• اخر تحديث : 2025-11-19 15:07
news-details
تقدير موقف

قرار مجلس الأمن رقم 2797: خلفياته وتداعياته على مستقبل الصحراء الغربية


اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في جلسته المنعقدة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، القرار رقم 2797، الذي اعتبر أن منح إقليم الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا حقيقيًا تحت السيادة المغربية قد يكون الحل الأنجع للنزاع القائم منذ قرابة خمسين عامًا. ويشجّع القرار الأطراف المعنية على الدخول في مفاوضات على هذا الأساس، مؤكدًا دعمه خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لحل القضية، وهي الخطة التي قدّمها أول مرة إلى الأمم المتحدة عام 2007. وقد جرى اعتماد القرار بمبادرة من الولايات المتحدة الأميركية، وحظي بتأييد 11 دولة من أصل 15 دولة في مجلس الأمن، حيث امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر في عملية التصويت. وجدّد مجلس الأمن، بموجب القرار نفسه، ولاية بعثة حفظ السلام في الصحراء الغربية (مينورسو MINURSO) عامًا واحدًا. ويُعدّ هذا القرار تطورًا مهمًّا في قضية الصحراء؛ إذ يعكس تحولًا مهمًّا في المواقف الدولية من الدعوة إلى تقرير المصير عبر الاستفتاء إلى قبول مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب وتحويلها إلى قرار دولي.
 
أولًا: معطيات تاريخية
تُعدّ قضية الصحراء الغربية من أشد النزاعات استعصاءً في القارة الأفريقية. فقد خضعت المنطقة، المعروفة تاريخيًا باسم الساقية الحمراء ووادي الذهب، للاستعمار الإسباني في الفترة 1884-1975. وفي عام 1963، أدرجت الأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، تحت اسم الصحراء الإسبانية. وفي عام 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا نفت فيه وجود "أي رابطة من روابط السيادة الإقليمية" بين الصحراء الغربية والمغرب أو موريتانيا، وشددت في الوقت ذاته على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وبعد أسابيع قليلة من صدور هذا الرأي الاستشاري، وردًّا عليه، نظّم المغرب ما عُرف بالمسيرة الخضراء المطالبة بالاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، وقّعت إسبانيا اتفاق مدريد الذي جرى بموجبه اقتسام إدارة الإقليم بين المغرب وموريتانيا. وبعد انسحاب إسبانيا رسميًا في شباط/ فبراير 1976، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم "البوليساريو" قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية؛ ما أدّى إلى نشوب حرب بينها وبين المغرب وموريتانيا. وبحلول عام 1979، انسحبت موريتانيا من النزاع، لتسيطر المغرب على معظم أراضي الإقليم. وفي عام 1991، توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وأنشأ مجلس الأمن بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، ومهمتها الإشراف على تنظيم استفتاء على تقرير المصير. ومع ذلك، تعطلت العملية بسبب خلافات في تحديد قوائم الناخبين الصحراويين، فتحوّلت مهمة مينورسو إلى مراقبة وقف إطلاق النار، بدلًا من تنظيم الاستفتاء، لتدخل القضية مرحلة جمود طويلة الأمد.
 
ثانيًا: الطريق إلى القرار 2797
شهدت الأعوام الخمسة الأخيرة تحولات عديدة في المواقف الدولية من النزاع. وشكّل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في مقابل انخراطه في اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاته مع إسرائيل، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، نقطةَ تحوّل حاسمة؛ إذ فتح الباب أمام دول أوروبية أساسية، مثل ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا، لتأييد مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب في عام 2007، في الوقت الذي استمرت فيه فرنسا في دعم الموقف المغربي. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، استأنفت البوليساريو القتال ضد القوات المغربية، متذرعة بما عدّته خرقًا مغربيًا لوقف إطلاق النار في منطقة الكركرات. وتبع ذلك تزايد في التوتر الإقليمي، وخصوصًا بعد أن أعلنت الجزائر في آب/ أغسطس 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب.
 
