• اخر تحديث : 2024-12-27 22:39
news-details
دراسات

حرية المعتقد بين الرؤى الفلسفية والسياسية


تثير حرية المعتقد إشكالات عديدة أكثر من أي نوع آخر من الحرية، فقد كان حقُّ الإنسان في اعتناق المعتقد الذي يختاره أمرًا غير مسلَّم به، بالنظر إلى التعصب الذي يُواجَه به هذا الاختيار حين يكون مختلفًا عن اختيار البيئة المحيطة به وكأن الحق في الاعتقاد ممارسة جماعية لا فردية؛ إذ ترى الجماعة أن اعتناق فرد ما لمعتقد أو مذهب أو أيديولوجيا مختلفة، يشكِّل خطرًا عليها ويمس بمعتقداتها. ويصبح المعتقد نفسه -من وجهة نظرها- في خطر، بسبب تفضيل فرد منها لمعتقد مخالف؛ مما يستدعي دخول عناصر أخرى على المعادلة لتتوازن، وتتمثَّل بشكل أساسي في المعرفة أو الوعي، أو إعمال الفرد والجماعة لخاصية التفكير الذي يقود إلى منطق التوازن في تناول أي حدث جديد.

يقول المُفكِّر الإنجليزي، أشعيا برلين، "كل مكسب في المعرفة، يُحرِّرني على صعيد ما، ويزيد على المستوى الإجمالي للحرية، التي أتمتع بها؛ في حالة ما إذا كانت المعرفة تعني ما قصَدَه التعريف الكلاسيكي، أي معرفة الحقائق، لا معرفة ماذا نفعل". بهذا تصبح الحرية مسألة معرفية، تقوم إلى جانب وظيفة المعرفة المباشرة، بوظيفة أهم منها، وهي تحرير الوعي الذي استفاد من نقاش عُمره عشرات القرون، حول الإنسان ونتاج عقله من فكر وفلسفة وعلم، والمعتقدات محل إيمانه الديني أو الروحي، أو ما يعتنقه من أيديولوجيات، أو أنماط تفكير أو حياة. من خلال ذلك، يمثِّل التوسع في المعرفة سعيًا نحو توسيع درجة الحرية التي أتاحتها هذه المعرفة، ودورها في حماية حرية الآخر أيضًا كـ(أنا) أخرى مغايرة. وتكريس التسامح أساس لابد منه لأية علاقة بين إنسان وآخر، وبينهما مع المحيط كيفما كان، وموقع الإنسان داخله.

في هذا السياق، لعل حرية المعتقد أبرز ما يتحدَّى المعرفة بضرورة التسامح مع الآخر في علاقته مع الحرية، والإقرار بها فعلًا وقولًا، وهي التي تتجه الدول حثيثًا نحو إقرارها واحترامها، ويتجه مزيد من الأفراد إلى مقاومتها، في مفارقة لافتة، مع ما نراه من انتكاسات تميل إلى التعصب في انتمائها العقائدي، من فئات ترفض هذه الحرية، لحماية معتقداتها -حسب رأيها-، فيُصبح الخوف من فقدان الإيمان بمعتقد، أقوى من الإيمان به في زمن يكاد يستحيل فيه التحكُّم في الانتماء العقائدي للأفراد، مع تحوُّل العالم إلى بيت صغير تُضيئه المعرفة. لعلها لا تشكِّل سوى محاولة من الفرد في علاقته غير المتوازنة مع المؤسسات، بالتمسك بما يجعله مرئيًّا، أو بممارسة حريته في رفض المعتقدات العامة، حتى ولو كانت هذه المحاولة صائبة وتخدم مصلحة الجميع، لكنها تبقى محاولة تفتقد الوعي بمجالات الحرية وحدودها، من أفراد لهم معرفة محدودة، بالنتيجة تكون رؤيتهم للحرية ضيقة للغاية.

يقتنع البعض بأن ممارسة غيره لحقه في حرية اعتناق معتقد آخر مخالف لمعتقد أفراد مجتمعه هو خطر عليه واستفزاز له واستهداف لهويته، وهذا يترجم شعورًا بالنقص إزاء الآخر. ومن أهم الأمثلة على ذلك نظرية المؤامرة ضد الدين الإسلامي التي يُبعِد المؤمنون بها أي دور للأسباب الذاتية فيما يعرفه المسلمون من نكوص، ويربطون كل السلبيات التي يعرفها واقعهم بما يقوم به الغرب من سياسات، وكأنه يفعل ذلك كله بهدف محاربة الإسلام والمسلمين دون أن يتم الأخذ بعين الاعتبار أن ما ينتجه هذا الغرب موجه لمجتمعه أولًا، ثم لباقي المجتمعات، بفعل تهاوي الحدود وانفتاح العالم تحت تأثير العولمة.

في هذا التفسير، يُصبح المسلمون مركز العالم، وما يفعله الآخرون هو محاربتهم باختراع كل مظاهر الحياة التي يرى هؤلاء أنها معادية لقيم الدين الإسلامي. ولعل التنميط الذي تمارسه العولمة الرأسمالية بالكثير من العنف مُحرِّض محوري لقطاعات كبيرة من الأفراد للجوء إلى ما يعتقدون أنه دفاع عن هويتهم، في مواجهة ما يعدونه -بحق أو بغير حق- "اعتداء" يصيب انتماءهم وثقافتهم.

تحاول هذه الدراسة رصد جدل حرية المعتقد بين العقل والواقع، في سياق يتباين بين دعوات التعايش الديني، والميل للتعصب. ولا يمكن حصر هذا التوجه في أعضاء التنظيمات التقليدية أو المتشددة ذات المرجعية الإسلامية، التي ترفض قيم المجتمع الحديث وقوانينه وقواعده فحسب، بل هي ظاهرة عالمية نجدها لدى عدد من الطوائف المسيحية، خاصة في دول معينة مثل الولايات المتحدة وبعض أقطار أوروبا الغربية، أو لدى اليهود وما نراه من تنظيمات متطرفة، كانت إلى عهد قريب تفرض منع النساء من المشي في الشارع نفسه الذي يمشي فيه الرجال، في مجموعة من الأحياء التي يقطنها متشددون ينتمون لجماعات يهودية يمينية متطرفة، في مناطق جغرافية عديدة مثل الولايات المتحدة.

