• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات مترجمة

"غلوبس": الصين وروسيا وإيران: قواعد اللعبة الدولية تتغير لغير صالح الغرب


نشر موقع "غلوبس" الصهيوني، مقالاً للكاتب يوآف كارني، عن علاقات الصين الخارجية والاستراتيجية. الكاتب رأى أن كل ما تفعله الصين في العالم يصب في مصلحتها الاقتصادية. لكن، علاقاتها مع إيران وروسيا تشذّ عن هذه القاعدة، فما هو الهدف من التعاون الصيني-الايراني-الروسي؟ التفاصيل في المقال التالي:

في 24/02/1972 التقى الرئيس الأميركي ورئيس حكومة جمهورية الصين الشعبية لأول مرة، للتباحث في شؤون العالم. كان هذا خلال الزيارة المشهورة لريتشارد نيكسون لبكين. بحكمة ما بعد العمل، يمكننا القول إنها كانت الفعل الدبلوماسي الأهم في عصرنا. الزيارة غيّرت مجرى التاريخ.

البروتوكول الرسمي يضم 32 صفحة، فقط في أسفل الصفحة 29، رئيس الحكومة الصينية جو إن لاي، وجّه سؤالاً صعباً إلى نيسكون، لا يتصل بالمحيط الجغرافي المباشر للصين: "كيف ترى حل مشكلة الشرق الأوسط؟"، وأضاف: "فرنسا أرادت أن نشارك في حل قضية الشرق الأوسط، ونحن رفضنا لأنه لا دور لنا هناك".

نيكسون أجاب بما أجابه، وأضاف مجاملة دبلوماسية: "هذه المشكلة معقدة جدًا، ربما عندما يسافر نائب وزير الخارجية (الصيني) إلى مركز الأمم المتحدة يمكنه ان يجلب معه بعض الحكمة الصينية لحل المشكلة". جو أجاب: "غير ممكن".

سرِّعوا الفيلم إلى الأمام 49 سنة و5 أسابيع. لم يبق في القيادة الصينية أي شيء من نوع تواضع جو إن لاي. في نصف قرن، الصين الشيوعية تخلّصت بالكامل من مشاعر الدونية والخنوع في أيام ماو الأخيرة.

طريقها إلى العالم الخارجي لم تعد تمر بدبلوماسية حذرة؛ وهي مستعدة لفتح الباب بالقوة. وهي تفعل هذا منذ سنوات في محيطها المباشر، والآن تفعل هذا في محيطها الأبعد بقليل. في الأسبوع الماضي، عقدت حلفًا استراتيجيًا مع إيران.

على أبواب الشرق الأوسط

ليس للصين الشيوعية أصدقاء أو حلفاء ثابتين. لقد غيّرت توجهاتها مرة تلو الأخرى. بدأت كطليعية أمام المعسكر البروليتاري (طبقة العمال)، في الصراع ضد الغرب، إلى جانب الاتحاد السوفييتي؛ وبعدها بـ20 عاماً، اقتربت لشديد العجب، من حربٍ ضد الأخت الشيوعية؛ ثم أصبحت بعدها بوقتٍ قصير شريكة استراتيجية للولايات المتحدة الرأسمالية، وكرسّت الربع الأخير من القرن الـ20 للتطوير الاقتصادي غير المسبوق، لكنها استمرت في الحفاظ على بروفيل منخفض جدًا في الساحة الدولية. منذ 20 عاماً وهذا البروفيل يتصاعد.

إنها تقترب استراتيجياً من بوابات الشرق الأوسط، على الأقل منذ العام 2015. في ذلك العام، استأجرت لـ 43 عاماً مرفأً عميق المياه في الساحل الباكستاني على بحر العرب، نحو مضيق هرمز. في العام 2016 افتتحت قاعدة عسكرية في جيبوتي، على أبواب البحر الأحمر. بعدها بعام استأجرت لـ 99 سنة مرفأً عميق المياه في سريلانكا، قرب مسارات الإبحار العابرة لبحر العرب.

جيبوتي كانت القاعدة العسكرية الأولى للصين ما وراء البحار. باكستان هي حليفة للصين منذ سنين طويلة. الاهتمام الصيني بباكستان وبسريلانكا، يُنسب للخطة العالمية "طريق الحرير"، أو "مبادرة الحزام والطريق". لكن سريلانكا تدغدغ أقدام (تلامس) الهند، ذات العلاقات المتوترة مع الصين؛ والمرفأ الباكستاني يقع في نصف الطريق بين الهند والخليج.

إذاً، بالشراكة مع إيران، يمكن رؤية استمرار طبيعي لعملية التمدد الاستراتيجي للصين. لكن إيران لا تشبه سريلانكا أو جيبوتي. حدود جديدة تُخترق عندما توقّع الصين على اتفاقٍ استراتيجي لـ 25 عاماً مع قوة عظمى إقليمية عدوانية وتشتهي التمدد، والتي يعتبرها نصف الشرق الأوسط عدوّة لدودة. هذا التحدّي الأكثر جرأة من الصين للولايات المتحدة وحليفاتها.

