• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات مترجمة

قنبلة بين أربعة رؤساء: كيف يؤدي التهديد النووي إلى تفاقم الأزمة بشأن أوكرانيا


يولي المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية، أندريه كورتونوف، أهمية كبيرة لضرورة الشروع في مناقشة الأجندة النووية في أوروبا، بما في ذلك وقف نشر الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى، وحول هذا الموضوع كتب مقالةً بعنوان "قنبلة بين أربعة رؤساء: كيف يؤدي التهديد النووي إلى تفاقم الأزمة بشأن أوكرانيا"، هنا ترجمتها الكاملة.

على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، انزوى التهديد النووي في خلفية الوعي العام العالمي. ربما لهذا السبب نُسيت إحدى القواعد المهمة من حقبة الحرب الباردة، والتي قيّدت استخدام موضوع الأسلحة النووية في النزاعات الإقليمية، والآن تعود روسيا إلى التلويح بهذا التهديد في وجه الغرب. فما هي النتائج المتوقعة لهذا التهديد، في المدى المنظور؟

بدأ كل شيء في مؤتمر ميونيخ للأمن في الـ19 من شباط/فبراير الماضي. في أثناء حديثه من على منصة هذا المؤتمر، أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي أنه في ظل ظروف معينة، سيتعين على أوكرانيا التخلي عن وضعها الحالي كدولة خالية من الأسلحة النووية. بالنسبة إلى معظم الخبراء، بدا هذا البيان كأنه مجرد هجوم جدلي فاشل، أو خدعة فارغة من المعنى. لدى الخبراء التقنيين شكوك منطقية في قدرة كييف على إنشاء ترسانة نووية في المستقبل المنظور، إذ ليس لدى هذه الدولة الخبرة اللازمة، ولا الإمكانات التكنولوجية الكافية للقيام بأمر كهذا.

ومع ذلك، بعد يوم واحد فقط، وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تبذل روسيا كل ما في وسعها لمنع كييف من امتلاك قدرة نووية. بعد ذلك، تم الإعراب عن رأي، مفاده أن خطاب الزعيم الأوكراني كان سبب بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة على أراضي أوكرانيا.

تهديد لم يُخفَ بإتقان

بالفعل، خلال الصراع الذي اندلع في الـ24 من شباط/ فبراير الماضي، ظهر العامل النووي عدة مرات. في الـ 27 من شباط/فبراير، في اجتماع في الكرملين مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف، أعطى فلاديمير بوتين أمراً يقضي بنقل قوات الردع الروسية إلى نظام المهمات الخاصة.

لوحظ هذا البيان في جميع أنحاء العالم، ورُبط بزيادة توريد الأسلحة الحديثة الفتاكة إلى كييف من جانب الدول الغربية، فضلاً عن مناقشة الإمكان النظريّ لإنشاء "منطقة حظر طيران" فوق أوكرانيا من جانب حلف شمال الأطلسي. وفسّر بعض المحللين تحذير بوتين بأنه تهديد مستتر بشن حرب نووية ضد الناتو إذا لزم الأمر.

الآن، يتعين على الرئيس الأميركي، جو بايدن، الانضمام إلى المناقشة، فلقد حاول طمأنة الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين بشأن خطر نشوب صراع نووي مع روسيا. وأرسلت قيادة البنتاغون طلباً عاجلاً إلى الزملاء الروس بشأن إنشاء خط اتصال خاص من أجل تقليل مخاطر الحوادث المحتملة بين البلدين.

دخل حلبةَ الموضوع النووي، على نحو خلاّق، رئيسٌ رابع هو زعيم بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو. فمن بين التعديلات التي أُدخلت على النسخة الجديدة من دستور بلاده، والتي باتت سارية المفعول بعد التصويت عليها في استفتاء جرى يوم الـ27 من شباط/فبراير، أُلغيت فقرة تحدد بيلاروسيا دولةً خالية من الأسلحة النووية، بالإضافة إلى إلغاء وضعها المحايد. الآن، إذا لزم الأمر، يمكن نشر الأسلحة النووية الروسية في أراضي بيلاروسيا. ليس من المستغرب أن يُثير هذا التعديل الدستوري المبتكر حفيظة البلدان المجاورة لأوروبا الوسطى.

ألعاب خطرة

قبل ذلك، قررت الأمم المتحدة تأجيل المؤتمر المقبل لاستعراض التقارير المتعلقة بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. يُعقد هذا المؤتمر كل خمسة أعوام، وكان من المقرر عقد اجتماعه العام العاشر في نيويورك في أيار/مايو من العام الماضي. لكن، بسبب جائحة "كوفيد 19"، أُعيدت جدولته إلى كانون الثاني/يناير 2022، وانتهى الأمر بالتأجيل مرة ثانية.

