بدأ حزب الله معركة اسناد غزة انطلاقًا من ثوابته والتزامه العقائدي والاخلاقي والديني في نصرة الحق الفلسطيني والعربي بأرض فلسطين، وعندما سُئل الأمين العام السابق للحزب الشهيد السيد حسن نصر الله عن سبب دخوله الحرب قال كلمتة بكل صدق: "لن أسجل على نفسي أني وقفت اتفرج والشعب الفلسطيني يُذبح".
أراد حزب الله أن يخوض معركة إسناد ومشاغلة للعدو الاسرائيلي دون الدخول في معركة حاسمة، لأنه كان يُدرك جيداً مخاطر المواجهة الشاملة على لبنان، وخاصة على المدنيين وسكان القرى الحدودية.
لكل حرب وسائل واساليب وفي هذه الحرب استخدم الطرفان كل الوسائل المتاحة:
ترسانة أسلحة حزب الله المتنوعة والتي استخدم قسماً منها في الحرب
وفق تقديرات أجهزة المخابرات الغربية ومراكز الأبحاث، كان يُعتبر حزب الله اللبناني القوة غير النظامية الأقوى، والأكثر تسليحاً في العالم.
اما وفق ما كشفت عنه المناورات العسكرية التي أجراها الحزب خلال السنوات الماضية، وكذلك المعارك التي جرت في جنوب لبنان، إضافة إلى تقارير استخباراتية، فإن حزب الله كان يمتلك ترسانة كبيرة ومتنوعة من الأسلحة والذخائر الحديثة والمتطورة.
سلاح الصواريخ
كانت تُقدّر ترسانة الحزب قبل الحرب بأكثر من مئة ألف صاروخ، منها عدة آلاف من الصواريخ بعيدة المدى.
وأهم هذه الأنواع هي صواريخ "كاتيوشا" الشهيرة، وتم تطوير بعضها ليصل مداها إلى 40 كيلومترا، وبإمكانها حمل رأس حربي يزن 20 كيلوغراما، وصواريخ بركان من أنواع 1 و 2 و3 برأس حربي يزن 200 و 500 و 1000 كلغ، ومدى يصل إلى 10 كلم، وصواريخ فلق 1 و فلق 2 الذي تزيد سرعته عن سرعة الصوت ويبلغ مداه 11 كلم ورأس متفجر بوزن 120 كلغ، وهي من صنع الحزب.
وصواريخ "فجر 5″، مداها 75 كيلومترا، مع رأس حربي يزن 90 كيلوغراما، وصواريخ "زلزال" التي يبدأ مداها من 160 كيلومترا ويصل إلى 210 كم وبإمكانها حمل رأس حربي يزن 600 كلغ من المتفجرات. وصواريخ "سكود" التي يصل مداها إلى 700 كلم، ورأس حربي يصل إلى 800 كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار.
وقد حول حزب الله معظم، صواريخه القديمة غير الموجهة، إلى صواريخ موجهة أكثر دقة في الإصابة.
صواريخ مضادة للسفن
ويملك الحزب أيضاً صواريخ مضادة للسفن، أهمها من نوع ياخونت الروسي، أسرع من الصوت، يُطلق على ارتفاع منخفض بين 10 و 15 متر كي لا يتم اكتشفه، ويصل مداه إلى 300 كلم، إضافة إلى صواريخ صنع ايراني أهمها نصر-1 الشبحي، الذي يبلغ مداه 35 كلم.
وصاروخ نور الجوال، الذي يصل مداه في النسخة الثانية إلى 200 كلم.
صواريخ مضادة للطائرات
اثبتت الحرب الدائرة في جنوب لبنان، أن لدى حزب الله منظومات متنوعة من الصواريخ المضادة للطائرات، منها صواريخ سام 7 القديمة المحمولة على الكتف، وصواريخ "فيربا" الحديثة والتي يصل مداها إلى 6 كلم، ويُسقط أهداف بسرعة خارقة، وعلى ارتفاع يصل إلى 3,5 كلم.
