صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، للصحفيين في 11 ديسمبر/كانون الأول: "يجري حاليًا قدر هائل من التخطيط الخفي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام،" مضيفةً: "هدفنا إرساء سلام دائم." لكن إذا ما قسنا على الاتفاقيات السابقة التي توسطت فيها الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن يعني هذا "السلام" تحقيق العدالة. إذ تشير التفاصيل التي تتسرب من الصحافة الإسرائيلية إلى أن خطة قوات الأمن الإسرائيلية تُوضع في صيغتها النهائية من قبل قادة عسكريين سيجتمعون في ألمانيا لتحديد قواعد الاشتباك الخاصة بهذه القوات، وتحديد فصائل المقاومة التي يجب تحييدها.
نزع سلاح المقاومة، لا الاحتلال
بدأت تظهر بوادر الخلل في الخطة. فقد برزت الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، ليس حول نزع سلاح حماس من الأساس، بل حول توقيت وكيفية ذلك. تصر تل أبيب على ضرورة تسليم جميع فصائل المقاومة أسلحتها قبل إنزال قوات الأمن الإسرائيلية في غزة. أما واشنطن، التي تواجه ردود فعل إقليمية سلبية وتراجع صورتها كوسيط محايد، فتسعى إلى اتباع نهج تدريجي.
يقول الباحث والكاتب المقيم في تايوان الدكتور غلام علي لموقع "ذا كريدل":كيف يمكن للولايات المتحدة أن تُصيب الهدف بدقة مع الحفاظ على تدفق الأسلحة إلى إسرائيل بشكل ثابت لا يتزعزع؟ من غير المرجح أن يؤدي تقليص نفوذ حماس إلى سلام مستدام. إن الضغط على إسرائيل هو الحل الوحيد الفعال." ويؤكد أن الغرب سيكون عاجزًا في نهاية المطاف عن كبح جماح إسرائيل، إذ بات من الواضح بشكل متزايد أن كل مبادرة سلام غربية تُفضي إلى مزيد من اندماج إسرائيل في المنطقة.
وصرح الصحفي والباحث من سنغافورة الدكتور جيمس إم. دورسي في برنامج حواري على إذاعة "راديو إسلام" مؤخرًا، بأن ترامب قلق من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يعرقل المبادرات الدبلوماسية الأمريكية لحل الصراع في غزة.
وقد بلغ الخلاف ذروته بعد اغتيال إسرائيل لقائد حماس رائد سعد، وهي عملية أثارت استياءً نادرًا من البيت الأبيض، حيث نقل مسؤولون أمريكيون "رسالة خاصة شديدة اللهجة" إلى نتنياهو مفادها أن هذه الخطوة تُعدّ خرقًا لإطار وقف إطلاق النار الذي ساهمت إدارة ترامب في التوسط فيه. وأدى رفض نتنياهو المتشدد لتخفيف الضغط العسكري على غزة ولبنان إلى تأجيل اجتماع مُقرر بين الزعيمين حتى يناير/كانون الثاني.
كما كشف نقاش نزع السلاح عن انقسام أوسع داخل محور المقاومة وخصومه المتحالفين مع الغرب. فقد قاومت قطر ومصر وتركيا - وكلها دول محورية في مفاوضات وقف إطلاق النار - الضغوط الأمريكية لدعم نشر عسكري قبل أن توقف إسرائيل انتهاكاتها وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية. في المقابل، يسعى نتنياهو إلى نشر القوات الإسرائيلية كأداة لتفكيك حماس بالكامل. وفي الوقت نفسه، يُقرّ توم باراك، مبعوث واشنطن إلى سوريا، بأن نزع سلاح حزب الله "غير منطقي".
شراء التواطؤ لا التوافق
لاتزال الدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة متخوفة. فالرأي العام في المنطقة يميل بشدة إلى المقاومة الفلسطينية، ما يجعل التدخل العسكري المباشر في غزة أمراً بالغ الخطورة سياسياً. ومع ذلك، تراهن واشنطن على الدبلوماسية القائمة على المصالح المتبادلة لكسب تأييد حلفائها. فعلى سبيل المثال، قد تموّل الإمارات قوات الأمن الإسرائيلية دون إرسال قوات - وهو حل بديل لتجنب ردود الفعل الداخلية مع الحفاظ على تحالفها مع تل أبيب.
أما موقف باكستان فهو متناقض بنفس القدر. فبينما تنفي وزارة خارجيتها أي قرار رسمي بالانضمام إلى قوات الأمن الإسرائيلية، يشير المحللون إلى أن الجيش الباكستاني من المرجح أن يمتثل للتوجيهات الأميركية. وكما صرّح المحلل العسكري الباكستاني والمدير التنفيذي لمركز البحوث والدراسات الأمنية (CRSS)امتياز غول، لموقع "ذا كريدل": "تتمثل الاستراتيجية والأهداف الرئيسة لقوات الأمن الإسرائيلية في ما يتعلق بنزع سلاح حماس في تحييدها والقضاء عليها نهائياً، إلى جانب فصائل المقاومة الأخرى. فالهدف الأساسي ليس نزع السلاح، بل تحييد المقاومة والقضاء عليها في المنطقة بدعم من إسرائيل وحلفائها من الدول الإسلامية."
