استعرض "سالار نامدار وندایي"، المحلل في الشؤون السیاسیة والأمن الدولیین، في مقال نشر له علی موقع "مرکز دراسات "تبیین" الاستراتجیة، موضوع "الانسحاب الأمریکي والخروج من أفغانستان: توجه جدید في السیاسة الخارجیة"، حیث رأی أن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية قد تغيرت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وحلت محل قضايا أخرى مثل انتشار الديمقراطية، وبناء الدولة، وتغيير الأنظمة السياسية المعارضة وحتی مكافحة الإرهاب والتنافس مع القوى الكبرى، لا سیما الصين، التي تشكل تحديًا للهيمنة الأمريكية. یسعی هذا المقال من خلال دراسة محاور تدور حول أحداث 11 سبتمبر؛ بداية تعزیز التواجد العسكري، وصعود الصين وتغير الأولويات، والنهج الجديد لسياسة الخارجية؛ تقلیل التدخل والالتزامات، مقاربة أسباب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد مرور عقدين من الاحتلال والتواجد العسكري، وإلقاء نظرة سریعة على التوجه الجديد لسياسات أمیرکا الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم. وفيما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:
تهدف الولایات المتحدة الأمریکبة من وراء انسحابها من أفغانستان إلى التركيز على التنافس مع القوى العظمى، ولا سیما مع الصين. في هذا الصدد یمکن القول إن وراء كل خطوة في السياسة الخارجية، هناك مجموعة من الدوافع والأهداف التي توجه الخطوة منطقیاً. وهناك إیضاً أسباباً لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان حیث یحدد إستراتیجیة الولایات المتحدة للعقود القليلة القادمة کحد أدنی.
کما أن الغزو العسكري لأفغانستان واحتلالها في أوائل القرن الحادي والعشرين، قد أعطی منحی جديداً للسياسة الخارجية الأمریکیة، بالتالي فإن انسحاب القوات الأمريكية في الفترة الأخيرة أظهر البداية الرسمية لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأمریكية.
یسعی هذا المقال من خلال دراسة المحاور التالیة: 11 سبتمبر؛ بداية تعزیز التواجد العسكري، وصعود الصين وتغير الأولويات، والنهج الجديد لسياسة الخارجية؛ تقلیل التدخل والالتزامات، مقاربة أسباب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد مرور عقدين من الاحتلال والتواجد العسكري، وإلقاء نظرة سریعة على التوجه الجديد لسياسات أمیرکا الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم.
1. 11 سبتمبر؛ بداية تعزیز التواجد العسكري
يجب اعتبار أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من تداعیات، على أنها بداية جدیدة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة وجهود الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها وتثبیت هيمنتها في المنطقة.
بدأت الولايات المتحدة في هذه المرحلة، تحت عنوان" الحرب علی الإرهاب" التدخل والتواجد العسکري في مواقع استراتيجية حول العالم،". وبالنظر إلی الحساسیة والأهمیة التي تحظی بها منطقة الشرق الأوسط في نظر سياسات الخارجية التوسعیة للولايات المتحدة، أصبح الیوم ترکیز العين الأميركية علی منطقه الشرق الأوسط أکثر من أیة منطقه أخری في العالم. فضلًا عن ذلك، قامت أمیرکا لیس بإنشاء العديد من القواعد العسكرية فحسب، بل وبإحتلال البلدین أفغانستان والعراق.
مع أن ما بعد أحداث 11 سبتمبر، کان وراء سیاسة الانتشار العسکری للولایات المتحدة مجموعة من الأهداف المتنوعة، مثل تعزيز الهيمنة الأمريكية في عالم ما بعد الحرب الباردة وإنشاء نظام يتمحور حول أمیركا، إلا أن الهدفین المعلنین والمتمثلین بـ "مكافحة الإرهاب". "و"انتشار الديمقراطية " یعدان مؤشران موثوقان في النظر إلی سجل تواجد الولايات المتحدة بمدة 20 عامًا في أفغانستان.
في الواقع استوحت الولایات المتحدة الأمیرکیة، من خطة مارشال، التي تم تنفيذها بعد الحرب العالمية الثانية لمساعدة بعض الدول الأوروبية في واجهة انتشار النفوذ السوفيتي، وكانت في صدد تأسیس حكومة حديثة في أفغانستان، بما يتماشى مع الديمقراطيات الغربية. وبالرغم من أن هذا الموضوع تم تناوله بشكل صريح في خطاب جورج دبليو بوش في 17 أبريل 2002، في معهد فيرجينيا العسكري، وخصص الكونجرس الأمريكي من عام 2001 إلى عام 2009 أكثر من 38 مليار دولار لإعادة بناء أفغانستان، إلا أن المجتمع الدولي رفض التماشي مع الولایات المتحدة الأمیرکیة في هذا الصدد.
