شهدت الآونة الأخيرة تفاعلات دبلوماسية لافتة بين الصين والكوريتيْن الشمالية والجنوبية، تمثّل أحدثها في زيارة وزير خارجية كوريا الجنوبية، تشو هيون، في 18 سبتمبر 2025 لبكين، فيما زارت نظيرته الكورية الشمالية، تشو سون هوي، بكين في الفترة من 27 إلى 30 من الشهر ذاته، وقد تمحور أحد الأبعاد الرئيسية لهذه التفاعلات في طلب سيول من الصين التوسط لاستئناف الحوار مع بيونغ يانغ؛ الأمر الذي يطرح تساؤلاً مهماً مُفاده: هل تقوم الصين بالتوسط بين الكوريتين لاستئناف المحادثات بينهما، وما هي المآلات المتوقعة للدور الصيني بهذا الشأن؟
سياقات مُحيطة:
هناك مجموعة من السياقات والتطورات المحيطة بمسألة إمكانية قيام الصين بالوساطة لدفع كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية لاستئناف الحوار بينهما، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. قيادة جديدة في كوريا الجنوبية: تولى الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، لي جاي ميونغ، مهام منصبه في الرابع من يونيو 2025، معلناً عن نهج جديد تجاه كوريا الشمالية، مناقضاً بذلك نهج سلفه، يون سوك يول، الذي تدهورت العلاقات بين الكوريتين في عهده إلى أدنى مستوياتها؛ حيث تبنت إدارة لي جاي ميونغ مؤخراً عدة خطوات وإجراءات بهدف تهدئة واستقرار العلاقات في شبه الجزيرة الكورية عبر استئناف الحوار، بما في ذلك محادثات نزع السلاح النووي، وإعادة بناء الثقة المتبادلة. فعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس لي جاي ميونغ، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 سبتمبر 2025، عن مبادرة حوار مع كوريا الشمالية، مؤكداً سعيه للتعايش السلمي والنمو المشترك مع بيونغ يانغ، مُشيراً إلى أن حكومته ستعمل على إيجاد مسارٍ لتخفيف التوترات العسكرية واستعادة الثقة المتبادلة بين الكوريتين، من خلال نهج شامل يرتكز على التبادل والتطبيع ونزع السلاح النووي.
2. دعوات من سيول للحوار: بالإضافة إلى دعوات القيادة الكورية الجنوبية للحوار، فقد برزت خلال الفترة الأخيرة العديد من التصريحات الدبلوماسية التي عكست في طياتها مساعي سيول لاستئناف الحوار مع بيونغ يانغ، ولا سيما طلب مساعدة الصين بهذا الصدد. فقد حثّ وزير الخارجية الكوري الجنوبي تشو هيون، خلال لقائه مؤخراً بنظيره الصيني وانغ يي، في بكين، الصين على المساعدة في إعادة كوريا الشمالية إلى المفاوضات، مؤكداً عزم بلاده على إحراز "تقدم ملموس نحو نزع السلاح النووي وتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية من خلال الحوار والتعاون"، فيما أكد الوزير الصيني أن بكين "ستواصل القيام بدور بناء في تعزيز السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية"، مقترحاً إقامة "تواصل مستدام" بهذا الشأن.
3. متانة العلاقات بين الصين والكوريتيْن: ترتبط الصين بعلاقات قوية مع كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وذلك للعديد من الاعتبارات المرتبطة بالدول الثلاث، والإطار الجغرافي والجيوسياسي المحيط بالعلاقات فيما بينها. ومع ذلك، فإن هذه العلاقات تتعرض لبعض التحديات والأزمات. فمن جهة، ترتبط الصين وكوريا الشمالية بعلاقات قوية في كافة المجالات وتتعدد المؤشرات الدالة على ذلك. فعلى سبيل المثال، أكد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون للرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارة الأول لبكين في أوائل سبتمبر 2025 للمشاركة في العرض العسكري الضخم الذي نظمته بكين بمناسبة ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، أن كوريا الشمالية ستدعم الصين في حماية سيادتها وأراضيها ومصالحها التنموية. فيما أكد شي أن الصين وكوريا الشمالية "جارتان جيدتان وصديقتان جيدتان ورفيقتان جيدتان" تشتركان في مصير واحد، وأنه على استعداد "للدفاع عن علاقات البلدين وتوطيدها وتطويرها". كما تعهد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بتعزيز العلاقات مع الصين "بقوة أكبر" رداً على رسالة التهنئة التي وجّهها له شي جين بينغ بمناسبة ذكرى تأسيس كوريا الشمالية.
