• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

تصويت البرلمان العراقي على انتخاب رئيسي الدولة والحكومة


حسم مجلس النواب العراقي، في 13 أكتوبر 2022، منصب رئاسة الجمهورية، إذ صوت لصالح السياسي الكردي عبد اللطيف رشيد، الذي خاض منافسة حامية مع الرئيس السابق برهم صالح. واضطر البرلمان إلى حسم الأمور لصالح رشيد في جولة التصويت الثانية بعد أن أخفق في الحصول على تصويت ثلثي أعضاء البرلمان (220 نائباً) في الجولة الأولى التي يشترطها الدستور في قضية انتخاب الرئيس، لكنه عاد وحسم الأمر في الجولة الثانية بحصوله على غالبية أصوات الحاضرين بواقع 162 صوتاً مقابل حصول صالح على 99 صوتاً.

انفراجة محتملة:

كشفت جلسة البرلمان العراقي في 13 أكتوبر 2022 عن بدء اتجاه العراق لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة العراقية، وذلك على النحو التالي:

1.  استمرار الانقسامات الكردية: سرت أنباء عن حدوث توافق بين تحالف السيادة مع الإطار التنسيقي على التصويت لصالح مرشح التوافق الكردي من الاتحاد الوطني، عبداللطيف رشيد، مقابل تمرير محمد شيّاع السوداني لرئاسة الوزراء، وهو ما يعني حسم الخلافات حول المناصب السيادية، حيث تم التأكيد، في بداية الجلسة، أن الإطار التنسيقي بات الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان العراقي.

ولكن في المقابل، نشر رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل الطالباني، تغريدة على تويتر، قال فيها: "الأخوة الأعزاء في الإطار التنسيقي وحلفاءنا الآخرين، نناشدكم باسم أخوتكم في الاتحاد الوطني الكردستاني الذين وقفوا معكم دائماً في أصعب وأحلك الظروف أن تكونوا كما عهدناكم"، في مسعى للضغط على التنسيقي لدفعه للتصويت لصالح مرشح الاتحاد الوطني، ممثلاً في السيد برهم صالح. فقد أكد المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سوران جمال طاهر، في بيان أن المرشح الرسمي للاتحاد الوطني الكردستاني لمنصب رئيس الجمهورية هو السيد برهم صالح، غير أنه من الواضح أن التنسيقي نكص عن تفاهماته مع الاتحاد الوطني لصالح الاتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على رشيد، والذي ينتمي كذلك إلى الاتحاد الوطني.

2. تكليف السوداني برئاسة الحكومة: بات الإطار التنسيقي حالياً الكتلة الأكبر في البرلمان، مع 138 نائباً، وفق المسؤول في التنسيقي أحمد الأسدي، وذلك بعد الانسحاب المفاجئ لنواب التيار الصدري (73 نائباً) من البرلمان، وهو ما مكن الرئيس العراقي الجديد من تكليف محمد شياع السوداني، المدعوم من المالكي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة خلال ثلاثين يوماً.

وعلى الجانب الآخر، لم يتمكن الحراك التشريني من إثبات وضعه، فلم يقم بصياغة أجندة محددة المعالم بأهدافه، بل أن بعض الأحزاب الشيعية المرتبطة بالتنسيقي نجحت في استيعاب أعداد منهم، وبالتالي انحسر نفوذه وتأثيره.

3. إخلاء سبيل نوري المالكي: أعلن القيادي في التيار الصدري القاضي، جعفر الموسوي، في 11 أكتوبر الجاري، إخلاء سبيل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، بكفالة بعد مثوله أمام القضاء في قضية التسريبات الصوتية، حيث سبق وأعلن مجلس القضاء الأعلى في 19 يونيو 2022، أن محكمة تحقيق الكرخ في العاصمة بغداد تلقت طلباً مقدماً إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التسريبات الصوتية المنسوبة للمالكي، والتي هاجم فيها عدداً من القوى السياسية.

ويستبعد أن تتم محاكمة المالكي على خلفية تلك القضية، خاصة في ضوء نفوذه المتشعب سياسياً وقضائياً، وهو ما تجلي في بيان كتلة ائتلاف "دولة القانون" النيابية، والتي وصفت القرار بأنه دليل على "براءة" المالكي.

دلالات متعددة:

يمكن التوصل من التطورات السابقة إلى عدد من الاستنتاجات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1. هزيمة الاتحاد الوطني: على الرغم من تأكيد الاتحاد الوطني دعمه برهم صالح، وضغطه على الإطار التنسيقي للتصويت لصالحه، فإنه لجأ إلى محاولة استيعاب هزيمته عبر إصدار تصريح مقتضب بعد إعلان فوز رشيد، وهو زوج خالة بافل طالباني، أكد فيه "الانتصار رغم المؤامرات والدسائس".

ويعني فوز رشيد بالرئاسة، نجاح الديمقراطي الكردستاني في إقصاء برهم صالح مرشح الاتحاد الوطني، الذي تلقى زعيمه بأقل طالباني تعهدات من قوى شيعية بالتصويت لهذا الأخير.

