• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
أبحاث

العلاقات الخليجية – الأفريقية: الأولويات الفرص والتحديات


عاشت القارة الأفريقية في أزمات سياسية وأمنية حادة خلال الخمسة عقود الماضية التي امتدت منذ مرحلة ما بعد استقلالها، من حيث الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، التي هددت الأمن والاستثمار في القارة الأفريقية، ورغم محاولات المنظمات الإقليمية الأفريقية وحكومات بعض الدول إيجاد حلول نهائية لهذه الأزمات من خلال فتح سوق الاستثمار أمام الدول والشركات الأجنبية فإنها ما زالت في مرحلة التشكل.

فالقارة الأفريقية من القارات الجاذبة للاستثمارات بسبب توافر الموارد الطبيعية والمعدنية بها.

كما أنه وعلى المستوى الجغرافي، تعتبر شبه الجزيرة العربية ومنطقتي القرن والشرق الأفريقي شركاء جغرافيين طبيعيين، ما يسهل عملية الاستثمارات السياسية والاقتصادية الخليجية فيها. خاصة مع التقارب الثقافي بين شبه الجزير العربية من جانب ومنطقتي القرن والشرق الأفريقي من جانب آخر.

وفي منطقة الساحل الأفريقي حيث تتركز الجماعات الإسلامية المتشددة فإن الدول الخليجية تستطيع ومن خلال تعاونها مع دول منطقة الساحل أن تسهم في القضاء على هذه التهديدات الإرهابية بما تمتلكه من خبرة في هذا المجال، حيث يعتبر الإرهاب من أشد معوقات عمليات الاستثمار في تلك المنطقة.

وعليه فإن هذه الورقة سوف تتطرق إلى ثلاثة محاور أساسية: في المحور الأول تتناول مجالات التعاون بين دول الخليج العربية والقارة الأفريقية، وفي المحور الثاني نقوم بتحليل أهم التحديات التي قد تعرقل عملية التنمية في دول القارة الأفريقية وبالتالي عميلة الاستثمار بها، وفي المحور الثالث تتعرض الورقة لرؤية لكيفية مواجهة تلك التحديات في ظل التكالب الدولي على دول القارة الأفريقية.

أولاً – مجالات التعاون بين دول الخليج وأفريقيا

تتعدد مجالات التعاون بين دول الخليج والقارة الأفريقية التي يمكن إجمالها في الآتي:

البنية التحتية: تعتبر مجالاً رئيسياً للتعاون بين الجانبين، حيث تتمتع الدول الخليجية بشكل خاص بخبرة قوية في المشاريع واسعة النطاق وسلاسل الخدمات اللوجستية، التي قد تساعد في تطوير موانئ وأنظمة السكك الحديدية والطرق في الدول الأفريقية. كما أن الدول الأفريقية لديها العمالة الكثيفة والمدربة والرخيصة التي تستطيع أن تتعامل مع مثل هذا النوع من المشروعات.

الموارد الطبيعية: كثيرة هي الدول الأفريقية التي تزخر بإمكانات هائلة خاصة الموارد الطبيعية والبشرية، ويمكن تحديدها في الآتي:

- النفط والغاز والموارد المعدنية: تشكل موارد النفط والغاز الأفريقية نحو 13% من الإنتاج العالمي، ما جعلها المصدر الثاني العالمي للنفط فهي تصدر نسبة تبلغ 16% من إجمالي الواردات الأوروبية من النفط، و20% من إجمالي واردات الولايات المتحدة والصين. علاوة على ذلك، تزخر أفريقيا باحتياطي كبير من النفط يشكل 10% من الاحتياطي العالمي للنفط، كما تحتوي القارة الأفريقية على أكثر من 30% من مجموع احتياطي الموارد المعدنية للكرة الأرضية الذي يتركز في وسط القارة وجنوبها، منها ما يشكل أكثر من 90% من الاحتياطي العالمي مثل البلاتين والكروم، ومنها ما هو أكثر من 40% مثل الذهب والماس والكوبالت والمنجنيز والفوسفات. ويشكل الغاز الطبيعي في أفريقيا نحو 7.6% من الاحتياطي العالمي عام 2014، وازداد هذا الاحتياطي من 210 تريليونات قدم مكعب في عام 1980إلى 500 تريليون قدم مكعب عام 2013 محققاً نمواً قدره 138%، ويشكل إنتاج الغاز الطبيعي في أفريقيا نحو 5.8% من الإنتاج العالمي عام 2014، كما أن موقع أفريقيا على العديد من البحار والمحيطات جعلها مرتبطة بسلسلة من الاكتشافات المهمة لحقول النفط في المياه العميقة (البحرية) في خليج غينيا وفي كثير من الدول الأفريقية مثل: (أنجولا، والنيجر، وغينيا، وغينيا الاستوائية).

