الأزمة الأوكرانية هي انعكاس للتناقضات المنهجية التي تراكمت على مدى سنوات عديدة بين روسيا والغرب. وعلى هذا النحو، يتمّ دمجها في عملية التحول في النظام العالمي، والاتجاه نحو تشكيل نظام دولي متعدد المراكز. بالنظر إلى هذا السياق، تتمثّل المهمة بإجراء تقييم شامل وموضوعي لموقف الاتحاد الأوروبي وإجراءاته كأحد الهياكل الرئيسية للغرب الجماعي، والإجراءات المحتملة له على المدى القصير والمتوسط.
كان ردّ فعل الاتحاد الأوروبي على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا سريعاً وتضامنياً وسلبياً بشكل حاد، إذ وصفته قمة المجلس الأوروبي بأنَّه "عدوان عسكري غير مبرر". ولاحقاً، تكررت هذه الصياغة بانتظام، بما في ذلك صيغة مجموعة السبع، مع إضافة أنَّ روسيا تستند في أفعالها إلى مطالب بعيدة المنال وتصريحات لا أساس لها. وفي خطابات قادة بعض دول الاتحاد الأوروبي، كانت العبارات والتقييمات أكثر صرامة.
سجَّل إعلان فرساي، عقب اجتماع غير رسمي لزعماء الاتحاد الأوروبي في 10 و11 آذار/مارس، إجماعاً على أن تصرفات روسيا "أدت إلى تحول جذري في التاريخ الأوروبي". وقيّمت قمة الناتو في 24 آذار/مارس تصرفات روسيا على أنَّها محاولة "لتدمير أسس الأمن والاستقرار الدوليين"، وهو الموقف الذي تشترك فيه جميع دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدول غير الأعضاء في الناتو. وهنا تبدو أوجه التشابه غير المقبولة والصادمة مع الحرب العالمية الثانية.
ويرتبط ردّ الفعل القاسي على تصرفات روسيا، من بين أمور أخرى، بحقيقة أنَّ الأوروبيين ينظرون إلى أوكرانيا كأحد أفراد الأسرة، وأنّ "العدوان عليها" هو هجوم على "أحدنا". في هذا السياق، كررت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مراراً وتكراراً: "إن شعب أوكرانيا الذي يدافع بشجاعة عن قيمنا الأوروبية هو جزء من الأسرة الأوروبية". هذه المشاعر هي الآن سمة الرأي العام في دول الاتحاد الأوروبي وأغلبية النخبة السياسية.
لقد أتاح التغيير في الموقف تجاه أوكرانيا إجراء مناقشة موضوعية لطلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وأشار عدد من دول الاتحاد، مثل بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وبلغاريا وجمهورية التشيك والمجر، في بيان مشترك في شباط/فبراير، إلى أن أوكرانيا تستحق تأكيداً "فورياً" لاحتمال الحصول على العضوية.
واتفقت معظم دول الاتحاد الأوروبي على ضرورة إعطاء "إشارة سياسية قوية"، مفادها أنَّ أوكرانيا جزء من الأسرة الأوروبية، ولكن ينبغي النظر بعناية في إجراءات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، إذ لا يمكن اتخاذ أي إجراءات عملية إلا بعد "نهاية الحرب"، وسيستغرق التحضير للعضوية وقتاً طويلاً.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صاغ خلال قمة فرساي في 11 آذار/مارس موقفاً توفيقياً على النحو التالي: "يجب إرسال إشارة قوية إلى أوكرانيا، لكن يجب أن نكون عقلانيين. هل يمكننا فتح إجراءات الانضمام إلى دولة في حالة حرب؟ لا أعتقد ذلك. هل يجب أن نغلق الباب ونقول لا؟ سيكون ذلك غير عادل".
كان الاختبار الحقيقي لتصور أوكرانيا في أوروبا هو الموقف تجاه اللاجئين الأوكرانيين. وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، غادر 4 ملايين لاجئ أوكرانيا بدءاً من 29 آذار/مارس، الغالبية العظمى منهم في دول الاتحاد الأوروبي. في الأيام الأولى للأزمة، ظهرت في العديد من دول الاتحاد الأوروبي حركة تطوعية لمساعدة اللاجئين.