ولا شك أن هذا الأمر يعني استمرار الخلافات الكردية البينية، وذلك على الرغم من عقد بافل طالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني مع مسعود برزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، اجتماعات في الآونة الأخيرة لمحاولة استيعاب الخلافات بينهما، والتي كانت الأولى من نوعها منذ نحو خمس سنوات.

2. نجاح جهود طهران: يعكس تكليف السوداني نجاح الجهود التي بذلتها إيران على مدار شهور عدة لإيصال مرشح الإطار التنسيقي، ممثلاً في السوداني، إلى رئاسة الحكومة، وقطع الطريق أمام الصدر لتشكيل حكومة أغلبية تستبعد التنسيقي، غير أن جهود طهران ما كانت لتنجح إلا بدعم من الصدر نفسه، والذي اتخذ قراراً بسحب نوابه من البرلمان العراقي، والذين تم استبدالهم بالفائزين التالين لهم في الانتخابات، والمحسوبين على قوى الإطار التنسيقي.

غموض موقف التيار الصدري:

أصدر التيار الصدري يوم الخميس، الموافق 13 أكتوبر، بالتزامن مع انعقاد البرلمان، تغريدة هنأ فيها طلاب المدارس على بدء العام الدراسي، وذلك من دون أن يدلي بأي تصريحات حول جهود تشكيل الحكومة العراقية. ولكن اللافت إعلان قيادي في التيار الصدري، حسن العذاري، في اليوم نفسه في تغريدة عبر منصة تويتر، إن "كل من يستعمل السلاح لعرقلة الجلسة فهو يوالي الفاسدين ويريد هيمنته على الوطن والشعب"، وذلك في إشارة إلى مهاجمة مقر البرلمان بحوالي 9 صواريخ كاتيوشا، وهو ما قد يكشف عن محاولة الصدر التبرؤ من هذه الهجمات، أو وجود دعم ضمني من جانب الصدر لعقد جلسة البرلمان، وما توصلت إليه من مخرجات. ويمكن القول إنه على الرغم من المواقف السابقة، فإن الصدر لم يصدر أي موقف رسمي واضح من الأحداث الأخيرة، وتتمثل خيارات الصدر في التعامل مع التطورات الأخيرة في التالي:

1. التوصل لتفاهمات مع التنسيقي: قد يكون الصدر اتجه إلى توافق مع التنسيقي على تمرير مرشحهم محمد شياع السوداني، مقابل الحصول على عدد من الوزارات في الحكومة الجديدة، والاتفاق على الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وذلك بعد تعديل القوانين ذات الصلة، خاصة أن قوى الإطار التنسيقي كانت تطرح هذه الفكرة.

2. مقاطعة العملية السياسية: قد يتجه الصدر إلى تنفيذ تهديداته السابقة بالانسحاب من العملية السياسية، بعدما أخفق في تغيير البنية الطائفية للحكومة العراقية، غير أن مثل هذا الخيار مستبعد، إذ إن خصومه في التنسيقي سوف يسعون، حينها، إلى توظيف موارد الحكومة العراقية لإضعاف الصدر وقاعدته الشعبية.

3. اللجوء إلى الشارع: لايزال الصدر يستطيع تحريك الشارع العراقي، غير أن مثل هذ السيناريو سوف يكون محفوفاً بالمخاطر، لأنه سيفتح الباب أمام اقتتال شيعي – شيعي، ويبدو أن الصدر يسعى لاستبعاد هذا السيناريو وهو ما وضح في إعلانه، في 6 أكتوبر، تجميد فصيل "سرايا السلام" في البصرة جنوب العراق، وهو القرار الذي يهدف إلى تهدئة المواجهات المسلحة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة مع عصائب أهل الحق، وذلك على الرغم من استمرار الوضع المتوتر هناك، وهو ما دفع الجيش العراقي إلى إرسال تعزيزات هناك لمنع تفاقم المواجهات المسلحة.

4. إعادة نواب الصدر للبرلمان: يمكن لنواب التيار الصدري العودة للبرلمان وفقاً للمادة "93 ثالثاً" من الدستور، والتي تشترط أن الاستقالة تتم عبر التصويت عليها بالأغلبية من جانب البرلمان، وهو ما لم يتم، فقد قبلها الحلبوسي، رئيس البرلمان، من دون تصويت، غير أنه سيتوجب على أحد نواب الصدر رفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية لكي يعود النواب إلى البرلمان. وحينها قد يتمكن الصدر من عرقلة جهود السوداني لتشكيل الحكومة العراقية، خاصة بعد تجاوز عقبة ثلثي نواب البرلمان الواجبة لاختيار رئيس الدولة.

وفي الختام، يلاحظ أن العراق بدأ أولى خطوات تشكيل الحكومة العراقية عبر انتخاب رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، وليس من الواضح ما إذا كان الصدر قد توصل إلى توافقات مع التنسيقي تقضي بتمرير مرشحه لرئاسة الوزراء، مقابل اتجاه الأخير إلى ضمان حصة الصدر من الوزارات في الحكومة الجديدة، أم أن الحكومة تشكلت من دون رضا الصدر، وهو ما يعني أنه قد يلجأ إلى عرقلة عملها عبر اللجوء إلى الشارع، أو إعادة نوابه إلى البرلمان، بما يفضيه ذلك من تصاعد مظاهر عدم الاستقرار في العراق خلال الفترة المقبلة.