- الزراعة: تعتمد العديد من الدول الأفريقية على الزراعة كحرفة أساسية، ولدى القارة إمكانات كبيرة في المجال الزراعي، حيث تتوافر التربة الزراعية التي هي مورد طبيعي غير متجدد وضروري لتحقيق الأمن الغذائي وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا نحو 630 مليون هكتار (21% من مساحة القارة) وتعتمد 50% من مساحة أفريقيا على النشاط الزراعي الذي يشكل 30% من الناتج المحلي الإجمالي. كما تحتوي القارة الأفريقية على 25% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، إلا أنها تنتج نحو 10% فقط من الإنتاج الزراعي العالمي ولذا فهي تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء وكذلك على المعونات الخارجية لأسباب عديدة منها عدم استغلال كثير من الأراضي القابلة للزراعة وانخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية لعدم تطبيق أساليب الزراعة الحديثة وعدم استخدام نظم الري، حيث تعتمد أفريقيا بنسبة 4% على الزراعة المروية فقط والباقي زراعة مطرية، ومن المعروف أن الري يمكن أن يزيد الإنتاج الزراعي بنسبة تتراوح ما بين 100% و400% ، كما تدهورت الأراضي الزراعية بسبب عوامل التعرية الشديدة وزيادة الملح، وضعف البنية التحتية خاصة الطرق والطاقة ووسائل التخزين حيث فقدت أفريقيا نحو 50% من هذه المحاصيل نتيجة التخزين السيئ وضعف التسويق والاتصالات وانتشار الأمراض، مثل: الإيدز والملاريا والحمى الصفراء وغيرها.

- الموارد المائية في أفريقيا: تحظى القارة الأفريقية بأكثر من 61 حوضاً نهرياً مشتركاً تغطي 64% من مساحة القارة، وتحتوي على 93% من الموارد المائية المتجددة السنوية، أهمها خمسة أحواض نهرية هي الكونغو ( 3.7مليون كم2 )، والنيل ( 3 ملايين كم2) ، والنيجر (2.1 مليون كم2 )، والزمبيزي (1.4 مليون كم2) ، والأورانج (890 ألف كم2)، كما تحوي على 40 خزاناً جوفياً مشتركاً، ويبلغ متوسط كمية المياه السطحية المتجددة سنوياً في أفريقيا نحو 4050 مليار م3، وهي تمثل 9% من المياه السطحية في العالم، على الرغم من أن أفريقيا تشكل 16% من سكان العالم ، ونحو 20.3% من مساحة القارات، كما يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه في أفريقيا نحو 3681 م3/ سنة في عام 2015 وهي تمثل تقريباً نصف نصيب الفرد العالمي 6305 م3/ سنة.

- الطاقة الشمسية وطاقة الرياح: تعرف أفريقيا بأنها قارة الشمس حيث التأثير الأعظم على مستوى العالم من حيث كثرة ساعات السطوع الشمسي على مدار العام كما تتميز أفريقيا بسمائها الصافية عدا المنطقة الاستوائية الأكثر انتشاراً للسحب. كما أن إمكانات طاقة الرياح في أفريقيا عالية وهي تختلف من مكان إلى آخر وتشمل المناطق ذات سرعات الرياح العالية شمال أفريقيا وجنوبها، والنيجر في غرب أفريقيا، وتشاد في وسط أفريقيا، ولكن المشكلة الرئيسية في استخدام طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية في أفريقيا هي التكلفة العالية، ويرجع ذلك إلى أن معظم المعدات والخلايا المطلوبة يتم استيرادها من أوروبا والصين.

