كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية مقالاً عن آخر التطورات في مخيم جنين، يوضح المعضلة التي تواجهها "إسرائيل" في المخيم الذي يشهد تصعيداً في عمل فصائل المقاومة. فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
مخيم اللاجئين جنين، الذي خرج منه منفّذ هجوم تل أبيب رعد خازم، يُعتبر منطقة حتى السلطة الفلسطينية لا تنجح في السيطرة عليها، رغم أنّ هناك منظمات مختلفة داخل المخيم، مثل كتائب شهداء الأقصى والجهاد الإسلامي وحماس، تعمل بتعاونٍ كامل وتُدر غرفة عمليات مشتركة وتهاجم معاً قوات الجيش الإسرائيلي التي تدخل إلى المكان. محاولة السلطة السيطرة على المخيم فشلت مؤخراً، ويبدو أنّ عملية كبيرة للجيش الإسرائيلي فقط ستنجح في كبح المخربين.
مخيمات اللاجئين في الضفة كانت على الدوام معاقل إرهاب، ومخيم جنين – الذي كان على رأسها دائماً – أصبح بالنسبة للفلسطينيين رمزاً للمقاومة خلال عملية "السور الواقي"، قبل 20 سنة بالضبط.
مخيم جنين أصبح عملياً بالنسبة للسلطة منطقة خارجة عنها، وقللت فرض حاكميتها فيها. الفراغ السلطوي، والفقر والبطالة، دفع الكثير من الشباب الفلسطيني إلى الارتباط بالمسلّحين.
التعاظم الكبير للمسلحين في المخيم حدث بواسطة تهريب متزايد للأسلحة في السنوات الأخيرة، من "إسرائيل" إلى الضفة الغربية، من خلال الثغرات الكثيرة في هذه المنطقة من خط التماس (الخط الأخضر). هذه الأسلحة تتدفق بشكلٍ أساسي إلى جنين، القريبة جغرافياً من أم الفحم.
الكورونا ساعدت في التعاظم
في موازاة ذلك، بدأت حماس والجهاد الإسلامي بتحقيق سيطرة في المخيم، وأسستا أنشطة ذراعيهما العسكريتين هناك من دون إزعاجٍ تقريباً، خصوصاً عندما أدّت أزمة الكورونا في سنة 2020 بالجيش الإسرائيلي إلى تقليص عمليات الاعتقال، إلا إذا تعلق الأمر بقنابل موقوتة.
غياب الحاكمية ساعد المجموعات المسلحة في المخيم في تحسين قدراتها العسكرية. بصورة غير عادية وفريدة، الأذرع العسكرية داخل المخيم تُجري بصورة دائمة تدريبات لعناصر بأساليب مختلفة. قوات الجيش الإسرائيلي، التي تدخل إلى المخيم، تصطدم بإطلاق نار في خضم هجوم، وهو واقع غير قائم في أيٍ من مخيمات اللاجئين الأخرى في الضفة، حتى عندما يكون فيها تبادل للنيران.
ظاهرة فريدة ونادرة أخرى هي شراكة المصير بين الفصائل المختلفة. بخلاف الخصومة الخارجية بين فتح وحماس والجهاد الإسلامي، داخل المخيم يقاتل المسلحون كتفاً إلى كتف ضد قوات الجيش الإسرائيلي. بالنسبة إليهم، مخيم جنين هو رمز فخرهم، قبل انتمائهم التنظيمي ورؤيتهم السياسية. أمر إضافي يوحدهم جميعاً، هو الكراهية المتأججة للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها وما تمثّله، إلى جانب الإرادة القوية في قتال "إسرائيل" بكل طريقة ممكنة، وحبذا بسلاحٍ ناري.
مرات كثيرة تعمل "إسرائيل" في مخيم جنين بواسطة وحدات مستعربة، بسبب تعقيدات الدخول المدوّي إليه. مسلحو المخيم استوعبوا هذا وبدأوا تطبيق أساليب نُسخت من قطاع غزة. مثال على ذلك، هو إقامة غرفة عمليات مشتركة لكافة الأذرع العسكرية في المخيم، والتي تدخل إلى العمل عندما يكون هناك دخول لقوة للجيش الإسرائيلي إلى المخيم أو إلى إحدى القرى القريبة منه، وتُخرج المسلحين إلى الميدان بواسطة رسائل على الواتسآب أو تلغرام.
كما تمتلك غرفة العمليات تشكيل راصدين مهمتهم تصوير ومتابعة وتشخيص أي حركة مشبوهة في المنطقة، سواء كانت حركة علنية لقوات الجيش الإسرائيلي الداخلة إلى المنطقة، أو سيارة فلسطينية غير معروفة ويُشتبه فيها فوراً بأنّها سيارة مستعربين. أي حركة كهذه يُفاد بها على مجموعات الواتسآب، وفي حالة كهذه يُرسل أشخاص لإيقاف السيارة واستبيان سبب دخولها إلى المخيم.
المسلّحون في المخيم المكتظ يعملون بصورة وحدات صغيرة، تتألف كل واحدة منها من 20 – 25 عنصراً. كل وحدة مسؤولة عن منطقة معينة وتعمل فيها، وأحياناً تعزز بعناصرها مناطق أخرى فيها مواجهات مع قوات الأمن.
أجهزة أمن السلطة الفلسطينية حاولت في الأشهر الأخيرة فرض النظام في المخيم وتنظيفه في عملية كبيرة خُطط لها لأشهر، لكن سرعان ما فهموا في السلطة أنّ هذا المخيم كبير على قدراتها، والعملية انتهت بنجاحٍ جزئي جداً، وهناك من يقولون بفشلٍ مدوٍ. يبدو أنّ السبيل الوحيد لإعادة الهدوء في المخيم لعدة سنوات إلى الأمام هو عملية عسكرية عدوانية إسرائيلية، لكن عملية كهذه، إذا خرجت إلى حيز التنفيذ، ستجر بالتأكيد قطاع غزة أيضاً إلى المعركة.