• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
مقالات مترجمة

الحقيقة المرة في أزمة أوكرانيا أن واشنطن تدفع ثمن انكفائها بالشرق الأوسط


قال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك إن الأزمة الأوكرانية سلطت الضوء على مفارقة قاسية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

وذكر في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استيقظت على حقيقة غير سارة في الشرق الأوسط، تمثلت في أن حلفاءها وشركاءها في المنطقة أبدوا عدم استعداد لاتخاذ موقف ضد روسيا في الأزمة المحتدمة مع الغرب، رغم أنهم مدينون للولايات المتحدة ويبدون تعاطفا مع أوكرانيا.

ويرى إنديك أن تلك المواقف تعكس مدى التغير الذي حدث في الشرق الأوسط بسبب القرار الذي اتخذه الرئيس الأسبق باراك أوباما، وتبناه من بعده الرئيس دونالد ترامب، وينفذه حاليا جو بايدن؛ الخاص بوضع المنطقة أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية لواشنطن.

ويعتقد كاتب المقال أن على الولايات المتحدة التكيف الآن مع عواقب قرارها ذاك، وهي التي تسببت في تقليص الآمال التي ظل شركاؤها في الشرق الأوسط يعقدونها عليها.

تلكؤ أقرب الحلفاء

ولمعرفة إلى أي مدى تغيرت الأمور، فليس على المرء أن ينظر إلى أبعد من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، ألا وهي إسرائيل؛ ففي منتصف يناير/كانون الثاني المنصرم عقدت الولايات المتحدة وإسرائيل جولة من المشاورات "الإستراتيجية"، التي تركزت حول طموح إيران النووي.

ورغم ذلك، وفي وقت تبذل فيه إدارة بايدن قصارى جهدها للتصدي لأساليب الضغط التي تمارسها موسكو على كييف لم يرد في البيان الذي أوجز ما دار في ذلك الاجتماع أي ذكر لأوكرانيا.

ومنذ أن بدأت روسيا حشد قواتها على حدود أوكرانيا الخريف الماضي، "ظلت إسرائيل تلتزم صمتا مطبقا، فيما عدا عرض تقدم به رئيس حكومتها نفتالي بينيت للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، والذي قوبل برفض قاطع من موسكو".

وأشار إنديك في مقاله إلى أن من بين القضايا التي بحثها بايدن مع بينيت في اتصال هاتفي بينهما في وقت سابق من الشهر الجاري موضوع أوكرانيا، وتضمن البيان الذي أصدره البيت الأبيض عقب تلك المكالمة تجديد الولايات المتحدة التزامها القوي بأمن إسرائيل، لكنه لم يأت على ذكر أمن أوكرانيا.

وطبقا للمقال، فإن إسرائيل تحتفظ بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا، التي بها جالية يهودية هي من بين الأكبر في العالم، حيث يقدر عدد أفرادها بنحو 300 ألف شخص، بل إن الرئيس الأوكراني الحالي نفسه يهودي.

تفاعل بقية الحلفاء

وانتقل إنديك -الذي عمل سابقا مساعدا لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى- إلى الحديث عن بقية حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، بادئا بالكويت التي قال عنها إنها ظلت تدعم أولويات أميركا في المنطقة وأماكن أخرى من العالم.

ومن بين كل دول المنطقة -يضيف الكاتب- فإنه يتعين على الكويت أن تكون شديدة الحساسية تجاه المخاطر التي تواجه المجتمع الدولي، غير أن البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماع بين وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد بن ناصر الصباح ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن لم يتضمن إشارة إلى الأزمة الأوكرانية.

ولم يختلف الموقف المصري إزاء مواجهة الغرب مع روسيا كثيرا؛ فمصر -التي تعد حليفا إستراتيجيا قديما للولايات المتحدة والمستفيدة من مساعداتها الكبيرة لها- تشتري أيضا السلاح من روسيا وتحتاج لتعاونها في الحفاظ على استقرار جارتها ليبيا.