ولقد نجح حزب الله باسقاط مسيرات هيرمز -500 وهيرمز -900، التي كانت تحلق على ارتفاع أكثر من 10 كلم، مما يؤكد وفق تقارير أمريكية، أنه يملك منظومات صواريخ من نوع SA-8 ( التسمية الروسية OSA)، وربما منظومة بانتسير (المعروفة في الغرب باسم SA-22) الحديثة، المحمولة على عربة تسمح لها بسرعة الحركة والمناورة، وتدمج بين الصواريخ، ورشاش مزدوج من عيار 30 ملم، تصل سرعة الرمي فيه إلى 2800 طلقةفي الدقيقة، وصواريخ تسمح بالاشتباك مع الطائرات التكتية، بمدى يصل إلى 20 كلم وارتفاع حتى 10 كلم، لكن لم يظهر أن هذه المنظومات اشتركت فعلاً في المعركة رغم أن إسرائيل اعترفت عدة مرات بتنفيذ اغلاق واداري على طائراتها في لبنان واجبرت على مغادرة الاجواء اللبنانية.
كما تقول بعض المصادر والتقارير أن لدى حزب الله منظومات بوك ام 2 (SA-17 التسمية الغربية)، وهي قادرة على الاشتباك مع الطائرات على مدى حتى 45 كلم ،وارتفاع يصل إلى 25 كلم، ويمكنها التصدي لصواريخ الكروز، كما يمكن استخدامها ضد أهداف بحرية على مسافة 25 كلم، لكن هذه المنظومات بقيت في سوريا ولم يتم نقلها وتسليمها للحزب ولذلك لم تشترك في المعركة ولاحقاً ام تدميرها من قبل إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الاسد.
سلاح المضاد للدروع
يمتلك حزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ المضادة للدروع، اضافة إلى قاذفات ب -7 ، وأهم هذه الصواريخ هي "كورنت" الروسي بمديات مختلفة تصل إلى 8 كلم، ومنظومة "ثأر الله" المطورة عنها، بحيث أصبحت مزودة بصاروخين بدل صاروخ واحد.
كما لدى الحزب صواريخ الماس-1 و الماس-2 ، وهي من صنع ايراني، ويصل مدى هذه الصواريخ، إلى 10 كلم، ودقة إصابة تبلغ 99%.
وكذلك يوجد لدى الحزب صواريخ قديمة من الجيل الأول نوع مالوتكا (التسمية الغربية ساغر)سوفياتية الصنع، يصل مداها إلى 3 كلم، وتتمتع هذه الصواريخ بميزات مهمة، بحيث أن كل صاروخ يتصل بقاعدة الاطلاق بكابل بطول 18 متراً، وهذا يسمح للرامي بإطلاق الصواريخ من داخل التحصينات، ولا ضرورة لتواجد الرامي بجانب الصاروخ مباشرة ، فوجود الرامي بجانب الصاروخ عند الاطلاق، يجعله عرضة للكشف والاستهداف من قبل العدو.
كما أنه يمكن وصل أربعة صواريخ على قاعدة اطلاق واحدة، ويتم التوجيه سلكياً، مما يمنع العدو من التشويش على الصاروخ.
ويمتاز صاروخ مالوتكا بخفة وزنه (وزن الصاروخ 10,9 كلغ، ووزن قاعدة الاطلاق 12,4كلغ) مما يجعله مثالياً للأستخدام من قبل عناصر المقاومة عند التسلل في المناطق الجبلية ولمسافات طويلة.
سلاح المسيرات
وهذا هو السلاح الأخطر لدى حزب الله، ولديه ترسانة تصل وفق تقديرات غربية إلى 3000 مسيرة من أنواع مختلفة، غالبيتها من الجيل الثالث، وتشمل طائرات متعددة الأحجام، لها قدرات استطلاعية وهجومية، أهمها الطائرتان "مرصاد 1" و"مرصاد 2″، وهي نسخ مستوحاة من الطائرات الإيرانية "مهاجر 2" و"مهاجر 4″، ويصل مداها من 50 إلى 150 كيلومترا، كما أنها مزودة بكاميرتين وبعضها بثلاث كاميرات من أجل المهام الاستطلاعية.