على الرغم من الجهد الذي بذله المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، ظل الجمود السياسي السمة الأبرز للقضية. وفي التقرير الذي قدّمه إلى مجلس الأمن، في 30 أيلول/ سبتمبر 2025، أشار إلى غياب "تقدم نحو حل سياسي للنزاع"، كما دعا إلى "التعجيل بحل هذا النزاع الذي طال أمده [...] بما يخدم مصلحة شعب الصحراء الغربية وتطلعاته"، وإلى تجديد دعم مينورسو سنة كاملة، إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2026. وجاء هذا التقرير ليشكّل الأساس الذي استند إليه مجلس الأمن في صياغة القرار 2797.
 
ثالثًا: سير المفاوضات حول نص القرار
في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وزّعت الولايات المتحدة مسوّدة أولية للقرار. وقد شهدت المفاوضات بشأن صيغته النهائية شدًا وجذبًا أفضيا إلى تعديلها مرتين. فقد تحفّظ عدد من أعضاء مجلس الأمن، من بينهم الجزائر، على مشروع القرار بوصفه منحازًا إلى الموقف المغربي، لا سيما وصفها مبادرة الحكم الذاتي بأنها "الحل الأكثر جدية وصدقية وواقعية"، كما اعترضت على مقترح تمديد ولاية مينورسو ثلاثة أشهر فقط. فأدخلت الولايات المتحدة تعديلات على هذه المسوّدة، بما في ذلك تمديد ولاية البعثة ستة أشهر، وخففت بعض العبارات بالإشارة إلى أن "معظم" الدول (وليس جميعها) أبدت دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية. ومع ذلك، طالبت الجزائر بإدراج إشارات إلى أطر أخرى للمفاوضات، من بينها "المقترح الموسّع" للبوليساريو.
 
قدمت الولايات المتحدة بعد ذلك مسوّدة منقّحة ثانية، حُذفت منها العبارة التي تصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية بأنها "الأكثر جدية وصدقية وواقعية"، لكنها استمرت في تقديمها أساسًا للمفاوضات. فكسرت الجزائر صمت المجلس بشأن المسوّدة بسبب عدم الإشارة إلى مقترح البوليساريو؛ فاستدعى ذلك عقد مشاورات جديدة. وشارك عدد من أعضاء المجلس الجزائرَ رأيها بأن النص ما زال يفتقر إلى التوازن. فقدمت الولايات المتحدة مسوّدة منقّحة ثالثة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، جددت فيها ولاية مينورسو سنة كاملة، وأدرجت صياغة معدّلة تشير إلى أن "العديد من الدول الأعضاء" أعربت عن دعمها للمبادرة المغربية "أساسًا لحلٍّ عادل ودائم ومقبول من الطرفين"، مع الإقرار بأن "الحكم الذاتي الحقيقي" Genuine Autonomy "يمكن أن يشكّل أحد أكثر المخرجات قابلية للتطبيق"، بدلًا من الصيغ السابقة التي انطوت على درجة أكبر من الحسم. وهكذا، مثّلت النسخة المنقّحة الثالثة تسوية وسطًا، وصيغت بلغة أكثر اعتدالًا مقارنةً بالنسخ السابقة.
 
