها اسقاط سوريا، ولا تسقط سوريا من دون تركيا ومن دون الخليج ومن دون العمل الاميركي المباشر، ووزن اغتيال سماحة السيد في اسقاط سوريا، يستطيع أي أحد يعرف سوريا الاجابة وهو مغمض العينين، أنه يوم استشهاد السيد سقطت سوريا.

لا أحد يملك معنويات مواصلة حرب إذا لم يكن السيد حسن، وهذا بظروف قوة سوريا فما بالك وهي مهلهلة، طبعًا الى جانب ذلك هناك أمور مخابراتية اختراقات وترتيبات وحرب الكترونية ورشاوى، ولكن جوهر البعد الأساسي في سقوط سوريا قالها نتنياهو أنه عندما قتلنا نصرالله سقطت سوريا، فإذا كان التقدير الأميركي يقول وهو محق أن السيد ليس مجرد مقاومة لبنان هو في جزء منه مقاومة لبنان وهو ثبات سوريا وهو كل المحور، وتكلم نتنياهو مرتين عن حجارة الدومينو التي ستتساقط تباعًا بعد قتل السيد نصرالله.

عند قراءة الحسابات بالزمن نجد أنه لا يمكن انجازها بعام واحد فقط، وهنا لا يوجد اسباب ظرفية خاصة بكل ساحة تفسر حدوثهم، هذه حلقات أقرت في خطة اغتيال السيد وما بعدها وكيف يستثمر هذا الاغتيال، الحلقة الأولى سوريا والعراق معها ثم إعادة تكوين السلطة في لبنان برعاية أميركية وسعودية تكمل ما بدأ في الاغتيال وما لم ينجح الإسرائيلي في انجازه في البر.

العودة الى حرب غزة لاعتقاده بأن نتائج وتداعيات الضربات التي وجهت الى المقاومة في لبنان ولسقوط سوريا تخلق ظرفا مختلفا في الحرب بغزة بشرط ان يأخذ الأميركي على عاتقه اليمن، وهنا ترامب قال كلاما عالي السقف (الجحيم سيفتح، سيرى الحوثيون ما لم يروه من قبل، سنسحقهم سحقًا، لن يبقى لهم أثرًا، واخذ على عاتقه ان يقفل ملف اليمن، ليس لأنه باقفال ملف اليمن ويتخلص من حلقة اخرى من حلقات محور المقاومة فقط، بل لأن الفوز في حرب غزة يحتاج الى وقت وهذا الوقت يحتاج الى هدوء الداخل الاسرائيلي والعامل المؤثر على الداخل الاسرائيلي والمقلق ويجعل الحياة لا تطاق هو اليمن فعلى الأميركي ان يقفل الجبهة اليمنية ليتمكن الاسرائيلي من الفوز في جبهة غزة، فشل الاميركي في اليمن وفشل الاسرائيلي في جبهة غزة.

ثم جاء الذهاب إلى إيران من دون أسباب ظرفية ولا في اليمن ولا سوريا، فعند وقف إطلاق النار في لبنان بدأت جبهة سوريا، والواضح أنها حلقات مرسومة بالدقة بالتوقيت في التفاصيل، وفي ايار أوقف الاميركي حرب اليمن، وفي حزيران فتح حرب إيران ما يفيد أن كل الحلقة التفاوضية أصلا صُممت لتكون غطاءً لقرار الحرب المعد والمجهز والمبني أن السيد راح، وسوريا راحت والباقي يتعثر يمشي غير مهم استمر انتهي من إيران ومن ثم اليمن.  وهذه الحلقات جزء من سلسلة رأسها هو اغتيال سماحة السيد لأنهم هم قرأوا أهمية السيد في المحور صح، ولكن قراءتهم لمفعول الاستشهاد على المحور كان خاطئًا، بدءًا من لبنان الجبهة البرية اولًا، واليمن ثانيًا، وغزة ثالثًا، وايران رابعًا، فاستشهاد السيد وضع على اكتاف الاخرين مسؤوليات والشعور بالمسؤولية والاستعداد للتضحية والثبات والصمود أمام مهابة شهادة السيد، وهذا ما حصن المحور ورفع جهوزيته واداؤه.

