• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
مقالات عربية

سيناريوهات متعددة.. علاقة طالبان بالتنظيمات الإرهابية


في 16 أغسطس، أعلنت حركة طالبان عن سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابل، معلنة بذلك إسقاط النظام الحاكم بقيادة أشرف غني الذي كان مدعومًا من الولايات المتحدة. ورغم الانتقادات الدولية للحركة، إلا أن طالبان أكدت أنها لن تسمح باستخدام أراضيها لمهاجمة أي دولة في العالم، كما كان يحدث من قبل. يذكر أن الولايات المتحدة قامت بغزو أفغانستان في 2001 بهدف إسقاط حركة طالبان نتيجة الدعم والإيواء الذي قدمته لتنظيم القاعدة الذي شن هجمات دموية راح ضحيتها قرابة 3000 مدني في عام سبتمبر 2001.
حتى هذه اللحظة، لم تتضح الرؤية في أفغانستان، حيث لم يتم تشكيل حكومة انتقالية بعد. ورغم تأكيد طالبان أنها سوف تحترم حقوق المرأة وتسمح لها بالتعليم والعمل بالقطاعين العام والخاص، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من احتمالية أن تكون طالبان تتلاعب بالمفردات اللغوية من أجل إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بنظامها الجديد، على أن تعود لاحقا لسلوكياتها القديمة الداعمة للتنظيمات الإرهابية.
 