يُشار إلى أن سلسلة الأحداث هذه برمتها، بعبارة ملطَّفة، لا تلهم أحداً بالتأمل بما هو أفضل. لقد جرت، بعد أقل من شهرين من البيان المشترك للقوى الخمس الحائزة للأسلحة النووية (الاتحاد الروسي، الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا العظمى، فرنسا، الصين)، والذي خلص إلى أنه في الحرب النووية لا يمكن أن يكون هناك رابحون، ويجب ألا يُطلق العنان لها أبداً.

وفي المحادثات مع إيران في فيينا، نهاية شباط/ فبراير، اقتربت هذه القوى الخمس نفسها أخيراً من استئناف اتفاق متعدد الأطراف بشأن البرنامج النووي الإيراني. يُذكَر أن ممثلي الدول الأطراف وقّعوا هذه الاتفاقية مع طهران في عام 2015. وبعد ثلاثة أعوام، انسحبت منها الولايات المتحدة من جانب واحد، ممثَّلة بإدارة الرئيس دونالد ترامب.

إن رغبة بعض القادة في التلويح باستخدام الأسلحة النووية لتعزيز مواقفهم التفاوضية أمر مفهوم، بل طبيعي إلى حدّ ما. تحاول قيادة أوكرانيا، بهذه الطريقة، الحصول على ضمانات أمنية من الغرب، ويحاول الرئيس الروسي كبح الإجراءات المحتملة وغير المرغوب فيها لحلف شمال الأطلسي خلال فترة "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. وعلى ما يبدو، يأمل زعيم بيلاروسيا في تحرير يديه من أجل زيادة مستوى رأسماله الشخصي في السياسة الأوروبية.

ومع ذلك، مثلها مثل أعواد الثقاب بين أيدي الأطفال، فالقنبلة النووية ليست لعبة للرؤساء. كل ما يتعلق بالأسلحة النووية، من التهديد بانتشارها، واحتمال خفض مستوى التسلح بها، والانهيار المحتمل لآليات مراقبة الأسلحة النووية... كل ذلك مهم للغاية بالنسبة إلى البشرية، كيلا تكون بمثابة ورقة مساومة في أي صراعات وأزمات إقليمية. فخلال أكثر فترات الحرب الباردة حدةً في القرن الماضي، كان لدى الأطراف المتعارضين ما يكفي من الإرادة السياسية والفطرة السليمة لعزل الأجندة النووية عن المشاكل الدولية الأخرى. وربما، نتيجة هذا السبب، نجح الأطراف في استمرار في منع خطر نشوب صراع نووي عالمي كان يَلُوْح في الأفق باستمرار.

الأزرار الحمراء

على مدى العقود الماضية، انزوى التهديد النووي في خلفية الوعي العام العالمي، بحيث دُفع جانباً بسبب قضايا أخرى، مثل تغير المناخ، والهجرة غير النظامية، والإرهاب الدولي، وأخيراً فيروس "كوفيد 19". لكن، بعد حرب نووية عالمية، لن يكون لهذه القضايا أو غيرها من القضايا المدرجة في جدول الأعمال الدولي أي معنى، فأقلية قد تنجو من كارثة تطال الكوكب. لذلك، يجب إعادة القضية النووية على الفور إلى أعلى سلّم أولويات جدول الأعمال الدولي قبل فوات الأوان.

عملياً، قد يعني هذا ما يأتي:

أولاً، نحن في حاجة إلى اجتماع عاجل لـ "القوى النووية الخمس"؛ الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، من أجل مناقشة قضايا الاستقرار الاستراتيجي العالمي. يجب أن يؤدي هذا الاجتماع إلى إنشاء آلية للتفاعل المستمر بين الأعضاء بشأن قضايا، مثل تهديدات انتشار الأسلحة النووية الجديدة، والتحديات المرتبطة بالتقدم العسكري التقني في مجال الصواريخ النووية، وزيادة الشفافية في التخطيط العسكري، والتخطيط الوطني لمسارات استخدام الأسلحة النووية.

ثانياً، لا يجب أن تؤدي الأزمة الحالية إلى إنهاء المفاوضات الروسية الأميركية الثنائية بشأن الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية خارج إطار "معاهدة ستارت 3" الحالية. فالمدّة المتبقية قبل انتهاء هذه الاتفاقية أقل من أربع سنوات، ولن يكون من الممكن تمديدها.

ثالثاً، من الضروري البدء في مناقشة الأجندة النووية في أوروبا، بما في ذلك وقف نشر الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى في القارة الأوروبية.

إذا تمكّنا من بدء العمل في هذه المجالات الثلاثة المترابطة، على الأقل، فسنتمكن من دفع خطر نشوب صراع نووي إلى أفق بعيد.