• اخر تحديث : 2024-05-07 10:43
news-details
مقالات مترجمة

انعكاس تولي حركة طالبان السلطة على نمو الأصولية التكفيرية في منطقة غرب آسيا


قام إحسان کیاني الخبیر في شؤون السیاسة الخارجیة في المقال الذي نشر له علی موقع مرکز دراسات "تبیین الاستراتيجیة" بمعالجة مدی تأثیر هيمنة حركة طالبان على أفغانستان، كجماعة سلفية، علی نمو التحرکات الاصولیة التكفیریة في منطقة غرب آسیا موضحاً بذلك أوجه التشابه والاختلاف بین طالبان والجماعات التكفیریة، وکذلك علاقة طالبان بكل من الجماعات السلفیة مثل "القاعدة" و"تنظیم داعش"، و"تحریك طالبان"، و"حزب تركستان الشرقية الإسلامي" والحركة الإسلامية الأوزبكية". وفي ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

قوبل سقوط كابول ووصول طالبان إلی السلطة وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بترحيب کامل من قبل الجماعات التكفيرية في أقصی نقاط منطقة غرب آسیا، من تحریر الشام في سوريا إلی القاعدة في أفغانستان. وربما كانت داعش واحدة من القلائل التي لم ترحب بصعود طالبان إلی السلطة. فضلاً عن ذلك، أعربت الجماعات السلفية غير التكفيرية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تم اضمحلال معظمها بعد الثورات العربية، عن ارتياحها لنمو وتقوية الحرکة الطالبانیة.

 أوجه التشابه والاختلاف بين طالبان والجماعات التكفيرية:

إن النزعة السلفية الجهادية هي من أهم القواسم المشترکة بین طالبان والجماعات التكفيرية. علی الرغم من تأکید بعض الجماعات السلفية، مثل جماعة الإخوان المسلمين أو حزب النور في مصر، على القیم الأصيلة والعودة القیمیة إلى العصر الإسلامي المبكر، إلا أنها تجنبت النهج العسكري في نشاطاتها. في الوقت الذي تؤمن طالبان ومع بعض الجماعات السلفية بضرورة الجهاد في هذا السبيل. في حين أن عودة الأحكام والأنظمة الاجتماعية إلى عصر القرون الأولى للإسلام والمعارضة مع روح الحداثة والإنجازات الاجتماعية الإنسانية في العصر الحديث تعد من أهم معاني السلفية لدی هذه الجماعات، علی الرغم من أن بعض هذه الجماعات تستفيد إلی حدٍّ أقصی من مظاهر الحداثة وإنجازاتها التقنية، مثل الإنترنت والفضاء السيبراني.

ومن الخصوصیات المشتركة الأخری بين طالبان وهذه الجماعات، التأکید علی تحقیق هدف مثل تشكيل حكومة دينية، حیث المسألة الأكثر وضوحًا، لدی جماعات مثل طالبان وداعش مقارنة بالجماعات الأخرى علی سبیل المثال. في حین ان موضوع معاداة الشيعة أیضاً يعد من اوجه التشابة الأخری لدی هذه الجماعات مع طالبان علی الأقل في العقود الأخيرة. ولكن في الوقت الحالي؛ سعت طالبان إلی تجنب ظهور مثل هذا الموقف في سلوكها. وبالنظر إلی أوجه الاختلاف بین طالبان والجماعات التكفیریة، يمكن الإشارة إلی ثلاث مستویات من الاختلافات:

-الإطار القومي الوطني:

تنشط حركة طالبان داخل حدود أفغانستان فقط، وعلى عكس الجماعات التكفيرية الأخرى، لم تدع الشمولية وتشكیل حکومیة عالمیة على الرغم من ارتباطها بهم. کما لعبت القاعدة الاجتماعية العرقية للبشتونية دورًا مهمًا في إبداء هذا التمایز والوجه الأکثر قومیة لطالبان. هذا في الوقت الذي قامت فیه الجماعات الأخرى، مثل القاعدة، باستقطاب أعضاء من معظم الدول العربية، أو داعش، وحتى أبعد منها كدول القوقاز وأوروبا.