وهكذا تتعدد الموارد الطبيعية في القارة الأفريقية ما يشكل أحد أهم العوامل التي قد تشجع الاستثمار فيها لما تتمتع به دول القارة من ميزات نسبية مقارنة بمناطق أخرى في العالم، ولا تزال معظم هذه الثروات في معظمها غير مستغلة بالشكل الأمثل. ذلك بسبب ضعف الادخار المحلي الكفيل بضمان تمويل برامج التنمية، ما دفع دول القارة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في ظل برامج إصلاحات هيكلية انطلقت منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي بمساعدة المؤسسات المالية الدولية.

التقارب الجغرافي: تتمتع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بوضع أفضل يؤهلها لاغتنام جزء من هذه الفرص الاستثمارية خاصة في ظل رغبتها المعلنة في تنويع اقتصاداتها وتعزيز ثقلها الاستراتيجي في ظل البيئة الدولية المضطربة ويلعب القرب الجغرافي دوراً كبيراً في التقارب الأفريقي الخليجي، مقارنة مع أطراف دولية أخرى، بالإضافة إلى الروابط القوية والمتينة التي تجمع الدول الخليجية بأفريقيا، وهي روابط تستمد جذورها من التاريخ، والثقافة والجغرافيا، والخصائص الطبيعية والديموغرافية ، كما تعتبر منطقة القرن الأفريقي، تحديداً، منطقة جذب عالمية، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، فمن حيث الموقع الجغرافي يعتبر الموقع الأوحد في القارة الأفريقية الذي يتضاعف فيه الحضور العسكري الأجنبي خاصة في كل من جيبوتي والصومال، كما أن منطقة شرق أفريقيا، تستمد أهميتها الحيوية من ارتباطها الوثيق بالبحر الأحمر، باعتباره شريان الملاحة الدولية، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية إلى تأسيس “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، الذي تم الإعلان عنه في العاصمة السعودية الرياض في السادس من يناير 2020، حيث يهدف إلى ضمان أمن البحر الأحمر وخليج عدن، كما يحظى بدعم العديد من القوى الدولية ما يعني خلق فرص عديدة تعزز من أسس الأمن والاستقرار والتنمية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

الخبرة السياسية الخليجية: أظهرت دول الخليج خبرة سياسية واضحة أهلتها للتدخل في بعض النزاعات الأفريقية وتسويتها مثل الدور الخليجي في تحقيق التقارب بين إثيوبيا وإريتريا الأمر الذي قد يشكل فرصة في المستقبل للعب دور بناء في إنهاء صراعات إقليمية أخرى. خاصة أن دول الخليج لديها القدرة على تمويل الاتفاقيات بشكل أسرع وأكثر اكتمالاً من معظم المانحين الغربيين، حيث تتمايز الوساطات الخليجية بقدرتها على إعطاء وعود حقيقية قابلة للتنفيذ فعلى سبيل المثال عندما توسطت قطر في صفقة بين إريتريا وجيبوتي، كانت على استعداد لإرسال مراقبين بشكل فوري إلى الحدود المتنازع عليها. كما أبدت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالإضافة إلى قطر اهتمامها بالمساعدة في حل النزاعات المعلقة في القرن الأفريقي، بما في ذلك بين الصومال وأرض الصومال، وإريتريا وجيبوتي، والصراع في جنوب السودان؛ وداخل السودان، بالإضافة إلى محاولة التوسط في أزمة سد النهضة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا.

