تعتبر الحوالات المالية للمغتربين إلى بلدانهم من أهم العوامل الداعمة للنشاط الاقتصادي وخاصة في الظروف الاستثنائية، سواء كانت ظروف حرب أو حصار أو عقوبات أو كوارث طبيعية ...الخ، وفي بلدنا سورية تختلف تقديرات الاقتصاديين عن مقدار الحوالات المالية التي يحولها السوريون المغتربون في الخارج إلى سورية، كما تختلف أيضاً من شهر إلى شهر آخر ومن سنة إلى سنة أخرى، فبعض التقديرات تشير أنه وسطياً بين /4 و5/ مليون دولار يومياً وقد يصل في شهر رمضان الفضيل إلى /10/ مليون دولار، وعلى هذا الأساس قدّر البنك الدولي على أن تحويلات المغتربين السوريين لسنة /2016/ بلغ بحدود /1،6/ مليار دولار أي بمعدل يومي وسطي قدره بحدود /4،5/ مليون دولار يومياً، وحسب المجموعة الإحصائية السورية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء وهو الجهة الوحيدة المخولة بإعطاء الأرقام الرسمية عن أوجه النشاط الاقتصادي.
فقد أكدت المجموعة الإحصائية لسنة /2020/ الصفحة /456/ على أن نسبة صافي التحويلات الجارية من العالم الخارجي إلى الدخل القومي المتاح للتصرف به لسنة /2011/ أي بداية الحرب على سورية كانت نسبة /1،9%/ ولسنة /2016/ نسبة حوالي /16%/ ولسنة /2019/ نسبة حوالي /11%/، وبالتالي فهي نسب عالية، ولهذه التحويلات تداعيات إيجابية على كلّ المستويات المجتمعية وعلى الاقتصاد الجزئي والكلي وعلى المواطن والحكومة، كما أن زيادة قيمة الحوالات تؤكد على مدى ارتباط السوريين بوطنهم وإصرارهم على تحدي الإرهاب الاقتصادي الممارس على سورية من قبل رأس الشر العالمي أمريكا والدول التابعة لها، كما نجد من جهة أخرى أن هذه التحويلات تنعكس إيجاباً على تعزيز الاحتياطي النقدي من القطع الأجنبي وبما يدعم حركة الدورة والعجلة الاقتصادية وتحسين القوة الشرائية لليرة السورية وتمويل المستوردات وتحسين سعر الصرف أو على الأقل تثبيته وتساهم في تحسين مستوى المعيشة للمحوّل إليهم من العائلات السورية، وقد تساهم في إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة وبالتالي تقليل معدلي البطالة والتضخم وزيادة معدلي النمو وقيمة الناتج المحلي الإجمالي والخروج من الركود الاقتصادي...الخ، ومن هنا يجب أن نضع سياسة اقتصادية نقدية تحسن من واقع التحويلات الجارية من الخارج ووضع آلية اقتصادية تشجع على زيادتها، وهنا نقترح تحسين سعر صرف الحوالة وبما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية وأن يكون سعر الحوالة قريباً من سعر الصرف في السوق الموازية، وهامش الفارق بينهما لا يتجاوز تكلفة (تنفيذ الحوالة وهامش ربح بسيط) وأن يكون ضمن ضوابط تشجيعية مناسبة للمحول والمحول إليه، وأن تبقى كل هذه الإجراءات ضمن (العباءة الحكومية) وتوجيهاتها ومراقبتها وطبعا مع المحافظة على مبدأ السرية النقدية، وهذه مهمة البنك المركزي السوري بشكل أساسي، وعندها يتمكن من تفعيل تدخله الإيجابي في السوق النقدية ووضع ضوابط لشركات الصرافة ومكاتب التحويل المالي وبما يضمن تسهيل الإجراءات وترسيخ الثقة بين الأجهزة المصرفية والمواطن واعتماد الشفافية وعندها نقلل من قيمة تحويل الحوالات المالية التي تتم بطرق غير شرعية وقانونية وعبر شركات مجهولة ومكاتب سرّية وأشخاص وسماسرة مشبوهين، وتصبح عمليات التحويل من قبل الحكومة أو الجهات التي تكلفها بذلك ويتم تفعيل القطاع المصرفي ويقلّ نشاط اقتصاد الظل الذي يؤثر سلباً على اقتصادنا الوطني، وخاصة من جراء توسع نشاط وعمل السوق (السوداء) وفعالية الشركات الغير مرخصة، وهنا نقترح أيضاً تفعيل عمل سفاراتنا في الخارج لزيادة الثقة بين السوريين المغتربين ووطنهم وبطرق مدروسة؟!، مما يؤدي إلى زيادة العلاقات الترابطية مع بلدهم، ولكن أن يكون هذا وفقاً لخطط مدروسة حيث أن الكثير من دول العالم تمنع تحويلات المغتربين منها وإلى الخارج!، وتأتي أهمية تنظيم الحوالات بالنسبة لبلدنا في ظل ضرورة تجاوز تأثيرات الإرهاب (حصار وعقوبات) اقتصادية مفروضة بشكل جائر ومن طرف واحد على سورية، وبالتالي صعوبة التحويل الالكتروني والمصرفي، وبتحسين إجراء الحوالات المصرفية من الخارج نستطيع أن نتجاوز الكثير من الصعوبات المترافقة مع الإرهاب الاقتصادي الأمريكي وخاصة قانون قيصر ولا سيما في مجال التحويلات النقدية .