الاتفاق الصيني – الإيراني نضج منذ بعض الوقت. الإعلام الإيراني سبق ان أفاد عنه بأهازيج انتصار في تموز/يوليو الماضي.

"مشاركة عديمة المسؤولية"

صحيح ان مسؤولَيْن كبيرين في إدارة ترامب كتبا عن هذا: أن "توصيف الاتفاق مبالَغ فيه"، لكنهما اعتبرا "حماسة الصين للشد على يد مشجّعة الإرهاب واللاسامية الرائدة في العالم" بمثابة دليلٍ إضافي على ان الصين أصبحت "مشارِكة عديمة المسؤولية" في العلاقات الدولية.

بداهةً، كل ما تفعله الصين في العالم تفعله لصالح مصالحها الاقتصادية. هذا، بحد ذاته، أمر يصعب قليلًا الاشتكاء عليه. لكن الاهتمام الصيني بإيران يشذّ عن منافع اقتصادية وعن تزويد نفط (مشتريات النفط الصينية من إيران تقرُب من مليون برميل في اليوم تقريبًا، من أجل تعطيل العقوبات الأميركية).

في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2019، أساطيل إيران والصين وروسيا، أجرت مناورة مشتركة في بحر العرب وعلى مدخل الخليج. المناورة مُنحت اسم "حزام الأمن البحري". الروس والصينيون وصفوها بأنها "عملية مشتركة ضد قراصنة". إيران حرصت على منحها مظهر فعلٍ مؤسس لـ"حلفٍ ثلاثي". نائب رئيس أركان الصين وصل إلى طهران قبل وقتٍ قصير من المناورة. يمكن الافتراض ان الإيرانيين بالغوا في أهميتها عن قصد، والصينيون والروس قللوا من شأنها عن قصد.

في النهاية، "القراصنة" الأكثر نشاطًا على مدخل الخليج هم عناصر الكوماندوس البحري لحرس الثورة الإيرانية.

في الصيف الماضي، عندما بدأ يتبلور الاتفاق الصيني – الإيراني، اعتبرته "وول ستريت جورنال" تذكيرًا "بأن قوى عظمى إقليمية مستبدة لا تميل إلى تقييد نفسها في المناطق التي تقع فيها".

 

من الجدير ذكره، ان الولايات المتحدة نفسها مرّت بعملية مشابهة من التمدد الاستراتيجي. لقد أجبرت اليابان على فتح مرافئها للتجارة الأميركية في منتصف القرن الـ19، وبعدها بنصف قرن كانت المحتلة والضامّة البربرية للفيليبين.

لكن عن هذا يجدر القول، إن الأوقات وكذلك التوقّعات، تغيّرت. الصين تبث إشاراتٍ واضحة بأنها تدخل إلى صراعٍ نشط على مناطق نفوذ، وهي تفعل هذا بالشراكة مع قوى عظمى مستبدة أخرى.

الولايات المتحدة كعدو مشترك

إلى جانب التقارب بين الصين وإيران، يستمر أيضًا التقارب الاستراتيجي بين الصين وروسيا. الإعلان قبل 3 أسابيع عن مبادرة روسية – صينية لإقامة محطة أبحاث مشتركة على القمر، صحيح انه بحدّ ذاته ليس مصدرًا للقلق، لكن ما يُقلق هو ما يُعبّر عنه: المحور المعادي للغرب يتعزز.

فلاديمير بوتين سُئل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن إمكانية حلفٍ عسكري رسمي مع الصين، فقال: حتى الساعة، "إنه نظري"، لكن في إطار الإمكان، وفي هذه الغضون "لا شك ان تعاوننا مع الصين يعزز قدرتها العسكرية".

ما المشترك بين الصين وروسيا وإيران؟ في المقام الأول، تذمرهنّ الدائم من الولايات المتحدة. كل الدول الـ3 واقعة الآن تحت عقوبات أميركية، بينها بعيدة المدى في خطورتها.

قبل مدة قصيرة، أسمى الرئيس بايدن بوتين بأنه "قاتل"، وأعلن ان "رئيس الصين ليس لديه عَظْمَة ديمقراطية واحدة في جسمه". روسيا والصين لم تنبريا لحربٍ على إهاناتٍ شخصية، لكن هذه الإهانات تسهّل عليهما رؤية الولايات المتحدة كعدوة مشتركة. وبداهةً، لا حاجة لإقناع (الإيرانيين) بأن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر.

التاريخ الدبلوماسي حافل بالأمثلة، حتى منذ القرن الـ16، أحلاف موجّهة ليس فقط ضد جيش، بل وأيضًا ضد أيديولوجية.

دول شبكت أيديها من أجل كبح مناحٍ ليبرالية أو راديكالية، في الدين والسياسة والنظام الاجتماعي. حروب كثيرة المشاركين، أو حتى حروب عالمية، ثارت من هذه الشراكات.

ربما من المناسب البدء برؤية مسلكية الصين ضمن هذا السياق. يبدو أنها تعتقد الآن أن الديمقراطية الغربية نفسها، هي تهديد لسيادتها ولسلامة أراضيها. إنها منهمكة الآن بتنقيح قواعد اللعبة الدولية لغير صالح الديمقراطيات الغربية.