الخبرة التقنية في مجال استغلال الثروات الطبيعية غير المستغلة: تمتلك الدول الخليجية خبرة واسعة في مجال استغلال الثروات الطبيعية بعكس العديد من الدول الأفريقية التي تمتلك ثروات طبيعية غير مستغلة تفتقر إلى الوسائل والقدرات لاستغلالها. حيث تمتلك تلك المنطقة العديد من الموارد الطبيعية غير المستغلة. وبالتالي فإن الدول الخليجية تستطيع تقديم خبراتها في هذا المجال الذي نجحت من خلاله في استغلال ثرواتها الطبيعية بشكل مستدام، لقد استطاعت الدول الخليجية ما بين الأعوام 2000 و2017، استثمار ما يقارب الـ 13 مليار دولار في القرن الأفريقي، خاصة في السودان وإثيوبيا، وفقاً لدراسة أجراها معهد كلينجينديل. ما قد يشكل فرصة يمكن مضاعفتها في الكثير من الدول الأفريقية خاصة في وسط أفريقيا وغربها التي تمتلك فرص استثمار بشكل كبير، خاصة الدول التي بدأت تسحب يدها من العلاقات مع المستعمر القديم كمالي وأفريقيا الوسطى وغينيا وتشاد وغيرها، حيث تحتاج هذه الدول إلى الاستثمارات الخارجية لتحل محل الدول الأوروبية التي كانت تسيطر على جميع الفرص الاستثمارية منذ الاستقلال.

ثانياً – التحديات أمام الدول الأفريقية

يعتبر انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء هو من أكبر التحديات التي تواجه عملية التنمية عموماً في القارة الأفريقية وتقف عائقاً أمام أي تقدم في جذب الاستثمارات الأجنبية عموماً والخليجية خصوصاً إلى المنطقة، وقد كانت عملية انتشار تلك الجماعات الإرهابية نتاج تضافر العديد من العوامل، من أبرزها تردي الأحوال المعيشية في الدول الأفريقية، والتدخل الأجنبي السافر في شؤون القارة، وانتشار الجماعات التبشيرية بشكل كثيف، وسهولة التنقل بين الدول وبعضها، والاحتكاك بمجموعات جهادية كثيرة خارج الإقليم في أفغانستان والسودان وغيرهما، هذا علاوة على الطبيعة الداخلية، الاقتصادية والعرقية والقبلية، للعديد من الدول التي تشجع على إفراز تنظيمات متشددة، في كل من موريتانيا والجزائر ونيجيريا ومالي وبقية الدول المجاورة في الغرب والوسط.

وقد أدى هذا إلى انتشار الشبكات الجهادية من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، حيث انتشار التنظيمات الجهادية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، التي كانت أولى المناطق التي شهدت تدخلات خارجية ودولية لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.

 

وحالياً تتغلغل في قارة أفريقيا خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، وهي: “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا.

لقد باتت تلك التنظيمات تستهدف الشعوب والمؤسسات الحكومية، حيث استغلت هذه التنظيمات ضعف تلك الدول وافتقادها التماسك تحت وطأة عقود من الصراعات الداخلية والافتقار إلى حد أدنى من التنمية الاقتصادية وتردي أوضاع الأمن الإنساني. فقد أصبح الإرهاب خطراً حقيقياً يواجه مسار التنمية لحكومات ومنظمات أفريقية، وأصبحت الأنشطة الإرهابية تنتشر في جميع أنحاء القارة وتهدد مستقبلها، بعد أن كانت مقتصرة على مناطق معينة.

وبالتالي فإنه من أجل تعزيز فرص التعاون بين القارة الأفريقية والدول الخليجية فإن ذلك يتطلب التعاون بين الخليج وأفريقيا في مجال مكافحة الإرهاب من خلال منع الشباب من الانضمام إلى تلك الجماعات الإرهابية ولدول الخليج خبرة طويلة في ذلك المجال خاصة المملكة العربية السعودية التي تعتبر إحدى أهم منارات ومراكز إشعاع الثقافة الإسلامية المعتدلة، بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي استطاعت من خلال وثيقة التسامح أن تقدم رؤية معتدلة للتقارب بين الأديان السماوية.

