• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات عربية

المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط.. انفجار أم انفراج؟


بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في الرابع من تشرين الأول، وما ستفرزه من نتائج غير واضحة تماماً حتى الآن، يزداد المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط احتقاناً، حتى بات ينذر بانفجار كبير مقبل أو بانفراجة كبرى.

 

تتكثَّف مجموعة من المعطيات وتتسارع وتيرتها الزمنية، لتزيد من أجواء الشرق الأوسط التهاباً. أحداث غامضة، ومواقف هجومية، وخطوات تصعيدية يدفع بها اللاعبون في لحظة بالغة الحساسية، وعلى بعد خطوة واحدة من الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل.

الصراع بين محور المقاومة من جهة، والمحور الذي تقوده أميركا من جهة أخرى، في أوجه. ضغوط أميركية قصوى على محور المقاومة، وصمود، في المقابل، من دول المحور وقواه الحية. تشهد إيران أحداثاً مجهولة الفاعل حتى الآن. العراق ولبنان بين فكّي التظاهرات الشعبية والحصار الأميركي في الاقتصاد والسياسة. سوريا في عين المطامع التركية والأميركية، وهي تصمد في مواقفها المقاومة. إنَّه الوقت الضائع قبل أن تفتح الانتخابات الأميركية الباب لانفراج أو انفجار.

المشهد الإيراني

في إيران، تفجيرات وأحداث غامضة تستهدف منشآت حيوية في البلاد. لا تأكيد من أيِّ طرفٍ رسميّ حول طبيعة هذه الأحداث والحسم في ما إذا كانت أعمالاً عدوانيةً أو أنها مجرد أحداث متفرقة يجمعها حبل الصّدفة، فخلال شهري حزيران وتموز، وقعت مجموعة من الأحداث المتلاحقة.

بيانات تبنٍّ صدرت عن جهات مجهولة، إحداها تدّعي استهداف موقع "نطنز" في الثلاثين من حزيران. السلطات الإيرانية استبعدت بدايةً أن يكون هذا الحدث ناجماً عن عمل تخريبي، ثم عاد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في ما بعد لتأكيد علمه بالسبب وراء "الحادث"، لكنه لن يكشف عنه في الوقت الحالي "لأسباب أمنية"، ثم في وقت لاحقٍ بعد ذلك، قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" إنَّ الحريق الذي نشب في "نطنز" وقع نتيجة عمل تخريبي من قبل "دول معادية، وخصوصاً النظام الصهيوني والولايات المتحدة"، وتعهَّد رئيس الدفاع المدني الإيراني "بالرد"، إذا ما تبين أن إيران كانت ضحية هجوم إلكتروني.

ولا يمكن تأكيد أيّ فرضية من دون الاستحصال على معلومةٍ مؤكدة أو تبنٍّ واضح مشفوع باعتراف من الطرف الآخر، لكن الأكيد أن هذه الأحداث تصعّد منسوب التوتر الذي تشهده المنطقة، وهو في ما لو كان عملاً تخريبياً، سيستدعي رداً إيرانياً متناسباً، بصرف النظر عن حجم الجهة التي تقف خلفه وقوتها.

حتى اليوم، ضربت إيران أهدافاً إسرائيلية، وساهمت في هزيمة "إسرائيل" بصورةٍ مذلّة، عبر دعمها حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، كما ضربت أميركا بصورةٍ مباشرة، ومن دون مواربة، في العراق، عقب اغتيال القياديين في الحرس الثوري قاسم سليماني والحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في مطلع العام الحالي.

لكنَّ مصدر الخطر الكبير من هذه الأحداث ومن الأحداث المقابلة لها، هو أنها تحدث في بيئة استراتيجية متفجرة، فالإطار العام الذي تحدث فيه هو تنفيذ استراتيجية الضغوط القصوى التي وضعتها واشنطن لإخضاع إيران، ومحاربة نفوذها في المنطقة، ومحاصرة حركات المقاومة، تسهيلاً لتنفيذ المشروع الأميركي الجديد المتمثل بـ"صفقة القرن" من جهة، وبتطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية من جهة أخرى، بما يتيح سيطرةً أميركيةً إسرائيلية على الشرق الأوسط، لا قيامة بعدها لأية إرادة وطنية أو قومية مستقلة وحرة.

