حذرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير أعدّه باحث في مركز البحوث العالمية TRT توران جفارلي، من أن الصدع داخل حكومة الوفاق الوطني في طرابلس يهدد السلام الهش. وسلطت الضوء على تعليق رئيس وزراء حكومة الوفاق فائز السراج، عم وزير الداخلية فتحي باشاغا في آب/ أغسطس الماضي.
وقالت الصحيفة: عندما قام رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة من الأمم المتحدة فايز السراج بإيقاف وزير الداخليّة عن العمل في نهاية آب\أغسطس، احتفلت الميليشيات في طرابلس بإطلاق النار في الهواء. لكن بعد يومين من قرار السراج إلى طرابلس عاد فتحي باشاغا إلى المدينة قادمًا من تركيا، إذ كان يجري مباحثات رسمية، واستقبلته الميليشيات المتناحرة استقبال الأبطال، وسارت مواكب في الشوارع
تحت ضغط من الأمم المتحدة وتركيا والقوى الأجنبية الأخرى التي تدعم حكومة الوفاق الوطني، قام باشاغا ولسراج بمعالجة خلافاتهما وأعيد الوزير.
لكن الانقسام العلني ومشاهد الجماعات المسلحة المتنافسة في الشوارع بحسب محللين ودبلوماسيين يسلط الضوء على هشاشة التحالف الذي يدعم حكومة الوفاق الوطني، ويهدد جهود السلام في دولة شمال إفريقيا المنقسمة، المصدرة للنفط، لأن ليبيا منقسمة على نطاق واسع بين إدارات متنافسة: حكومة الوفاق الوطني التي تحكم الغرب الليبي، والشرق الذي يديره البرلمان المتحالف مع الجنرال المنشق خليفة حفتر الذي يريد السيطرة على البلاد. لكن كل الفصائل تعتمد على ميليشيات استغلت قرابة عقد من الفوضى وملأت الفراغ، على الرغم من أنهم في طرابلس ساعدوا في حماية المدينة بعد أن شن الجنرال حفتر هجومه على العاصمة في نيسان\ أبريل 2019، فقد اتُهموا لسنوات بالتصرف مثل العصابات الإجرامية وارتكاب الجرائم، والابتزاز ونهب أموال الدولة...
في حزيران \يونيو صدت قوات حكومة الوفاق الوطني ـ ومعظمها من الميليشيات المدعومة بطائرات مسيرة تركية ـ حفتر وحصاره لمدينة طرابلس الذي استمر 14 شهرًا. وحد هجوم اللواء حفتر الجماعات المسلحة المتنافسة في غرب ليبيا. وشملت هذه القوات المتمرسين من مصراتة ـ مسقط رأس السيد باشاغا ـ وهي قوة سياسية وعسكرية في حد ذاتها. لكن بمجرد أن هدأ الخطر، بدأت الانقسامات بالظهور.
وقال دبلوماسي غربي " الوقت الآن ليس مناسبًا على الإطلاق لحكومة الوفاق الوطني لبدء القتال. لكن من المتوقع حدوث ذلك، وكان من المتوقع أن تبدأ الميليشيات في إطلاق النار على بعضها البعض، لأنهم فقدوا عدوهم الخارجي".
الاقتتال الداخلي بين حكومة الوفاق الوطني أو الانفصال عن باشاغا الذي قد يغضب حلفاءه الأقوياء في مصراتة سيكون بمثابة انتكاسة للحكومة ويهدد جهود السلام الهشة. قال الدبلوماسي: "كانت مخاطرة أن يفقد السراج مصداقيته ليس على المستوى الدولي فقط، وعلى المستوى الوطني أيضًا "، وأي انهيار لحكومة الوفاق الوطني، أو جولة جديدة من القتال بين الميليشيات سيضيف طبقة أخرى من التعقيد لما تحول إلى حرب بالوكالة تجتذب قوى إقليمية ودولية.
الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة مسلحة ومدعومة من تركيا أيضًا التي أرسلت الآلاف من المرتزقة السوريين للقتال إلى جانب قواتها. وتلقى حفتر أسلحة ومعدات عسكرية ودعمًا لوجستيًا من الإمارات العربية المتحدة ومصر. كما عزز المرتزقة الروس من قوة فاغنر، وهي شركة تعتقد المخابرات الغربية أنها جهاز يتبع لوحدة المخابرات العسكرية الروسية.
قال المساعد الأول في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ولفرام لاتشر: إعادة السيد باشاغا إلى منصبه سدت الفجوة في الوقت الحالي، لكن من المرجح أن تفتح. ووصف لاتشر قرية النواصي بأنها "مافيا معروفة بصلاتها بالمسؤولين الفاسدين في الإدارة" معتبرا ان منح السيد باشاغا "حرية التصرف" ضد الميليشيات المرتبطة بالفساد من شأنه أن يضعف السيد السراج. وقال: "ابتعد الاثنان الآن عن حافة الهاوية، وتجنبا المواجهة، لكنهما على الأرجح يستعدان لجولة أخرى".
تأتي الانقسامات داخل حكومة الوفاق الوطني في وقت خطير حيث جمعت الأطراف المتحاربة قواتها حول مدينة سرت الاستراتيجية التي يسيطر عليها حفتر وسط الساحل الليبي. وقال دبلوماسيون إنه منذ وقف إطلاق النار أطلقت قوات الجنرال صواريخ غراد بالفعل على مواقع لحكومة الوفاق الوطني في المنطقة في محاولة على ما يبدو لإثارة المواجهة.
وقال دبلوماسي غربي: "حفتر خطير لأنه لا يحب الوضع الحالي من اللاحرب واللاسلم"، "إنه يبحث عن حدوث شيء ما، لأنه يعرف انه مع التعزيزات العسكرية في المنطقة. . . قد يحصل شيء ما. في هذه الحالة، سيعود إلى خط المواجهة.