وتنبع أهمية الدراسة من مساراتها المتعددة، وتنطلق من صراعات فكرية واكبت النزاعات المسلحة والقطائع الأيديولوجية والفكرية، إلى نصوص حقوقية وقانونية تسعى إلى حماية الحقوق، وما هو بديهي منها أو أكثر حساسية. كما تحاول الدراسةُ الاقترابَ من حرية المعتقد بين التعصب والتسامح، من خلال تناول حرية المعتقد في الفكر الإنساني وداخل المجتمعات الراهنة عبر تناول الإشكالية المتمثلة في العلاقة بين المعرفة وارتفاع وعي الإنسان بأهمية تلك الحقوق؛ فهل تكفي المعرفة لتحرير الوعي من التعصب الديني، وتحقيق حرية المعتقد في المجتمعات التي تنظم شؤونها القوانين ذات المرجعية الدينية؟

يتفرع عن هذه الإشكالية المركزية عدد من الأسئلة الفرعية، مثل: كيف تؤثر المعرفة على قبول حرية المعتقد داخل المجتمع؟ ما مصادر حرية المعتقد ومساراتها في الثقافة العربية؟ هل الفرد مخير في مستوى الحرية التي ينالها؟ وهل الدولة مسؤولة عن وعيه، وبالتالي هي مصدر المعرفة ومصدر الحرية كذلك؟ هل يمكن حماية حرية المعتقد من العراقيل ذات الطبيعة الثقافية من خلال القوانين والتشريعات أم تعتمد على تحرير الوعي عبر المنظومة التعليمية؟

من خلال استقراء مجموعة من التمثلات الأولية نبني الفرضية الرئيسية، وهي أن الحق في حرية المعتقد مقدس ويجب عدم المساس به، فهو جزء من سمو الإنسان كائنًا عاقلًا مسؤولًا عن مصيره بشرط عدم الإضرار بالآخر. كما يمثِّل هذا الحق أحد المعايير الأساسية لتقدم الدول ونهضتها، ويشكِّل الاعتراف به وتكريسه دليلًا على تقدُّم الدول في تجارب مختلفة للحضارات الإنسانية في الماضي والحاضر. وهو ما يتفرع عنه فرضيتان فرعيتان، هما:

- تؤدي المعرفة الحقة إلى تحرير الوعي من التعصب الديني، وتحقيق حرية المعتقد في المجتمعات ذات التعددية الدينية أو المذهبية، أو التي تنظِّم شؤونها القوانين ذات المرجعية الدينية.

- يمكن تجاوز صعوبات تحقيق حرية المعتقد من خلال إعادة النظر في الرؤية التقليدية للنصوص الدينية، والاجتهاد والعمل المستمر على فهم النص الديني في سياق يتقبل الآخر ولا يقصيه. وهو الإصلاح الذي لا يمكن أن يكون كافيًا إلا إذا رافقه إصلاح عميق يمس الجوانب السياسية (مثل إقرار الديمقراطية بقيمها المتعارف عليها عالميًّا: التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة...)، والاقتصادية (بناء اقتصاد إنتاجي يتجاوز البنيات الريعية السائدة، ومحاربة الفساد...)، والاجتماعية (إقرار العدالة الاجتماعية، وحماية الفئات الهشة، وضمان ولوج الجميع للمرافق العمومية من تعليم وصحة...)، والثقافية (نشر ودعم ثقافة تحديثية تنتصر للإنسان، وتأسيس بنيات للثقافة والفنون لترقية الذوق العام...). هذه الاستراتيجية كفيلة بتحويل عملية الإصلاح الديني في مجتمعاتنا إلى رافعة أساسية لتكوين شخصية الفرد المؤمن بحرية المعتقد، بشكل يجعله لا يرى في ذلك اعتداء على هويته، بل قيمة تغني المجتمع.

وتستعين الدراسة بالمنهج التاريخي، وهو منهج يقوم على تتبُّع تطور الأفكار والأحداث والنقاشات التي جرت على مرِّ التاريخ في مجالات علمية مختلفة، وقراءة الحدث والاجتهادات الفكرية في سياقاتها لفهم قرار أو سلوك أو مرحلة أو موقف أو تطور توجه حقوقي أو فلسفي، مما يساعدنا في السعي إلى تسليط الضوء على مكامن الخلاف بشأن حرية العقيدة بين اجتهادات الفكر الإنساني وإكراهات السياقات التاريخية.

1. حرية المعتقد بين الجدل والتعصب

تتعدد تعريفات وتفسيرات الحق والحرية باختلاف المرجعيات الأيديولوجية والفلسفية والحقوقية؛ فتأخذنا بعض الاجتهادات إلى المرجعيات الدينية، وأخرى إلى الرؤية الفلسفية التي حاولت تفسير الصراع على حرية المعتقد، والسياقات التاريخية التي مرَّت بها.

1.1. الحق والحرية بين الوعي والاستيعاب

تختلف وتتراوح درجة تقدير الحرية حسب المفكرين ومنظِّري التاريخ والفلسفة والسياسة؛ فالبعض يراها مقدسة مثل فريدريك هيجل لاعتبار واحد، هو وجود التصور المطلق للحرية الواعية بذاتها. ولكن سبب اختلاف أشكال الحق (والواجب أيضًا) هو وجود اختلافات عدة في مستويات تطور مفهوم الحرية. والحق هو ما يجعل الإرادة حرة. إذن، فالحق هو الحرية باعتبارها فكرة. فيما يتمثَّل العنصر الأساسي في التعريف الكانطي للحق في كونه "تقييدًا لحريتي حتى نتمكن جميعًا من الانسجام مع حرية اختيار كل فرد". وهذا التعريف يحتوي على الفكرة ذائعة الصيت منذ جان جاك روسو، التي مفادها أنه يجب على القاعدة الأولية والجوهرية ألا تكون الإرادة المجسدة شيئًا عقليًّا في ذاته ومن أجل ذاته؛ حيث تصبح الحرية هي القاعدة الجوهرية الموجودة من أجل هدف سامٍ، هو حماية كل الحريات شرط ألا تتعارض معًا؛ حينها تتوقف عن كونها حرية لتصبح مصادرةً لحرية الآخر. ورغم الاختلاف في التقدير والتعريف بالحرية والحق، لكن توجد نقط التقاء كثيرة، تعود إلى قيمة الإنسان موضوع الحق والحرية.

ويترتب على مبدأ الحرية باعتبارها قيمة فردية نظام من العلاقات المدنية والاقتصادية والسياسية. والدرس الذي نستخلصه من الماضي يتمثَّل في مفارقة أن الاختلاف رُفض دائمًا على مستوى الأيديولوجيا، ولو أنه واقع مستمر. فنجد ما يكتبه المؤرخون من جهة، وما يتمسك به العقائديون، أو الأيديولوجيون من جهة أخرى؛ فالتاريخ كما سجله المؤرخون هو ميدان الخلاف والاختلاف في رأي المفكر، علي أومليل. أما أصحاب العقائد فإن الحقيقة عندهم واحدة وأبدية، وحتى وهم منقسمون إلى مذاهب وفرق، فإن كل فريق يعتقد أنه الوحيد الذي على صواب. وحين نتحدث عن التعارض بين الأخلاقية الذاتية أو الموضوعية والحق، فإننا نعني بهذا الأخير ذلك الحق الشكلي المتعلق بالشخصية المجردة. إن الأخلاقية (الذاتية والموضوعية) ومصلحة الدولة تكوِّنان، كل واحدة على حدة، حقًّا خاصًّا، لأن كلًّا منهما هو تعيين للحرية ولا يمكنهما التصارع إلا إذا أدى بهما، كونهما حقَّيْن، إلى الحضور على الخط نفسه.

