• اخر تحديث : 2024-05-07 16:33

لم يعتقدوا في حماس أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سينقلب بهذه السرعة وبهذه القوة. شيء ما حدث لرجلهم في أنقرة. ربما يكون الاقتصاد، وربما وضعه في استطلاعات الرأي، والاضطرابات الجارية في الشرق الأوسط، أو ربما كل ذلك مع بعضه البعض.

مهما كان الأمر، فإن الاستقبال الدافئ والعلني الذي أجراه الرئيس التركي لرئيس دولة الاحتلال هرتسوغ على السجاد الأزرق السماوي على أنغام نشيد الأمل، الأسبوع الماضي، أدخل حماس في حالة من الدوار.

آخر ما كانت تتوقعه حماس هو زيارة معلنة للرئيس يتسحاق هرتسوغ في قصر الحاكم التركي. بعد كل شيء، أصبحت تركيا موطنًا ثانيًا لشخصيات حماس في السنوات الأخيرة.

مع ذلك، لم يأخذ التنظيم في الحسبان أن الزعيم التركي أردوغان الذي رعاهم وأعطاهم مساحة واسعة للعمل على أراضيه سيُغيّر من سياسته 180 درجة ويعود وراء إسرائيل بمثل هذا الحماس، بشكل يتجاوز حتى قواعد البروتوكول الدبلوماسي.

رغم ذلك، في حماس يتمسكون بنصف الكوب الممتلئ. صحيح أن أردوغان ينظر الآن إلى إسرائيل كشريك، لكن هذا لا يعني أنه ينوي الانقلاب على حماس. في غزة، تشير التقديرات إلى أنه على الرغم من الرغبة التركية في إعادة بناء العلاقات مع إسرائيل، إلا أن أردوغان لن يحرق الجسور المؤدية إلى غزة. حتى لو اتخذ خطوات من أجل إرضاء إسرائيل، فسيكون ذلك على نطاق ضئيل.

إن عزلة حماس آخذة في الازدياد. حيث أعلنت بريطانيا وأستراليا مؤخرًا عن قرارهما بتصنيف ذراعي حماس، العسكري والسياسي، كمنظمة "إرهابية". وقبل ذلك، أعلنت السودان عن سلسلة من الإجراءات لتقييد نشاطات حماس وانتشارها في أراضيها.

والآن حماس في طريقها إلى خسارة السلطان الذي أعطاهم الملجأ واستضافهم في بلاطه. وكان مسؤول التنظيم في الخارج، صالح العاروري، ضيف شرف في تركيا، حيث كان يدير خلايا قتالية من هناك وينقل الأموال للخلايا المقاتلة في الضفة الغربية.

كما أن التنظيم ليس في أفضل أحواله بسبب الوضع الداخلي الذي وجد نفسه فيه، وبالأخص في ظل التوتر بين قادة غزة والذراع العسكري من جهة، وبين القيادة السياسية التي يتواجد أغلب أعضاؤها في الخارج، من جهة أخرى.

لكن ما زال الوقت مبكرًا لنعي حماس أو توقع سقوط حكمها. قطر وإيران لا تزالان معها. إن الدعم المالي والعسكري الذي تتلقاه حماس من طهران، بالإضافة إلى التبرعات من مصادر أخرى، تساعدها برفع رأسها فوق الماء.

رغم كل هذا، لا تزال حماس تحظى بشعبية في الرأي العام الفلسطيني، ويرجع ذلك، من بين جملة أمور، إلى البديل الذي تقدمه لكل من يدّعون فسادهم في السلطة الفلسطينية ولا يعجبهم تعاونها الأمني ​​مع إسرائيل.

في السلطة الفلسطينية لم يكونوا معارضين لرؤية إجراءات جذرية من طرف تركيا تجاه المنظمة التي "اختطفت" منهم قطاع غزة. إنهم يرون العلاقات المتجددة بين إسرائيل وتركيا بمثابة ضربة لحماس، ويأملون أن تضعف في أعقاب خطوة أردوغان الجريئة.

في السلطة الفلسطينية يقولون أن هذا لن يؤثر عليهم لأنهم، حسب ادعائهم، لديهم تعاونًا أمنيًا ممتازًا مع تركيا. وإن كان هناك شيء مهم آخر يربط تركيا بالسلطة الفلسطينية فهو الخصومة مع مسؤول فتح المخلوع والمكروه من قبل أبو مازن، محمد دحلان.

في هذا السياق، تشترك رام الله وأنقرة في مصلحة مشتركة، أو بشكل أدق، عدو مشترك. قبل عدة سنوات، اتهم الأتراك دحلان بالمساعدة في محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، بل وعرضوا مكافأة مالية على من "يحضر رأسه".

وبغض النظر عن طبيعة علاقاتها مع تركيا، فقد تعلمت السلطة الفلسطينية من أخطاء الماضي وتوقفت مؤخرًا عن مهاجمة الدول والقادة الذين قاموا بتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل.

بالنسبة لكل ما يتعلق بتركيا وخاصة أردوغان، فإن حماس من جانبها تتوخى الحذر سبع مرات. في المقابل، شن شركاءهم في الجهاد الاسلامي هجومًا لاذعًا على الاتراك متهمينهم ب "خيانة القدس وفلسطين". وهذا اتهام خطير للغاية للديكتاتور التركي، الذي يريد أن يُصور نفسه على أنه زعيم العالم الإسلامي، بطل القضية الفلسطينية، ومدافع عن الأقصى.

في حماس يحافظون على ضبط النفس. إنهم يشعرون بأن الحبل مشدود حول أعناقهم، لكنهم لا يريدون صب الماء على الطفل. ما زالوا يتمنون أن يتراجع أردوغان أو يتعافى بسبب الضغط الداخلي في الرأي العام التركي.

في جميع الأحوال، هم حريصون على عدم إزعاجه، ويفهمون أن الأمر لا يستحق المخاطرة بالقليل المتبقي. هذا ليس هو الوقت المناسب لكسر الأدوات، وبالتأكيد ليس مع أردوغان. من الصعب الانحناء، من الأفضل عدم العبث به.

إسرائيل، هذه قصة مختلفة. كلما شعرت حماس بالعزلة أكثر، فإنها توجه الإحباط نحوها. إذا كان التصعيد الذي أدى إلى عملية "حارس الأسوار" جاء بسبب زيادة ثقة حماس بنفسها، فمن المحتمل أنه في المرة القادمة، سيكون تآكل ثقتها بنفسها هو بالتحديد ما سيدفعها إلى التصعيد.