رابعًا: مضمون القرار
يؤكد نص القرار التزام مجلس الأمن بمساعدة طرفَي النزاع، المغرب والبوليساريو، على "التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، قائم على التوافق، ويتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبدأ تقرير المصير". ويستند في مقرراته إلى "الدعم الذي أعرب عنه العديد من الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي المغربي، المقدم في 11 نيسان/ أبريل 2007، كأساس لحل عادل ودائم ومقبول للطرفين للنزاع". لكنه يصف، في ديباجته، ما يسميه "الحكم الذاتي الحقيقي" بأنه "يمكن أن يشكّل أحد المخرجات الأكثر قابلية للتطبيق"؛ وهو ما يبقي النص قابلًا للتأويل، إذ يذكر مبدأ تقرير المصير جنبًا إلى جنب مع دعم خيار الحكم الذاتي. وفي الوقت نفسه، يحثّ الطرفين على "المشاركة بحسن نية في مفاوضات" تستند إلى المقترح المغربي، و"دون شروط مسبقة"، "بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين، يكفل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية"؛ ما يجعل نص القرار قابلًا للتأويل، في حين يؤكد أن "الحل السياسي النهائي، والمقبول للطرفين، يكفل تقرير المصير"؛ وهو ما يضع سيرورة المفاوضات أمام تحدي إقناع الطرف الصحراوي بالتنازل عن خيار الاستقلال، والقبول بخيار الحكم الذاتي بوصفه الشكل الوحيد الممكن لتقرير المصير، خاصة أن القرار يمدد ولاية مينورسو، المكلفة بالاستفتاء على تقرير مصير الشعب الصحراوي، سنة كاملة.
 
خامسًا: مواقف الأطراف الرئيسة
اعتُمِد القرار بعد تصويت أحد عشر عضوًا لصالحه (الولايات المتحدة صاحبة المشروع، وفرنسا، وبريطانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والدنمارك، واليونان، وسيراليون، وسلوفينيا، وغيانا، والصومال)، في حين امتنعت ثلاث دول عن التصويت هي روسيا، والصين، وباكستان، وامتنعت الجزائر عن المشاركة في التصويت.
 
1. المغرب
يُعدّ المغرب المستفيد الأكبر من القرار 2797؛ إذ نجح في الدفع بحل الاستفتاء على تقرير المصير إلى الظل، وحشد الدعم الدولي لخيار التفاوض حول الحكم الذاتي. وقد رحّب به م​باشرة بعد صدور القرار؛ فقد اعتبر محمد السادس ذلك "فتحًا جديدًا في مسار ترسيخ مغربية الصحراء"، وأكد أن هذا القرار حدّد مرتكزات الحل السياسي النهائي، وأن المغرب سيعمل على تحيين مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها رسميًا إلى الأمم المتحدة بصفتها أساسًا وحيدًا للتفاوض. وأعرب عن شكره للدول الصديقة التي دعمت هذا التوجه، وخص بالذكر الولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، إضافة إلى الدول العربية والأفريقية التي عبرت عن دعمها الدائم لمغربية الصحراء. وشدد على أن المغرب لا يسعى للانتصار على أحد، بل إلى حل "لا غالب فيه ولا مغلوب"، ودعا الصحراويين في مخيمات تندوف، الجزائرية، إلى "اغتنام هذه الفرصة التاريخية" والعودة إلى وطنهم للمشاركة في تنمية أقاليمهم ضمن إطار الحكم الذاتي الذي يضمن لهم إدارة شؤونهم بحرّية وكرامة داخل الوطن الموحّد. ووجه دعوة إلى الجزائر لإجراء "حوار مباشر وأخوي" مع المغرب، من أجل تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة قائمة على الثقة وحسن الجوار، مؤكدًا حرصه على إحياء الاتحاد المغاربي على أسس التعاون والتكامل بين دوله الخمس.
 
2. البوليساريو
رحّبت البوليساريو بتمديد ولاية مينورسو وعدته "دليلًا على التزام مجلس الأمن المستمر بإيجاد حل عادل ودائم بما يتماشى مع قراراته ذات الصلة بالصحراء الغربية"، كما جددت "استعدادها الدائم للتعاطي البناء مع المسار السلمي الذي ترعاه الأمم المتحدة في الصحراء الغربية"، لكنها في الوقت نفسه رفضت أن "تكون طرفًا في أي عملية سياسية أو مفاوضات تقوم على أي ’مقترحات‘ تهدف إلى ’إضفاء الشرعية‘ على الاحتلال العسكري المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية وحرمان الشعب الصحراوي من حقه غير القابل للتصرف وغير القابل للمساومة أو التقادم في تقرير المصير والسيادة على وطنه".
 