1.2. حرية المعتقد ومسألة الوعي

إن الحق في الاختلاف يرجع وجوده إلى الكيفية التي تشكَّلت بها عقلية معينة؛ لأن العقليات هي وراثة لماض مديد، هو الذي شكَّلها وعمل على تكييفها، وهي عقليات بطيئة التغيير. لهذا يشترط علي أومليل أن يكون الاختلاف هادفًا وحقيقيًّا وأصيلًا؛ لأن "الاختلاف من أجل الاختلاف تشتيت لا نهاية له للآراء والمعتقدات، كل منها منغلق على ذاته رافض للآخر، كل منها يشكِّل عصبية لا تقبل بالتعايش" بحيث يقوم الاختلاف على تعدُّد زوايا النظر إلى الموضوع محلَّ الاختلاف، وعلى حجج حقيقية، لا على الاختلاف من أجل عدم الاتفاق مع الآخر، لموقف منه أو للحصول على شرعية المعارضة، أو لجلب الأصوات المخالفة للآخر.

إذن، هو صراع العصبيات وما يجره من فوضى على النظام الاجتماعي؛ فـ"الحق في الاختلاف هو الشرط الأول لتأسيس تقاليد الحوار، وقيام المشروع الاجتماعي المبني على "الوفاق العالِم" لا الوفاق الأعمى.

ويقصد به التوافق عن اقتناع ووعي ومعرفة بالأسباب الداعية إلى الوفاق مع "أطراف متعددة، مع ضمان حرية الرأي والتنظيم والمشاركة".

ويثير الحديث الكوني عن حرية المعتقد، سواء أكان دينيًّا أم فكريًّا، مسألةَ الوعي بحرية الإنسان أساسًا لتكريس الحق في اعتناق أي مذهب فكري، أو سياسي، أو ديني. ويُعيد إلى الأذهان مقولة المفكر، عبد الله العروي: إن "الوعي الليبرالي مرتبط بتفكُّك النخبة القديمة، والتكيف مع الوضع الحديث" بحيث إن الوعي بالحرية غير المشروطة في المعتقد ناتج عن معرفة مسبقة وعن تجربة تستوعب فشل أي مقاربة تهدف إلى فرض شروط عليها، عدا تلك التي تحفظ الحق الجماعي في المعتقد، بحيث لا يصطدم حقُّ فرد بحق آخر، في رأي أو فكر أو مذهب. والحداثة شرط لتحقيق هذا الوعي المنشود.

1.3. جدل المعتقدات والحق في الهوية

الانتماء إلى معتقد -أساسًا هوياتيًّا ينطلق منه الوعي بالذات باعتباره مطابقًا للآخر الذي له الحقوق نفسها التي لي، ومن خلال وعيي، واحترامي لحقه أضمن لنفسي هذا الحق- يقدِّم نفسه مُعطى أساسيًّا في النقاش، الذي أثاره التعصب الديني لبعض المهاجرين واللاجئين المسلمين في دول أوروبية ضمن الخطابات المتطرفة، التي تنشأ بين الفينة والأخرى. مع نزوع بعض العادات والأعراف، التي هاجر بعضهم من بلاده بسببها، إلى رفض الآخر، وعدم تقبُّل اختلافه الفكري، أو العقائدي، أو المذهبي، أو السياسي. بغض النظر عن هذه المعطيات، فإن طرح مسألة حرية المعتقد بهذا الشكل الواسع غير مألوف في تاريخ الإنسانية الزاخر بالصراع ونبذ الآخر.

ورغم الوعي الفلسفي المبكر بضرورة انتهاء البشرية من الاقتتال بسبب الرغبة في توحيد الاعتقاد والرأي، باعتباره ضربًا من المحال، والتسليم بحق الآخر في اختيار معتقده باعتباره انعكاسًا للذات إلا أن البشرية عانت طويلًا، قبل أن تُقِرَّ أخيرًا بضرورة حرية المعتقد كيفما كان نوعه، وتعمل على توفير ضمانات له داخل الحدود وخارجها، لأنه شرط ضروري لتحقق السلم، والتسامح، والتساكن، والتعايش.

مثَّل هذا الاقتناع حركة متواصلة في الزمن، بالنظر إلى أن ابن خلدون قال قبل قرون: "إن البشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم، وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة، واقتضاء الحاجات، ومدِّ كل واحد منهم يده إلى حاجته بأخذها من صاحبه، لما في الطبيعة الحيوانية من الظلم والعدوان بعضهم على بعض. فيمانعه الآخر عنها -حاجته- بمقتضى الغضب والأنفة، وبمقتضى القوة البشرية في ذلك، فيقع التنازع المُفضِي إلى المقاتلة، واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع الذي يتمثَّل في الحاكم عليهم، وهو بمقتضى الطبيعة البشرية، الملك القاهر المتحكِّم".

فالمبدأ إذن هو الوازع. ولا يوجد مبدأ يضم كل المبادئ ويحققها قدر مبدأ الحرية، الذي ينبغي أن يتجسد في قوانين تضمن له الحماية. لكن قبل ذلك يجب أن يحضر كلٌّ من الوعي والمعرفة لدى الفرد العادي؛ لأنه وعاء الحرية ووعاء المعرفة. والمعرفة المقصودة في السياق هي معرفة محيطة بالعلوم الإنسانية والتفكير الفلسفي في أساليب الحياة، لا المعرفة التي تقتصر على العلوم الحقة الجامدة، البعيدة عن العلوم الإنسانية التي تمنح الكائن الإنساني إمكانات للتساؤل والنقد والتشكيك بما يجعله قادرًا على إنتاج ثقافة تنويرية وبناء أطروحاته على أسس عقلانية تتفاعل مع معطيات الواقع بشكل بناء.

1.4. التعصب وحرية المعتقد

توجد نماذج عنيفة للتعصب الديني والمذهبي، الذي عرفته المنطقة العربية، مطلع القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فقد انطلقت بعده موجة من الحروب الطائفية في المنطقة. وهو الصراع الذي جرى نقله إلى أقطار أخرى في مرحلة الربيع العربي، حين ظهر ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية"، ليتخذ منحى أكثر دموية لم يسلم منه حتى المنتمون لنفس الدين والمذهب، ناهيك عن معتنقي ديانات أخرى، الذين تعرض بعضهم لما يشبه حملة إبادة، رافقها انتشار كثيف لآراء فقهية متشددة. وقد أخذ التعصب شكل حركات متطرفة اعتمدت الإرهاب أداة لتصفية المختلفين معها من المسلمين والديانات والأيديولوجيات الأخرى.

إن الوعي مع كل ما يحدثه من تغيير في أنماط التفكير والسلوك، لا يمنع من استثارة التعصب تجاه معتقد أو مذهب لما للطبيعة البشرية من ميل إلى تضييق الأفق، حين تعجز عن تحمل شساعته؛ إذ "ما تزال أفكار أفلاطون وأرسطو الأخلاقية والسياسية قادرة على إثارة حماسة البعض، ودفعهم إلى الانتصار لجماعات أو معتقدات بطريقة عنيفة"؛ يقول أشعيا برلين مستحضرًا نموذج كارل بوبر الذي ما كان ليهاجم نظريات أفلاطون دون الاجتماعية، بمثل هذا الانفعال الغاضب، والسخط الحانق، لولا وجود هذا الميل البشري إلى رؤية الآخر فاقدًا للبصيرة".