-التوجه العرفاني:

أدى التوجه العرفاني المنسوب إلى المدارس الديوبندية في الهند إلى اعتماد طالبان نهجًا أكثر سلمية من الطوائف الدينية والقبائل العرقية في أفغانستان مقارنة بالجماعات الأصولية التكفيرية الأخرى. ومع ذلك، لا يزال لدی طالبان الطابع النرجسي والاعتداد بالذات.

-الطابع التنظيمي:

کانت هناك علاقات تنظیمیة سابقة للجماعات مثل القاعدة وداعش وتحرير الشام وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات التكفيرية في العراق وسوريا، فضلاً عن جذورها الأيديولوجية، وما یسبب الخلاف الیوم بينهما بشكل رئيسي یرجع إلی تضارب المصالح في الميدان. وحيث يوجد لحرکة طالبان أدنی العلاقات التنظیمیة مع هذه الجماعات، فإنها ترجع بجذورها إلى عصر "الجهاد ضد السوفيات".

-علاقة طالبان بالجماعات التكفيرية

-القاعدة:

تستند العلاقات بين طالبان والقاعدة، وخاصة شبكة حقاني، علی أساس الصداقة وتاريخ النضال المشترك ضد الاتحاد السوفياتي والتعاطف الأيديولوجي. هذا في الوقت الذي یعتبر فیه نهج القیادة الجماعیة لطالبان، وظهور بعض الاختلافات بین شبكة حقاني وطالبان الأفغانیة، فضلاً عن نزعة البراغماتیة لدی طالبان في مقام الحكم مختلف تماماً عن المقام في إطار الحرکة، ما یزید من احتمالية سعي طالبان للحد من أنشطة القاعدة في أفغانستان؛ في حین أنه لا يمكن التوقع من طالبان، تسليم قادة القاعدة، كما يطالب به الأمريكيون تماماً، کما سبق لهم أن رفضوا تسليم بن لادن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

-داعش:

أعدمت طالبان بعد وصولها إلی السلطة، "أبو عمر الخراساني"، زعيم الفرع الأفغاني لداعش، إلى جانب ثمانية من أعضاء الجماعة. في حین سبق لطالبان أن قاتلت داعش في مناطق شرق "ننجرهار" وشمال "جوزجان"، ودفعت بهم نحو الحدود الشمالية لأفغانستان.

فضلاً عن الاختلافات الأيديولوجية الموجودة بین طالبان وداعش، إلا أن الأخيرة علی غرار طالبان، تسعى إلى تشكيل حكومة في أفغانستان. حيث أن تواجد هذه الجماعة في أفغانستان، تعتبر منافساً يهدد به امارة طالبان. من جانب آخر، يبدو أن طالبان ومن أجل التعبير عن التزامها بالاتفاق مع الولايات المتحدة، ورفع بعض مخاوف جيرانها الشماليين، ومنها إيران ستواصل حربها ضد داعش، الأمر الذي يمثل ورقة رابحة بالنسبة لها علی صعید كسب مصالح السياسة الخارجية.

-تحریك طالبان:

تعمل هذه الجماعة ذات الهویة البشتونیة، علی أساس نهج أيديولوجي وأكثر تطرفًا من طالبان، في الحدود الأفغانية الباكستانية ضد إسلام أباد، وقد انضمت بعض قواتها إلى تنظیم داعش في السنوات الأخيرة وأصبح لدیهما تعاوناً مشترکاً في هذا الشأن. في حين أن ضرورة مواجهة طالبان هذه الجماعة باتت واضحة من جهة الحفاظ على الدعم الباكستاني أو من جهة منع صعود داعش. ولكن بسبب الهوية العرقية البشتونیة لهذه الجماعة، ربما لا يكون لدى طالبان الإرادة الكاملة لمواجهة تحریك طالبان علی الحدود الجنوبية لأفغانستان، تارکة الأمر للجيش الباكستاني وقوات الأمن.

-حزب ترکستان الشرقية الإسلامي:

هذه الجماعة، منشقة عن بعض الجماعات الإرهابية في سوريا مثل هيئة تحرير الشام وهي تسعی لفصل منطقة شينجيانغ عن الصين. لكن مع اضحملال هذه المجموعات، عاد قسم من الإیغوريين وأتراك غرب الصین، إلی أفغانستان وأصبح لدیهم نشاطاً في المناطق الحدودیة للصین، وقیرغیزستان وطاجیكستان

بالتالي، فان مواجهة هذه المجموعات والحد من نشاطها، لحماية حدود الصين کان من أولويات بكين في طور محادثاتها مع طالبان وبالنظر إلی حاجات طالبان الاقتصادیة والتجاریة، لم تكن الحرکة غیر مهتمة بالنسبة لهذه الجماعة.