وعلى المستوى الاقتصادي، تدعم بكين بشكل كبير الاقتصاد الكوري الشمالي، ففي النصف الأول من العام الجاري، ارتفعت صادرات الصين إلى كوريا الشمالية بأكثر من 3% على أساس سنوي؛ لتصل إلى 1.05 مليار دولار، بينما نمت الواردات بأكثر من 20% لتصل إلى 210 ملايين دولار. وعلى المستوى الأمني والدفاعي، ترتبط الدولتان بمعاهدة دفاع مشترك، تم تجديدها في عام 2021 لمدة عشرين عاماً أخرى.
أما العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية، فتتسم بالمتانة على العديد من المستويات. فعلى المستوى السياسي، أبلغ مبعوث خاص من سيول وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في أغسطس 2025، أن كوريا الجنوبية تأمل في تطبيع العلاقات مع الصين التي توترت في السنوات الأخيرة، كما اتفقت الدولتان على تعزيز التعاون الاقتصادي. وخلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الكوري الجنوبي للصين، أكد نظيره الصيني وانغ يي، أن الصين "ستحافظ على الاستقرار والاتساق في سياستها الودية تجاه كوريا الجنوبية"، كما ناقش الوزيران زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ المحتملة إلى كوريا الجنوبية لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في أواخر أكتوبر 2025.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد أعادت سيول في عام 2024 تأكيد مكانتها بين الشركاء التجاريين الرئيسيين للصين، وأدت دوراً محورياً في سلسلة القيمة التكنولوجية والصناعية الإقليمية. ومع ذلك، وعلى الرغم من الدعوات لتطبيع العلاقات؛ فقد حذرت كوريا الجنوبية مما وصفته بعدوانية الصين. ففي مقابلة حديثة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، صرح وزير الخارجية، تشو هيون، بأن سيول تواجه مجموعة من التحديات المتطورة، بما في ذلك موقف الصين الأكثر حزماً في الشؤون الإقليمية.
4. تنامي التوترات في شبه الجزيرة الكورية: شهدت شبه الجزيرة الكورية في الأعوام القليلة الماضية سلسلة من التطورات والتفاعلات الجيوسياسية التي أدت إلى توتير العلاقات في المنطقة؛ حيث واصلت كوريا الشمالية توسيع ترسانتها النووية وإجراء تجارب صاروخية، ووصفت علاقتها مع كوريا الجنوبية بأنها علاقة عداء دائم، كما عملت كوريا الشمالية على تعزيز تحالفها مع روسيا. ومن جهة أخرى، استمرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان في تعزيز تعاونها العسكري وبناء قوة ردع ضد بيونغ يانغ.
وتجلت أحدث مؤشرات هذا التوتر في إجراء الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان مناورات عسكرية مشتركة قبالة جزيرة كورية جنوبية، في 15 سبتمبر 2025؛ وهو ما اعتبرته كوريا الشمالية "استعراضاً متهوراً للقوة".