في الإطار نفسه، لا تزال آراء القديس أوغسطين حول معاملة الهراطقة، أو حول العبودية، أو رأي توما الأكويني عن السلطة السياسية، أو مبادئ جان جاك روسو، أو هيجل، تسبِّب ردود أفعال عنيفة، فكرية وعاطفية ووجدانية، من أولئك الذين لا يتفقون معها.

ويؤكد الفيلسوف الأميركي، ميخائيل ألين غيليسبي، أن "المفهوم التقدمي للتاريخ هو جوهري في العصر الحديث ولحظة تأسيسية للذات الحديثة، وتطور المفهوم الحديث للتاريخ في أواخر القرن الثامن عشر، من طرف مفكرين مثل جامباتستا ڤيكو، ومونتيسكيو، وفولتير، والذين تصوروا التاريخ عملية يُوظِّف فيها البشر عقولهم لخلق عالم حر، يعيشون فيه برخاء وسلام مع بعضهم البعض.

هنا يقدِّم مؤرخ العلم، ريتشارد بوبكين (Richard Popkin)، خلاصة تُضيء السبيل إلى التقبُّل الواعي لحرية المعتقد بغضِّ النظر عن طبيعته، سواء أكانت دينية أم فكرية أم سياسية، بالقول: إنه منذ أن "وقعت أزمة التشكيكية في القرن السابع عشر، أدركنا أنه ليس بالإمكان أن نقيم معارفنا على أسس يقينية بإطلاق، وأن قصارى ما يمكننا أن نأمله، هو استعمال وتجويد معاييرنا لتقييم حقيقة ما اكتشفنا بشأن العالم، ومدى

قابليته للتطبيق". أي أن نقبل بالمعرفة نفسها، ونوسعها مع الإقرار بأن "أسرار الطبيعة، وأسرار الأشياء في حدِّ ذاتها، قد احتجبت عنَّا إلى الأبد".

لذا يفترض في أية عملية جادة لتحرير الوعي أن تقوم المدرسة بتنمية ثلاثة أبعاد تُعد أساسية في تكوين شخصية الإنسان المتشبع بالتنوير، وهي: البعد العقلاني، والبعد النقدي، والبعد المقارن. وتجسد الأبعاد المعول عليها لتحقيق التقدم المطلوب لترسيخ حرية المعتقد باعتبارها ركنًا جوهريًّا في الحريات الأساسية للإنسان.

1.5. تطور حرية المعتقد

من الناحية القانونية حرصت الصكوك والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التمهيد لموجة من القوانين المحلية التي تسعى -حسب زعمها- إلى ضمان حرية المعتقد، ولو بإيقاع بطيء. فقد واجهت اعتراض دول كثيرة ترفض النص على الحرية الدينية في دساتيرها أو قوانينها، لأنها تقوم على أساس الدين الواحد الذي لا يلغي بقية الأديان، لكنه لا يوفر لها المستوى نفسه من التقدير، أو يقدم الحماية لمعتنقيها. ومن جهة أخرى، بلغت بعض الدول العلمانية في رفضها للأديان حدَّ تحول العلمانية إلى ما يشبه دينًا يحمل أطروحات متعصبة، وأبرز مثال على ذلك النموذج الفرنسي في سعيه المتطرف لمحو المظاهر الدينية للأفراد، وبالأخص مواطنوه المسلمون.

يمكن القول: إن القرن العشرين شهد بعض التقدم من حيث المواكبة القانونية الدولية لحرية المعتقد الحساسة في كثير من الدول؛ إذ جرى إقرار بعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد، حين اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتُمِد عام 1948. وتنص المادة (18) منه على أن "لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره". وهي المادة التي عرفت وتعرف تحفظًا من دول عديدة أبرزها الدول الإسلامية التي ترى في حرية الدين فرصة للتحول والارتداد عن الدين الإسلامي.

وبعد عشرين سنة من السعي، تبنَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت، في 1981، إعلانًا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمَيْن على أساس الدين أو المعتقد، سيشار إليه فيما بعد بإعلان 1981. ولئن كان هذا الإعلان يفتقر إلى الطبيعة الإلزامية، ولا يتضمن آلية للإشراف على تنفيذه، فإنه يظل، مع ذلك، أهم تقنين معاصر لمبدأ حرية المعتقد، وأحد الخطوات المهمة نحو تكريس هذا الحق عالميًّا، وتلا ذلك صدور التعليق العام رقم 22 للجنة المعنية بحقوق الإنسان حول المادة (18) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1993 ليبقى التنفيذ رهن القرارات السياسية للدول.

1.6. التناغم الاجتماعي

من شأن التناغم الاجتماعي أن ينشأ بشكل طبيعي من كفاح البشر لإيجاد طرق للعيش، والعمل بعضهم مع بعض، كما ذهب إلى ذلك آدم سميث (Adam Smith)، بما أن الحرية والمصلحة الشخصية لا تقودان إلى الفوضى بالضرورة، وإنما تؤديان إلى النظام والانسجام؛ كأن يدًا خفية ترشد خطاهما. وهكذا فإن الحفاظ على نظام اجتماعي مزدهر، لا يتطلب الإشراف المستمر من جانب الملوك والوزراء، وإنما ينمو جوهريًّا نتيجة الطبيعة البشرية.

في السياق نفسه، انتقد ميشال فوكو فكرة الضبط من أعلى الهرم. وللقيام بمقاربة بين حقوق العقد الاجتماعي وبين السلطة الانضباطية، يقول فوكو: "إن الانضباط هو الذي يخلق الرابط بين الأفراد. وهذا الرابط المبني على الإكراهات، هو الذي يجعل الأفراد وحدة واحدة"، أي إن ما يربط الناس بعضهم ببعض ليس التزامًا طوعيًّا للحفاظ على المجتمع، بل الرابط هو السلطة الانضباطية، التي تعمل على تحديد هوية الفرد من خلال الالتزامات المختلفة: قانونية وسياسية وقومية.

2. جدل حرية المعتقد بين المرجعيات الدينية والسياقات الثقافية

تمثِّل السياقات الثقافية والحضارية للشعوب الأساس الذي يُفسر استيعاب المجتمعات المختلفة لمبدأ حرية المعتقد أو رفضها له، أكثر مما يفسره سيادة هذا الدين أو ذاك داخل المجتمع، وهذا ما يجعل مجتمعًا تغلب عليه الديانة المسيحية مثلًا يتفاعل إيجابًا مع هذا المبدأ، في مقابل وجود مجتمع مماثل يتفاعل معه بشكل سلبي (الفرق بين النموذجين البريطاني والفرنسي مثلًا، رغم أنهما محسوبان على العالم "المتقدم"، أو الفرق بين النموذجين السعودي والماليزي رغم أنهما محسوبان على العالم الإسلامي).

وباعتبار أن المعتقدات وحدود الحرية في اعتناقها أو تغييرها والجهر بآراء مخالفة لهما، تبقى القضية الأكثر إثارة للجدل والتجاذبات، تذهب جل الاجتهادات الفكرية إلى أن الوعي يلعب دورًا حاسمًا في تكريس حرية المعتقد في مجتمع ما. فالفرد الواعي ينظر إلى حرية المعتقد بمرونة، فهو لا يرى نفسه في حالة صدام مع الرأي المخالف، بل يؤكد حرية الاختيار.

