صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية نشرت مقالاً للكاتب الإسرائيلي جوناثان سباير، تحت عنوان "العلاقات المتنامية بين تركيا وروسيا تثير قلق إسرائيل"، تقول فيه إن ابتعاد تركيا المتزايد عن واشنطن، وتحركاتها نحو روسيا، ومعارضتها المباشرة لأقرب حلفاء "إسرائيل"، تعني أن تقارباً وشيكاً بين تركيا و"إسرائيل" غير محتمل. وفيما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:
في اجتماعٍ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في الأسبوع الماضي، أعاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التأكيد على الروابط المتنامية بين موسكو وأنقرة.
جاءت محادثات سوتشي بعد فشل إردوغان في تأمين لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي حديثه للصحفيين بعد الاجتماع مع بوتين، أشار إردوغان إلى أنه اقترح أن تعمل تركيا مع روسيا على بناء محطتين أخريين للطاقة النووية على الأراضي التركية. تقوم شركة "Rosatom" الروسية حالياً ببناء محطة كهرباء في أكويو، جنوب تركيا.
كما قال الرئيس التركي في الأسبوع الماضي إن تركيا لا تزال تعتزم شراء إمدادات ثانية من نظام الدفاع الصاروخي "S-400" من روسيا. أدى شراء النظام من قبل تركيا العام الماضي إلى فرض عقوبات أميركية على مديرية صناعة الدفاع التركية، وإلغاء استقبال تركيا للطائرة المقاتلة "F-35".
وفي مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، نقلت عنها "رويترز"، قال الرئيس التركي إنه "في المستقبل، لن يتمكن أحد من التدخل فيما يتعلق بنوع أنظمة الدفاع التي نمتلكها ومن أي دولة وعلى أي مستوى".
رداً على تصريح إردوغان، حذرت وزارة الخارجية الأميركية من أن أي شراء إضافي لأنظمة الدفاع الروسية قد يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية. وتصريحات إردوغان تؤكد ميل تركيا إلى موسكو، وابتعاد أنقرة المتزايد عن واشنطن.
تعكس الخطوات التركية الأخيرة أيضاً تناقضاً في صلب الاستراتيجية الإقليمية التركية، بين رغبة فورية في تجنب العزلة، والهدف الاستراتيجي الأعمق المتمثل في التأكيد الإقليمي الأحادي ودعم الإسلام السياسي السني الذي يشكل جزءاً من النظرة الأساسية لإردوغان والذين. حوله. من المرجح أن يحدد فهم هذا التناقض ردود الفعل الإسرائيلية على التحركات الدبلوماسية التركية.
لا يتحدد التحرك التركي نحو روسيا فقط من خلال العلاقات المتدهورة بين أنقرة وواشنطن. يسود غضب وقلق في تركيا بشأن صفقة دفاع بحري كبرى أخيرة بين فرنسا ومنافسة تركيا التقليدية، اليونان. الصفقة بقيمة 5 مليارات دولار، والتي بموجبها تلتزم اليونان بشراء ثلاث فرقاطات من طراز "Belharra" وثلاثة طرادات من طراز "Gowind" من فرنسا، ستعمل على تعزيز القدرات الدفاعية اليونانية بشكل حاد في شرق البحر المتوسط وبحر إيجه، في وقت تتزايد فيه التوترات بين البلدين على النزاعات في هاتين المنطقتين.
ويأتي الاتفاق البحري الفرنسي اليوناني في أعقاب اتفاق العام الماضي الذي التزمت فيه أثينا بشراء 18 طائرة مقاتلة من الجيل الرابع من طراز "رافال"، مقابل 2.5 مليار دولار. وبالنظر إلى الموقف الفرنسي الحازم ضد التحركات التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن هذه الصفقات الدفاعية الرئيسية تعزز التحالف الاستراتيجي بين فرنسا واليونان. وفرنسا ملتزمة الآن بتقديم المساعدة العسكرية لليونان إذا طلبت ذلك.
مع وجود خلافات كبيرة بين أثينا وأنقرة حول الحقوق الجوية والبحرية في بحر إيجه، وحقوق التنقيب في شرق البحر الأبيض المتوسط، ليس من الصعب معرفة سبب اهتزاز اتجاه الأحداث في تركيا، ولا لماذا يبحث إردوغان عن شركاء جدد. الولايات المتحدة منخرطة في انسحابٍ عام في المنطقة. كانت اليونان نشطة في الجهود المبذولة لضمان انتظامها ضمن الخط المؤيد للولايات المتحدة في أي منافسة استراتيجية ناشئة مع روسيا. الغضب الأميركي من شراء تركيا لأعتدة عسكرية روسية وانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب التحالفات الأميركية الأخرى، يجعل واشنطن غير متاحة كشريك لطموحات تركيا الإقليمية.
