• اخر تحديث : 2025-10-17 18:45
news-details
تقدير موقف

ما تداعيات أزمة الإغلاق الحكومي الأمريكي؟


دخلت الحكومة الأمريكية في حالة إغلاق رسمي، في الأول من أكتوبر 2025، في أعقاب فشل تمرير مشروع قانون التمويل في مجلس الشيوخ الأمريكي، والذي يهدف لتمديد سقف التمويل الفدرالي مؤقتاً، وذلك في أول إغلاق تواجهه الحكومة منذ قرابة سبع سنوات؛ نتيجة الخلافات الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين حول أولويات الإنفاق العام، وعلى رأسها أوجه الإنفاق على الرعاية الصحية؛ مما أسهم في تعطيل عدد كبير من الخدمات الحكومية غير الأساسية، وإجبار مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين على العمل دون أجر أو إحالتهم إلى إجازات قسرية. 
 
وتعكس هذه الأزمة حالة الاستقطاب السياسي العميق بين الحزبيْن؛ حيث تحولت الموازنة إلى ساحة مواجهة مفتوحة حول أولويات الإنفاق العام، ناهيك عن تأثيرات الأزمة المباشرة في الاقتصاد والخدمات الاجتماعية، فضلاً عن انعكاساتها على صورة الولايات المتحدة ومكانتها في النظام الاقتصادي العالمي.
 
أبعاد الأزمة:
 
يكشف الإغلاق الراهن عن أزمة مُتعددة الأبعاد تهدد ثقة الداخل والخارج في قدرة النظام الأمريكي على إدارة أزماته. ويمكن إيجاز هذه الأبعاد على النحو التالي:
 
1. تصاعد الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين: يتمثل السبب الجوهري للأزمة في الجمود السياسي بين الجمهوريين بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذين يسيطرون على الكونغرس دون امتلاك أغلبية كافية في مجلس الشيوخ، وبين الديمقراطيين الذين يسعون إلى استعادة الأغلبية في انتخابات التجديد النصفي المزمع أجراؤها في نوفمبر 2026. كما يعكس هذا الجمود فشلاً في إدارة الموازنة الفدرالية؛ إذ يؤدي غياب الوصول لاتفاق إلى فقدان الوكالات الفدرالية سلطتها في الإنفاق؛ ومن ثم توقف الخدمات وتسريح الموظفين؛ مما يضعف الثقة في المؤسسات ويثير شكوكاً متزايدة بشأن قدرة الجمهوريين على الحكم بفعالية.
 
وفي خضم تبادل التُّهم، ألقى البيت الأبيض باللوم على الديمقراطيين، مُتهماً إياهم بعرقلة الحكومة لتقديم "الرعاية الصحية المجانية للمهاجرين غير الشرعيين". وبينما يتمسك الجمهوريون بسياسات ترامب لخفض الإنفاق على برامج مثل "ميديكيد"، يواجه الديمقراطيون ضغوطاً متزايدة لاتخاذ موقف صارم ضد ما يرونه نزعة استبدادية في إدارة ترامب؛ ليتحول بذلك الخلاف حول الموازنة إلى معركة سياسية أوسع حول اتجاهات الحكم في الولايات المتحدة. 
 
2. تعقد الخلاف حول سياسات الرعاية الصحية: رفض الديمقراطيون مقترحات الجمهوريين التي تستهدف تقليص الإعفاءات الضريبية للتأمين الصحي وخفض الدعم المخصص لقانون الرعاية الصحية الميسرة "أوباما كير"، الذي تنتهي بعض امتيازاته بنهاية العام 2025، وطالبوا بضمانات تمنع الرئيس من مواصلة حجب الإنفاق المخصص من الكونغرس. 
 