2.1. جدل الحرية في التراث الإسلامي

يستعين علي أومليل بالشهرستاني لإثبات قراءته للحرية في المعتقد لدى السلف، من خلال اختيار مبدئي يشترك فيه الشهرستاني مع غيره من القدماء الذين اهتموا بموضوع عقائدهم وأديانهم، وهو أن اختلاف الأديان لا يعني تكافؤها، بل يوجد دين واحد هو "الدين الحق"، ويعنون به الإسلام، ثم إن اختلاف الفِرق داخل هذا الدين نفسه لا يعني مساواتها مساواة يبررها الاجتهاد على الأقل، بل توجد من بينها فرقة واحدة هي "الفرقة الناجية". إن الدين عمومًا خيرٌ عنده من المذاهب التي يجتهد البشر في ابتكارها حين "يضعون حدودًا عقلية حتى يمكنهم التعايش عليها"، و"الحق في جميع المسائل يجب أن يكون مع فرقة واحدة"، وإِنْ كان لا يُعيِّن هذه الفرقة الناجية كما يفعل غيره من أصحاب كتب الفِرق الذين ينصُّون على أنها فرقة السُّنَّة بمن فيهم ابن حزم الذي لا يقبل المناظرة مع باقي الطوائف؛ لأنها لا تتعلق بحُجة أصلًا، ولا يحتاج المرء مناظرتهم.

لكن محمد عابد الجابري يؤكد أكثر من مرة مبدأ الحرية؛ إذ يقرر الإسلام حق الحرية باعتبارها مبدأ عامًّا، لذا نستطيع أن نؤكد أن الإسلام يقر مبدأ الحرية في المجالات كافة، والمرجع في ذلك القرآن والسُّنَّة.

قارب محمد الجابري موضوع حرية العقيدة في علاقتها مع المعرفة والممارسة وحاول تفسير ما يؤخذ على الإسلام في تعامله مع هذا الموضوع الشائك، ووصل إلى جوهر الموضوع مقدِّمًا تفسيره الخاص للعلاقة بين حرية المعتقد والدين الإسلامي من زاوية الوعي أو إعمال العقل في المسائل الشائكة.

بدأ الجابري مرافعته في الموضوع، بالحديث عن الوجاهة العقلية أي معقولية الشيء، التي يرى أنها دومًا مسألة نسبية، فليست هناك معقولية واحدة للشيء لا تتغير، بل هناك معقوليات مختلفة، وهذا سبب اختلاف المذاهب في الفلسفة والدين والسياسة وتباين النظريات العلمية؛ فكل مذهب، وكل نظرية، إنما يختلفان عن المذاهب الأخرى بنوع المعقولية التي يشيِّدانها لتفسير الأشياء، مفسِّرًا ذلك بأن فلاسفة التنوير، لم يقفوا ضد الدين بل ضد نوع الممارسة الدينية التي كانت تقوم بها الكنيسة، ومستعينًا بمقولة ديدرو إذا أقرَّ رجل بوجود الله والحقيقة، والشر والخير... فأية ضرورة للاحتفاظ بالأفكار التقليدية، أي الكنيسة؟.

من وجهة نظر الجابري، فالإسلام قرَّر حق الحرية مبدأ عامًّا، و"لكننا سنرتكب خطأ منهجيًّا إذا نحن طلبنا من النصوص الإسلامية، أو أية نصوص أخرى قديمة أن تحدثنا عن الحرية باللغة التي نتحدثها اليوم"؛ فقضايا الحرية وغيرها تختلف من بعض الوجوه على الأقل من عصر إلى آخر، باختلاف درجة التطور واختلاف المشاغل والتطلعات. ومع ذلك، "نستطيع أن نؤكد أن الإسلام يقر مبدأ الحرية في المجالات كافة، والمرجع في ذلك القرآن والسنة.

واسترشد الجابري بالآية القرآنية: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚلَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، ليُظهر دور الفطرة في تبني معتقد ديني، مستعينًا بتفسير الزمخشري الذي يرى أن معنى كون الإسلام دين الفطرة أن الله خلق الناس: "قابلين للتوحيد ودين الإسلام غير نائبين عنه ولا منكرين له، لكونه مجاوبًا للعقل، مساوقًا للنظر الصحيح". وهو ما يسميه الجابري بقانون الفطرة أو القانون الطبيعي. ويحاول أن يقرِّب وجهة النظر هذه مع وجهة نظر الفلاسفة التنويرين. ويظهر مع ذلك الاختلاف بينهما؛ فهم باللجوء إلى حالة الطبيعة، يؤسسون الثورة البورجوازية، بينما التفسير الإسلامي للقانون الطبيعي "كان يؤسس لثورة المستضعفين على المستكبرين، والتوحيد على الشرك".

2.2. جدل العالمية والخصوصية

يذهب الأكاديمي وائل حلاق من جهته إلى اعتبار أنه حتى "بداية القرن التاسع عشر، ولمدة اثني عشرة قرنًا قبل ذلك، كان قانون الإسلام الأخلاقي المسمَّى بالشريعة، ناجحًا في التفاعل مع القانون المتعارف عليه والأعراف المحلية، وغدا القوة القانونية والأخلاقية التي تنظم شؤون الدولة والمجتمع. وكان هذا القانون نموذجيًّا. وخلص حلاق إلى أن الشريعة كانت قانونًا أخلاقيًّا أنشأ مجتمعًا جيد التنظيم، وساعد على استمراره. وقد استعان وائل حلاق في تبيان كيف تضفي التأثيرات العميقة المستمرة لهذا التراث الإسلامي على المسلمين في العصر الحديث صدقية، بنقد ألسدير ماكنتاير مفهوم العقلانية المستقلة التنويري، الذي يفترض من خلاله أن القيم الأخلاقية تنبع من منطق قائم بذاته. ويلاحظ ماكنتاير أن البحث العقلاني، وبالتالي القيم الأخلاقية، متجذران في "تراث أو تصور تنشأ وفقًا له معايير التبرير العقلاني نفسها من تاريخ يُسوِّغه وتكون جزءًا منه لا يتجزأ".

ومن منطلق أن الشريعة الإسلامية كليات وجزئيات، وأنه إذا كان يوجد اختلاف فلسبب ولحكمة، يذهب الجابري إلى أن الأسباب التي تبرر الحكم الجزئي وتبيِّن معقوليته هي إما أسباب النزول وإما الظروف الخاصة للحكم أو مقاصد عامة تستوحي الخير العام. وهناك ثلاثة مفاتيح لفهم معقولية الأحكام الشرعية في الإسلام، حسب الجابري، هي: كليات الشريعة، والأحكام الجزئية، والمقاصد وأسباب النزول، مما يفرض، في نظره، ضرورة اللجوء إلى عملية تأصيل حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر، وأن تنصرف إلى إبراز عالمية حقوق الإنسان في كل من الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية، بقيامها على أسس فلسفية واحدة. أما الاختلافات فهي لا تعبِّر عن ثوابت ثقافية، إنما ترجع إلى اختلاف أسباب النزول، أما المقاصد فهي واحدة. والرجوع إلى أسباب النزول أمر ضروري لفهم المعقولية التي تؤسس للموقف، أي الحكمة. وإدراك معقولية الحكم بهذا المعنى أمر ضروري لتجنب الانزلاق إلى ذلك الخطأ المنهجي الذي يقع فيه كثير من الناس حين يحاكمون أمور الماضي بمقاييس الحاضر ومشاغله. فتلك لها معقوليتها وهذه لها معقوليتها، لتأكيد أن الخصوصية والعالمية ليستا على طرفي نقيض، بل بالعكس هما متداخلتان.