وعلى الرغم من تراجع الدعم الدولي وسحب دول عديدة اعترافها بالجمهورية الصحراوية، لا تزال البوليساريو تستند إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (1975) وقرارات الجمعية العامة بشأن تصنيفها ضمن قضايا تصفية الاستعمار، إضافة إلى قرارات محكمة العدل الأوروبية بشأن الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية المشمولة بالاتفاقيات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. لكن تمسّك البوليساريو بهذه الأدوات القانونية، واستعدادها للمفاوضات، لا ينفي النبرة الحادة جدًّا التي عبرت بها الجبهة عن موقفها من القرار: "العنصر الحاسم في معادلة حل النزاع في الصحراء الغربية هما الشعب الصحراوي وجيش التحرير، واللذان عليهما مواجهة مؤامرات العدو المغربي الذي أقدم على هذه الخطوة بمساعدة أطراف نافذة بمجلس الأمن"، وهو مؤشر دالّ على تحديات كبيرة تنتظر المفاوضات حول الحل النهائي، ولا يُستبعَد منها تقويض وقف إطلاق النار وعودة الاشتباكات العسكرية بين القوات المغربية وعناصر جيش التحرير الصحراوي.
 
3. الجزائر
قررت الجزائر، الداعم الرئيس للبوليساريو، الامتناع عن التصويت على القرار، على الرغم من نجاحها في الضغط من أجل تأجيل التصويت على مسوّدة مبكرة عدّتها "غير متوازنة" و"منحازة بشكل صارخ للمغرب"، و"تهدف عمليًا إلى تصفية القضية الصحراوية"؛ باعتبار مقترح الحكم الذاتي "الإطار الوحيد للتفاوض". ولم تشارك الجزائر في التصويت على القرار لعدة أسباب أهمها: أولًا، كان التصويت لصالح القرار سيفسَّر بأنه إقرار ضمني بمقترح الحكم الذاتي، وهو ما يتناقض مع التزامها التقليدي بخيار تقرير المصير. ثانيًا، كان التصويت ضده سيُفهم بأنه رفض لتمديد ولاية مينورسو، ما يعني بالنتيجة التخلي عن دعم حل الاستفتاء من أجل تقرير مصير الشعب الصحراوي، فالمهمة الابتدائية التي أنشئت لأجلها هذه البعثة هي تنظيم الاستفتاء. ثالثًا، كان التصويت ضد القرار سيضع الجزائر في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، صاحبة المشروع، وهو ما يهدد التقارب النسبي الذي أحرزته العلاقات الأميركية - الجزائرية منذ عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة.
 
سادسًا: المواقف الدولية
وضعت الولايات المتحدة كل ثقلها في اتجاه تسريع إيجاد حلٍّ نهائي لنزاع الصحراء الغربية، ولها في ذلك دوافع متشابكة؛ فهي ترى فيه مصدر توترٍ مزمن يهدد الاستقرار الإقليمي في شمال أفريقيا والساحل، وهي منطقة محورية في الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب، ومن شأن استمرار هذا التوتر أن يهدد المصالح الأميركية الحيوية في القارة الأفريقية. من ناحية أخرى، يأتي الدعم الأميركي للموقف المغربي، الذي انعكس بوضوح في نص القرار، في سياق صفقة أبراهام في عام 2020، التي طبَّعت بموجبها المغرب علاقاتها مع إسرائيل مقابل اعتراف أميركي بمغربية الصحراء. وفي حين تؤكد الرعاية الأميركية للقرار التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والمغرب، فإنها تبين أيضًا حدود التقارب الأميركي - الجزائري خلال السنوات الأخيرة، وتكشف عن عدم الارتياح الذي تنظر به واشنطن إلى العلاقات التقليدية، الجزائرية – الروسية - الصينية. فضلًا عن ذلك، لا يمكن فصل دور الولايات المتحدة في تمرير القرار، وضغطها من أجل تسوية سريعة للنزاع، عن الرغبة الشخصية لدى ترمب في تعزيز صورته بوصفه رجل السلام القادر على حل نزاعات مزمنة عجز غيره عن حلها.
 