والمسيرة "أيوب"، وهي من صنع الحزب، ويصل مداها إلى 1700 كلم، ويمكنها حمل ما يصل إلى ثماني قنابل دقيقة التوجيه.
والمسيّرة "أبابيل"، وهي طائرة هجومية انتحارية، يصل مداها إلى 150 كلم، وبإمكانها حمل ما يصل إلى 45 كلغ من المتفجرات. ثم تأتي المسيرة "حسان"، التي جالت في الأراضي الفلسطينية المحتلة في شباط 2022، لمدة 40 دقيقة بمهمة استطلاعية وصلت إلى عمق 70 كلم، وعادت بعدها إلى قواعدها سالمة.
وهناك مسيرات شاهد 136 الانتحارية الايرانية الصنع، التي يصل مداها إلى 2400 كلم، وتحمل رأساً حربياً بزنة 45 كلغ، و قام الحزب بتعديل بعضها، حيث تم استبدال قسم من خزان الوقود، واضيفت مكانه حشوة متفجرة، بحيث أصبحت زنة المتفجرات في الطائرة حوالي 150 كلغ.
ويمكن لبعض مسيرات حزب الله أن تحمل صواريخ جو أرض، وقد استخدم الحزب صواريخ S-5 ، ووفق بعض القديرات فهو لديه أيضاً صواريخ S-8، ويمكن لمسيّراته أن تطلق هذه الصواريخ.
سلاح المدفعية
يملك حزب الله اضافة إلى الراجمات الصاروخية، عدة انواع من الهاونات من عيار 60 و 80 و 120 ملم. وكذلك مدافع د-130 الروسية، محمولة على شاحنات، استخدمها في معارك القلمون في سوريا.
سلاح المدرعات
كان يملك الحزب عدة دبابات من أنواع ت-55 المطورة كانت موجودة في سوريا، لكنه لم يقم بإدخالها إلى لبنان، لعدم الحاجة إليها في معركته مع إسرائيل وبقيت في سوريا بعد سقوط نظام الاسد.
من الجدير ذكره، أن حزب الله حصل على القسم الأكبر من أسلحته من إيران ومن سوريا، وبعض الصواريخ القديمة من جيش التحرير الشعبي، الذي كان تابعاً للحزب التقدمي الأشتراكي، قبل حل المليشيات اللبنانية عام 1990.
لكن الحزب بدأ يطوّر صناعته العسكرية، خاصة في مجال المسيرات والصواريخ. ووفق بعض التقديرات، فهو كان قادراً على تصنيع أكثر من مئة مسيّرة شهريًا، كما لديه القدرة على تحويل صواريخه القديمة إلى صواريخ موجهة دقيقة الإصابة. كما أنه يعتمد على نظام "بايدو" الصيني واحياناً "غلاسنا" الروسي في توجيه أسلحته، لتجنّب التشويش الأمريكي عبر نظام GPS.
كما طور حزب الله قدراته السيبرانية، وبات قادراً على تنفيذ هجمات سيبرانية، على شبكات اسرائيلية، خاصة التي تتحكم بمنشآت مدنية وبنى تحتية.
أقام حزب الله في نوفمبر عام 2016 عرضاً عسكرياً، على الحدود السورية اللبنانية في منطقة القصير، وعمدت بعض المواقع الاعلامية إلى تداول مقاطع فيديو منه.
وظهرت في الفيديو عدة أسلحة وأليات صناعة سوفياتية، جرى تعديل بعضها في سوريا ومنها: مدافع عيار 130 ملم M-46 ، تم تركيبها على شاحنات، لزيادة سرعة الحركة والقدرة على المناورة أثناء المعركة.
و مدافع نوع غفوزديكا 2C1 ذاتية الحركة، سوفياتية الصنع ايضاً ، وهي عبارة عن عربة مجنزرة مُركّب عليها مدفع عيار 122 ملم MM 2A31.
هناك أيضاً عدة أنواع من راجمات الصواريخ، التي تم تعديلها، وتم تركيبها وتجهيزها بهذه الصورة كما في الفيديو، وذلك من قبل القوات الإيرانية والسورية وقوات حزب الله في سوريا.