ويمكن حلُّ إشكال هذا التداخل بالنظر إلى الخصوصية باعتبارها عمليًّا مرحلة تاريخية؛ لأن ما يُعتبر خصوصية دينية في مجتمعاتنا اليوم، هو ما كان بالأمس يُعتبر كذلك في مجتمعات أخرى. وفي هذا السياق، يقول وائل حلاق: إن الشريعة التي تظهر في دساتير الدول العربية والإسلامية بوصفها أحد مصادر التشريع، لا يتم الاستعانة بروحها بل ببعض الأحكام منها، لذلك لا تمثِّل الدولة الحديثة في العالم الإسلامي مصدرًا للإلهام.

والمثير للانتباه في هذا السياق، الالتقاء بين متعصبين داخل جُلِّ الديانات في الموقف نفسه من عدد من القضايا التي يرفضونها جملة وتفصيلًا، فالذين يتشبثون بقراءات تقليدية لتراثهم الديني، أيًّا كانت الديانة، ينتجون المواقف ذاتها من أهم القضايا التي تُطرح عليهم (مثل الموقف من تمتع المرأة بحقوقها كاملة، ومن عقوبة الإعدام ومن الاستعلاء الهوياتي...). وبالنظر إلى المأزق الذي يقع فيه التعصب، في أنه لا يفرِّق بين ديانة وأخرى، فهو حاضر فيها كلها، بل حتى التوجه الرافض للأديان واحتمالات التعصب التي قد تحملها، يصل إلى مرحلة التعصب بدوره، ولعل النموذج العلماني الفرنسي أبرز مثال على ذلك.

كما أن الذين يُشهرون ورقة الخصوصية الدينية في وجه الحريات، وفي طليعتها حرية المعتقد، يركزون، عن وعي أو بدونه، على ما تختلف فيه الديانات السماوية، ويهملون الإشارة إلى أن ما يجمع هذه الديانات أكثر مما يفرقها. وفي جل شرائعها يكون للحفاظ على إنسانية الإنسان والرقي بها أولوية كبيرة. ومن أهم شروط الإنسانية هناك الحرية والمساواة والكرامة.

2.3. تدبير الخلافات القائمة على الخلاف في المعتقد

لعل الإشكال الذي نُوقش كثيرًا على المستويين العربي والإسلامي هو حكم المرتد. ويتناول الجابري هذا الموضوع من منظور يعتمد الوسطية؛ إذ في وقت تترك فيه الآيات القرآنية حرية المعتقد للإنسان يحسم الفقه في الحكم على المرتد بالقتل، بناء على الحديث النبوي: "من بدَّل دينه فاقتلوه". فكيف نفسر هذا الاختلاف؟ وهي مسألة لا خلاف عليها بين الفقهاء، لأن المرتد في هذه الحالة لم يكن مجرد شخص يغيِّر عقيدته، بل هو شخص خرج عن الإسلام عقيدة ومجتمعًا ودولة. وإذا أخذنا في الاعتبار أن دولة الإسلام في المدينة كانت تخوض حربًا مستمرة، أدركنا أن المرتد زمن هذه الدولة هو في حكم الخائن لوطنه، بتواطؤه مع العدو زمن الحرب. وإذن، فحكم المرتد في الفقه الإسلامي ليس حكمًا ضد حرية الاعتقاد، بل ضد خيانة الأمة والوطن والدولة والتواطؤ مع العدو والاشتراك في المعركة معه.

ورغم سيطرة الرؤية التقليدية على الفقه في هذه المسألة، بغضِّ النظر عمَّا سبقت الإشارة إليه عن مفهوم المرتد في الإسلام، إلا أنه توجد إشارات تندمج في التفسير السابق، ومنها "البيان العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان" الذي شمل عددًا من الحقوق التي تبنَّى الدفاع عنها، منها حق الحرية، وحق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير، وحق الحرية الدينية، رغم أن ذلك قد يعني حرية الممارسة الدينية لمن هم في الأصل من ديانة أخرى، وليس التسامح مع المسلمين السابقين. وهو ما يستدعي ضرورة تمكين المنتمين إلى ديانة أخرى من حق التعبير عن انتمائهم الديني والدعاية له وعدم الاكتفاء بالممارسة الصامتة، وحق غير المنتمين لأية ديانة في التعبير العلني عن رفضهم لكل الأديان.

إن الحديث عن حرية المعتقد لا يستقيم دون تفعيله على مستوى الواقع من خلال الضمانات التي توجد في الدستور وتتضمنها القوانين المؤطِّرة له. وفي سياق استحضارنا للحالة المغربية، لابد من إثارة موضوع غياب حرية المعتقد في النسخة النهائية للدستور الحالي، بينما كانت حاضرة في مسودة المشروع الأولي له عام 2011، التي أثارت ردود فعل قوية من أحد أبرز تيارات الإسلام السياسي في المغرب حينها، حزب العدالة والتنمية الذي هدَّد على لسان أمينه العام، عبد الإله بنكيران، بالتصويت ضد مشروع الدستور إذا ما تضمن "حرية المعتقد" الذي سيؤدي في نظر الحزب إلى تأثيرات سلبية على الهوية الإسلامية للمغرب.

النتيجة أن الدستور لم يقر حرية المعتقد، بل أكد أن الدين الإسلامي ثابت من الثوابت الوطنية؛ إذ تقول الفقرة (3) من الفصل (1): "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثَّل في الدين الإسلامي السمح". والإشارة إلى الإسلام دينًا للدولة في الفصل (3) من الدستور ينفي إمكانية التنوع الديني، رغم اقترانها في الفصل نفسه بأن "الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"، بحيث تستوجب فقط أن لا تؤدي إلى التمييز ضد أتباع معتقد محدد على الخصوص وهم أقلية اليهود المغاربة.

وهكذا، فمن جهة أَوْلى، لا يعترف الدستور المغربي صراحة بحرية الضمير، لكن في الوقت نفسه نجد أن القانون الجنائي لم ينص بشكل صريح ومباشر على معاقبة فعل تغيير الديانة، ومع ذلك فالممارسة القضائية، تعتمد على فصول تعاقب على الجرائم المتعلقة بالعبادات، وهي الفصول من (220) إلى (223) من مجموعة القانون الجنائي للمعاقبة على هذا الفعل، وذلك مثلما "حكمت محكمة الاستئناف بمدينة فاس، في فبراير/شباط 2014، على مغربي تحوَّل إلى المسيحية، وحُوكِم ابتدائيًّا بثلاثين شهرًا حبسًا وغرامة مالية قدرها خمسة آلاف درهم لأجل محاولة نشر الدين المسيحي بين شبابٍ مسلمين". ذلك أن "التحوُّل من الإسلام إلى دين آخر لا يُعد مسألة عقيدة شخصية فحسب، بل والأهم من ذلك، عمل سياسي؛ لأنه يهدد نسيج المجتمع، خاصة في الحالات التي يكون فيها علنيًّا".