ومع ذلك، فإن تركيا ليست في وضع يسمح لها ببساطة باستبدال رعاية واشنطن برعاية موسكو. في عدد من الملفات الإقليمية الرئيسية، توجد أنقرة وموسكو أيضاً على جانبين متعارضين.
في ليبيا، تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المرتبطة بالإخوان المسلمين ومقرها طرابلس. في سوريا، وبشكل حاسم، تضمن تركيا ما تبقى من سيطرة الإسلاميين السنة في شمال غرب البلاد. وفي غضون ذلك، تدعم موسكو سلطة الجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا ومقرها طبرق. كما أن موسكو ملتزمة باستعادة نظام الأسد السيادة على سوريا بأكملها. ازداد القصف والغارات الجوية من قبل النظام والروس على الجيب التركي بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، حتى مع تقدم الدبلوماسية التركية - الروسية.
ولمواجهة عزلتها المحتملة، تسعى تركيا بالتالي إلى إعادة التقارب من عدد من اللاعبين الإقليميين الإضافيين الذين ابتعدت عنهم في السنوات الأخيرة. جهود التواصل الدبلوماسي التركي جارية تجاه الإمارات العربية المتحدة ومصر، وبوجهٍ خاص "إسرائيل".
فيما يتعلق بـ "إسرائيل"، تحدث الرئيس إسحاق هرتسوغ وسط ضجة إعلامية كبيرة مع إردوغان في تموز/يوليو. القليل من الجوهر ظهر منذ هذه الدعوة. لكن على "إسرائيل" أن تدرس بعناية الحكمة والفائدة من أي تقارب قد يكون قصير الأمد مع تركيا، عندما يتعارض مع الاتجاه الأعمق للأحداث. ولا يقتصر الأمر على ذلك فيما يتعلق بتطوير العلاقات الاستراتيجية بين "إسرائيل" واليونان ومصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا، وهي دول اتخذت ومن المرجح أن تستمر في اتخاذ موقف معارضة صارمة للطموحات التركية في شرق البحر المتوسط.
بينما تواصل تركيا مسارها في الانفصال عن مجموعة تحالفاتها في الحرب الباردة، قد ترغب "إسرائيل" في النظر في موقف أنقرة المستمر فيما يتعلق بالأحداث غرب نهر الأردن.
تعتبر المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إيران وطموحاتها الخطر الرئيسي لأمن "إسرائيل". مع ذلك، هناك تحدٍ استراتيجي رئيسي إضافي طويل الأمد يواجه "إسرائيل"، وهو التساوي القريب بين السكان اليهود والعرب المسلمين غرب الأردن. المزايا الرئيسية التي تتمتع بها "إسرائيل" في هذا الصدد هي اقتصادها المتقدم ومجتمعها المدني، وهياكل الدولة الموحدة، وانقسام السكان العرب إلى أربعة نُظم سياسية مختلفة (غزة التي تسيطر عليها حماس، والسلطة الفلسطينية في رام الله، والقدس، وما قبل 1948، "إسرائيل" (أي أراضي 48). الحفاظ على هذا الانقسام مصلحة إسرائيلية حيوية.
التحدي الجدي الوحيد الذي يواجه استمرار هذا الوضع على المدى المتوسط إلى الطويل هو تعبئة رموز الإسلام السني والمنظمات التي تسعى إلى الاستفادة منها سياسياً. كانت تركيا، إلى حدٍ كبير تحت شاشة الرادار، كانت منخرطة بنشاط في السنوات الأخيرة في السعي لتحقيق مكاسب في هذا المجال.
من خلال "الدعوة" عبر TIKA (وكالة التعاون والتنسيق التركية)، وشراء عقارات ودعم النشاط الإسلامي في القدس وأماكن أخرى في "إسرائيل"، من خلال المساهمات المالية في غزة التي تسيطر عليها حماس، ومن خلال استضافة ومنح الجنسية لعناصر حماس على الأراضي التركية، تسعى أنقرة إلى تصوير نفسها على أنها حامية الأماكن الإسلامية المقدسة، وراعية الكفاح الطويل ضد "إسرائيل".
هناك القليل من المؤشرات على أن هذا الجهد يحمل نتائج مهمة في الوقت الحاضر. لكن يبدو أنه من المقرر أن يستمر الأمر طالما بقي حزب العدالة والتنمية المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين وإردوغان في السلطة في تركيا. إن جهود أنقرة المستمرة في هذا المجال، وابتعادها المتزايد عن واشنطن، وتحركاتها نحو روسيا، ومعارضتها المباشرة لأقرب حلفاء "إسرائيل" الإقليميين والناشئين، تعني أن تقارباً وشيكاً بين تركيا و"إسرائيل" غير محتمل، والجهود المفرطة تجاهها غير مجدية وربما غير محبّذة، في المستقبل المنظور.