مصالح مُتبادلة:
هناك العديد من الدوافع والاعتبارات التي تقف وراء إمكانية قيام الصين بالتوسط لإعادة استئناف الحوار بين الكوريتين، والتي ترتبط في الوقت ذاته بمصالح الأطراف الثلاثة، وطبيعة التفاعلات الجيوسياسية والإقليمية في شبه الجزيرة الكورية، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. مصالح بكين الجوهرية في شبه الجزيرة الكورية: تسعى الصين في حالة قيامها بالتوسط لاستئناف المفاوضات بين الكوريتين إلى تحقيق العديد من المصالح والأهداف الرئيسية المرتبطة بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة؛ حيث تسعى الصين إلى الحفاظ على السلام والاستقرار والنفوذ في شبه الجزيرة الكورية؛ إذ تركز سياستها تجاه كوريا الشمالية على منع انهيار نظام كيم جونغ أون، وتجنب اندلاع حرب محتملة غير مرغوب فيها قد تؤدي إلى تقويض المصالح الأمنية للصين في المنطقة. كذلك، ترغب الصين في الحد من التدفق المحتمل للمهاجرين واللاجئين من كوريا الشمالية في حالة حدوث أي تطورات عسكرية.
واتصالاً بما سبق، تعمل الصين على ضمان تجنب تهميش دورها في أي مفاوضات مُستقبلية بشأن شبه الجزيرة الكورية، خاصة في ظل احتمال إمكانية حدوث تقارب أمريكي روسي في حال انتهاء الأزمة الأوكرانية، وتلميح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اهتمامه بإحياء الدبلوماسية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ومن هنا، فإن إحدى الرسائل المهمة التي تضمنتها زيارة وزيرة خارجية كوريا الشمالية للصين، تتمثل في تذكير واشنطن بأن الصين تعتزم البقاء فاعلاً أساسياً في تشكيل المستقبل الاستراتيجي لشمال شرق آسيا.
كما تعمل بكين على ضمان أن تقلل كوريا الشمالية من أفعالها الاستفزازية؛ ومن ثم الحد من التعاون بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أو حتى كوريا الجنوبية واليابان بشكل أكبر وتحسين التعاون العسكري وكذلك الحد من انعدام الأمن وعدم الاستقرار في المنطقة؛ حيث تمثل التفاعلات والحوارات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة حول شبه الجزيرة الكورية، وأيضاً التدخل الروسي فيها، مصدر قلق كبير للصين من الناحية الجيوستراتيجية؛ حيث برزت كتهديد لأمنها القومي؛ نظراً لقرب كوريا الشمالية والتأثير الجيوسياسي.
وبالإضافة إلى الأبعاد الجيوسياسية لاهتمام الصين بالسعي إلى حلحلة الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، فإنها تعمل أيضاً على حماية مصالحها الاقتصادية؛ وهو ما يتجلى في سعيها إلى تأمين الوصول إلى طريق البحر الشمالي - وهو ممر بحري في القطب الشمالي يربط شمال شرق آسيا بأوروبا- مما يختصر طرق النقل بنسبة تصل إلى 30%، ويقلل أوقات التسليم بما يصل إلى سبعة أيام.
كذلك، يُمثل الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع كوريا الجنوبية - التي قد يتبنى رئيسها الجديد موقفاً أكثر انفتاحاً تجاه الصين- أولوية قصوى لبكين، ولا سيما مع تباطؤ اقتصادها وفرض سياسات التجارة الأمريكية تحديات متزايدة على كل من الصين وكوريا الجنوبية؛ حيث تشترك الصين وكوريا الجنوبية في مصلحة مشتركة في تعزيز السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي المشترك في شبه الجزيرة الكورية.
2. حاجة كوريا الشمالية لتحسين العلاقات مع الصين: على الرغم من تركيز بيونغ يانغ في السنوات الأخيرة على توسيع التعاون مع موسكو، من خلال توفير القوات القتالية والذخائر لدعم حربها ضد أوكرانيا؛ فإن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، يشعر بالحاجة إلى تحسين العلاقات مع الصين، والتي تُعد أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية وداعم للمساعدات، وذلك بهدف التحوط لما ستؤول إليه الأوضاع في حالة تسوية الأزمة الأوكرانية.