هل ستنجح هذه المحاولات؟ وما هو أفق المشروع الأميركي؟

ليست الإجابة على ذلك سهلة اليوم، لكن هناك مجموعة من المعطيات التي تعزز فرضية الفشل الأميركي مجدداً في فرض رؤية صديقة لـ "إسرائيل" في المنطقة.

- المعطى الأول مرتبط بكون التطورات الأخيرة تجري في الوقت الضائع بين نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب والانتخابات الرئاسية التي يحاول فيها الحصول على فترة رئاسية جديدة في الرابع من تشرين الأول المقبل، وهذا يعني أن الجانب المتعلّق بلمسة الرئيس الخاصّة على المشروع بات مهدداً، مع تراجع ترامب حوالى 10 نقاط مئوية خلف منافسه جو بايدن.

وبالتالي، إنَّ استراتيجيّة الضغوط القصوى مهدّدة بالتهالك في حال فوز الحزب الديموقراطي بالرئاسة، واتخاذه نسقاً مختلفاً، قد يكون متضمناً العودة إلى الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس (الديموقراطي) باراك أوباما في العام 2015 مع إيران والدول الخمس الأخرى. العودة إلى هذا الاتفاق في حال فوز بايدن ستغير المشهد برمّته. سيكون ممكناً لإيران حينها العودة إلى السوق الدولية شراءً ومبيعاً وتداولاً، بالتوازي مع اتخاذ مسار العقوبات ضدها اتجاهاً عكسياً، يضمن تخفيفها بصورةٍ تدريجية مع الوقت، الأمر الذي سيتيح لها ولحلفائها استعادة المبادرة في المنطقة.

 - المعطى الثاني مرتبط بقوة محور المقاومة وقدرته على الصمود، فهو، كما تدل تسميته، محور "للمقاومة"؛ مقاومة الضغوط، كما مقاومة الاعتداءات والاحتلالات والاختلالات في موازين القوى.

- المعطى الثالث مرتبط بغياب الشريك القادر على تنفيذ "صفقة القرن"، في ظل رفض السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة الفلسطينية، ومن خلفهم وأمامهم الشعب الفلسطيني، بمقيميه والصامدين تحت الاحتلال وشتاته، إضافة إلى رفض كامل دول الطوق لهذا المشروع، وتهديده أمن الأردن ومصر ولبنان وسوريا بصورةٍ مباشرة.

- المعطى الرابع مرتبط بضعف قدرة أميركا و"إسرائيل" وحلفائهم على تحمّل الخسائر في ما لو تم تصعيد الموقف ووصوله إلى مواجهةٍ عسكرية، ستكون في ما لو حدثت مناسبةً لقياس الفروقات في تحمل الضغوط والخسارة بين محورين؛ أحدهما قام على فكرة وعقيدة تحمّل الخسائر، واعتبارها ممراً لحفظ الوطن وكسب رضا الله في الوقت نفسه، والآخر قام على فكرة استعمار بلاد الغير بقوة التهديد، ومن خلال تطويع الضعاف ترهيباً للأقوياء، والانسحاب، وترك الحلفاء عندما تتعاظم الخسائر وتطال الرأس مباشرةً.

المشهد العراقي

في العراق، ليس المشهد أقل توتراً. على الرغم من انطلاق أعمال حكومة الكاظمي، فإن الأحداث الداخلية لا تزال شديدة الخطورة على الوضع برمّته، وتنذر بما لا تحمد عقباه، إن لم تُوفّق الحكومة إلى أداءٍ يعكس توازنات المشهد العراقي الدقيقة اليوم.

وتحتاج الحكومة الحالية، حتى تنجح، إلى المواءمة بين ضرورة الاستجابة لحاجات المواطنين - وخصوصاً في ظل التظاهرات المطلبية التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة - والضرورات السيادية التي توجب عليها رفع يد الأميركيين أولاً، الذين ينتهكون السيادة العراقية، وليس آخر أعمالهم اغتيال الفريق سليماني والمهندس على الأرض العراقية، لكن أحداثاً أمنية عديدة تشي أيضاً بالتصعيد في الساحة العراقية.

في الأسابيع الأخيرة، كان ثمة حدثان أمنيان بارزان؛ اغتيال الصحافي والخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي قرب منزله في منطقة زيونة شرقي بغداد، واستهداف رتل أميركي في ضواحي بغداد في منطقة الديوانية على طريق مدينة السماوة.