ويبرهن الخطاب السياسي الجديد لطالبان إدراك الحركة أن نجاح تجربتها في الحكم لا يمكن ان تتم بمعزل عن الدعم الخارجي الذي تتلقاه كابول من الدول الخارجية، وخاصة الغربية. وترغب طالبان بتطوير علاقات ثنائية قائمة على المصلحة المشتركة بهدف الاستفادة من الدعم الغربي في بناء المؤسسات وتقديم الدعم للفئات المهمشة، فضلا عن السماح لها باستخدام التكنولوجيا المدنية لأغراض إنسانية. ورغم كل ذلك، إلا أن المخاوف الغربية لا تزال قائمة في التعاطي مع الحركة، رغم أن سياسة الاحتواء لا تزال موجودة على الطاولة.
شكلت الطبيعة الجغرافية سببا رئيسيا في جعل أفغانستان وجهة للتنظيمات الإرهابية الدولية. كما لعبت الطبيعة الجغرافية دورا مهما في إفشال المحاولات الغربية الهادفة إلى مساعدة الجيش الوطني الأفغاني لإحكام سيطرته الأمنية على البلاد، حيث توفر التضاريس الوعرة موطنا آمنا من الملاحقات الأمنية والقضائية. وبمجرد أن انسحبت الولايات المتحدة وسيطرت طالبان على مقاليد الحكم، ثارت عدة تساؤلات بخصوص مستقبل التنظيمات الإرهابية في العالم، ومدى تأثير هذه الخطوة على نشاط التنظيمات الإرهابية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ويمكننا أن نحلل العلاقة بين الطرفين من خلال عدة سيناريوهات.
1- الدعم الكامل: وفقًا لهذا السيناريو، سوف تعود طالبان لإيواء التنظيمات الإرهابية تماما كما فعلت في التسعينات، مع تقديم دعم استخباري نوعي وتوفير الإمكانيات المادية التي تحتاجها هذه التنظيمات. كما سوف تعمل طالبان على استخدام ورقة التنظيمات الإرهابية كوسيلة للضغط على الغرب من أجل تقديم دعم اقتصادي للبلد الذي يعد ضمن الأفقر في العالم بإجمالي ناتج محلي يبلغ قرابة 19 مليار دولار. وتدرك طالبان أن الدول الغربية لن تجرؤ مجددًا على القيام بأي عمل عسكري بري نتيجة الفشل الذي لحق بعملياتها العسكرية قبل الانسحاب من كابل. وفي أسوأ الحالات، سوف تقوم الدول الغربية بتوجيه ضربات جوية بطائرات مسيرة على تمركزات الإرهابيين، مع الأخذ بالاعتبار أن الطبيعة الجبلية سوف تجعل من هذه العمليات محدودة الفعالية دون دعم بري.
وفق هذا السيناريو، فإن طالبان سوف تعمل على تطوير العلاقات مع التنظيمات الإرهابية التي تتواجد في كل من سوريا وليبيا والعراق والصومال. ورغم العلاقة التنافسية التي تجمع بين طالبان وتنظيم داعش، ليس من المستبعد أن يتوصل الطرفان لتفاهمات تقضي بمساعدة طالبان للتنظيم على العمل خارج أراضيه. هذا السيناريو يتضمن تطوير طالبان علاقاتها بدول مثل إيران والصين وكوريا الشمالية بهدف امتلاك تكنولوجيا متطورة للصواريخ.
2- الدعم الجزئي المحدود: وفقا لهذا السيناريو، فإن طالبان قد تعلمت من أخطاء الماضي التي تسببت في جلب الحرب والدمار لأفغانستان. ومن ثم، فإن طالبان، لن تقدم الدعم المادي واللوجستي للمنظمات الإرهابية، لكنها سوف تغض الطرف عن وجود هذه التنظيمات في الأراضي الأفغانية، الأمر الذي قد يحمل تأثيرات سلبية محدودة على العلاقة مع الدول الغربية. هذا الموقف يمكن تبريره بعدم قدرة الحركة على بسط سيطرتها الأمنية على المناطق الجبلية، تماما كما فشلت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. علاوة على ذلك، سوف تعمد طالبان إلى تطوير علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية في مناطق النزاع في العالم للحصول على الأسلحة والتكنولوجيا التي لن تتمكن من الحصول عليها من الدول الغربية. هذه الخطوة يمكن تبريرها بإيمان حركة طالبان أن الدول الغربية لن تسمح لها بامتلاك أسلحة متقدمة وتكنولوجيا عسكرية. كما ترغب طالبان في استخدام علاقاتها المحدودة بالتنظيمات الإرهابية في مناطق النزاع كورقة تفاوضية.
ما يميز هذا السيناريو عن السيناريو الأول، هو أن طالبان في السيناريو الأول سوف تقدم دعمًا ماديًا واستخباريًا، وايواء للتنظيمات الإرهابية، بينما في السيناريو الثاني سوف تعمل على استقدام التكنولوجيا التي تمتلكها التنظيمات الإرهابية التي لا تسكن أراضيها.
3- قطع العلاقات نهائيًا: وفق لهذا السيناريو، فإن طالبان لن تقدم أي دعم لأي تنظيم إرهابي يشكل خطرًا على الغرب، ولن تسمح لهذه التنظيمات بالتواجد أو العمل على أراضيها. سوف تتبنى طالبان سياسة عسكرية انعزالية عن أزمات المنطقة. كما سوف تولي اهتمامًا خاصًا لأنشطتها الاقتصادية كبوابة لتطوير العلاقات مع الدول الغربية. بكل تأكيد، تطوير آليات للثقة المتبادلة مع الغرب لن يكون أمرا سهلا ويحتاج لوقت طويل مع وساطة دولية من قوى فاعلة مثل باكستان. وفقا لهذا السيناريو، قد تندلع مواجهات عسكرية بين طالبان وأي تنظيم إرهابي يحاول التواجد على الأراضي الأفغانية. وفي حالة حدوث أي صدام عسكري مع أي تنظيم، من المرجح أن تكون طالبان هدفا لتنظيمات إرهابية أخري مثل داعش التي تؤمن دوما بضرورة قتال التنظيمات المنافسة لها فكريا وعسكريا.
في النهاية، من المبكر التنبؤ باحتمالية تحقيق أي سيناريو، خاصة أن الحركة لم تمضي إلا عدة أيام في الحكم. ورغم ذلك، هناك الكثير من المؤشرات التي ترجح أن سلوك الحركة قد تغير كثيرًا، وأصبحت أكثر انفتاحًا من ذي قبل، الأمر الذي يجعل السيناريو الأول أقل الاحتمالات تحقيقًا.