أمهل رئيس الوزراء الباكستاني المخلوع مؤخراً، عمران خان، في خطابٍ مثير، التحالف الحاكم حتى الأول من حزيران/ يونيو المقبل لإجراء انتخابات عامّة مُبكّرة عن موعدها المقرر في تشرين الأول/ أكتوبر من العام المقبل.
وفي حديثه بعد الاضطرابات السياسية وفرض الآلاف من أنصاره حصاراً على العاصمة إسلام أباد، قال خان: "شعبنا لن يقبل تحت أيّ ظرف من الظروف حكومة مستوردة فرضت علينا بمؤامرة أميركية".
ويمثل موقف عمران خان المعادي لأميركا، صورة انحسار إلى الحد الأدنى في العلاقات الأميركية مع دولة كانت في السابق أحد أقوى حلفاءها، وشريكاً موثوقاً به خلال الحرب الباردة.
واختتم الرئيس الأميركي جو بايدن جولته الأولى في اليابان وكوريا الجنوبية، لتعزيز العلاقات مع الحلفاء القدامى في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. ولكنه تناسى الصديق القديم للولايات المتحدة في تنازل مطرد عنه لصالح بكين. وكان وزير الخارجية الباكستاني المعين حديثاً، بيلاوال بوتو زرداري، قد قال خلال زيارته الصين: إنها "وطني الثاني".
إنّ تراجع النفوذ الأميركي في هذه الدولة الواقعة جنوب آسيا قد عجّل بنهاية الحملة الأميركية على أفغانستان، والتي أدّت إلى توترات طويلة الأمد بين واشنطن وإسلام آباد، وحمّل كلا الجانبين مسؤولية فشلها للآخر. وتقول باكستان إنها أُجبرت على الانضمام إلى "الحرب على الإرهاب"، مذكرةً بتهديد نائب وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ريتشارد أرميتاج، بقصف باكستان "للعودة إلى العصر الحجري" إذا رفضت التعاون، (نفى أرميتاج هذا الادعاء).
وكنتيجة للمشاركة في "الحرب على الإرهاب"، تكبّدت باكستان خسائر بشرية فادحة، تجاوزت 70 ألف ضحية، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي يتجاوزت 150 مليار دولار، وجعلت من نفسها هدفاً للتطرف العنيف.
مع ذلك، تلقي الولايات المتحدة باللوم على الجيش الباكستاني والمخابرات الداخلية القوية في البلاد، لإيوائها أسامة بن لادن في مخبأ في أبوت آباد، ومساعدة طالبان سراً على "استعادة السيطرة على أفغانستان".
يعود التراجع في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان إلى بداية الستينات من القرن المنصرم، وتدهورت العلاقات بشكلٍ لافت بعد تعليق واشنطن، لعشرات الملايين من الدولارات لإسلام آباد كمكافأة على انضمامها إلى حملتها العالمية ضد الشيوعية. ثمّ تحسّنت العلاقات مرة أخرى في السبعينيات، عندما استخدمت إدارتا نيكسون وفورد باكستان كوسيط مع الصين، قبل أن تتوتر مرة أخرى في ظل إدارة الرئيس كارتر، التي قطعت المساعدات العسكرية لمعاقبة باكستان لبناء منشأة لتخصيب اليورانيوم.
ومع تحول باكستان إلى خطٍ أمامي في حملة واشنطن ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان، استقرّ التعاون بين الولايات المتحدة وباكستان مرّة أخرى. ولكن عندما انتهت تلك الحرب في عام 1989، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على باكستان بموجب تعديل بريسلر لتخصيب اليورانيوم وسرعان ما خفضت مشاركتها في المنطقة، وذلك أدى إلى زرع بذور عدم الثقة بين الجانبين ودفع باكستان إلى تنمية علاقات مطردة مع الصين.
لكن، السنوات التي سبقت انسحاب أميركا من أفغانستان، العام الماضي، شهدت تباعداً تدريجياً بين الحليفين القديمين، حيث حسمت تمحورها مع الصين، والولايات المتحدة شرعت في الميل فه نحو الهند "العدو اللدود" لباكستان.
صعود الصين الذي لا يمكن وقفه في باكستان
الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو برنامج للبنية التحتية بقيمة 62 مليار دولار ينشئ طريقاً للتجارة والطاقة بين بحر العرب والصين عبر باكستان، ما يجعل من الصين محور تنمية أساسية للاقتصاد الباكستاني.
وإنّ اعتماد باكستان على الاستثمار الصيني، جاء بعد استيائها مما تعتبره ازدواجية المعايير الأميركية. ولم يعد من المهم الآن من الذي يتولى زمام الحكم في إسلام أباد، حيث يلتزم جميع اللاعبين السياسيين الكبار والصغار بإعطاء الأولوية لعلاقة باكستان مع الصين، على العلاقة مع الولايات المتحدة. الاختلاف الوحيد هو في درجة استعداء الولايات المتحدة علناً.
الجيش الباكستاني، الذي كان له دورٌ فعّال في وصول خان إلى السلطة، لا يزال إلى حدٍ كبير القوة الكامنة وراء سُدّة الحكم، وهو يرغب في أن تكون للحكومة المدنية علاقاتٌ ودّية مع الولايات المتحدة، لسبب حماية اقتصاد البلاد.
ففي الوقت الذي يقود فيه خان الاتهام ضد الحكومة والولايات المتحدة، تتفاوض باكستان على حزمة مساعدات طارئة مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي سيتطلب موافقة واشنطن.