ومن هذه الأسلحة راجمات صواريخ غراد بي أم 21 (عدد السبطانات من 40)، وهي قادرة على رمي الصواريخ الحديثة من عيار 122 ملم ومدى 40 كلم.
وتظهر في الفيديو عدة انواع من راجمات صواريخ "بركان" وراجمات صواريخ "فلق-1" و "فلق-2" حيث تم تزويده بمحرك صاروخي، سمح بزيادة سرعته 4 مرات، عن سرعة فلق واحد واصبح المدى 11 كلم.
ومن الجدير ذكره أن حزب الله قام بتعديل بعض راجمات غراد، بحيث تم زيادة عدد السبطانات، وبعضها أصبح يرمي أكثر من 60 صاروخاً.
في اساليب القتال:
اعتمد حزب الله على:
الانفاق والتحصينات ومخابئ اسلحة في الاودية والمناطق الجبلية، ونفذ عمليات تمويه كبيرة لمراكزه، وكانت المدفعية والراجمات تخرج في أوقات محددة لفترة قصيرة، تطلق قذائفها في فترة وجيزة ثم تعود إلى داخل المخبأ، دوان أن يتم اكتشافها من قبل العدو، الذي كان يجري مسحاً جوياً للمنطقة ويحدد على وجه التقدير المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ، ثم يقوم بقصفها، لكن غالباً كانت ضرباته هذه غير دقيقة، ولا تنجح في تدمير مراكز الصواريخ، وهو ما زال حتى اليوم يكرر الضربات على نفس المواقع، مما يؤكد فشله في تدمير تلك المراكز وعدم قدرته على تحديد موقعها بدقة.
كذلك اعتمد الحزب على اطلاق صواريخ من راجمات بسيطة التصنيع والتكلفة، وغالباً كانت هذه الراجمات تتحرك من مخابئها إلى نقطة الاطلاق المحددة مسبقاً، ويتم الرمي وتترك الراجمة في مكانها، وتعطى الافضلية في هذه العمليات لحماية طاقم الراجمة الذي ينسحب من المكان بسرعة.
المبدأ الثاني الذي اعتمدته المقاومة كان التركيز على استخدام الدرونات من احجام مختلفة، وعدة انواع، فبعضها كان ينفذ عمليات مسح جوي واستطلاع وتصوير لمناطق ومراكز العدو، ونجح الحزب في اختراق الاجواء ونفذ عمليات؛ هدد واحد واثنان وثلاثة وغيرها، وجمع كماً كبيراً من المعلومات عن العدو ومراكزه وتحركاته، وكان يحتفظ ببنك اهداف كبير جداً، مكنه من توجيه ضربات دقيقة الى عدة مراكز حساسة، بدءاً من قاعة طعام جنود لواء جولاني، وصولاً إلى غرفة نوم رئيس وزراء العدو نتنياهو.
واستخدم الحزب الدرونات الانتحارية وكذلك المسيرات القادرة على اطلاق صواريخ جو ارض، وكان الحزب استفاد من الطبيعة الجبلية والحرجية في جنوب لبنان لحجب مراكزه وتحركاته عن انظار العدو، وكذلك لتحديد مسارات محجوبة لتسلل المسيرات دون ان تكتشفها رادارات اسرائيل.
وكان الحزب قد مهد لعملياته بسلسلة ضربات استهدفت اعمدة الاتصال وكاميرات المراقبة الموجودة على الحد الامامي، لإعماء العدو، ونجح في ذلك ودمر عدداً من المراكز و الرادارات الاسرائيلية المتطورة.
ركز الحزب بشكل كبير على استخدام الصواريخ المضادة للدروع من نوع كورنت وثأر الله، ودمر أكثر من إثنين وعشرين هدفاً مدراعاً للعدو، ومنع الجيش الاسرائيلي من التوغل داخل الجنوب اللبناني، وافشل محاولاته في احتلال والسيطرة على قرى حدودية، مثل الناقورة وشمع والخيام وغيرها.
اعتمدت المقاومة في المواجهة البرية على القتال المتقارب، وجر العدو إلى الكمائن وبقع القتل، وكان أنجح هذه الكمائن ما بات يُعرف بكمين عديسة، الذي نفذه ثلاثة مقاومين، قتلوا ثمانية من جنود العدو وجرحوا أكثر من عشرين جندياً.
