5532 هو العدد الإجمالي للعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، حتى يوم أمس. نصفها – النصف الخطير – فرض بعد الغزو. وبهذا باتت روسيا تتقدم حتى عن إيران في القائمة (3616 عقوبة). وإذا صدقنا الإدارة الأمريكية، فهذه ليست النهاية. بايدن عشق المقاطعة؛ لأنها لا تحتاج إلى إرسال جنود إلى الجبهة، وشعبية في الاستطلاعات، وتخدم المصلحة الأمريكية للمدى البعيد، وثمنها الاقتصادي محتمل تماماً.
وها هو التناقض: الأمر الأسوأ الذي قد يحصل اليوم لبوتين هو انهيار المقاومة الأوكرانية. ماذا سيحصل عندها؟ سيفر زيلينسكي ووزراؤه إلى الغرب، وستدخل الدبابات الروسية إلى كييف، وستقيم فيها نظام احتلال. ستنتهي الحرب، ولكن لن يكون بدون اتفاق. الغرب لن يلغي العقوبات: لا سبب لذلك. وسيضطر بوتين لمواجهة ضائقة اقتصادية حادة في الداخل، ونبذ سكان معادين يتطلعون إلى الثأر في أوكرانيا. فأحياناً تكمن بذور الهزيمة في النصر.
ليس غير اتفاق برعاية الغرب يعيد روسيا إلى الساحة العالمية. فهل لبايدن مصلحة في مثل هذا الاتفاق؟ ليس مؤكداً. سيستوجب الاتفاق حلاً وسطاً. وسيكشف الحل الوسط بايدن وإدارته أنهم أجبروا حكومة ديمقراطية على الخضوع لإملاء مجرم حرب، تماماً مثل تشمبرلين في ميونخ. وبقدر ما يبدو هذا وحشياً، فمريح لبايدن أن يدع الروس يواصلون الغرق في الوحل الأوكراني. وهو سيزود الجيش الأوكراني بسلاح يطيل الحرب، لكن ليس بسلاح يحسمها.
اعتقد بوتين أن الغزو سيعيد لروسيا مكانتها كقوة عظمى، مساوية القيمة للولايات المتحدة وللصين. فقوة روسيا العسكرية وتصميمها سيكفران عن ضعفها الاقتصادي، لكن آماله خابت. اعتقد زيلينسكي أن طريقه إلى الغرب مفتوحة: إن لم يكن للناتو، فعلى الأقل للاتحاد الأوروبي. وهو لم يصدق تحذيرات من غزو روسي. الثمن الذين يدفعه شعبه، بالأرواح وبالممتلكات، هائل. فقد أخرج شعبه إلى اللجوء.
ليس للطرفين في هذه اللحظة استراتيجية خروج؛ من جهة لا يستطيع بوتين إعادة جيشه إلى الديار بدون إنجازات، ولا يمكن لزيلينسكي أن يعطيه هذه الإنجازات. والحال هذه، لم يطلّ بعدُ وسيط ذو قوة، أمريكي أو صيني. مثلما في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، الكل يعرف ما سيكتب في الاتفاق، لكن لا طرف يبدي أي استعداد للتوقيع عليه.
إسرائيل حاضرة غائبة في هذه القصة العسرة. فمساعي وساطة لبينيت رفعت مستوى اسمه في العالم وفي البلاد، وسمحت للحكومة بالتملص من اختيار طرف. هذه خطوة ذكية حياتها قصيرة: إسرائيل لا تنفذ العقوبات وتخرج من هذا بسلام. وبخلاف التفسير السائد، ليس لإسرائيل تميز ولا تفوق في الساحة الدبلوماسية. يمكن إجراء محادثات على مستقبل أوكرانيا في هلسنكي، نيودلهي، جنيف، أنقرة، القاهرة، أو في عشر عواصم أخرى تماماً مثلما في القدس. المكان ليس المشكلة.
وفي مسألة اللاجئين نفزع أنفسنا عبثاً. يدور الحديث في هذه الأثناء عن أطفال وشيوخ ونساء. فالأوكرانيون لا يسمحون للرجال بالخروج. ودول الاتحاد الأوروبي تستقبل الخارجين بأذرع مفتوحة. هم مسيحيون، ومتعلمون، بيض. معظم هذه الدول تواقة للأيدي العاملة. لا يصل إلى إسرائيل إلا من لهم صلة بنصف مليون الأوكرانيين الذين وصلوا إلى هنا وفقاً لقانون العودة. أقرباؤهم سيستضيفونهم في بيوتهم إلى أن يتضح الوضع في أوكرانيا، وهم لن يغرقوا الدولة.
آييلت شكيد لم تفهم هذا حتى يوم أمس. وقد ارتكبت في هذه القضية كل الأخطاء الممكنة. كان الطرد خطأ، والكفالة خطأ، والسقف مهانة للعقل، والمعاملة في المطار فضيحة. لا غرو أنها اضطرت للتراجع في كل واحد من المفترقات.
لقد استخدمت حجتين قد تنجحان ظاهراً، ولكنهما غير عاقلتين: الأولى، أن في إسرائيل الآن 20 ألف أوكراني بشكل غير قانوني. فما الذي يربط بين عاملي الإغاثة الذين يعيشون هنا منذ سنين، وبين لاجئين الحرب؟ وحده انغلاق القلب وكراهية الأجانب يمكنه أن يربط بين الأمرين. المبرر الثاني في أننا نستوعب أوكرانيين الآن – أن يكونوا أوكرانيين يهوداً؛ وهذا التعليل يضع شكيد أمام مئة وعشرين سنة صهيونية. الصهيونية تقدس الهجرة اليهودية. هدف الهجرة اليهودية هي بناء البلاد وإعطاء دولة لليهود، بهذا الترتيب. وكما تقول القصيدة، أن نبني ونُبنى فيها. إسرائيل لم تفكر يوماً بفعل الخير للشعب المغربي، أو الروسي، أو الإثيوبي أو اليمني عندما جلبت منها جموع اليهود. إسرائيل اليوم لا تفعل الخير للشعب الأوكراني حين تستقبل يهوداً من هناك. من يعتقد ذلك هو ما بعد صهيوني.