ونجد أن شهادة السيد التي أرادوا من اغتياله أن تكون مدخلًا لسقوط المحور قد حملت المحور، وقدمت اداءًا تكفل بإفشال الحلقات التسلسلية من لبنان من الجبهة البرية عسكريًا الى اعادة تكوين السلطة لتكون اداة حصار على المقاومة، من 5 اب الى 5 ايلول ففرط الفيلم في لبنان، والحركة البهلوانية في موضوع الروشة كانت تعبيرًا عن أخر اللحظات الكاريكاتورية لمحاولة الحصار، وسوريا التي أرادوها صحيح أننا خسرناها عسكريًا لكننا ربحنا اخلاقيًا، على ماذا كان خطاب السيد وخطابنا قائمًا؟، لطالما اكد السيد نحن نخوض الحرب في سوريا ليس دفاعًا عن النظام، بل لأننا ندرك بأن الهدف من الحرب على سوريا هو نقلها من ضفة الى ضفة في الصراع مع اسرائيل، حتى لو تراجع النظام اليوم في سوريا عن خيار الانبطاح امام اسرائيل فهو يفعل ذلك لأجل الامن القومي التركي، ولأن الخليج يشعر انه مستهدف بعد ضرب الدوحة، ولكن ما جرى خلال سنة كان كافيًا للقول بأن سقوط سوريا كان لحساب تغيير موقعها في الصراع مع اسرائيل، شكرًا يا سيد، هذه المعادلة التي رسمها السيد. 

يجب أن نرسم سرديتنا الان بناءً على معادلة ماذا لو لم نخض جبهة الاسناد، ومعادلة أن ما جرى بعد الاغتيال والاستشهاد هو سياق متسلسل منظم مبني على قناعة صحيحة بأن السيد محور المحور، وأن التخلص من شخصه يفتح الباب لاستهدافات أخرى،  لكنه اخطأ في القراءة،  لان استشهاد السيد منح المجاهدين والمقاومة واطراف المحور روحًا للقتال الاستشهادي.

لقد قال لي أحد الاصدقاء المغاربة : لاحظ معي أن النصرلاهية ظاهرة عالمية تتشكل أكبر من حزب الله، وأعتقد أن الموج لايزال في بداياته.

وأختم بعارة: إن البعد الايماني عند السيد مذهل ببساطته وسهولته وسلاسته على الناس، فهو ليس بعدًا متزمتًا، بحيث تعشق الايمان من خلاله.

مداخلة  د. وسام ياسين:

أقدم المشهد في صورتين: الصورة الاولى رسمها السيد وهي خلاف ما كان يعيه الاكبر مني سنًا وما كنا نعيه بالقراءة التاريخية بعمرنا.   وكي أتحدث عن تأثير السيد فيجب أن أروي ماذا فعل، السيد حسن نقل المنطقة من الانتصارات غير المكتملة الى النصر المكتمل بالتحرير، لان التحرير الاول الذي حدث بتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي هو حدث في عهد السيد حسن وقيادته بخلاف تحرير سيناء الذي حدث بناءًا على اتفاقية كامب دايفيد.

في الوقت التي حدثت الخطوة الاولى أسست لضرب الصورة الإسرائيلية وضرب الهيمنة الاسرائيلية الأميركية في المنطقة، بالإضافة إلى استنهاض شعوب المنطقة؛  لأن هذا الانتصار حقق مسألتين كانتا مفقودتين، الاولى هي النموذج المنتصر أو الامل بإمكانية الانتصار مع اختلال موازين القوى بيننا وبين اسرائيل. النموذج المنتصر الذي على أساسه ترتفع معنويات من يريد أن يقاتل، واستطاع أن ينجز لم يستطع أن ينجزه الاخرون، وبالتالي الامل أصبح موجودًا، وماذا كان ينقص الفلسطيني ليفعل التحول الذي فعله اللبناني، الدعم، والدول العربية ليست في وارد دعم الفلسطيني بعد كامب ديفيد ووادي عربة.