أصبحت هذه الممارسة منتشرة عندما سمح لهم الأوروبيون بالعيش في شققهم ومنازلهم الخاصة. ويختلف الموقف تجاه الأوكرانيين اختلافاً جوهرياً عن الموقف تجاه اللاجئين من سوريا والدول الآسيوية والأفريقية الأخرى، والذي كان مقيّداً للغاية في السنوات الأخيرة، لأن الأوروبيين ينظرون إلى الأوكرانيين على أنهم "أهل". ويمكن ملاحظة ذلك أيضاً في رد الفعل الرسمي لعدد من بلدان أوروبا الشرقية، التي لم تُظهر مثل هذا التضامن تجاه اللاجئين خلال أزمة الهجرة في العام 2015، وكذلك في السنوات اللاحقة.
وينصّ نظام الحماية المؤقتة على أنَّ اللاجئين من أوكرانيا سيحصلون على سكن. وقد حصلوا على الحق في العمل بالظروف نفسها التي يتمتع بها مواطنو الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم. ولفهم أفضل للمشاعر العامة، نلاحظ أنَّ الاتحاد الأوروبي لنقابات العمال أيد هذا القرار، ودعا إلى وصول اللاجئين إلى سوق العمل بشكل كامل، متجاهلاً المخاطر التي قد ينطوي عليها ذلك بالنسبة إلى توظيف مواطني الاتحاد الأوروبي.
لقد تأثر الرأي العام بحملة إعلامية ودعاية قوية حول مسار العملية العسكرية في أوكرانيا. ووفقاً لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حتى 25 مارس/آذار، قُتل 1081 مدنياً، وأصيب 1707 آخرون في أوكرانيا، فيما يتم تجاهل تأكيدات السلطات الروسية بأنَّ الضربات تستهدف أهدافاً عسكرية فحسب.
يجب ألا يغيب عن البال أن هذه الحملة الإعلامية تتداخل مع القيم الإنسانية المتجذرة بعمق في الوعي العام للأوروبيين العاديين. وحتى بعد وقف إطلاق النار، فإن المشاعر العامة الداعمة لأولئك الذين يعتبرهم الأوروبيون "ضحايا للعدوان" ستستمر لفترة طويلة. ومن أسباب ذلك، الاتصالات اليومية مع اللاجئين الأوكرانيين، ما سيحد من مجال مناورة أولئك السياسيين ورجال الأعمال الذين سيدعون إلى استعادة محدودة للاتصالات مع روسيا؛ ففي أوروبا، تكتسب "ثقافة إلغاء روسيا" زخماً.
إنَّ العملية العسكرية الروسية الخاصة في أراضي أوكرانيا هي تحول سيغير جذرياً نظام العلاقات الدولية بأكمله في كل من أوروبا والعالم ككل. وسيكون لهذه التطورات آثار طويلة المدى في البنية الأمنية في أوروبا، ليس في الجوانب العسكرية فحسب، ولكن أيضاً في الطاقة، وحتى الأمن الغذائي. ورداً على هذه التطورات، أدرك السياسيون في الاتحاد الأوروبي على الفور تقريباً أن الأمن، الذي يفهمونه على أنه "أمن من روسيا"، لم يعد "مجانياً"، وهم على استعداد للدفع.
إنَّ أطروحة الاستعداد لدفع ثمن باهظ للأمن وردت في خطابات العديد من السياسيين، مثل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي قال: "يجب أن نكون مستعدين لدفع هذا الثمن الآن، وإلا سيتعين علينا دفع ثمن أعلى بكثير في المستقبل". وبدلاً من رؤية أن جذور الصراع تكمن في عدم الرغبة في حل القضايا العالقة في مجال الأمن، يفسر السياسيون الأوروبيون الصراع بطريقتهم التقليدية في المواجهة الأيديولوجية بين "الديمقراطية" و"الاستبداد".
لقد أصبحت الاستراتيجية التقليدية للأوروبيين في أن يكونوا مستهلكين للأمن تحت المظلة الأميركية شيئاً من الماضي. بالطبع، سيستغرق تنفيذ العديد من الخطط المعلنة وقتاً، ولن يسير كل شيء كما هو مخطط له، لكن التغييرات الأكثر أهمية -التغييرات "في الرؤوس"- حدثت بالفعل.
في الأيام الأخيرة من شهر شباط/فبراير، أصبحت الاتجاهات الرئيسية للإجراءات التي تتخذها دول الاتحاد الأوروبي واضحة: المساعدة المالية والإنسانية لأوكرانيا، والعقوبات الواسعة النطاق والمتعددة الاستخدامات ضد روسيا، والمساعدة العسكرية الفنية لأوكرانيا، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية لحلّ القضايا الإنسانية ووقف إطلاق النار.
في 28 شباط/فبراير، أطلق الاتحاد الأوروبي آلية الحماية المدنية لتقديم المساعدة الإنسانية لأوكرانيا. وبحلول 15 آذار/مارس، زودت دول الاتحاد، وكذلك تركيا والنرويج، أوكرانيا بنحو 2000 طن من المساعدات الإنسانية (مساعدات طبية، ومعدات إطفاء، ومولدات كهرباء، ووقود، إلخ).
كانت عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا قوية بشكل غير متوقع، وتم تبنيها بسرعة وبتنسيق عالٍ مع الدول الأخرى، ومن بينها حظر التعامل مع عدد من البنوك الروسية الرئيسية، وتجميد أصول البنك المركزي الروسي، وفرض حظر على السفر الجوي، وقيود على نقل التكنولوجيا، وغير ذلك الكثير.
في الوقت نفسه، أظهرت دول الاتحاد الأوروبي وحدة غير متوقّعة. وبحسب رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون، تم تبني الحزمة الأولى من العقوبات (24 شباط/فبراير) خلال أقل من 20 دقيقة. وحتى الدول التي سعت دائماً إلى الحفاظ على علاقة بناءة مع موسكو، مثل المجر واليونان وقبرص، أيدت جميع قرارات عقوبات الاتحاد الأوروبي.
لكنَّ الاختلافات في المواقف برزت، كما هو متوقع، عندما أصبح الأمر يتعلق بالطاقة. عندما قرر الاتحاد الأوروبي فصل 7 بنوك روسية كبيرة عن نظام "SWIFT"، أصرت ألمانيا وإيطاليا والمجر على أنَّ هذا الإجراء لا ينبغي أن ينطبق على "سبيربنك" و"جازبرومبانك"، لأنّهما القنوات الرئيسية لدفع ثمن موارد الطاقة المستوردة من روسيا.
وفقاً لتقديرات يوروستات، أمنت الواردات من روسيا في العام 2021 نحو 40% من استهلاك الغاز، و27% من النفط، و46% من الفحم. في الوقت نفسه، إنّ اعتماد عدد من دول الاتحاد الأوروبي الشرقية (المجر وبلغاريا وسلوفاكيا) أعلى بكثير، وبالتالي إنّ رفض موارد الطاقة الروسية في السنوات المقبلة أمر مستحيل.
وفي العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى (مثل ألمانيا، وبدرجة أقل إيطاليا)، لن يتسبب التوقف الحاد للإمدادات من روسيا بحدوث صدمة أسعار فحسب، بل سيتطلب أيضاً قيوداً على الإمداد لمجموعات معينة من المستهلكين الصناعيين. في هذه الحالة، لم تحظَ الدعوات الفردية لفرض حظر على إمدادات الطاقة الروسية، كما هو متوقع، بالدعم.
لقد تشكَّل اليوم إجماع استراتيجي في الاتحاد الأوروبي على أنه لا يستطيع "الاعتماد على مورد يهددنا علناً". وفي إعلان فرساي، أكد قادة دول الاتحاد الأوروبي نية "القضاء على الاعتماد على واردات الغاز والنفط والفحم من روسيا في أسرع وقت ممكن". دعونا نلاحظ أننا في الظروف الجديدة لا نتحدث عن تقليل التبعية، بل عن القضاء على التبعية.
تتوخّى خطة العمل طويلة المدى التي قدمتها المفوضية الأوروبية في بداية شهر آذار/مارس 3 اتجاهات: تنويع إمدادات الغاز بشكل أساسي عبر خلق فرص جديدة لواردات الغاز الطبيعي المسال، وتسريع تنفيذ برامج كفاءة الطاقة، ومواصلة تطوير الطاقة المتجددة. ووفقاً لتقديرات المفوضية التي يعتبرها العديد من الخبراء مفرطة في التفاؤل، قد تنخفض الواردات من روسيا بمقدار الثلثين في غضون عام.
ومع ذلك، إنَّ مطالبة الكرملين بتحويل مدفوعات الغاز إلى روبل جعلت خطر توقف الإمدادات من روسيا حقيقياً على المدى القصير (بشكل أساسي إمدادات الغاز). وكاستجابة سريعة لهذا الخطر، اعتمد الاتحاد الأوروبي لائحة تغير قواعد إدارة مرافق تخزين الغاز، تنص على مجموعة تدابير لضمان إشغال التخزين بنسبة 80% بحلول 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. وقد بدأ العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالفعل باتخاذ تدابير عاجلة، كألمانيا، التي أعلنت خطة طوارئ لإمدادات الغاز.
لكنَّ اتحاد النقابات العمالية وممثلي الشركات الألمانية يقولون إنَّ الوقف الفوري لإمدادات الغاز الروسي سيؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية خطرة، وإلى ارتفاع الأسعار التي ستؤثر في جميع الأسر في ألمانيا، وإلى أضرار بسلاسل التوريد لا يمكن إصلاحها.
وهناك مشاعر مماثلة في إيطاليا والنمسا وجزء كبير من دول أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي. وهنا، لا ينبغي للمرء أن يتوقع أي إجراءات منسقة قصيرة المدى من الاتحاد الأوروبي لحظر إمدادات الغاز من روسيا.
في الوقت نفسه، تصرّ بعض دول الاتحاد الأوروبي على تشديد العقوبات في قطاع الطاقة (في المقام الأول، بولندا ودول البلطيق)، والتي تتطلّب حظراً على دخول السفن الروسية (بما في ذلك الناقلات) إلى موانئ الاتحاد الأوروبي. وقد دعمتها على وجه الخصوص الدنمارك وإيرلندا وسلوفينيا. وعلى نحو متزايد، يتم تفسير المدفوعات لشركات الطاقة الروسية عاطفياً على أنَّها "تمويل الحرب"، ومنح الأوكسجين عن الآلة العسكرية الروسية.
ومن المتوقع في العام 2023 حصول انخفاض كبير في مشتريات النفط والفحم من روسيا، وبدرجة أقل، الغاز. وسيتطور هذا الاتجاه بالتوازي مع زيادة القدرات الفنية لإمدادات الطاقة من المناطق الأخرى، وانتهاء عقود توريد الغاز الحالية.
وفي الاتحاد الأوروبي، لا يُنظر الآن إلى الاعتماد على استيراد موارد الطاقة من روسيا كتهديد لأمن الطاقة فحسب، بل وللأمن بالمعنى السياسي وحتى العسكري والسياسي أيضاً. هناك سبب للاعتقاد بأنَّ دول الاتحاد الأوروبي ستبذل قصارى جهدها لتنفيذ القرارات التي تم اتخاذها في الشهر الماضي، وستكون مستعدة لتحمل تكاليف كبيرة مقابل ذلك، ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح أن يكون للعقوبات تأثير في المسار السياسي لموسكو.
إضافة إلى العقوبات الاقتصادية القوية ضد روسيا، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة كانت تبدو في السابق مستحيلة تماماً، عندما أعلن إمداد أوكرانيا بأسلحة دفاعية فتاكة بمبلغ 450 مليون يورو. وفي نهاية آذار/مارس، أعلن تخصيص 500 مليون يورو أخرى لهذا الغرض.
وللمرة الأولى في تاريخه، يقرر الاتحاد الأوروبي إرسال أسلحة فتاكة إلى دولة أخرى. في هذا الصدد، أشار جوزيف بوريل: "لقد انهارت المحرمات... نعم، نحن نقوم بذلك، لأن هذه الحرب تتطلب منا دعم الجيش الأوكراني"، ما يعني مستوى جديداً في مشاركة الدول الأوروبية في الصراع، ويقلّل قدرتها على أداء دور وساطة بناء.
في الوقت نفسه، اتخذت بعض دول الاتحاد موقفاً خاصاً، مثل المجر، التي لا تقدم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، كما أنها حظرت توريد الأسلحة عبر أراضيها.
أما في سياق إجراءات الاتحاد الأوروبي في مجال الدفاع، فينبغي أيضاً ذكر البوصلة الاستراتيجية المعتمدة في اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي في 21 آذار/مارس، إذ قدمت رؤية استراتيجية شاملة للاتحاد الأوروبي للسنوات الخمس أو العشر القادمة، ومن المتوقع أن تكون روسيا هي التهديد الرئيسي البعيد المدى و"البوصلة الاستراتيجية"، إذ تضمنت الرؤية الجديدة تدابير قصيرة ومتوسطة المدى لتحسين القدرة الدفاعية والعملياتية للاتحاد الأوروبي، والتي يتضمن تنفيذها زيادة الإنفاق الدفاعي.
في الوقت ذاته، تعمل السويد وفنلندا على تغيير وجهات نظرهما في إمكانية الانضمام إلى الناتو، وبشكل سريع، وتظهر استطلاعات الرأي العام أنَّ غالبية سكان هذه البلدان اليوم يؤيدون الانضمام إلى الحلف.
وتجدر الإشارة إلى انضمام عدد من الدول إلى العقوبات المعادية لروسيا، والتي امتنعت عن القيام بذلك في السنوات السابقة، مثل سويسرا التي اتخذت هذه الخطوة رغم وضعها الحيادي، وكذلك النرويج واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا ونيوزيلندا. في الوقت الحالي، تضم قائمة الدول غير الصديقة التي وافقت عليها حكومة الاتحاد الروسي 48 دولة.
وبهذا الشكل، لم تعد المواجهة بين روسيا والغرب الجماعي، بل بين روسيا والشمال الجماعي، الذي يضم جميع البلدان المتقدمة اقتصادياً تقريباً، المتحدة بفهم مشترك لـ"القيم الديمقراطية" والالتزام بالنظام العالمي الغربي والقيادة الأميركية.
في الوقت نفسه، نأى جزء كبير من المجتمع الدولي بنفسه عن الأعمال المعادية لروسيا. وفي هذا الصدد، ينبغي الإشارة بشكل خاص إلى الصين والهند ودول منظمة "أوبك" الرئيسية. من الممكن أن يؤدي هذا في المستقبل إلى انقسام منهجي للعالم إلى الشمال الغربي والجنوب الشرقي.
ومع ذلك، إنَّ التفاعل الاقتصادي مع الغرب، بالنسبة إلى البلدان المذكورة أعلاه، ذو أهمية استراتيجية في الوقت الحالي. وبناءً عليه، إنَّ الدعم الذي يمكن أن تتلقّاه روسيا منهم محدود، ولا سيّما فيما يتعلق بالتفاعل الاقتصادي الذي يمكن أن يخفف تأثير العقوبات.
إنَّ الصراع الذي يتكشف هو صراع حول تشكيل النظام العالمي المستقبلي. على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، بنت موسكو سياستها الخارجية على أساس الاتجاه نحو تشكيل نظام دولي متعدد المراكز وتقليل فرص الهيمنة الغربية.
في الوقت نفسه، روّجت الدول الغربية "للنموذج الغربي للعولمة"، واعتمدت على نموذج الأمن المتمحور حول الناتو، متجاهلةً دعوات موسكو لبناء تفاعل على أساس مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة. وقد دفع عدم رغبة الدول الغربية في مناقشة مخاوف روسيا إلى اتباع موسكو نهجاً متشدداً في السياسة الخارجية.
لسنوات عديدة، اعتقدت الدول الغربية أنها ستكون قادرة على الحفاظ على التوازن بين احتواء روسيا والتعاون العملي البناء. ومن الواضح أنهم "قللوا" من استعداد موسكو للتخلي عن اللعبة التكتيكية... لمصلحة خيار استراتيجي.