ثالثاً- تحولات دولية جديدة وضرورات التعاون بين الخليج وأفريقيا

يعيش العالم حالياً فترة تشهد فيها السياسة الدولية مجدداً حالة من الانهيارات والتحولات الهيكلية، مع إمكانية عودة بيئة الحرب الباردة من جديد (بين الغرب وروسيا)، حيث يمكن القول إن النظام العالمي الليبرالي الأحادي الذي قادته الولايات المتحدة منذ سقوط جدار برلين، قد يتم استبداله بمتعدد الأقطاب عند نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية التي اندلعت منذ فبراير 2022. كما تذهب في ذلك بعض التحليلات، كما أن تلك الاضطرابات الناجمة عن الصراع الروسي – الأوكراني وفقاً للبنك الدولي للإنشاء والتعمير ستسهم في ارتفاع كبير في أسعار السلع التي تتراوح من الغاز الطبيعي إلى القمح والقطن في جميع أنحاء العالم.

وقد توقعت أفريقيا أن تكون أول المتضررين من مثل هذا النوع من الحروب لذلك قررت الدول الأفريقية ولأول مرة ألا تسير وراء الدول الغربية كما كان يحدث في الماضي. وقد تجسد هذا الموقف تحديداً من خلال تحليل السلوك التصويتي للدول الأفريقية في الحرب الروسية على أوكرانيا. فقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس 7 إبريل على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، فانقسمت الدول الأفريقية على هذا القرار، ربما بسبب تحول جديد في الجغرافيا السياسية العالمية – رغم اعتقاد بعض الخبراء أنه بسبب الضغط الروسي – فقد صوتت تسع دول في القارة ضده وامتنعت 22 دولة عن التصويت، بما في ذلك بعض الدول الكبرى في القارة، مثل: نيجيريا والجزائر وإثيوبيا، إلخ. ويأتي هذا التصويت بعد تصويت 2 مارس، عندما تبنّـت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يستنكر العدوان الروسي على أوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها فوراً من الأراضي الأوكرانية. حيث تم تبنّي هذا القرار بأغلبية كبيرة: 141 دولة صوتت لصالحه و5 دول فقط ضده – كوريا الشمالية، سوريا، إريتريا (دولة أفريقية)، بيلاروسيا، وبالطبع روسيا. ولكن أكثر من “مؤيد” و “ضد”، فإن الامتناع عن التصويت هو الذي يلفت الانتباه. فقد امتنعت 34 دولة عن التصويت، بما في ذلك 16 دولة أفريقية.

ولكي يكتمل هذا المسار، يجب أن يشمل هذا العدد أيضاً البلدان التي اختارت استراتيجية الكرسي الفارغ من خلال عدم المشاركة في التصويت، ما يشكل امتناعاً خفياً عن التصويت. وهؤلاء عددهم 13 دولة من بينها، 8 دول أفريقية. من خلال إضافة الامتناع المفترض والامتناع الخفي، لذا فقد فضلت 24 دولة أفريقية من أصل 54 عدم إدانة روسيا، أي ما يقرب من نصف دول القارة.

وبالتالي فإنه في مواجهة هذا الصراع الدولي الذي يهدد السلام العالمي، تمتنع نصف أفريقيا الدبلوماسية عن التصويت. فكيف نفسر هذا الاختيار؟

من جهة يمكن تفسيره بالتأثير القوي الذي تمارسه روسيا اليوم في القارة الأفريقية، والتي تواصل توقيع اتفاقيات مع الدول الأفريقية. بالإضافة إلى أن الدول الأفريقية قد فقدت الثقة في الدول الأوروبية الاستعمارية التي كانت موجودة في أراضيها ودولها منذ الاستقلال، ولا تزال في أزمات لا تنتهي. وبالتالي فإن ذلك قد يؤشر إلى أن الأفارقة سيقررون تنويع شركائهم وفتح باب التعاون مع الخارج بعيداً عن تلك العلاقة التقليدية بين دول المركز ودول الأطراف أو بين دول الاستعمار القديم والدول الأفريقية وما التطورات الأخيرة في مالي وتشاد إلا تماهٍ مع تلك الرؤية وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية توسيع فرص التعاون بين الدول الأفريقية والدول الخليجية في الفترة المقبلة.