يؤكد غول كذلك أن نتنياهو وصف حماس باستمرار بأنها تهديد وجودي لإسرائيل، مؤكداً أن القضاء عليها ضروري لأمن تل أبيب. وهدف قوات الأمن الإسرائيلية الرئيس هو القضاء التام على حماس، وهو هدف ستدعمه صراحةً الدول المتعاونة في العملية الأميركية الإسرائيلية المشتركة في غزة.
حفظ سلام أم استعراض قوة؟
أبدت باكستان وإندونيسيا وأذربيجان وتركيا ومصر رغبتها في المشاركة في قوة تحقيق الاستقرار المقترحة لغزة. ولاتزال مهمة هذه القوة غامضة؛ لذا لم تعلن أي دولة حتى الآن انضمامها رسمياً إلى القوة الدولية. ففي الأسبوع الماضي، صرّح طاهر أندرابي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، بأن إسلام آباد لم تحسم أمرها بعد بشأن المشاركة في قوة الأمن المقترحة لغزة. وأوضح أن المحادثات بشأن غزة جزء من جهود دبلوماسية أوسع وليست اقتراحاً رسمياً. وأضاف أن باكستان تدعم جهود تحقيق الاستقرار لغزة، لكن أي قرارات بشأن التدخل الأجنبي ستكون متوافقة مع سياستها.
يقول الدكتور علي لموقع "ذا كريدل" إنه يعتقد أن الجيش الباكستاني سيبذل قصارى جهده للامتثال لتوجيهات واشنطن: "يحظى الجيش بدعم الفصائل الدينية، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في إقناع باكستان بإرسال قوات، فإن هذه الفصائل الدينية نفسها ستكون أول من يُشيد بهذه الخطوة. قائد الجيش، الذي يقف في موقف حرج، غير قادر على معارضة الولايات المتحدة."
يرى غول، رغم تفاؤله بانضمام باكستان إلى قوى الأمن الإسلامي، أن قرار إسلام آباد بالتحالف معها يُعدّ ترتيبًا ذا منفعة متبادلة بين الولايات المتحدة وباكستان. ويؤكد قائلاً: "ستمتنع الولايات المتحدة عن التدخل في هيكل الحكم الهجين الحالي في باكستان مقابل تأييد باكستان للمبادرات الأمريكية بشأن غزة وإمكانية تسهيل اتفاقية إبراهام."
معضلة باكستان
المتوقع أن يلتقي عاصم منير، المشير الباكستاني القوي الذي عزز مؤخرًا سلطاته غير المسبوقة لتولي قيادة أفرع الجهاز العسكري الثلاثة، الرئيس ترامب في الأسابيع المقبلة لمناقشة نشر القوات في غزة. ورغم نفي وزارة الخارجية الباكستانية زيارة منير إلى واشنطن واكتفائها ببيان مبهم بشأن نية إسلام آباد الانضمام إلى قوات الأمن الإسلامية، يرى محللون أن حظر الجنرال منير لمنظمة دينية متطرفة ومنحه حصانة قانونية مدى الحياة، قد ألمح إلى إمكانية اتخاذ إجراءات أكثر أهمية.
ويكشف غول: "يبدو أن القيادة العسكرية تتمتع باستقرار سياسي، إذ تدعم كيانات سياسية بارزة مثل حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية الباكستانية (ن) النظام الحالي، وقد تقدم بعض التنازلات لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان وكبار مساعديه مقابل التزامهم الصمت حيال مسائل النشر".
ويضيف أن المؤسسة العسكرية تاريخياً استغلت جماعات الضغط اليمينية والأحزاب السياسية في باكستان، بينما لا يُمثل حزب حركة الإنصاف الباكستانية (PTI) وزعيمه المسجون، خان، سوى معارضة ضئيلة حالياً بسبب العقبات الإدارية والقانونية المستمرة. كما أشار إلى أن باكستان تُعد ثاني أكبر مساهم في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على مستوى العالم.
إسناد الاحتلال إلى جهات خارجية
برز إنشاء قوات الأمن الإسرائيلية كعنصر حاسم في جهود السلام في غرب آسيا عقب الصراعات في غزة وجنوب لبنان. فقد أقر مجلس الأمن الدولي إنشاء قوات الأمن الإسرائيلية بموجب القرار 2803 الشهر الماضي، بهدف نقل السيطرة الأمنية من الجيش الإسرائيلي إلى السلطات المحلية. إلا أن البند المتعلق بنزع سلاح الجماعات المتجذرة مثل حماس وحزب الله يتطلب استراتيجية معقدة تدمج العمل العسكري مع الدوافع السياسية. صُممت قوات الأمن الإسرائيلية، التابعة للقيادة المركزية الأميركية، كهيئة عالمية لحفظ السلام تركز على نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وقد دُعيت أكثر من 70 دولة للمشاركة، مع إعطاء الأفضلية لقوات من الدول العربية والإسلامية لتعزيز "الشرعية".
ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن قوات الأمن الإسرائيلية مخولة باستخدام القوة في حال فشل مفاوضات نزع السلاح، الأمر الذي يدفع العديد من الدول الإسلامية المشاركة إلى التردد خشية ردود فعل سلبية من مؤيدي القضية الفلسطينية. ويمثل تفكيك حركة حماس ومنع إعادة بناء بنيتها التحتية تحديات جسيمة، وتؤكد حماس أن أي نقاش حول نزع السلاح مشروط بإقامة دولة فلسطينية.