بالتالي ظهرت بوادر الفشل والإنحدار بعد مرور حوالي عشر سنوات من إحتلال أفغانستان ومع أن طالبان فقدت السلطة في البلاد إلا أنه کان لها تواجدًا قوياً في الساحة وألحقت خسائر فادحة في صفوف القوات الأمیرکية. وعلى الرغم من الدعم السياسي والاقتصادي لطالبان، إلا أن الحكومة الحديثة والديمقراطية المرجوة أمیرکیاً، فشلت في التأثیر علی المجتمع الأفغاني التقليدي. في سیاق ذلک الدعايات المعادية لأمیركا، وصفت التواجد الأمیرکي كقوة احتلال حیث قوضت من شأن ومکانة الحكومة الأفغانية.
في ظل هذه الظروف وحقيقة عدم تحقق نصر علی صعید البعد العسكري في أفغانستان، بدأت إدارة "باراك أوباما" أولى خطواتها للتغيير في نهج السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أفغانستان.
ومن أهم الإجراءات في تلک الفترة کان التحرك على مستوى مجلس الأمن الدولي وفصل قائمة عقوبات أعضاء طالبان عن الجماعات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك داعش والقاعدة. هذه المبادرة، التي انطلقت عام 2011، فتحت باب المفاوضات مع طالبان وإفضاء الشرعية علیها علی صعید المشاركة في بناء المشهد السياسي الأفغاني.
إذن عوامل مثل التكاليف الباهظة للحرب، منها إنفاق مليارات الدولارات علی الحرب وفقدان الآلاف من الجنود، وعدم تحقق إنجازات ملموسة، وظهور القوى الجديدة، وضعف الولايات المتحدة في التنافس معها، جمیعها ساعدت في تکوین فکرة الانسحاب المشرف من أفعانستان عند باراک أوباما.
جاءت هذه الفرصة بعد وفاة بن لادن، وفي يونيو 2011، أعلن أوباما رسميًا بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان .بعد تلك الفترة ، تبین أن الأولويات الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية قد تغيرت وبدأ نهج جديد للسياسة الخارجية الأمريكية ، وهو نهج تم اتباعه أيضًا خلال إدارة ترامب وأصبح الآن محور تركيز إدارة بايدن.
2. صعود الصين وتغير الأولويات
إن الظهور التدریجي والدراماتيكي للصین، كقوة جديدة، آثارت حساسية الولايات المتحدة أکثر، مقارنة بالآخرین. لأنها أي الصین تحدت أعلى مركز اقتصادي وعسكري وسياسي للبلاد وتسببت بإنتقال مركز القوة في العالم من الغرب إلى الشرق.
استندت السياسة الخارجية الأمریکیة خلال رئاسة جورج دبليو بوش، إلی مبدأ التعاون القائم على المصالح المشتركة تجاه الصين. في هذه المرحلة، كان هدف الولايات المتحدة إشراك الصين في العمليات والمشاريع الدولية وإلقاء المسؤولیة علیها أمام النظام الدولي المتمركز حول أمیركا.
وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لإدخال الصين في نظامها الدولي ، إلا أن الصین لم تحافظ على حدودها مع هذا النظام فحسب، بل قدمت نفسها كقطب جديد للعالم، وبالنسبة للأمريكيين هذا، لا یعني سوی إعلان تحدٍ للهيمنة والدور المتفوق للولايات المتحدة في المنطقة.
إن النمو الكبیر واللافت للصین علی صعید مؤشرات التنمية الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وحصة الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، وحجم جذب الاستثمار الأجنبي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي واحتياطيات النقد الأجنبي إضافة إلی السياسات العسكرية والاستراتيجيات المستقلة لهذا البلد، قد أثارت مخاوف جدية في الإدارة الأمريكية. کما أن التقرير الصادر عن مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي في عام 2012، والذي تنبأ فیه بأن الصين ستصبح أكبر قوة اقتصادیة في العالم خلال العقدين المقبلين، هو مجرد مثال علی إحدی تحذيرات الولايات المتحدة فیما یخص نمو الصين.