ويعتقد إنديك أن مصر غير مهتمة باتخاذ موقف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، لا سيما بعد قرار إدارة بايدن تعليق مساعدات للقاهرة بقيمة 130 مليون دولار بحجة إحجام النظام المصري عن منح مواطنيه حريات أكبر.

أما السعودية فترتبط بعلاقات عميقة وكانت في الماضي حليفا "مخلصا" في جهود احتواء الشيوعية السوفياتية في الشرق الأوسط الكبير، على حد تعبير إنديك.

وحول موقفها من الأزمة الأوكرانية، قال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل إن السعوديين غير متعاونين "على الأقل حتى الآن"، مضيفا أن أزمة أوكرانيا أدت إلى رفع أسعار النفط لما فوق 90 دولارا للبرميل، ومن المتوقع أن تصل إلى 120 دولارا إذا غزت روسيا أوكرانيا.

ويصف كاتب المقال ارتفاع الأسعار على ذلك النحو بأنه خبر سيئ لبايدن في سعيه لكبح جماح التضخم في الاقتصاد الأميركي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي.

ويبدو أن السعودية -في نظر إنديك- غير آبهة بالنداءات التي يطلقها الحليف الأميركي؛ ففي السابق لم تكن السعودية تتردد في الوقوف إلى جانب الحليف وقت الضيق.

ولفت إلى أن تلك الآصرة تداعت في سبتمبر/أيلول 2019 عندما تعرضت منشآت النفط السعودية في بقيق إلى هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ إيرانية أفقدت الرياض نصف إنتاجها من النفط.

وعوضا عن أن يهرع للدفاع عن السعودية، جنح الرئيس حينذاك دونالد ترامب إلى "المراوغة" قبل أن يشير إلى أن الهجوم كان على السعودية وليس على الولايات المتحدة.

"ولما كان هذا الجنوح الأميركي للانكماش من الشرق الأوسط يتعاظم على مدى العقد الماضي، ولأن زعماء المنطقة طالما أبدوا حساسية إزاء التحولات في ميزان القوى، فقد ظلوا يبحثون عن بدلاء يضمنون لهم أمنهم فترة من الزمن.

وكان أن سارعت روسيا بالتدخل عسكريا في الحرب السورية في 2015 لنجدة نظام الرئيس بشار الأسد، وفي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تسعى لتغيير أنظمة الحكم في مصر وليبيا وسوريا.

"وانتبه الزعماء العرب في المنطقة إلى التباين (بين الموقفين الروسي والأميركي)، فقد أصبحت روسيا قوة أمر واقع في الشرق الأوسط، بينما بدت الولايات المتحدة القوة التي تزعزع الاستقرار".

ومع مرور الوقت، بات الزعماء العرب يشعرون بالارتياح إزاء "إستراتيجية التحوط (أو الاحتماء) التي تنطوي على علاقات أكثر دفئا مع روسيا".

ولعل الصمت العام في كل تلك الدول تجاه الأزمة الأوكرانية يشير -حسب مقال فورين أفيرز- إلى الكثير في ما يتعلق بجغرافية الشرق الأوسط السياسية؛ فروسيا أضحت لاعبا في المنطقة وتملأ -ولو جزئيا- الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة بانكفائها منها، بل إن موسكو في نظر بعض حلفاء أميركا تبدو أجدر بالثقة من واشنطن.

ويخلص الكاتب إلى أن على أميركا أن تخفف ضغوطها على السعودية والإمارات الرامية لوضع حد للحرب في اليمن، وربما إفساح المجال لدعم جهودهما لردع عدوان جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

ورغم أن واشنطن حدت من مصالحها في المنطقة، فإن الجغرافيا السياسية تحتم على إدارة بايدن انتهاج نزعة واقعية جديدة؛ فمهما كانت حسن نوايا واشنطن تجاه الشرق الأوسط، فإن مصالحها هناك تحظى بالأولوية يوما بعد يوم على نشر قيمها، كما يعتقد إنديك في ختام مقاله.