وينص الفصل (220) المشار إليه أعلاه على معاقبة من يستعمل وسائل الإغراء أو الاستغلال لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، غير أنه لا ينص صراحة على معاقبة المتحوِّل نفسه إلى ديانة أخرى.

وأثارت الفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى، عام 2012، التي تؤكد أن جزاء المرتد هو القتل، الكثير من ردود الفعل. وهو ما يشير إلى أن الدستور أكد ضمان حرية العبادة في مقابل عدم الاعتراف بحرية المعتقد مع غياب التنصيص على المرجعية الداخلية للشريعة. فقبل 2011، كان الدستور ينص على عدم الاعتراف بسمو المرجعية الدولية على المرجعية الداخلية، وبعدها، تم الاعتراف المقيد بسمو المرجعية الدولية على المرجعية الوطنية.

3. التسامح وإدارة الصراع

مع ارتقاء الوعي الإنساني، بتراكم المعرفة وانتقالها السلس بين الجغرافيات المختلفة، صار لفكرة التسامح الديني مكانة مركزية في إدارة الدول لمسألة الاختلافات العقائدية داخل المجتمع، واستطاعت في العديد من التجارب تحقيق الحد الأدنى من الانسجام الاجتماعي بأبعاده المختلفة.

3.1. التسامح وسبل فكِّ الاشتباك العقائدي

لا جدال في أن غياب التسامح يؤدي بشكل آلي إلى استفحال التعصب، وانتصار العنف بكل أشكاله، وسيادة عقلية التطرف والتجريم في السلطة والدين والمجتمع. فكريًّا، يعني عدم التسامح حجب وتحريم حق التفكير والاعتقاد والتعبير. وسياسيًّا، فإن عدم التسامح يعني احتكار السلطة، والسعي إلى السيطرة عليها لمصادرة الرأي الآخر تحت أي مبرر أو مسمى. ودينيًّا، يعني عدم التسامح منع الاجتهاد وتحريم أي رأي حر، كما يتجلى ذلك في حالة عدد من الدول، التي تعرف الطائفية، والاستبداد السياسي، والحد من حرية التعبير، والغلو في فهم الدين.

ومقابل التعصب، سعى التسامح لتنقية السموم، التي تتسرب إلى العلاقات الإنسانية، وهي تتشكَّل وتتبلور على مدى تاريخ طويل من وجود البشر على الأرض، وتقلُّبهم فيها. وبما أن الصراع يأتي غالبًا من التعصب لموقف، أو رأي، أو عقيدة، أو انتماء، أو جغرافيا... فإن التسامح هو الذي يمنع الصراعات من أن تتأبَّد وتصبح هي الأصل. لهذا بدلًا من الحديث عن الصراع، يمكن الحديث عن إدارة الصراع أي إدارة الاختلاف، وتقبُّل الآخر، ندًّا لنا، له ما لنا، وعليه ما علينا.

ومع انتشار مظاهر التعصب، تتجلى الحاجة إلى التسامح، وإدراك الآخر، واستيعابه. وما ينتشر من عنف في الملاعب نتيجة التعصب للفرق الكروية، تجلٍّ واضح لانتقال التعصب من مسائل أساسية مثل الدين والوطن والأيديولوجية، إلى مسائل هامشية مثل التفضيلات الكروية والفنية، والميولات الذاتية، التي لا تخضع لمنطق بل تنبع من الهوى لا غير.

هذا الأمر يحيلنا إلى الفكرة القائلة بأن التعصب مرض اجتماعي، ولهذا عرف قاموس العلوم الاجتماعية التعصب بأنه يشكِّل موقفًا أو اتجاهًا، ينطوي على التهيؤ الفردي أو الجماعي للتفكير، أو الإدراك أو الشعور، والسلوك بشكل إيجابي أو سلبي، تجاه جماعة أخرى أو أيٍّ من أفرادها، ما يستدعي ضرورة تلقين الأجيال الصاعدة مبادئ التسامح، وعدم التعصب لأية جهة أو رأي أو انتماء. فما نحن عليه من اختلاف هو مصدر غنى، وتنوع وإبداع للبشرية، لا مصدر تعصب وصراع ومواجهة فيما هو جذري في الحياة، أو فيما هو ثانوي.

وكانت العولمة، كما يذهب إلى ذلك منظِّروها على الأقل، إحدى محاولات الإنسان الحديث لإلغاء الميول العنصرية؛ فوفقًا لميخائيل ألين غيليسبي، فإنه "على قدر ما يبدو من تنافر بين أعداء العولمة وأنصارها، إلا أنهم يظلون بشكل عام داخل مجرة الحضارة الغربية. فهم على سبيل المثال يتشاركون اعتقادًا بقيمة التسامح، والسلام، والحرية، والمساواة. ولا يختلفون إلا حول ما إذا كانت العلمانية ستنتج هذه القيم، وإن فعلت فهل ستقسم بعدل؟". لذا، "اتكأت الصورة الابتدائية للعولمة التي هيمنت على الفترة التي أعقبت سقوط جدار برلين على رؤية ليبرالية للتاريخ والمجتمع، والتي لاحظت التطور البشري باعتبارها نتيجة للتفاعلات المتشابكة للبشر، والمتصلة بالتبادل الحر والتواصل الفوري. لقد كانت هذه الرؤية ليبرالية اعتقد العديد بقدرتها على صنع سلام عالمي وحرية ورخاء".

بينما يرى الباحث وائل حلاق أن عقيدة التقدم لا تملك أساسًا أو مرجعًا، إلا بذاتها لذاتها على التوالي؛ فهي مصدر السلطة بالنسبة إلى نفسها، وتكتسب صفة الألوهية على هذا الأساس. وبناء على كونه مستقلًّا عقليًّا، كما ينبغي لنا كلنا أن نكون، "فقد قرَّر الإله ذلك من خلال العلم والعقل، أن أسئلة الماضي الكبرى لا يمكن الاستماع إليها لأن الزمن عفا عليها، ولا صلة لها بمنجزات الحضارة والعلم الحديثين، والعقل الذي هو كوني. لكن حقيقة الأمر تكمن في أن اهتمامات الماضي لا يُستمع إليها، لأنه ليس لدى عقيدة التقدم ما يمكِّنها من التمعن في الأسئلة الأخلاقية العميقة المسيطرة على ما يفترض أن يكون النطاق المركزي. ولا يعتبر غياب الاستطاعة هذا أساسًا في العقيدة، بل هو نتاج كون العقيدة ذاتها ناجمة عن الوضع المضطرب لهذا النطاق الأخلاقي، هذا النطاق الذي إذا ما كان نطاقًا فهو ثانوي".