ركزت المقاومة على ضرب واستهداف المراكز العسكرية الاسرائيلية على الحافة الامامية، وفي كامل منطقة الشمال وصولاً الى بحيرة طبرية وصفد وتل ابيب، لكن الاضرار البشرية التي لحقت بالعدو في تلك المراكز بقيت محدودة، نظراً لشدة التحصينات، وغالباً اقتصرت الخسائر على الماديات، فيما كان تأثير الضربات على الداخل الاسرائيلي له مفعول اكبر واقسى.
استخدم الطرفان الحرب النفسية والاعلامية الى ابعد الحدود، وفيما التزم الحزب بقواعد القانون الدولي عمدت إسرائيل الى خرق كل الاعراف والاتفاقات الدولية، واستخدمت القوة المفرطة ضد المدنيين، بهدف الحاق خسائر بشرية ومادية كبيرة بالبيئة الحاضنة للمقاومة.
استخدمت إسرائيل بشكل رئيسي سلاح الطيران بشقيه الحربي والمسير، وامتنعت عن استخدام المروحيات فوق جنوب لبنان، لأنها كانت تخشى ان تنجح المقاومة باسقاطها، كما أن إسرائيل لم تنفذ أي عملية انزال طيلة فترة الحرب.
ركزت إسرائيل على سياسة الأرض المحروقة، وتفادي الاشتباك مع رجال المقاومة عن قرب، واستخدمت كثافة النيران خاصة المدفعية، أمًا الآليات المدرعة فكان استخدامها محدوداً، ودفعت إسرائيل بكتيبة دبابات معززة على المحور الغربي، لكنها كانت تتحرك ببطء شديد، ولم تنجح في الدخول الى بلدة الناقورة، ودمرت المقاومة ست دبابات على هذا المحور.
رغم حشد إسرائيل لخمس فرق عسكرية (اكثر من ٧٥ الف عسكري) على الحدود مع لبنان، لم تتجرأ على تنفيذ توغل واسع النطاق داخل لبنان، وبقيت مدة ٦٦ يوماً تقاتل في قرى الحافة الامامية، ولم يزد اقصى عمق للتوغل الاسرائيلي على عشرة كيلومترات.
ركزت إسرائيل بشكل كبير على استخدام وحدات المشاة لخاصة المدربة جيداً، من الوية جولاني وجوعاني والمضللين وغيرهم، ونفذت عمليات تسلل وصلت في بعض الاحيان الى مجرى نهر الليطاني، من جهة كفركلا ودير ميماس.
اعتمدت إسرائيل اسلوب الترويع بحيث اعادت الى الاذهان همجية المغول في تدمير واحراق القرى التي احتلتها، ولم تترك أي مظهر من مظاهر الحياة في تلك الأماكن، فنسفت المنازل ودور العبادة وجرفت الطرق وهدمت وخربت كل شيء.
كذلك عمدت إسرائيل الى استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، وركزت قصفها على القرى والمدن الشيعية، ونفذت عمليات تدمير للمباني المدنية، وكل ذلك بدافع الانتقام وبهدف الترويع وكسر ارادة المقاومة لدى اللبنانيين، وكذلك حاولت زرع الشقاق المذهبي والطائفي بين اللبنانيين، وحاولت اظهار حربها بانها حرب ضد حزب الله والشيعة فقط، وأنها غير موجهة ضد لبنان واللبنانيين من باقي الطوائف.
خططت إسرائيل لهذه الحرب بدقة منذ عام ٢٠٠٦، ومن اهم العمليات التي خططت لها ونفذتها كانت عملية تفجير اجهزة الاتصال البيجر، هذه الاجهزة من المعروف أنها مخصصة للاستخدام المدني وليس العسكري، وبالتالي ما قامت به إسرائيل هو خرق لكل الاتفاقات الدولية، وهو اعتداء على الدولة المصنعة لهذه الاجهزة، واعتداء واستهداف مباشر للمدنيين، ويمثّل جريمة حرب موثّقة، لكن مرت الجريمة دون أي محاسبة لإسرائيل.
