• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
إصدارات الأعضاء

أذونات وسندات الخزينة بين الفقه الاقتصادي والحقد السياسي


تعرف قواميس اللغة العربية بأن كلمة ( الفقه) بأنها الْفَهْمُ للشيء والعلم به، أمّا الحقد فهو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، واقول هذا لكي يكون لي مبررا في اختيار عنوان المقالة وايضا لكي أعبر عن رايي الاقتصادي في سندات الخزينة السورية، وليس من باب دحض راي اقتصاديي المعارضات السورية (ذي المرجعيات والاتجاهات المتعددة المتناقضة) وعلى الكثير من القنوات الاعلامية والادبيات الاقتصادية واعتبروا ان سندات الخزينة دليل على الانهيار والافلاس الاقتصادي السوري؟!، وبرأينا أن علم الاقتصاد هو علم الواقع ويتطلب تحليلا محايدا وبربط السبب بالنتيجة أو العلة بالمعلول وهذا ينطبق على أذونات وسندات الخزينة، فللذين اعتمدوا مرجعية الاقتصاد الاسلامي أذكرهم بقوله تعالى (  َدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ ووردت كلمة يفقهون /13/ مرة في القران الكريم، أما كلمة الحقد  فإنها لم ترد في القران الكريم ولا مرة بل ورد معناها وهو (الغلّ) بقوله تعالى في سورة الاعراف الاية /43/  (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، وللذين ادلوا بدلوهم انسجاما مع المدارس الاقتصادية أقول كما قال علامتنا الكبير (ابن خلدون) رحمه الله حيث قال [إنّ  النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه].

وبرأينا  قد يكون لسندات الخزينة مالها وما عليها حيث لا توجد حقائق اقتصادية مطلقة لكن يجب ان ننظر إليها في وقتها ومكانها وأن لا نخضع التحليل الاقتصادي للأهواء السياسية، وبرأينا أن اكبر ظلم يتعرض له علم الاقتصاد والاقتصاديين هو سيطرة التحليل السياسي على التحليل الاقتصادي المهني، وعلم الاقتصاد هو علم مهني أكثر منه إيديولوجي رغم أهمية الأيديولوجية فيه، وبصدد أذونات وسندات الخزينة السورية لسنة /2022/  أقول: إنّها ليست ظاهرة حديثة في النهج الاقتصادي السوري والعالمي ولكن قبل الحديث عن زمن استخدامهما يجب توضيح جوهرهما، فكلاهما أي الاذونات والسندات عبارة عن أوراق مالية استثمارية تدر دخلا لصاحبهما خلال فترة الاكتتاب عليهما وهما مضمونان بضمانة الحكومة السورية لأنها هي التي طرحتهما للاكتتاب وبمزاد علني، والضمانة الحكومية هي أقوى واوثق انواع الضمانات وبضمانة القانون رقم /60/ لسنة /2007، سواء كانت للأذونات والتي تتراوح مدتها حتى سنة واحدة، أو للسندات وتتراوح مدتها من سنة وحتى /30/ سنة أي يمكن أن تكون قصيرة الأجل  أي أقل من /3/ سنوات او متوسطة من /3 /وحتى 10/ سنوات وطويلة الاجل أكثر من /10 / سنوات.

ومن جهة اخرى فإن أغلب دول العالم تعتمد عليهما لأنهما أداة من ادوات الدين أي هما وثيقة دين على الحكومة وقناة من قنوات الاستثمار للمشترين الذين يمتلكون الاموال ولا يودون العمل الصناعي أو التجاري أو الخدمي ولا المشاركة مع الاخرين لأسباب تخصهم ، بل يريدون استثمار أموالهم في الأذونات والسندات في السوق المالية ليحصلوا على دخل وعائد مستقبلي مضمون لهم ، أما الحكومات فتلجأ إليهما  لتمويل نفقاتها، إذا  فالحكمة الاقتصادية تكمن في كيفية استخدام الاموال  المحصلة من إصدارهما أي هل لتمويل النفقات الجارية ام الاستثمارية ؟

ومن هنا نرى انها إذا استخدمت في مشاريع استثمارية فإنها ستحقق أكثر جدوى لأن الاستثمارات هي الحامل التنموي للمجتمع، وتساهم في الاستغلال الامثل لمواردنا المتاحة والكامنة وتفعيل الدورة الاقتصادية وزيادة معدل النمو وقيمة الناتج الاجمالي وخلق المزيد من السلع والخدمات وبالتالي تقليل معدل التضخم بسبب تقليل الفجوة التسويقية أي الفارق بين الطلب الكلي والعرض الاجمالي، وتساهم في تحويل المزايا النسبية إلى تنافسية  وزيادة الصادرات أي زيادة  الاحتياطي النقدي وبالتالي  إمكانية التحكم بأسعار الصرف، وتقليل معدل البطالة من خلال فتح جبهات عمل مباشرة وغير مباشرة، والبطالة  هي آفة اقتصادية واجتماعية وسياسية وامنية وبالتالي تقليل معدل الاعالة أي عدد الافراد الذين يعيلهم الشخص الواحد، وكل هذا يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة، ويؤكد الفقه الاقتصادي أن أكثر الدول استخدمت وتستخدم أذونات وسندات الخزينة، فمثلا استخدمتها بريطانيا سنة /1693/ لتمويل نفقاتها واستخدمتها أمريكا سنة /1914/، وتستثمر الصين واليابان في شراء السندات الامريكية وبتريليونات الدولارات، ووصل إجمالي الاستثمارات العالمية في سندات الخزينة الامريكية في بداية سنة /2022/ إلى أكثر من /7/ تريليون دولار، كما ان الصين التي  لديها احتياطيات نقدية هائلة حوالي /4/ تريليون دولار أغلبها بالدولار الأمريكي، ومع هذا يقوم بنك الشعب الصيني  بشراء الدولار من المصدرين الصينيين  مقابل اليوان أو الرنمبيني  ويعيد الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية لمنع اختلالات تدنى مستوى الدولار ورفع مستوى اليوان مما يضر بالصادرات الصينية، ومن هنا نسأل الاقتصاديون السوريون المعارضون وأغلبهم في كندا وأمريكا هل الاستثمار في  أذونات وسندات الخزينة دليل الانهيار الاقتصادي أم وراء الأكمة ما ورائها كما نقول نحن في سورية والحكاية معروفة؟!