3. محاولة سيول تجنب تداعيات اندلاع صراع جديد: يتمثل أحد أبرز دوافع كوريا الجنوبية وراء طلبها مساعدة الصين على التوسط في استئناف المحادثات مع بيونغ يانغ؛ في تجنب التداعيات الكارثية التي قد تترتب على اندلاع صراع جديد بين الكوريتيْن، والتي يتمثل أبرزها في احتمال تعرض الجنوب لهزيمة كبرى في حالة إقدام نظام كيم جونغ أون، على شن حرب نووية ضد الجنوب، بما يؤدي إلى انهيار النظام الكوري الجنوبي وإلحاق خسائر اقتصادية فادحة بدولته؛ وهو ما قد يفسر الخطوات التصالحية العديدة التي تبنتها إدارة لي، تجاه كوريا الشمالية؛ بهدف تهدئة الوضع وتمهيد الطريق لإعادة فتح المفاوضات. ومع ذلك، تُرجح بعض التقديرات إخفاق جهود لي، في إعادة بيونغ يانغ إلى طاولة المفاوضات، بالنظر إلى أن كوريا الشمالية أصبحت تنظر إلى كوريا الجنوبية باعتبارها خصمها النظامي؛ الأمر الذي يحد من مساحة المبادرات السلمية.
سيناريوهات مُحتملة:
تُعد مسألة تسوية الصراع في شبه الجزيرة الكورية من القضايا الإشكالية الكبرى التي تواجه الدبلوماسية الصينية في المنطقة، بالنظر لأهميتها الاستراتيجية الفائقة بالنسبة لبكين. ومن هنا، فإن التدخل المحتمل للصين لإعادة استئناف المحادثات بين بيونغ يانغ وسيول، قد يأخذ أحد المسارات والسيناريوهات التالية:
1. تسهيل استئناف المفاوضات: يفترض هذا السيناريو قيام الصين بالعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، من خلال محاولة جذب كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات. ويرتبط نجاح تحقق هذا السيناريو بضرورة انخراط الصين في تسهيل الحوارات بين الكوريتين، وذلك عبر الآليات الدبلوماسية رفيعة المستوى، مثل استضافة اللقاءات الثنائية بين الجانبين، أو الزيارات رفيعة المستوى والمبعوثين الخاصين، وهي الآلية التي تجنب الصين الاضطرار إلى المخاطرة بمكانتها السياسية أو علاقاتها مع الطرفين المتفاوضين. وهو الدور الذي سبق للصين القيام به في المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وكذلك في المحادثات السداسية بشأن البرنامج النووي الكوري الشمالي، وفي القمم الكورية والاجتماعات رفيعة المستوى، مثل اجتماعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في الفترة الماضية.
2. طرح مبادرة للسلام في شبه الجزيرة الكورية: يفترض هذا السيناريو، طبقاً لبعض التقديرات، قيام الصين بالتوسط في اتفاق سلام في شبه الجزيرة الكورية، يتضمن إخلاءها من جميع الأسلحة النووية، وتعزيز الرخاء الاقتصادي للكوريتين، وتمهيد الطريق لانسحاب جميع القوات الأمريكية. ويرتبط تحقق هذا السيناريو، وفقاً لهذه التقديرات، بضرورة توقف بكين عن سياسة العداء وانتهاجها سياسة خارجية تركز على المصالح المشتركة للمنطقة. وكذلك، ضرورة قيام الصين بإقامة شراكة استراتيجية مع كوريا الجنوبية، ووضع سياسة مشتركة لنزع السلاح النووي من الشمال. فضلاً عن ضرورة تأييد جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، لهذه المبادرة.