لهذا يذهب غيليسبي باعتباره مفكرًا غربيًّا إلى نظرة متوافقة تجاه باقي المعتقدات: "لن نتعامل مع الإسلام بشكل جدي، إلا إذا أدركنا الطرق التي تكون فيها رؤى المسلمين متوازية ومتقاطعة ومختلفة عن رؤانا. بالتالي، عن طريق التصالح مع تراثنا نحن نستطيع أن نأمل بتحوُّل التصادم الحالي بين الحضارتين إلى مواجهة مثمرة، ومؤلمة بلا شك في بعض الأحيان بين المعتقدات والأفكار. يجب علينا أن نجتهد لأننا إن لم نفعل فنحن محكومون بصراع من نوع مختلف، ليس في عالم الأفكار بل في عالم حالك تجتاحه نداءات الصراع والحروب.

ومع اختلاط الهوية بالقيم في إطار الخطاب السياسي الغربي المعاصر، بدأ الخطاب يركز على إدارة المجتمع بكل ما فيه من صراعات واختلافات، إما بتوضيح وتنسيق علاقة الفضاء أو المجال العام السياسي بمختلف المعتقدات والثقافات، والقيم الخاصة بالجماعات المختلفة، التي يمكن أن توجد في مجتمع واحد، وهو ما يطلق عليه الحل الليبرالي عند جون راولز، أو بتعيين التصورات المختلفة للخير الذي يصلح لأن نتفق فيه على الاعتراف الشامل، والدفاع عن ثقافة وخصوصية وهوية واختلاف الأقليات، وهو ما يعرف بالحل الجماعي عند ريتشارد تايلور

3.2. النسبية والتسامح لتجاوز صراع المعتقدات

إن التوافق التلقائي بين كل شكل من أشكال الوعي، داخل دولة معينة، لا يصح إلا بصورة عامة تقريبية. أما إذا تتبَّعنا التفاصيل والجزئيات على الأرض، فإننا سنجد شيئًا من التشابك، نظرًا لاتصال التاريخ، وسماكة المجتمع؛ لهذا لا ينكر عبد الله العروي تساكن أشكال الوعي، وإمكانية حدوث المجابهة بين الشرق والغرب، على مستوى الوعي الديني، لسبب قاهر هو أن "الشرق لا يدرك نفسه إدراكًا تامًّا مقنعًا، إلا كإيمان وعقيدة". لهذا السبب رأى العلامة علال الفاسي أنه لابد من توعية وتحديث النظرة المجتمعية والنخبوية إلى القضايا الأكثر حساسية، سبيلًا لتعميق فهم الناس لها.

وهذا التحديث في نظرة المجتمع هو الكفيل بنقل اختلافاته من القضايا الدينية (أو اللاهوتية) إلى القضايا العملية، المرتبطة بإدارة المجتمع والدولة. وهي القضايا التي تخضع للعقل، ويكون النقاش في شأنها قابلًا للتحول إلى صراع شبه سياسي يمكن إدارته بمنطق النسبية والتسامح، مع الاختلاف والتنوع، بالاعتماد على القيم الديمقراطية. ولقد كان سقراط سبَّاقًا إلى توضيح قيمة المناقشة قائلًا: "إن الحياة لا تستحق الاعتبار إذا لم تقم بأنواع الحوار". كما بيَّن ميلتون فريدمان أهمية الجدل لتقدم المعرفة، وجعل الإسلام النظر شرطًا للمعرفة التي هي واجب على المكلف، ولم يجعل منطقة يحرم على الفكر تناولها بحرية. ومن هذا المنطلق، حاول جون لوك إلى جانب بعض فلاسفة التنوير إثبات معقولية المسيحية، من خلال الاستغناء عن الكنيسة، فيما سُمِّي بالدين العقلي، لكن من دون أن يستغني أغلبهم عن الوحي. ولعل هذه الخلاصة التي وصل إليها الفلاسفة المسلمون أيام الازدهار الحضاري، وفلاسفة التنوير في عصر النهضة، ما يحتاجه العالم المعاصر لاحتضان حرية المعتقد، باعتبارها من مسلَّمات الحياة، وما تحتاجه المجتمعات العربية الإسلامية من أجل تحقيق الإصلاح الديني، الذي يُحرِّر الوعي الجمعي من العوائق التي تمنع حرية المعتقد، وأهمها التعصب الديني، الذي يحتاج جهودًا كبرى على مستويات متعددة ثقافية واجتماعية وسياسية.                           

خاتمة

لا يمكن اختزال حرية المعتقد في قوانين أو مقتضيات دستورية لوضع كل ما قدمه المفكرون والمنظِّرون الحقوقيون في إطارها، بل يجب تغيير نمط الحياة المشجع على الانطواء على الذات، وتغيير المقاربات السياسية لموضوع حرية المعتقد الذي يجري تقديمه بشكل عام بطريقة لا تؤدي إلى إنزال المقتضيات القانونية الحامية لحقوق وحريات الإنسان على أرض الواقع، بمقاربة حقوقية تهدف إلى نشر وتكريس ثقافة الحرية والمساواة والإنصاف في كل الحقوق المدنية والسياسية، عبر حوار شامل يهدف إلى احترام المعتقد الديني والسياسي والأيديولوجي.

إن غياب حرية المعتقد، في الدول العربية والإسلامية بالخصوص، هو مشكلة الأنظمة والسلطات الرسمية قبل أن يكون مشكلة المجتمعات؛ الأمر الذي يتطلب مجموعة من المرتكزات لحماية هذا الحق، منها:

- إعادة النظر في المناهج الدراسية التي تُبنَى على نبذ باقي المعتقدات.

- السماح لمعتنقي ديانات ومذاهب أخرى بحرية الممارسة الدينية وحمايتهم من التهجم عليهم أو تخويفهم من الحرية الدينية.

- النص على قوانين صارمة لحماية المعتقد أيًّا كان نوعه أو مجاله أو طرق التعبير عنه.

- ضمان حماية قانونية بدل اعتقال كل من يقوم بفعل يخالف المعتقدات السائدة.

- حثُّ مختلف الفاعلين المشتغلين في الحقل الديني على احترام باقي الديانات والمذاهب في خطبهم وأنشطتهم، ومواصلة الاجتهاد لمواكبة التطور التاريخي مع ما يتطلبه ذلك من إعادة نظر في مجموعة من المفاهيم المتداولة في الفقه التقليدي، ومن ضمنها مفهوم "المرتد" على سبيل المثال لا الحصر.

إن حرية المعتقد، تمثِّل واحدة من أهم الحريات التي لها علاقة بسمو الإنسان بعقله وحريته التي هي ملازمة له، لهذا فإن أي شكل من أشكال التضييق والمنع والحرمان يمثِّل تطاولًا على الأسس الأولى لوجود الإنسان على الأرض، التي منحها له خالقه. هذا يتعلق بالجدل بين المؤمنين بالديانات التوحيدية، أما الجانب الآخر المرتبط باعتناق مذاهب فكرية أو أيديولوجية مغايرة، فيجب أن يقوم بدوره على اختيار يقوم على حرية التفرد بقراره الخاص، بحيث تصبح هذه الحرية حقًّا أصيلًا يشمل الجميع، مهما كانت عقائدهم وتوجهاتهم.