في المقابل، رفض الجمهوريون تقديم أية تنازلات، وأصروا على أن تناقش قضايا الإنفاق في إطار العملية الاعتيادية للتمويل الفدرالي. ووفق تقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس؛ فإن هذه الخطوة قد توفر تغطية لنحو سبعة ملايين أمريكي بحلول 2035؛ لكنها ستزيد الإنفاق الفدرالي على الرعاية الصحية بنحو 662 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. 
 
3. تفاقم أزمة العجز المالي الأمريكي: تتمحور الأزمة الراهنة حول مبلغ يقدر بـ1.7 تريليون دولار مخصص لتشغيل الوكالات الحكومية؛ أي ما يقارب ربع ميزانية الحكومة البالغة نحو 7 تريليونات دولار؛ حيث سيذهب معظم ما تبقى من موازنة الحكومة الفدرالية إلى برامج الرعاية الصحية والتقاعد وخدمة الدين العام الذي ارتفع إلى 37.5 تريليون دولار. ورغم أن الكونغرس يضع سنوياً تشريعات الإنفاق التفصيلية؛ فإنه نادراً ما ينهيها قبل بداية السنة المالية في الأول من أكتوبر؛ ما يدفعه عادة إلى تمرير قوانين مؤقتة لتفادي الاضطراب. غير أن انتهاء صلاحية آخر قانون مؤقت في 30 سبتمبر 2025، ترك مؤسسات حكومية واسعة بلا تمويل لمواصلة عملها؛ مما أسهم في تفاقم الأزمة الحالية.
 
4. تعطيل أجندة الحزب الديمقراطي: اتخذت إدارة ترامب خطوات، يوم 1 أكتوبر 2025؛ لتعظيم الأثر الناجم عن إغلاق الحكومة؛ حيث أوقفت مليارات الدولارات من الأموال المخصصة للولايات التي يقودها الديمقراطيون بينما أعدت خطة لتسريح أعداد كبيرة من موظفي الخدمة المدنية على الفور. وفي سلسلة من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، قال مدير ميزانية البيت الأبيض، راسل فوغت، إن الإدارة أوقفت أو تحركت لإلغاء تسليم نحو 26 مليار دولار من الأموال المعتمدة سابقاً عبر مجموعة من البرامج، واصفاً الأموال بأنها مضيعة أو بحاجة إلى مزيد من المراجعة؛ منها 8 مليارات دولار لمشروعات مناخية في 16 ولاية، معظمها بقيادة الديمقراطيين، إلى جانب نحو 18 مليار دولار من تمويل البنية التحتية المعتمد لمشروعين رئيسيين للنقل، يقعان بشكل رئيسي في مدينة نيويورك، معقل أبرز قادة الديمقراطيين، مثل السيناتور تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين، والنائب حكيم جيفريز، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب.
 
5. تحمل الجمهوريين الجزء الأكبر من المسؤولية: تكشف استطلاعات الرأي أن الرأي العام يحمّل الجمهوريين قسطاً أوفر من المسؤولية عن الإغلاق الحالي مقارنة بالديمقراطيين؛ فقد أظهر استطلاع صحيفة نيويورك تايمز، في 30 سبتمبر 2025، أن 26% من المشاركين يرون ترامب وحزبه (الجمهوري) السبب الرئيسي، مقابل 19% حمّلوا الديمقراطيين المسؤولية، فيما اعتبر 33% أن الطرفين يتحملانها معاً. أما استطلاع جامعة ماريست فأظهر نتائج مشابهة؛ إذ حمّل 38% الجمهوريين المسؤولية، و27% حمّلوا الديمقراطيين المسؤولية، بينما ألقى 31% اللوم على الطرفين بالتساوي. وتوضح هذه الأرقام أن إدارة ترامب تواجه ضغوطاً سياسية وشعبية أكبر، رغم محاولاتها تحميل خصومها مسؤولية الأزمة؛ وهو ما قد يلقي بظلاله على انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
 
تداعيات الأزمة:
 
يأتي إغلاق الحكومة الأمريكية في عام 2025 في لحظة حساسة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، الذي بدأ يظهر بالفعل علامات الهشاشة، بل وتمتد تداعياته التفصيلية إلى أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية، وذلك على النحو التالي:
 