ومع ذلك، فإن هناك العديد من القيود والصعوبات التي قد تحول دون إمكانية تحقق هذا السيناريو، لعل من أبرزها: تخوف الصين من فشل جهودها للوساطة بين الكوريتين؛ وهو ما يمكن أن يتسبب في إلقاء اللوم على بكين وتحميلها مسؤولية فشل الوساطة. فضلاً عن إصرار كوريا الشمالية على موقفها الراسخ بعدم التخلي عن أسلحتها النووية، بجانب تجاهلها للمقترحات المقدمة من كوريا الجنوبية للحوار والجلوس إلى مائدة التفاوض، خاصة في ظل تركيزها مؤخراً على تعزيز علاقات التحالف مع روسيا. هذا بالإضافة إلى الرفض الأمريكي لانفراد الصين بالتوسط لتسوية الصراع في شبه الجزيرة الكورية، في ظل تصاعد حدة التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين على النفوذ في المنطقة.
3. الحفاظ على الوضع القائم: يفترض هذا السيناريو أن تعمل الصين على الإبقاء على الوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية، باعتباره الخيار الأكثر استقراراً والأقل تهديداً؛ وهو ما يعني استمرار حالة اللاحرب واللاسلم بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية؛ ومن ثم تراجع فرص واحتمالات استئناف الحوار بين الكوريتين. وهو السيناريو الذي تذهب بعض التقديرات إلى أنه يصب في مصلحة الصين؛ إذ يسمح لها هذا السيناريو بتوفير عمق استراتيجي لجيشها، بواسطة كوريا الشمالية؛ الأمر الذي يمنع أي دولة معادية من غزو حدودها.
كما أنه في حالة انهيار النظام الكوري الشمالي، فإن بكين لن تتمكن من استيعاب ملايين اللاجئين الذين سيتدفقون على المناطق المحيطة بها؛ وهو ما سيترتب عليه زعزعة استقرار الصين، فضلاً عن أنه سيجعل الولايات المتحدة على مقربة من حدودها؛ وهو ما يهدد الأمن القومي الصيني.
ولعل ذلك ما يفسر تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ للرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن، في نوفمبر 2024، بأن الصين لن تسمح بحدوث صراع واضطرابات في شبه الجزيرة الكورية، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي عندما يتعرض أمنها الاستراتيجي ومصالحها الأساسية للتهديد، وذلك خلال اجتماعه مع بايدن على هامش الاجتماع الحادي والثلاثين لقادة اقتصادات منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في بيرو. هذا بجانب إقرار رئيس كوريا الجنوبية، لي جاي ميونغ، بصعوبة تحقيق نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية على المدى القريب؛ وهو ما يصب في سياق استمرار الوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية.
وفي التقدير، يمكن القول إن استمرار حالة اللاسلم واللاحرب في شبه الجزيرة الكورية؛ يمثل إحدى القضايا الإشكالية الكبرى للصين في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية البالغة بالنسبة لمصالحها وأمنها القومي، بالنظر لما تشهده من تطورات جيوسياسية ذات انعكاسات مهمة ليس فقط على الصين، بل أيضاً على علاقات التعاون والصراع بين القوى الإقليمية المتنافسة. وهو ما دفع سيول إلى طلب مساعدة الصين للتوسط في استئناف المحادثات مع بيونغ يانغ، في محاولة من جانبها لتجنب تداعيات سلبية مُحتملة لنشوب صراع جديد بين الكوريتين؛ ومن ثم فإن من مصلحة الصين التدخل لمنع اندلاع هذا الصراع المحتمل، بطرح مبادرة صينية خاصة للسلام بين الكوريتين، تحافظ على مصالحها الحيوية، وتجنبها أية مخاطر محتملة نتيجة الصراع الدائم في شبه الجزيرة الكورية.
ومع ذلك، فإن هذا السيناريو ربما يصعب تحقيقه نظراً لتعقد وتشابك خريطة التفاعلات الجيوسياسية في المنطقة؛ بسبب تعدد القوى الفاعلة في الأزمة الكورية، وتباين مصالحها، فضلاً عن التنافس المُحتدم على النفوذ بين بكين وواشنطن في المنطقة؛ ما يجعل من سيناريو الحفاظ على الوضع الراهن الأقرب إلى الواقع؛ لكونه يحقق مصلحة الصين من ناحية، ويجنبها تحمل مسؤولية الإخفاق في الوساطة من ناحية أخرى.