كتبت الباحثة الأميركية بوني كريستيان في مركز "ديفانس برايوريتيز"Defence Priorities ، مقالة في مجلة "ذا ناشونال انترست" الأميركية دعت فيها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة توجيه العلاقات الأميركية الروسية وتطبيع العلاقات مع موسكو وتجنّب المواجهة معها في سوريا وأوكرانيا وعدم الانجرار إلى حرب بين الدولتين النوويتين قد تدمر العالم بأكمله.
وقالت الكاتبة إن مسؤولاً كبيراً في الكرملين كشف أخيراً أن واشنطن وموسكو تعملان على وضع تفاصيل قمة بين الرئيس بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ومن المرجح أن تُعقد في دولة ثالثة في حزيران / يونيو المقبل عندما يزور بايدن أوروبا لحضور اجتماعات مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي.
وأضافت أن دعوة القمة من واشنطن تأتي في لحظة متوترة في العلاقات الأميركية الروسية. وقد قدم بايدن عرض عقد القمة بعد فترة وجيزة من وصفه لبوتين بالقاتل وقبل فترة وجيزة من فرض عقوبات جديدة على روسيا انتقاماً لهجوم إلكتروني مزعوم من الكرملين أواخر العام الماضي. لكن بايدن قال إنه يريد التحدث مع بوتين لتطبيع التعامل وتجنب دوامة التصعيد والصراع مع روسيا. وقالت موسكو إنها تلقت الدعوة بشكل إيجابي، لكن الكرملين استدعى أخيراً سفيره لدى الولايات المتحدة، متهماً إدارة بايدن وإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب باتخاذ خطوات متعمدة لإيصال العلاقات الثنائية إلى طريق مسدود.
واعتبرت الكاتبة أنه يكفي القول بأن لهجة ونتائج هذه القمة غير مؤكدة. لكن، يمكن أن يبدأ بايدن في الأسابيع الستة التي تسبق الاجتماع، في إعادة توجيه العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا من خلال أربعة محاور استراتيجية.
أولاً، تعتبر الدبلوماسية رفيعة المستوى، على غرار القمة، ذات أهمية رمزية وتؤدي أحياناً إلى اختراقات كبيرة. لكن لا ينبغي لبايدن أن يبالغ في تقدير قمته مع بوتين، وهو خطأ ارتكبه سلفه ترامب مراراً مع الدول المعادية (وخاصة كوريا الشمالية). يجب أن يعطي بايدن الأولوية للتواصل الروتيني المثمر بين الحكومتين وكذلك للمحادثات على مستوى العمل حول نقاط الاحتكاك.
وقالت الكاتبة إن أول خطوة ملحة هنا هو إعادة السفير الأميركي لدى روسيا إلى سفارتنا في موسكو وإعادة السفير الروسي لدى الولايات المتحدة إلى واشنطن. المشروع الملح الآخر هو البناء على قرار بايدن الحكيم بتجديد معاهدة "ستارت" الجديدة من خلال إحياء معاهدتي الأجواء المفتوحة والقوى النووية متوسطة المدى، وكلاهما تخلت عنهما إدارة ترامب. إن صفقات الحد من الأسلحة هذه هي بنية تحتية لخفض التصعيد يجب على بايدن إعادة بنائها إذا كان ذلك ممكناً.
الخطوة اللاحقة هي أن على بايدن أن يقلل بشكل فعال من فرص انجرار الولايات المتحدة وروسيا في صراع عسكري. فالعودة إلى معاهدة الأجواء المفتوحة هي جزء من هذا، ولكن الأمر نفسه ينطبق كذلك على إنهاء التدخل العسكري الأميركي المستمر في سوريا، حيث تمتلك روسيا أيضاً قوات هناك.
وقالت الكاتبة إن الانتشار الأميركي في سوريا ضئيل نسبياً الآن، حيث يبلغ عددها نحو ألف شخص هم مكلفون بمكافحة بقايا "داعش" ومنع وصول روسيا وإيران والنظام السوري إلى موارد النفط (وكلها تعارض تنظيم "داعش" كذلك). على الرغم من أن القوات الأميركية والروسية لا تتقاتل رسمياً في سوريا، فقد اشتبكت القوات الأميركية سابقاً مع المرتزقة الروس. إضافة إلى ذلك، فإن القرب بطبيعته محفوف بالمخاطر، وهو مخاطرة لا داعي لها.
وأضافت الكاتبة أن من المهم كذلك الابتعاد عن عمليات الانتشار الروسية في أوروبا الشرقية، ولا سيما أوكرانيا، حيث تعمل روسيا حالياً على تقليص وجودها العسكري. ومع ذلك، حتى إذا تم عكس هذا الانسحاب، فسيظل الحال أن المصالح الأمنية الأميركية ليست كافية هناك لتبرير فرصة الحرب المفتوحة مع روسيا. تؤثر المصالح الحيوية على سلامة الولايات المتحدة وسيادتها وسلامة أراضيها وموقع قوتها، كما أوضح باري بوزن من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. في أسوأ السيناريوهات، إذا "سقطت" أوكرانيا بأكملها في يد روسيا، فلن يكون لذلك تأثير كبير على أمن الولايات المتحدة.
المحور الثالث، الذي يجب أن يركز عليه بايدن في العلاقة مع روسيا، هو في رأي الكاتبة في الاعتماد على الدفاع الجيد والقيادة الأخلاقية لنموذج جيد بدلاً من محاولة الإكراه، وخاصة من خلال الإفراط في استخدام العقوبات، والتي لها سجل سيئ للغاية في تغيير فعلي لسلوك الدول المستهدفة. إن أحدث عقوبات بايدن على موسكو هي طبقات عدة فوق المئات من العقوبات الأخرى. تم تجاهل هذه العقوبات في الغالب، وستُفرض عقوبات إضافية أيضاً عندما يعتقد بوتين أن المصالح الروسية الأساسية معرضة للخطر. وهكذا، على سبيل المثال، فإن العقوبات الأميركية التي تهدف إلى وقف اضطهاد ناقد الكرملين، أليكسي نافالني، وحركته من المؤكد تقريباً أنها ستفشل، مما أدى إلى تفاقم الصراع بين واشنطن وموسكو بينما لم تحقق شيئاً للنشطاء الديمقراطيين في روسيا...
أما المحور الرابع والأخير فهو الذي أشار إليه بايدن في دعواته إلى التطبيع ووقف التصعيد مع روسيا: يجب أن يكون السلام دائماً هو الهدف الأساسي لاستراتيجية واشنطن مع موسكو.
وخلصت الكاتبة إلى القول إن الحرب الباردة قد انتهت، لكن بلدينا يحتفظان بأكبر ترسانتين نوويتين على كوكب الأرض حتى الآن. وفي أسوأ السيناريوهات، قد يعني خرق السلام نهاية العالم كما نعرفه. هذه الحقيقة يجب أن توجه وتحذر خطوات بايدن مع روسيا في القمة وما بعدها.