استغلت إسرائيل التطور التكنولوجي الى اقصى الحدود، واستخدمت اجهزة الهاتف المحمول، ووسائل التواصل الاجتماعي لجمع معلومات عن عدد كبير من اللبنانيين، خاصة عن عناصر المقاومة والمقربين منها، وكذلك استفادت إسرائيل من عدة ثغرات في الدولة اللبنانية، وحصلت على داتا معلومات كبيرة عن اللبنانيين، بدءًا من بطاقة الهوية، ومراكز الاقامة، ورقم السيارة، وارقام الهواتف، وصورهم، وبصمة الصوت، وغير ذلك.
هذه المعلومات وضّفتها إسرائيل لملاحقة عناصر وقيادات حزب الله، ونفّذت وما زالت تُنفّذ عمليات ملاحقة واغتيال لهؤلاء.
مسألة أخرى لا تقل خطورة هي وجود كاميرات مراقبة في احياء المدن والقرى اللبنانية، وقسم كبير منها موصول على شبكة الانترنت، وهذا يسمح لإسرائيل بالدخول الى هذه الكاميرات، والمراقبة عبرها، ويمكن وصل هذه الكاميرات بجهاز كمبيوتر، يتسع لدانا معلومات اكثر من مليوني شخص، وفور مرور اي مطلوب امام هذه الكاميرة وبسرعة فائقة، يصل انذار الى مركز المراقبة الاسرائيلي يحدد مكان وجود الشخص، مع العلم أن هناك قدرة لمركز المعلومات على كشف الشخص المطلوب والتعرف عليه، حتى لو قام بتغيير في شكله، مثل تغيير في اللحية، او ارتداء قبعة، او نظارات شمسية او ما شابه.
ولا يمكن ايضاً تجاهل العامل البشري، ووجود عدد من العملاء الموجودين على الارض، وفي أماكن حساسة، وكانوا وما زالوا يقدمون خدمات للعدو، وتصحيح وتدقيق لبعض المعلومات.
عامل آخر يلعب دوره في هذه الحرب وهو المصادر المفتوحة خاصة وسائل الاعلام التي كانت تنقل الصور لحظة بلحظة وتسمح للعدو باكتشاف نتائج الضربات خاصة على في لينغ بينما مارست إسرائيل سياسة التعتيم وكانت دائمًا تُغلق اي منطقة تتعرض للقصف ولا يعرف الاعلام سوى ما تسمح بنشره الدعاية العسكرية الاسرائيلية.
تم ارتكاب عدد كبير من الأخطاء، من قبل المقاومة، وكذلك من قبل الجيش الاسرائيلي، لكن لن اذكر هذه الملاحظات في هذه الدراسة، المُعدّة للنشر، فمسألة التقييم العسكري، وتحديد الاخطاء المرتكبة لدى كل من قوات الصديق والعدو، تبقى مسألة دقيقة، ويجب ان تكون سرية للغاية، لأخذ العبرة والاستفادة من الدروس المستقاة، في أي مواجهة مستقبلية محتملة.
لذلك تقتصر هذه الدراسة على بعض المعلومات عن حرب "اولي البأس" الذين صمدوا في مواجهة واحد من اقوى جيوش العالم واكثرها تجهيزاً، ومنعوه مدة اكثر من شهرين، من أن يتقدم ويسيطر على قرى الحافة الامامية.
هذا الجيش الذي وصل عام 1982 الى مشارف بيروت في غضون ثلاثة ايام، وقف اليوم عاجزاً عن التقدم مدة ٦٦ يوماً، وقام بتدمير كل القرى التي دخل اليها، ولم يترك اي منزل خشية ان يكون حصناً لاولي البأس، الذين اذاقوه طعم الموت، وقاتلوا حتى الشهادة دفاعاً عن أرضهم ووطنهم والقضية التي آمنوا بها.
ختاماً تحية الى أرواح الشهداء الابرار، والى كل المقاومين الذين شاركوا في هذه المعركة، بصورة مباشرة او غير مباشرة، ولا بد ان ينتصر الحق على الطغيان، وتنتصر ارادة الشعوب والمقاومة.