1. تسريح مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين: أول انعكاس مباشر للإغلاق يتمثل في تسريح مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين أو إلزامهم بالعمل دون أجر؛ مما يفقد الأسر مصدر دخلها ويخفض الاستهلاك ويضر بالاقتصادات المحلية المعتمدة على التوظيف الحكومي. ومع احتمال أن تصل الإجازات المؤقتة إلى 40% من القوة العاملة الفدرالية المدنية – أي ما يقارب 750 ألف موظف– يظل التأثير الاقتصادي بارزاً، خاصة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي. وبينما يواصل موظفو إنفاذ القانون والجيش ومراقبو الطيران والكوادر الطبية عملهم بلا رواتب، قدّر مكتب الميزانية بالكونغرس أن تكلفة رواتب العاملين الموقوفين مؤقتاً تصل إلى نحو 400 مليون دولار يومياً.
 
كما يهدد الإغلاق المطوّل معنويات الموظفين ويضعف قدرت الحكومة على الاحتفاظ بكفاءاتها؛ حيث كشفت دراسة أجرتها كلية داردن لإدارة الأعمال أن الموظفين المتضررين غالباً ما يلاحظون تأثير خفض الرواتب في معنوياتهم، ويميلون أكثر إلى البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص. أما على مستوى القطاعات الحكومية، فتوقعت إدارة النقل تسريح أكثر من 11 ألف موظف في إدارة الطيران الفدرالية، فيما سيعمل موظفو إدارة أمن النقل بلا أجر، بينما تواجه وزارات مثل التعليم والتجارة ووكالة ناسا خفضاً يصل ما بين 80 إلى 90% من كوادرها.
 
2. تقليص الجهاز الإداري الفدرالي: أعلنت إدارة ترامب نيتها استغلال الإغلاق لتقليص الجهاز الإداري عبر تسريحات جماعية وإلغاء برامج مدعومة من الديمقراطيين، في خطوة غير مسبوقة تعكس توجهاً أكثر تشدداً؛ وهو ما يعيد للأذهان إغلاق عام (2018 – 2019) حين جرى تسريح أكثر من 420 ألف موظف مؤقتاً وتكبد الاقتصاد خسائر بمليارات الدولارات. بيد أن الخطر الحالي أعمق؛ إذ يطرح خيار تسريحات دائمة هذه المرة؛ وهو ما قد يرفع معدلات البطالة ويضعف الطلب الكلي، إلى جانب فقدان خبرات مؤسسية متراكمة؛ مما يهدد كفاءة الأداء الحكومي على المدى الطويل، ويفاقم أزمة الثقة بين الدولة والموظفين.
 
3. تصاعد حالة عدم اليقين للسياسات الاقتصادية الأمريكية: يعطل الإغلاق إصدار بيانات حكومية حيوية، مثل تقارير الوظائف من مكتب إحصاءات العمل، الذي كان من المفترض صدوره يوم 3 أكتوبر 2025، وهي أدوات ضرورية لصناع القرار والأسواق والاحتياطي الفدرالي؛ حيث قد يتسبب غياب هذه البيانات في إرباك السياسة النقدية ويصعب مهمة ضبط التضخم في ظل تراجع سوق العمل منذ إبريل 2025؛ مما يزيد ضبابية المشهد مع اقتراب اجتماع الفدرالي في 28 و29 أكتوبر؛ حيث يتوقع نحو 90% من المستثمرين خفض أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس إلى نطاق 3.75% إلى 4%.
 