المؤشر على النموذج الاول تقرأه أنه بعد انتصار أيار العام 2000 اندلعت الانتفاضة الثانية في أيلول، والانتفاضة الاولى كانت عام 1987، فمنذ العام 1987 لغاية العام 2000 لماذا لم تقم انتفاضة، لان الضربة التي تعرض الشعب الفلسطيني  في الانتفاضة الاولى على الرغم من ثوريتها وأحقيتها وقوتها قتلت الامل، فجاء من يعطي الامل والنموذج المنتصر بالإضافة إلى أن يقف ويقول في العام 2000 : "نحن معكم، والى جانبكم، ويمكنكم في الشدائد أن تراهنوا علينا وكفى"، ويضيف:  "إن كنتم لا تملكون الرصاص فمن منكم لا يملك السكين"، وفي السياق يُلقى القبض على سامي شهاب تصديقًا لمعطى "نحن معكم وان كنتم لا تملكون الرصاص فهذا الرصاص"، فضلًا عن  نقل الخبرة في موضوع الانفاق والحاج قاسم سليماني، لأن جغرافيا غزة لا تشبه جغرافيا لبنان، فغزة 365 كلمترًا أي بحجم ثلث الشريط الحدودي، وبالتالي فالقتال من فوق الارض معركة خاسرة فذهبوا الى فكرة الابداع بالقتال من تحت الارض، وقاموا بتخزين كل موادهم وتموضعاتهم تحت الارض، وخلال 5 سنوات أنجزت غزة التحرير الذي استغرق معنا في جبهة امداد مفتوحة عبر سوريا 18 عامًا، وكرس السيد حسن بقادته لهاتين النقطتين أنه يمكن لكل العرب والمسلمين أن ينتصروا على الاسرائيلي بإمكانيات متواضعة.

الشق الثاني، ويتعلق بكسر الحدود، فقد كسر السيد حسن الحدود الجغرافية لصغر لبنان والحدود الطائفية لشيعية حزب الله بأن انتقل من لبنان الى غزة السنية والى العراق عام 2003 ويقف معهم ضد الاميركي وضد التكفيري عام 2014 والى اليمن عام 2015 والى سوريا عام 2011 لغاية العام 2017، وعودة على بدء الى غزة في العام 2023، فقد حول الطائفة الشيعية من طائفة مضطهدة تاريخيًا الى طائفة تنتصر، وتتجاوز حدودها المذهبية الى الحد الاحمر، وطبعًا ساعد على هذا الموضوع أنه لا يوجد مشاكل بين السنة والشيعة في لبنان تاريخيًا، وأكبر المصاهرات بين العوائل والاسر اللبنانية هي بين السنة والشيعة، وحينما استشهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري فجزء من سحب الفتيل هو علاقة الرئيس الحريري السني بالسيد حسن الشيعي، وهذه المسألة كسرت حدود الجغرافيا وكسرت حدود الطوائف، وهذا الموضوع يضيء ضوء احمر عند الاميركي والاسرائيلي.

التأثير بالمعنى السياسي والثقافي والميداني، عام 1982 ما حصل في الميدان انعكس في السياسة 17 ايار وما حصل في الميدان والسياسة انعكس في الثقافة استسلامًا، والسيد حسن فعل العكس، ما فعله في الميدان عكسه في السياسة، وما انعكس في السياسة والميدان بالرغم من استشهاد السيد حسن انعكس في الثقافة في ثلاث مشاهد في لبنان، المشهد الاول هو مشهد التشييع والمشهد الثاني هو مشهد الانتخابات البلدية (أكبر عدد بلديات بالتزكية بتاريخ لبنان) والمشهد الثالث هو مشهد السنوية.   وعلى الرغم من الضربات الكبيرة للمقاومة في الميدان، فقد ثبتت المقاومة في السياسة، بدليل أنه لولا توقيع الثنائي على انتخاب الرئيس جوزف عون لما أنتخب رئيسًا.

يدخل الاسرائيلي 10 كلم في البر عام 2006، في حين عجز مع شهادته السيد حسن ودمه عن أن يبقى بعمق 3 كلم بالبر عام 2024، إذن صحيح في المعنى الميداني تلقينا ضربات وكبيرة والاثر كبير ولكن الضربات التي تلقتها المقاومات والانظمة التي تساند المقاومة في كل هذه المنطقة لا ترقى الى المستوى الاستراتيجي، هناك ضربة استراتيجية واحدة تلقيناها هي سقوط سوريا، والباقي لغاية هذه اللحظة لا في ايران، ولا في غزة، ولا في لبنان، ولا في اليمن لا يمكن اعتباره نصرًا استراتيجيًا للإسرائيلي، فكلها تكتيكية، بل على العكس يتراكم في الاستراتيجي المفعول العكسي، وبالمعنى السياسي لغاية الان لم يستطع أن يفرض لا على حماس، ولا على حزب الله، ولا على ايران، ولا على اليمن، ولا على احد في المعنى السياسي، وما هو الرابط بين كل ذلك، هو المعنى الثقافي الذي ارساه السيد حسن بمسيرته وخطابه ما جعل معادلة أنه  عندما تضرب بالمعنى الميداني وتزعزع بالمعنى السياسي فلا يرقى الموضوع الى العمق الثقافي الذي هو الاساس وهو الذي يعيد ثباتك بالمعنين الميداني والسياسي.