من ثم، فإن هذا هو الوقت المناسب للدول الأفريقية والخليجية في ظل هذه العوامل والتحولات الدولية والإقليمية، لإقامة تعاون جيد على أساس شراكة متينة عبر المؤسسات والدول.

أضف إلى ذلك فإن دول الخليج العربي ليست لديها تجارب سيئة مع القارة الأفريقية، كالاستعمار، ونهب الثروات الطبيعية، والتورط المباشر في النزاعات، وغيرها. بل ويمكننا القول إن العديد من الدول الأفريقية، من خلال تنويع الشراكة، تتجه نحو العالم العربي، وخاصة إلى دول الخليج. فالمدركات السلبية بين القارة الأفريقية والعالم العربي على وشك الانتهاء بشكل كامل. لأن هذه المدركات سببها عدم التواصل من الجانبين، لكن بفضل التكنولوجيا الحديثة والشبكات الاجتماعية، تمكن الشعبان (الأفريقي والعربي) من إيجاد طرق للقراءة والتعرف على بعضهما، الأمر الذي أدى ليس إلى التفاهم المتبادل فقط، ولكن إلى حقائق معينة حول المقاربات الثقافية بين العرب ومجموعة كبيرة من سكان القارة الأفريقية أيضاً.

خاتمة

منذ بداية الألفية الجديدة وبعد الأزمات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها الدول الأفريقية، خاصة ما يتصل منها بالإرهاب الذي صار ظاهرة مشتركة تهدد العالمين العربي والأفريقي وما زالت موجودة وتستمر بالشكل التوسعي، خاصة في دول الساحل، ودول غرب أفريقيا ووسطها وشرقها. من خلال وجود تنظيمات، مثل: تنظيم داعش الذي يحاول أن يستقطب المزيد من الشباب الأفريقي. ورغم إعلان الحرب على الإرهاب من قِبل المجتمع الدولي منذ سنوات (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة وأوروبا)، فإن النتائج لا تزال غير ملموسة، ولا تزال الدول الأفريقية تحت التهديدات الإرهابية المستمرة.

وبناء على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في القارة الأفريقية، فقد قررت كثير من الدول أن تسلك اتجاهاً جديداً في التعاون والشراكة، فبدأت الدول الأفريقية في خلق أجواء ملائمة للاستثمار، وتعزيز الشفافية بشكل نسبي، بهدف جلب الاستثمارات الأجنبية في جميع المجالات، خاصة في مجالات البنى التحتية.

كما بدأت كثير من الدول الأفريقية في فتح أبواب قطاعات متنوعة لرجال الأعمال، من ضمنها الصناعات الغذائية، والجلد، والنسيج، والصيدلة، والكهرباء، والبناء، والأشغال العمومية، والتجهيز، والتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال. من ثم فإن هذه المجالات تعتبر فرصاً للاستثمارات الخليجية في القارة الأفريقية، كما أنها تبني علاقة جيدة بين الطرفين في المستقبل، وتتمكن من التصدي لانتشار الجماعات الإرهابية التي تعتمد على الظروف الاجتماعية والاقتصادية للشعوب الأفريقية.

من ناحية أخرى، فقد بدأت العديد من المنظمات الإقليمية الأفريقية بالمبادرات التي تسهم في النهوض بالمبادلات التجارية البينية وتسهيل تنقل الأشخاص والممتلكات وتطوير نظام مالي يكون في خدمة كل القطاعات بما فيها القطاع الخاص علاوة على تحسين مناخ الاستثمار، فأفريقيا في الألفية الجديدة أصبح لديها الكثير من الشركاء الجدد الحريصين على تعزيز علاقاتهم الاقتصادية معها، والذين على استعداد لرفع تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها.