• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
مقالات مترجمة

"لوموند": 10 دروس عسكرية للحرب في أوكرانيا


منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، كان الخبراء والموظفون الغربيون يراقبون تطورات الحرب يوما بعد يوم عبر القنوات التقليدية كالاستخبارات وصور الأقمار الصناعية، وأيضا من خلال العديد من المصادر المتاحة كالشبكات الاجتماعية؛ وبعد 3 أشهر من الصراع العنيف بدأ عدد من الدروس يتكشف لهؤلاء المراقبين.

بهذه المقدمة افتتحت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالا مطولا بقلم إليز فينسان وسيدريك بيترالونغا، استنبطا فيه 10 من الدروس التي قدمتها الحرب الروسية على أوكرانيا للمراقبين الغربيين:

نسبية عدم توازن القوى بين الروس والأوكرانيين

من خلال تحليل ميزان القوى على الأرض بين الروس والأوكرانيين، يرى عدد من الخبراء العسكريين أن القوات الأوكرانية -على عكس الاعتقاد السائد- لم تكن دون القوات الروس بكثير، حيث يقول مصدر عسكري فرنسي إن "ميزان القوى على المستوى البشري متوازن إلى حد ما"، إذ يواجه 145 ألف جندي أوكراني نشط نحو 160 ألف جندي روسي أُرسلوا منذ بداية الحرب، وفقا لمعظم التقديرات.

ولدى الأوكرانيين كذلك جيش احتياطي قوامه 240 ألف رجل، وتم حشده بسرعة كبيرة فور اندلاع الحرب، مما حال دون سقوط كييف، خاصة أن معظم القوات النظامية الأوكرانية حشدت في دونباس، كما استعان الأوكرانيون بآلاف المتطوعين الأجانب، لكن رغم كل ذلك تبقى المواجهة غير متكافئة على المستوى المادي، إذ لا يمتلك الأوكرانيون قوة جوية وبحرية ودبابات وصواريخ كروز تضاهي تلك الموجودة لدى موسكو.

الخسائر البشرية قضية حساسة

ومن بين الأمور الحساسة في الحرب عدد القتلى أو الجرحى، وهو ما بقي سرا كبيرا في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب -كما يقول الكاتبان- رغم تداول العديد من التقديرات بشأن عدد القتلى والجرحى على الجانب الروسي، من دون أن يرشح شيء عن حالة القوات الأوكرانية، لأن المعسكر الغربي -الذي لا مصلحة له في تقويض معنويات القوات الأوكرانية- يخفي حقيقة الحرب جزئيا.

وقد يكون هذا اللغز أيضا نتيجة تعتيم على المعلومات من جانب كييف في إطار صراع المعلومات الذي تخوضه منذ وقت مبكر، إذ إن حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -حسب الكاتبين- لا تقدم سوى معلومات مجزأة لحلفائها حول حالة قواتها، رغم أن مصادر عسكرية فرنسية تقدر عدد القتلى على الجانب الأوكراني بما لا يقل عن 15 ألف رجل، وهو تقريبا عدد القتلى نفسه على الجانب الروسي.

التدريب المكثف عامل حاسم

وأشار الكاتبان إلى أن العنصر الذي يعد ميزة للقوات الأوكرانية هو دخولها منذ عدة سنوات في الحرب على جبهة دونباس، وظلت تواجه قوات المساعدة الروسية منذ عام 2014، مما أتاح الفرصة لمعظمها ليصبح أكثر صلابة، على عكس الجيش الروسي المكوّن أغلبه من المتعاقدين الذين لم تتح للعديد منهم فرصة دخول مسرح عمليات عسكرية.

وإذا كانت روسيا معتادة على التدريبات العسكرية الكبيرة -كما يقول الكاتبان- فإن تلك التدريبات تكون غالبا مناسبة لإظهار القوة أكثر منها فرصة للتدريب الحقيقي على المواجهات العنيفة، في حين كان 10 آلاف جندي أوكراني يتلقون تدريبات كل عام منذ عام 2014 في إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) الأميركية.

وهذا التدريب هو ما يفسر -حسب الخبراء العسكريين- السهولة التي تعامل بها الأوكرانيون مع أسلحة الناتو المعيارية التي سلمها الغرب لهم، في حين أن ترسانتهم تتكون أساسا من معدات ذات أصل سوفياتي.

القيادة المركزية للعمليات

ومع أن معظم الأركان الغربية مركزية نسبيا، فإن المسرح الأوكراني أظهر عيوب طريقة القيادة هذه وبيّن المصلحة في تنظيم قيادة أكثر مرونة، إذ لقن النظام الاستبدادي درسا قاسيا لروسيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، هذا فضلا عن انعدام الثقة بين المستويات الهرمية وإرث التقليد السوفياتي.

ولئن بدت المركزية الروسية فعالة للغاية في بداية الحرب، في ما تسمى المرحلة "الإستراتيجية"، فإنها حرمت الوحدات من المبادرة في مواجهة تغير التضاريس، في حين احتفظت القيادة المركزية الأوكرانية بالسيطرة على نشر المعلومات الاستخبارية وتوجيهات تغيير الجهود الرئيسية، لتتمتع الكتائب باستقلالية كبيرة في مناطق معينة.

كما أظهرت الأسابيع الأولى من الصراع أهمية ضباط الصف الذين لا وجود لهم تقريبا داخل الجيش الروسي، في حين تميز الجيش الأوكراني بنسبة عالية من ضباط الصف، وهذا ما يفسر -وفقا للمتخصصين- فشل غزو كييف، حيث كانت القوات الروسية مشلولة في انتظار الأوامر عبر التسلسل الهرمي، في حين كان الجنود الأوكرانيون أكثر قدرة على الحركة والتكيف باستمرار مع القيود المحلية.

التدفقات اللوجيستية

ورأى الكاتبان أن خيبات الأمل المتراكمة لدى روسيا منذ بداية الحرب ترجع أساسا إلى الإدارة السيئة لتدفق الإمدادات، أو ما تسمى الجبهة الخلفية أو "القطار" باللغة العسكرية، وهو جزء محتقر من الجيش، ولكن المسرح الأوكراني أظهر أهميته في أي صراع طويل، غير أن روسيا لم تعره أهمية كبيرة لقناعتها بأن الحرب ستكون قصيرة، فتركت قوافلها من دون حماية جيدة، في حين اعتمد الأوكرانيون على اللوجيستيات اللامركزية.

ولم يكن الغربيون مخطئين -كما يقول خبير فرنسي- عندما كان آخر شحناتهم من المعدات الثقيلة إلى أوكرانيا عربات مدرعة وناقلات أفراد وطائرات مروحية قادرة على نقل الرجال والمعدات، لأن "الشيء المهم اليوم هو قدرة الأوكرانيين على توفير هذا الجهد؛ إنه تحد لوجيستي وإنساني"، حسب الخبير الفرنسي.

الأسلحة التقليدية.. عودة ضرورية

وفي السنوات الأخيرة، أدى تسارع المنافسة الإستراتيجية بين القوى العسكرية إلى الحصول على معدات متطورة بشكل متزايد، إلا أن الصراع الأوكراني يُظهر أن الحروب تدار أثناء المعارك البرية بمعدات كلاسيكية، وفي مواجهة وسائل الروس الثقيلة استطاعت قاذفات الصواريخ المحمولة (جافلين) الأميركية وإنلو البريطانية السويدية -على سبيل المثال- إحداث ضرر كبير بالقوات الروسية.

ويقول الباحث في معهد الأبحاث البريطاني إدوارد أرنولد إن "التحليل الأولي يظهر -رغم أن الوقت ما زال مبكرا على استخلاص النتائج- أن المزيد من المعدات العسكرية الأساسية مثل الذخائر الموجهة المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف كانت فعالة بشكل لا يصدق بالنسبة للأوكرانيين.

ولذلك يعتقد البعض أنه لن يكون أمام الغربيين خيار سوى مراجعة أسلحتهم، لأن الحرب "تستهلك" المعدات. يقول خبير في الجيش الفرنسي إن "فرنسا إذا كانت ستقود نزاعا كما هي الحال في أوكرانيا ستستخدم 40% من مخزونها في غضون أسبوعين".

الحرب الخاطفة خيال يجب دفنه نهائيا

أصبح من المسلّم به -حسب الكاتبين- فشل الحرب في أوكرانيا في أن تبقى "عملية خاصة" تهدف إلى إسقاط نظام كييف في غضون أيام قليلة، كما هي الحال في عمليات يعج بها التاريخ العسكري؛ أي عمليات استغرقت وقتا أطول من المتوقع؛ وبالتالي "يمكننا أن نرى في أوكرانيا أن مبدأ الحرب الخاطفة أو "السريعة والرخيصة" استثناء في تاريخ الحرب"، حسب المصادر العسكرية الفرنسية.

وبدا أن "ما أعد لتنفيذ المخطط العسكري الروسي لم يكن كافيا، خاصة أن الروس لم يستثمروا كثيرا في القنابل الدقيقة الموجهة بالليزر في السنوات الأخيرة، وسرعان ما استنفدوا مخزونهم"، كما تقول المصادر نفسها.

الأبراج الفضائية الخاصة.. فاعل جديد في ساحة المعركة

ويرى بعض الخبراء أن شحن عدة آلاف من محطات ستارلينك التي توفر الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التابعة لإلون ماسك مؤسس "سبيس إكس" إلى أوكرانيا في منتصف مارس/آذار الماضي؛ كان بمثابة تغيير حقيقي للعبة العسكرية، لأن ذلك سمح للأوكرانيين بعدم الاعتماد على الهاتف التقليدي أو شبكة الإنترنت أو أي وسيلة تابعة للدولة يمكن أن تكون بالضرورة محدودة ومكشوفة، وفتح ماسك بذلك خرقا في الصلابة التقليدية للاتصالات الآمنة في مسارح الحرب وأعطى خفة حركة مفاجئة للأوكرانيين.

وعلى ذلك يتوقع ضابط بالجيش أنه "يمكن للمرء أن يتخيل في المستقبل عدة للجنود مشكلة من بندقية وهاتف ذكي آمن"، لأن هذه الأبراج الخاصة المتصلة بالأقمار الصناعية تعطي كثيرا من المرونة في مسارح الحرب.

صواريخ إس-400 لم تضمن التفوق الجوي

حتى بداية الحرب، كان التفوق الجوي الروسي على أوكرانيا مسألة بديهية بالنسبة للمتخصصين، ورأوا أن صواريخ "إس-400" (S-400) التي تعد أحد أفضل أنظمة الدفاع المضادة للطائرات والصواريخ في العالم ستعطي الجيش الروسي التحكم في الأجواء.

غير أن 3 أشهر من الحرب جعلت فعالية إس-400 أو قدرة الجنود الروس على استخدامها بالطريقة المثلى مثار شك، وبالتالي فإن الطائرات الأوكرانية أصبحت معتادة على القيام بعملياتها عبر التحليق على ارتفاع منخفض للغاية فوق سطح الأرض لتفاديها، حتى إن الروس نشروا أنظمة بانتسير لحماية أنفسهم من الهجمات على ارتفاعات منخفضة أو متوسطة.

السيطرة على البحر إستراتيجية معقدة

نظرا لتدمير الأسطول الأوكراني بالكامل تقريبا عام 2014 أثناء ضم شبه جزيرة القرم، لم تكن هناك مواجهة حقيقية بين السفن القتالية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، حتى وإن ادعت أوكرانيا تدمير 13 سفينة روسية منذ بداية الحرب، لأن الأوكرانيين لم يكن لديهم سوى عدد قليل من زوارق الدورية وفرقاطة تم إغراقها في اليوم الأول من الحرب كي لا تقع في أيدي الروس.

ومع أنه "تم العثور -كما قال ضابط في البحرية الفرنسية- على أوجه القصور في التكتيكات الروسية في البحر، لا سيما نقص التدريب"؛ فإن الروس في هذه المرحلة يحتفظون بميزة السيطرة البحرية، بعد توقع هذا البعد من الصراع لفترة طويلة وتعزيز وجودهم تدريجيا حول شبه جزيرة القرم في الأسابيع التي سبقت الحرب، وتحتفظ موسكو الآن بحكم الأمر الواقع ببحر آزوف والبحر الأسود بالكامل، وهي بالتالي تخنق أوكرانيا اقتصاديًا من خلال حرمانها من الوصول إلى البحر لتصدير منتجاتها.