• اخر تحديث : 2025-03-07 14:46
news-details
قراءات

ما توجهات الحكومة الألمانية الجديدة تجاه الشرق الأوسط؟


حقق الاتحاد المسيحي، الذي يتألف من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحلفائه في الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بزعامة فريدريش ميرتس نصراً كبيراً (28.6% من الأصوات) في الانتخابات التشريعية الألمانية التي أُجريت في 23 فبراير 2025، ليبدأ ميرتس مشاوراته لتشكيل الحكومة القادمة، حسب ما أعلن في خطاب الفوز بالقول: "نحن بحاجة لتشكيل حكومة مستقرة بأسرع وقت ممكن مع دعم أغلبية برلمانية، لأن العالم في الخارج لن ينتظرنا ولا ينتظر مشاورات حزبية طويلة الأمد لتشكيلها". وستواجه الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة فريدريش ميرتس تحديات كبيرة على مستوى السياسة الخارجية الألمانية، حيث شدد على ضرورة استعادة برلين بسرعة لقدرتها على التحرك على الساحة الدولية، ولا سيما في أوروبا وفي العلاقات عبر الأطلسي، وفي منطقة الشرق الأوسط.
 
توجهات محتملة
كان لفريدريش ميرتس العديد من المواقف والتصريحات حول العديد من قضايا منطقة الشرق الأوسط، والتي ستوضح النهج الذي ستتخذه الحكومة الألمانية القادمة بقيادته، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:
 
1- دعم ألماني قوي وغير مشروط لإسرائيل: يُعرف فريدريش ميرتس بدعمه القوي وغير المشروط لإسرائيل، حيث تعهد برفع جميع القيود المفروضة على تصدير الأسلحة الألمانية إليها، منتقداً سياسات المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز التي فرضت عملياً حظراً على تسليح إسرائيل خلال الحرب الأخيرة. فبعد هجوم أكتوبر 2023، زار ميرتس إسرائيل، وشدد على التزامه بالحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مؤكداً أن أمن إسرائيل يُعتبر جزءاً من المسؤولية التاريخية لألمانيا. وقد سبق أن انتقد ميرتس سياسات إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن تجاه إسرائيل، ورفض أي ضغوط أمريكية تحد من حرية تل أبيب في اتخاذ إجراءاتها الدفاعية.
 
2- عدم الالتزام بمذكرة اعتقال نتنياهو: أكد فريدريش ميرتس أنه في حال توليه منصب المستشار الألماني سيدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى زيارة برلين، دون أن يتعرض للاعتقال، معتبراً أن فكرة القبض عليه داخل الأراضي الألمانية "أمر عبثي". ويعكس هذا التصريح نهجاً ألمانياً داعماً لإسرائيل بغض النظر عن الضغوط الدولية، ما يشير إلى أن حكومة ميرتس ستواصل العلاقات الوثيقة مع تل أبيب، حتى لو أدى ذلك إلى توترات مع المحكمة الجنائية الدولية وبعض الدول الأوروبية.
 
وبموجب التزاماتها القانونية كدولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، تلتزم ألمانيا بتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة، بما في ذلك تلك المتعلقة بنتنياهو. ومع ذلك، فإن تصريح ميرتس تثير تساؤلات حول مدى التزام حكومته المستقبلية بالقانون الدولي، خصوصاً في حال تعرضت لضغوط دولية لتنفيذ المذكرة. وقد يخلق هذا التناقض بين الالتزامات القانونية والمواقف السياسية جدلاً داخلياً ودولياً، خاصة في ظل الانقسامات الأوروبية بشأن التعامل مع الحكومة الإسرائيلية وسياساتها في غزة.
 
3- تأييد حل الدولتين مع تأكيد حق إسرائيل كدولة يهودية: يؤكد ميرتس دعمه لحل الدولتين كإطار لعلمية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين من حيث المبدأ، لكنه يشترط اعتراف الفلسطينيين الصريح وغير القابل للتأويل بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية. ويرى أن أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تستند إلى هذا الاعتراف كأساس ضروري قبل البحث في تفاصيل الدولة الفلسطينية. كما شدد على أن برلين، في ظل قيادته، لن تمارس أي ضغوط على إسرائيل لقبول تسويات لا تراعي أمنها ومصالحها الاستراتيجية، ما يعكس نهجه المتشدد تجاه القضية الفلسطينية.
 
4- موقف صارم ضد استقبال اللاجئين الفلسطينيين: يتبنى فريدريش ميرتس موقفاً صارماً ضد استقبال اللاجئين الفلسطينيين في ألمانيا، معتبراً أن البلاد لم تعد قادرة على استيعاب مزيد من اللاجئين، خاصة في ظل تصاعد معاداة السامية داخل المجتمع الألماني. ففي أكتوبر 2023، أعلن بشكل قاطع أن حكومته، في حال توليه المستشارية، لن تمنح اللجوء للفلسطينيين، مشيراً إلى أن برلين لديها بالفعل عدد كبير من الأشخاص الذين يحملون أفكاراً معادية لإسرائيل. ويعكس هذا الموقف توجهه العام نحو تشديد سياسات الهجرة، حيث يدعو إلى تقليص أعداد المهاجرين غير الشرعيين، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضبط الحدود، ما جعله عرضة لانتقادات من الأحزاب اليسارية والمجتمع المدني، لكنه في الوقت ذاته أكسبه دعم الأوساط المحافظة التي تُطالب بسياسات أكثر تشدداً تجاه اللاجئين.
 
5- التقارب مع تركيا لتحقيق الاستقرار الإقليمي: يركز ميرتس على ضرورة أن تلعب ألمانيا والاتحاد الأوروبي دوراً أكثر فاعلية في دعم استقرار الشرق الأوسط، ومن خلال التعاون مع تركيا، التي أثبتت قدرتها على التأثير في القضايا الإقليمية ونظراً لدورها المتنامي في المنطقة. ويعتقد أن تراجع النفوذ الروسي، خاصة بعد سقوط النظام السوري، يتيح فرصة لإعادة رسم التوازنات الإقليمية، حيث أصبحت تركيا فاعلاً أساسياً يمكن لأوروبا الاعتماد عليه في جهود تحقيق السلام. ويؤكد ميرتس أن التقارب مع أنقرة ليس خياراً، بل ضرورة تفرضها التحولات الجيوسياسية. ويرى أن هذا التعاون يجب أن يتجاوز الإطار الدبلوماسي ليشمل مجالات الأمن والسياسة، بما يضمن تحقيق نتائج مستدامة.
 
6- عدم التسرع في تقييم الأوضاع في سوريا: يعتمد موقف فريدريش ميرتس من سوريا على الحذر والتريث في تقييم الوضع هناك، حيث أكد أنه من المبكر الجزم بانتهاء الحرب الأهلية رغم انهيار نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو. ويرى ميرتس أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك سيطرة المعارضة السورية على العاصمة دمشق، تمثل تحولاً جذرياً، لكنه يشدد على ضرورة الانتظار قبل استخلاص استنتاجات نهائية حول مستقبل البلاد.
 
ختاماً، تنطلق رؤية فريدريش ميرتس، المستشار الألماني القادم، للسياسة الخارجية الألمانية تجاه منطقة الشرق الأوسط من ضرورة تحقيق الاستقرار الإقليمي، والذي يعطي الأولوية للتعاون مع الحلفاء الرئيسيين لمواجهة التحديات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة التي سيكون لتطوراتها تداعيات عالمية كبيرة، بما في ذلك أمن الطاقة ومسارات التجارة. ويمكن أن تؤدي حالة عدم الاستقرار في المنطقة إلى اضطرابات في إمدادات النفط، مما يؤثر على استقرار الاقتصاد العالمي، وهو ما قد تكون له عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد الألماني.
 
ويتماشى تركيز ميرتس على الاستقرار مع دعمه للحلفاء التقليديين، مثل إسرائيل، والتزامه بحل النزاعات طويلة الأمد، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ومن خلال تعزيز الاستقرار، يسعى ميرتس إلى خلق بيئة مواتية للجهود الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي.
 
علاوة على ذلك، تعكس مواقف ميرتس تجاه استقرار الشرق الأوسط المخاوف الأوروبية الأوسع بشأن الأمن الإقليمي وتأثيره على قضايا الهجرة والإرهاب. فقد ساهمت الصراعات المستمرة والتوترات في الشرق الأوسط في أزمات اللاجئين وظهور الجماعات المتطرفة، مما يفرض تحديات كبيرة للأمن الأوروبي والألماني والتماسك الاجتماعي. ومن خلال الدعوة إلى الاستقرار، يسعى ميرتس إلى مواجهة هذه التحديات بشكل استباقي، وضمان قدرة برلين وأوروبا على الحفاظ على بيئة آمنة ومستقرة محلياً ودولياً. كما يتماشى هذا النهج مع أهداف سياسته الخارجية الأوسع، والتي تسعى إلى تعزيز التحالفات وتشجيع التعاون الإقليمي لمواجهة القضايا العالمية المعقدة.