أن معنی جملة "أكبر اقتصاد في العالم" تدرکه الإدارة الأمیریکية أكثر من أي دولة أخرى. بإمکان، بلد صاحب أكبر اقتصاد في العالم أن یدیر بسهولة العملية الاقتصادیة العالمیة، ویستدعي بلداناً أخری لأغراضه الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية، ویستخدم العقوبات الاقتصادية ضد منافسيه وخصومه.
في ظل هذه الظروف، دخلت الولايات المتحدة منذ عهد إدارة أوباما، رویداً رویداً في دائرة منافسة صعبة مع الصين. المنافسة التي غيرت أولويات السياسة الخارجية الأمیرکیة وتسببت بتواجد عسكري كبير في أفغانستان وبالطبع أجزاء أخرى من العالم، والأمر الذي كان مندرج علی سلم أولويات الولایات المتحدة، ذات يوم، أصبح الأن یعد عاملاً مزعجاً في ساحة مواجهة المنافسين.
3. النهج الجديد للسياسة الخارجية ؛ تقليل التدخل والالتزامات
إن النهج الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية، يقوم على أساس المنافسة مع القوى العظمى.النهج الذي بدأ في عام 2011، ومازال مستمرا. كانت الإدارة الأمريكية تعتقد بأن الصين تعمل باستمرار على تحديث اقتصادها، بينما الأمريكيون مشغولون بتحقيق السلام العالمي على حسابهم الخاص. نتيجة لذلك، إتبعت الولايات المتحدة سياسة الحد من التدخل في أجزاء مختلفة من العالم مما يقلل من التزاماتها الأمنية. هذا النهج في السياسة الخارجية الأمريكية بدأ مع عهد إدارة باراك أوباما، وتبعته إدارة ترامب، وأصبح الآن محور إدارة بايدن.
إن لنهج السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، التي تقوم على تقليص التدخل والتزامات الولايات المتحدة، هدفان رئيسيان يتماشيان مع مواقف أمیرکا علی صعید "التنافس مع القوى العظمى"، هما:
تركیز الموارد على التنافس مع القوى الناشئة والصين
إن سياسة تقليص التدخل، التي تفسر ضمن دائرة الانسحاب من أفغانستان وخفض عدد الجنود في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والعراق وسوريا، عملت علی تجمیع الموارد المالية والسياسية والدبلوماسية الأمريكية من أهداف متفرقة وغير ذات أولوية لأجل الترکیز علی التنافس مع الصين. وتأتي أهمیة هذا الموضوع عندما ندرک أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 2 تريليون دولار خلال 20 عامًا من التواجد العسكري في أفغانستان وفقدت ما يقرب من 3000 جندي لها.
تقوية الطبقة الوسطى في المجتمع الأمريكي
هناك اعتقاد موجود کحد أدنی في الإدارة الأمريكية، ولا سيما إدارة بايدن، بأن "القدرة الأمريكية في الخارج تعتمد على مدی سلطتها في الداخل" وأن الطبقة الوسطى هي المصدر الرئيسي للسلطة في الداخل. یعتقد أشخاص مثل مستشار الأمن القومي لبايدن، "جيك سوليفان"، بأن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في انتشار تواجدها العسكري في جميع أنحاء العالم وفرض تكاليف باهظة قد أدت الی انحدار الطبقة الوسطى، مما یؤدی بطبیعة الحال إلی إضعاف الولایات المتحدة امام منافسیها. لذلک أدت هذه الفكرة إلى ظهور فكرة "السياسة الخارجية للطبقة الوسطى"
4. الاستنتاج
إن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان هو جزء من خطة أكبر، إحدی محاورها المهمة هي وضع حد للتدخل والالتزامات الأمنية في أجزاء مختلفة من العالم.
لقد تغيرت أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وحلت محل قضايا مثل انتشار الديمقراطية، وبناء الدولة، وتغيير الأنظمة السياسية المعارضة وحتی مكافحة الإرهاب والتنافس مع القوى الكبرى، لا سیما الصين، التي تشكل تحديًا للهيمنة الأمريكية .وفقاً للظروف، تسعى الولايات المتحدة، في مقاربتها الجديدة للسياسة الخارجية ، إلى تركيز الموارد وتعزيز اقتصادها من أجل التنافس مع الصين وإحتواء هذا البلد من خلال سحب قواتها من أفغانستان وتقلیص التدخل في مجالات وقضايا أخرى.