في مقابل ذلك، امتنعت روسيا والصين عن التصويت على القرار، معبّرتين عن تحفظهما على المسوّدة الأولى التي تجعل الحكم الذاتي الأساس الوحيد للتفاوض. ومع ذلك، لم تستخدم أيٌّ منهما حق النقض تفاديًا لعرقلة العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، واكتفتا بتسجيل اعتراض رمزي محدود على المقاربة الغربية. ويسري ذلك أيضًا على باكستان، التي اتسم موقفها بالتحفظ انسجامًا مع موقفها التاريخي من قضية كشمير. وبالنسبة إلى موقف الصين، فهو يتناغم مع تزايد رغبتها في الحفاظ على نفوذها الاقتصادي في المغرب، وفي أفريقيا عامة، التي باتت محورًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق؛ فضلًا عن تفضيلها تجنب أيّ مواجهة مباشرة مع القوى الغربية في مجلس الأمن، خاصة مع انشغالها بملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليها (مثل مضيق تايوان، وبحر الصين الجنوبي، والحروب التجارية مع الولايات المتحدة).
 
أما الموقف الروسي، فلا يبدو معزولًا عن الفتور المتزايد الذي تشهده العلاقات الروسية - الجزائرية منذ بداية الحرب الأوكرانية في عام 2021، حين أحجمت الجزائر عن الاصطفاف إلى جانب روسيا وتفضيل الموازنة بينها وبين الغرب. ومن ذلك أنها سارعت إلى التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي لزيادة صادرتها إليها من الغاز لتعويض ما فقدته السوق الأوروبية بفعل العقوبات الغربية على روسيا. وفي عام 2022، امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب روسيا بوقف استخدام القوة ضد أوكرانيا (ولم تعارضه كما توقعت منها روسيا بوصفها "حليفًا استراتيجيًا"). وتَأكَّد هذا الفتور أكثر فأكثر مع رفض مجموعة "بريكس" طلب الجزائر الانضمام إليها في عام 2023. علاوة على ذلك، يُعدّ تزايد الوجود الروسي، من خلال قوات فاغنر، في منطقة الساحل واعتبار الجزائر أنه تهديد للاستقرار الإقليمي، مصدرًا آخر لزيادة الفجوة بين المواقف الروسية والجزائرية. لكن ثمة مسوغ آخر دفع روسيا إلى تبني هذا الموقف، يتمثّل في رغبتها، منذ عودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية، في تخفيف التصعيد مع الولايات المتحدة خاصة في الملف الأوكراني؛ ومن ثم، لا يبدو أنها كانت على استعداد للدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة في ملف ثانوي بالنسبة إليها (الصحراء الغربية) والمجازفة بإثارة حفيظة ترمب الذي بات قاب قوسين أو أدنى من القبول بمكاسب روسيا الجغرافية في أوكرانيا مقابل تسوية نهائية للصراع.
 
خاتمة
يمثل القرار 2797 لحظة تحوّل في مسار النزاع في الصحراء الغربية؛ إذ يعكس تغيّرًا في خطاب مجلس الأمن، من الدعوة إلى تقرير المصير عبر الاستفتاء إلى فرض تقرير المصير ضمن مبادرة الحكم الذاتي المغربية؛ وهو ما يمثل مكسبًا دبلوماسيًا للمغرب، بينما باتت البوليساريو تواجه تحديات متزايدة، خاصة مع تراجع الاعترافات الدولية بها. وأمّا الأمم المتحدة، فأمامها طريق صعب لتحويل القرار إلى عملية تفاوضية فعالة تفضي إلى التوفيق بين طرفَي النزاع، ومنع انهيار وقف إطلاق النار. ومن المرجّح أن تمارس الولايات المتحدة ضغطًا على البوليساريو من أجل التعامل بإيجابية مع العملية التفاوضية المرتقبة في إطار القرار 2797، تحت رعاية الأمم المتحدة.