-الحركة الإسلامية الأوزبكية:

بایعت هذه الجماعة، طالبان في عهد الإمارة الإسلامية، وبعد الغزو الأمریكي، لجأت إلى المناطق القبلية الباكستانية حیث تعاونت مع جماعة تحریك طالبان. وبعد صعود داعش، نقلت العديد من قواتها للقتال تحت رایة داعش إلی سوریا. ولكن مع اضمحلال سیطرة داعش الإقلیمیة، أعید نشاط الحرکة الإسلامیة الأوزبكیة مرة أخرى على الحدود الشمالية لأفغانستان، حیث قامت بالعمل ضد الحكومة المركزية والقوات الأمريكية بالتعاون مع ولاية خراسان" التابعة لداعش، وبالنظر إلی تعاون هذه الجماعة مع طالبان سابقاً وقربها الحالي من کل من تحریك طالبان وداعش، فمن غیر الواضح مدی التعويل علی طالبان لمواجهة هذه الجماعة. لكن يبدو أن دور روسيا علی صعید الاعتراف الرسمي بحكومة طالبان ومحاولة رفع عقوبات مجلس الأمن المفروضة على هذه الجماعة، کان له التأثير القوي والجاد على احتواء الحركة الإسلامية الأوزبكية في أفغانستان، لأجل ضمان أمن دول آسيا الوسطى.

الاستنتاج

على الرغم من أن بعض الجماعات الإرهابية، مثل هيئة تحرير الشام، رأت في انتصار طالبان، نموذجاً للهيمنة الإقليمية على سوريا والعراق، إلا أن مثل هذا النمط يكاد يكون مستبعدًا في تلك المناطق، نظرًا لفعالیة ونشاط جبهة المقاومة واستقرار وثبات الدول في كل من العراق ودمشق.

 طالبان تمكنت من الانتصار علی حكومة فاسدة واستمرت بسهولة ودون أدنی مقاومة داخلیة. لكن من ناحیة أخری کان من الممكن أن یؤدي انتصار طالبان إلی خلق موجات هجرة لبعض أعضاء الجماعات التفكیریة الموجودة في سوريا أو العراق أو اليمن إلى أفغانستان وذلك للعب دور في تشكيل حكومة من قبل جماعة سلفية أو النشاط في تلك المجموعات. في هذا السیاق يستند استمرار أنشطة هذه المجموعات إلی عدة عوامل ومكونات:

العامل الأول، يرتبط بتحدید أولوية هذه المجموعات. من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى تحويل تركيز جماعات مثل القاعدة وحركة طالبان من تحقیق المصالح الغربية في المنطقة، إلى مواجهة قوى منافسة مثل الصين وروسيا وإيران. كما تسعی أمیرکا من خلال حذف حزب -تركستان الشرقية- الإسلامي من قائمة الجماعات الإرهابیة، إلى زيادة الضغط على بكين.

العامل الثاني یرتبط بكیفیة تعامل دول جوار أفغانستان مع طالبان. على سبيل المثال، لم ترغب باکستان في تقييد طالبان أنشطة لـ"عسكر طيبة" أو "جيش محمد"، حیث له نشاط ضد الهند في كشمير. من جهة أخری، فإن الدخول العسكري لبعض جيران أفغانستان، مثل إيران أو الصين، في التعامل مع طالبان لمواجهة تهدیدات مثل داعش، هو موضوع آخر يستحق النظر الیه هذا المجال.

وأخيرًا، العامل الثالث يرتبط بمصیر واتجاه الخلافات الداخلية لحركة طالبان. هل یتمكن قادة مجلس شورى كويتا من التغلب على شبكة حقاني أو التنازل عن إرادتهم للانضمام إلى القاعدة وتحريض طالبان الأمر الذي سيفتح فعليًا أيدي جماعات الإيغور والأوزبك في أفغانستان.