هذا وتنظر وكالات التصنيف الائتماني للإغلاقات كعامل سلبي يؤثر في الجدارة الائتمانية الأمريكية، ويرفع تكاليف الاقتراض مستقبلاً. كما يؤدي تعليق استرداد الضرائب، وتعطيل قروض الشركات الصغيرة، وتجميد نشر الإحصاءات الاقتصادية إلى خسائر مباشرة وتراجع ثقة المستهلك. أما عالمياً، فتراقب الأسواق الإغلاق كمؤشر على اختلال سياسي ومالي في واشنطن؛ فبالرغم من أن أثره قصير المدى على أسواق رأس المال قد يكون محدوداً إذا انتهى سريعاً؛ فإن الجمود المستمر يهدد مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية ويعمق حالة عدم اليقين المالي والجيوسياسي عالمياً.
 
4. تدهور أداء الأنشطة الاقتصادية الأمريكية: يقدر خبراء الاقتصاد عادة أن كل أسبوع من الإغلاق يمكن أن يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي الفصلي بنحو 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية، تبعاً لحجم التسريحات والاضطرابات. في المقابل، يقدر مجموعة أخرى من الخبراء من "وول ستريت" وكذلك "مكتب الميزانية في الكونغرس" أن حتى أطول إغلاق على الإطلاق - 35 يوماً في عامي 2018 و2019- لم يقلل الناتج الإجمالي سوى بنحو 0.4%. وفي السياق ذاته، حذرت مذكرة صادرة عن البيت الأبيض من أن الولايات المتحدة قد تخسر 15 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي أسبوعياً أثناء الإغلاق، مع ما يصل إلى 43 ألف شخص عاطل عن العمل إضافي؛ إذا استمر الجمود لمدة شهر كامل.
 
وعلى المستوى القطاعي، تواجه السياحة والقطاعات المرتبطة بها خسائر ملموسة في الإيرادات؛ حيث تغلق الحدائق الوطنية ومراكز الزوار وتفقد الشركات المحيطة إيراداتها. كما تعوق التأخيرات التنظيمية الاستثمارات والتصاريح؛ ما يضيف قيوداً جديدة على النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أن بعض الأنشطة المفقودة تنتعش بمجرد إعادة فتح الحكومة، كما هو الحال عندما يتلقى العاملون الفدراليون أجورهم المتأخرة؛ فإن الخسائر الأخرى يظل لها تأثير طويل الأمد، مثل السياحة المفقودة، أو الأبحاث الملغاة، أو فرص العمل الضائعة. 
 
5. ضعف الاستهلاك المحلي: تظهر تحليلات مجلس المستشارين الاقتصاديين أن الإغلاق الممتد لشهر كامل قد يقلص إنفاق المستهلكين بنحو 30 مليار دولار، نصفها بسبب الأثر المباشر على الموظفين الفدراليين ونصفها الآخر نتيجة التداعيات غير المباشرة على القطاعات المختلفة. وتستند التقديرات إلى تقارير من مؤسسة "غولدمان ساكس" وشركة "فيسيرف" للخدمات المالية و"الاحتياطي الفدرالي"؛ حيث يُتوقع أن يؤدي ضعف الاستهلاك إلى إبطاء معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة؛ مما يضغط على الآفاق الاقتصادية الأمريكية.
 
6. استهداف أجندة الديمقراطيين الصحية: في اليوم الأول من إغلاق الحكومة، أصر البيت الأبيض على أن الرئيس ترامب يريد إصلاح نظام الرعاية الصحية؛ وهي القضية ذاتها التي قال الديمقراطيون في الكونغرس إنها أولويتهم القصوى. وقد صرح مسؤولون في البيت الأبيض، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، بأن الرئيس ترامب منفتح على اقتراحات القادة الديمقراطيين لتحسين فرص الحصول على التأمين الصحي؛ لكنهم أصروا على أن الإغلاق الحكومي ليس ضرورياً لتحقيق هذا الهدف. 
 
7. استغلال الأزمة في تحقيق مكاسب سياسية: استخدمت العديد من الوكالات الفدرالية مواقعها الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي لشن هجمات سياسية، معلنة أن الديمقراطيين هم المسؤولون عن تعطيل الخدمات، منها وزارات الخزانة والصحة والخارجية والزراعة، التي أظهرت رسائل لافتة كبيرة على مواقعها الإلكترونية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تزعم أن الإغلاق الحكومي سببه الديمقراطيون أو "اليسار المتطرف". 
 