في الحدث الأول، يعدّ الهاشمي من الخبراء العراقيين في مجال الجماعات المسلحة، وخصوصاً الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش. ومع تعهّد رئيس الوزراء الكاظمي بملاحقة القتلة ومحاسبتهم، فلا يمكن لأحد تحديد هوية هؤلاء حتى الآن، مع تعقّد المشهد، واستمرار الجماعات الإرهابية في نشاطاتها في الساحة العراقية، على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حقَّقتها القوى الأمنية العراقية والحشد الشعبي في مكافحتها والقضاء على معظمها واستعادة الأراضي منها، لكن الخطر الباقي هو ارتباط بعض هذه الجماعات بالقوى الأجنبية التي لطالما عملت على تفتيت العراق، وضرب وحدة أهله، وتوتير علاقاته بجيرانه.

لقد ساهم الاحتلال الأميركي للعراق منذ العام 2003 في التفلّت الأمني الّذي أتت الكثير من الاغتيالات في سياقه، وذلك من خلال إجراءات كثيرة، ربما كان من أهمها حلّ الجيش والأجهزة الأمنية ونشر الفوضى الخلاقة.

في الحدث الثاني، استهداف رتلٍ أميركي على طريق الديوانية - السماوة جنوب بغداد، حيث نقلت وسائل إعلامية عراقية وأخرى عربية أنّ مسلّحين استهدفوا شاحنات تحمل مواد للدعم اللوجستي للقوات الأميركيّة، من بينها عربات "هامفي"، في حين تداول مغرّدون بياناً صادراً عن أحد الفصائل العراقية المقاومة، يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، ولم يتم تأكيد ذلك من مصدر رسمي.

لكنّ الحدثين، بأهميتهما وخطورتهما، يأتيان في سياق من الضغوط الأميركية المستمرة على بلاد الرافدين، والتي تزيد من الاحتقان هناك، وفي الشرق الأوسط عموماً، وخصوصاً مع استمرار التحريض الأميركي في الشارع العراقي لتزخيم التظاهرات وتحويل وجهتها، لتكون ضد إيران والقوى العراقية المقاومة، وفي طليعتها فصائل الحشد الشعبي، الذي انتصر على "داعش"، وحرَّر أجزاء واسعة من البلاد، وذلك ضمن استراتيجية الضغوط القصوى نفسها التي تستهدف إيران وقوى المقاومة في المنطقة، فهل تنجح أميركا في العراق؟

المعطيات المجتمعية والسياسية والميدانية في العراق تشير إلى صعوبة أن تتمكّن الولايات المتحدة من تحقيق نتائج مرضية لاستراتيجيتها هناك، وخصوصاً في ظل الموقع الجغرافي والتوازن الميداني الّذي يجعل من العراق وقواه الحية جزءاً أساسياً من قوى المقاومة في المنطقة، وخصوصاً بعد تحقيق انتصارات بالدم على التنظيمات الإرهابية، وبدعم من قوى المقاومة في المنطقة وحليفتها إيران.

المشهدان السوري واللبناني

في سوريا ولبنان، يدخل لاعبون آخرون يضافون إلى أميركا وإيران في التنافس على النفوذ والتأثير، ويشتركون في صراع الإرادات الدائر هذه الأيام، والذي يجعل من الاحتقان هنا أيضاً قابلاً للتفجر في أية لحظة.

عند احتساب القوى الفاعلة في سوريا، يمكن الحديث بصورةٍ أساسية عن روسيا وتركيا، إضافةً إلى إيران والولايات المتحدة. من ناحية الولايات المتحدة، دخل قانون قيصر ضدّ دمشق والمتعاملين معها حيز التنفيذ في 17 حزيران الماضي، بينما تؤشر المواقف الأميركية المتتالية وتحليلاتها على أن المطلوب أميركياً من الملف السوري 3 نقاط أساسية:

- حصة وازنة للشركات الأميركية في عقود النفط في حقول شرق سوريا.

- فصل المسارين السوري والإيراني، وإبعاد دمشق عن محور المقاومة، تمهيداً لقطع التواصل بين إيران وبقية قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.

- موافقة سوريا على "صفقة القرن"، الأمر الذي يرفع من فرص نجاح فرضها على الفلسطينيين وقوى المقاومة.