كما أكدت عدة رسائل أخرى أن "الرئيس ترامب أوضح رغبته في إبقاء الحكومة مفتوحةً ودعم من يطعمون الشعب الأمريكي ويزودونه بالوقود والكساء". من جانبه، نشر ترامب مقاطع فيديو ساخرة ومليئة بالبذاءات، مولدة بالذكاء الاصطناعي، لمعارضيه. على الجانب الآخر، ردّ الديمقراطيون بصور ترامب، ووعود بأنهم "سيواصلون هذه المعركة إلى الأبد". 
 
8. مراقبة عائدات سندات الخزانة الأمريكية: تمتد آثار الإغلاق إلى الأسواق العالمية، خاصة مع مراقبة دقيقة لعائدات سندات الخزانة الأمريكية؛ فالاضطرابات الاقتصادية الأمريكية، وإن كانت طفيفة، تدفع المستثمرين في آسيا وأوروبا إلى التحوط عبر الذهب أو الفرنك السويسري. ومع تكرار الإغلاقات، يتعزز خطاب عدم الاستقرار السياسي الأمريكي؛ مما يهدد مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية، خصوصاً عند اقتران الأزمة بخلافات سقف الدين. وقد شهدت الأسواق بالفعل تحولات ملموسة؛ إذ ارتفع الطلب على الذهب والسندات الأوروبية والآسيوية، بينما تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات أربع نقاط أساس بعد بيانات أضعف من المتوقع عن التوظيف، على خلفية الانخفاض المفاجئ في رواتب القطاع الخاص. 
 
9. تماسك أسواق المال الأمريكية: بالرغم من المخاطر الاقتصادية المتعددة؛ لم تظهر وول ستريت قلقاً كبيراً من الإغلاق؛ إذ بقيت الأسهم قريبة من مستوياتها القياسية، ويعود ذلك إلى أن المستثمرين يعتبرون الإغلاق الحكومي حدثاً ثانوياً في سوق الأسهم. فبحسب شركة "Truist Wealth"، لم تسجل سوى تغيرات طفيفة على مؤشر "S&P 500" عبر عمليات الإغلاق الحكومي العشرين التي حدثت منذ عام 1976. حتى إن بعض البيانات تظهر نتائج معاكسة؛ إذ ارتفع المؤشر بمتوسط 12% في الشهور الاثني عشر التي أعقبت الإغلاقات. 
 
في الختام، يبقى المشهد الأمريكي معقداً؛ إذ لا يظهر مسار سريع لإنهاء الأزمة وسط خلافات حادة بين الحزبين. ورغم أن الإغلاقات غالباً ما تكون قصيرة الأمد ولا تترك آثاراً طويلة الأمد على الاقتصاد؛ فإن تكرارها يحمل تراكمات سلبية، خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تشوب الاقتصاد الأمريكي خلال عام 2025 مقارنة بالفترات السابقة؛ حيث يخشى الخبراء أن يؤدي استمرار الجمود إلى إضعاف النمو عبر فقدان الوظائف الفدرالية، وضعف الاستهلاك، وتعطيل التدفقات الاستثمارية.
 
وسياسياً، يعتقد الجمهوريون أنهم في موقع قوة؛ لكنهم قد يخطئون التقدير؛ إذ تظهر التجارب السابقة أن الرأي العام يميل لتحميلهم المسؤولية الأكبر عن الإغلاقات. وفي حال تراجعوا بصفقة ترضي الديمقراطيين عبر دعم أوسع للتأمين الصحي، فقد يكون ذلك تنازلاً تكتيكياً يخفف من الضغط عليهم ويحسن فرصهم الانتخابية، بدلاً من مواجهة تُهم مستمرة بإضعاف مؤسسات الدولة.