في الحقيقة، لا تبدو أيّ من النقاط الثلاث قابلة للتحقّق لمصلحة الأميركيين هذه الأيام، فالقيادة السورية مصرّة على مواقفها وتحالفاتها، ولا تصدر أية إشارة إيجابية حول المطالب الأميركية التي يتم التعبير عنها بصورةٍ علنية، بل إن العكس هو ما يحدث، حيث تتكثّف الزيارات الرفيعة المستوى بين المسؤولين السوريين والإيرانيين، ويتعمّق التنسيق بين الدولتين على أعلى المستويات.

أما في لبنان، فإنّ استراتيجية الضغوط القصوى تبرز أكثر مخالبها حدةً، نظراً إلى طبيعة النظام السياسي، ودور قوى المقاومة في الحكم اليوم، واستغلال القوى الغربية للاحتجاجات الشعبية المندلعة منذ 17 تشرين الثاني، ومحاولة توجيهها ضد المقاومة والمواقع الحليفة لها في الدولة.

ومع مديونية عالية وانهيار كبير في سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي، تجول السفيرة الأميركية لدى بيروت، دوروثي شيا، على القيادات السياسية، وتصدر التصريحات التي تصنّف اللبنانيين بين قوى إرهاب وقوى حرة، الأمر الذي يعد مخالفةً جلية لاتفاقية فيينا التي تنظّم أصول العلاقات الدبلوماسية للعام 1961، والتي استند إليها القاضي اللبناني محمد مازح حين أصدر قراراً يلزم وسائل الإعلام عدم استقبال السفيرة الأميركية في مقابلات، الأمر الذي أحدث جدلاً كبيراً في البلاد بين حلفاء أميركا وقوى المقاومة.

وعلى وقع معاناة الشعب اللبناني وحكومته في تأمين الاحتياجات الأساسية، والصمود في وجه الضغوط الأميركية المعلنة التي تمنع الدولار من الوصول إلى اللبنانيين، تحاول تركيا استغلال الفوضى القائمة في البلاد والدخول إلى الساحة اللبنانية، من خلال المعلومات التي تتكثف يوماً بعد يوم، وينقلها صحافيون عن مصادر وتقارير أمنية، تشير إلى دعم أنقرة لبعض التحركات المعارضة للحكومة في مدينة طرابلس شمالي لبنان، مستغلةً بذلك ضعف الدور السعودي الّذي لطالما رعى هذه القوى، وأمَّن لها العمق العربي، وساندها مالياً وسياسياً لسنوات طويلة.

إن الاندفاعة التركية المتوثبة اليوم إلى ممارسة دور في لبنان وسوريا وليبيا، تمثل خطراً أساسياً على الأمن القومي العربي في عدة دول، وتهدد في ذلك أدوار الدول العربية الكبرى، كمصر والسعودية وسوريا في هذه الدول.

ومن جانب آخر، إنّ هذا الدور التركي يتمظهر أكثر فأكثر في محاولةٍ علنية لاسترجاع الهيمنة العثمانية على المنطقة العربية، وآخر صيحات هذه المحاولات، تحويل "آيا صوفيا" من متحفٍ إلى مسجد، الأمر الذي أحدث جدلاً واسعاً في المنطقة، واستفزَّ مشاعر ملايين المسيحيين، الذين أزعجهم تغيير وجهة هذا المعلم الذي بُني في الأساس ككنيسة شرقية، ثم تحول مع نظام أتاتورك إلى متحف يحفظ تاريخ البلاد بجميع أديانها، ثم تحول الآن إلى مسجدٍ، في خطوة شعبوية دعائية يريد إردوغان من خلالها استنهاض مشاعر المسلمين وتجييشهم، لاستعادة دور السلطنة في المنطقة، في سياق رده على رفض إدخال بلاده في المنظومة الأوروبية.

بين هذا وذاك، تستمرّ "إسرائيل" في خططها لفرض شروط الأمر الواقع على الجميع، مستغلةً انشغالهم بساحاتهم الداخلية، وبالمخاطر المباشرة التي تهددهم، وهي تزرع في هذا السياق فتيلاً جديداً للتفجير، يضاف إلى الفتيل التركي في لبنان وسوريا وليبيا، والفتيل الأميركي في إيران ولبنان والعراق، وهي فتائل قابلة للتفجر في لحظة واحدة مع قيادة أميركية هوجاء كقيادة ترامب، إن لم يتم نزع تلك الفتائل بخسارته الانتخابات مثلاً.