• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
مقالات مترجمة

"ناشيونال إنترست": كيف تعيد تركيا وروسيا تشكيل منطقة البحر الأسود؟


في مقال في موقع "ناشيونال إنترست"، يستعرض الباحث في مركز هنري كيسينجر للشؤون الدولية، شوشانيك ميناسيان، كيف تطوّرت نظرة روسيا إلى موقعها الجيوبوليتيكي، وإلى محورية البحر الأسود في معادلة الأمن القومي الروسي، وكيف تطورت العلاقة بتركيا بناءً على هذا أساس. وفي ما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:

ازدادت جهود روسيا وتركيا لبناء نظام إقليمي جديد أكثر استجابة لمصالحهما الوطنية. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أوراسيا مساحة جيوسياسية حاسمة، وأصبحت منطقة البحر الأسود أكثر تورطاً في تقاطع المصالح للقوى العظمى التقليدية وتناقضها. ونظراً إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي، تسمح منطقة البحر الأسود باستخدام القوة للتأثير في مجمل القارة الأوروبية، وبشكل رئيسي في منطقة البلقان وأوروبا الوسطى، وأيضاً في شرق البحر الأبيض المتوسط وجنوب القوقاز وشمال الشرق الأوسط.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اكتسبت المنطقة أهمية استراتيجية إضافية؛ لأنها تحتوي على طرق نقل موارد الهيدروكربونات لبحر قزوين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى الاتحاد الأوروبي. وقد حدث تحوّل ملحوظ في البيئة الجيوسياسية للبحر الأسود في فترة ما بعد عام 2000، إذ أصبحت منطقة البحر الأسود موقعاً مركزياً للمواجهة الأيديولوجية الجديدة بين الغرب والشرق، والمنافسة بين روسيا الأرثوذكسية والحضارة الغربية. وقد أثرت هذه التطورات على أمن منطقة البحر الأسود واستقرارها بعدة طرق، من العسكرة غير المنضبطة، وانتشار الجريمة المنظمة والإرهاب والمعلومات المضللة، إلى غياب سياسات بناء السلام المحلية والإقليمية الشاملة، وكلها عوامل تجعل المنطقة ضعيفة للغاية.

في حين تجاهل مخططو السياسة في الغرب المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة، عملت روسيا وتركيا بشكل مكثف على تعزيز قدراتهما السياسية والاقتصادية. وقد زاد كلا البلدين من جهودهما لبناء نظام إقليمي جديد يتسم بتكامل متوازن دقيق في استخدام استراتيجيات دبلوماسية مرنة، ويعتمد على الاعتراف المتبادل بمجالات النفوذ والاستعداد لتقديم تنازلات لتحقيق نتائج مفيدة للطرفين. الهدف الأساسي هو صياغة قواعد مشتركة لتحسين إدارة العلاقة الشاملة، وكذلك الديناميكيات والأولويات الإقليمية.

تصاحب هذه الاستراتيجية جهود من كل دولة لتطوير اقتصادات وطنية قوية ومتينة. وقد وصل كلا البلدين إلى مستويات مختلفة من التنمية في السنوات الأخيرة، من خلال التوسع المستمر في المجالات الاقتصادية والعسكرية، ومترافقة بحملة إعلامية حازمة، وخطاب سياسي لا هوادة فيه، في منع زيادة النفوذ الغربي في المنطقة. بتعبير أدق، ينظر كلا البلدين إلى نفسيهما على أنهما قوتان إقليميتان عظيمتان، ويريان أن منطقة البحر الأسود تقع في صلب استراتيجيات سياستهما الخارجية.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كان الشركاء الغربيون ينظرون إلى أنقرة باعتبارها ثقلاً موازناً لروسيا، وبدا أنها القوة الوحيدة التي كانت قادرة على مقاومة التحركات الروسية في منطقة البحر الأسود. واعتقد الليبراليون، عموماً، بأن أنقرة ستشكل الملف الأمني للمنطقة، وبالتالي تزيد من الهيمنة الغربية المستقبلية. لكن عوامل الجيوسياسية المتغيرة بعد عام 2007، أدت إلى ظهور ديناميكيات غير متوقعة في السياسة الخارجية التركية، لا سيما بعد أن انتهت محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً إلى طريق مسدود. وقد شجعت خطط توسيع حلف "الناتو" التي أعلن عنها خلال قمة بوخارست في عام 2008، على إعادة تقويم استراتيجي في أنقرة، التي اتبعت سياسة نشطة لتوليد وعي إقليمي للبحر الأسود. ولقد لعبت دوراً رائداً من خلال تشكيلات مختلفة. وبعد الحرب الروسية الجورجية عام 2008، أطلق الرئيس إردوغان معاهدة الاستقرار والتعاون في القوقاز مع روسيا ودول جنوب القوقاز.

على الرغم من المصالح المتباينة في سوريا والخلافات الخطيرة الأخرى،عززت تركيا وروسيا بحذر علاقتهما في السنوات الأخيرة حتى لا تلحقا الضرر بالتوازن المشترك بينهما في منطقة البحر الأسود. ومنذ محاولة الانقلاب العسكري في تركيا في عام 2016، أعادت أنقرة تعديل فهمها لثقافة الأمن القومي بشكل كبير.

ويشترك كلا البلدين الآن في الاقتناع بأن المجتمع الليبرالي والعناصر الديمقراطية، التي يقودها الغرب، تهدد الأمن القومي. تُرجم هذا الموقف إلى سياسات داخلية قوية لها تأثير كبير في توجه السياسة الخارجية. وتجلى هذا في إعادة إنتاج مسار سياسي قوي للرئيس إردوغان؛ لإثبات أن تركيا تعدّ نفسها القوة السياسية والعسكرية البارزة في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأسود. وأوضح سلوك تركيا العدواني في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا في عام 2020، التوجه التركي الجديد، والابتعاد عن الأيديولوجية الكمالية الموالية للغرب، والتوجه نحو القومية العثمانية الجديدة التوسعية.

وما الصناعات الدفاعية المتنامية في تركيا سوى تأكيد على مساعي أنقرة لأن تكون لاعباً مركزياً في المنطقة بدلاً من أن تكون جسراً بين الشرق والغرب، أو داعية للمصالح الغربية.

إن قرار تركيا الأخير برفض طلبات عضوية السويد وفنلندا في "الناتو" بالقول إن كلا البلدين يدعمان الإرهاب، أي جماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة، ووحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تعدّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحزب العمال الكردستاني، هو علامة على الخلاف الأيديولوجي والسياسي بين أنقرة وشركائها الغربيين.

ويجب وضع اعتراض تركيا في سياق أكبر، وبالتحديد في الترادف بين روسيا وتركيا. وما زالت تركيا تحافظ على مسار غير واضح في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، فبينما تدعم أنقرة وحدة أراضي أوكرانيا، فإنها تواصل إبقاء الباب مفتوحاً لروسيا.

على مدى السنوات القليلة الماضية، قلل الغرب من شأن هذه الديناميكيات السياسية المتغيرة في منطقة البحر الأسود. وتركز النقاش السياسي في الولايات المتحدة وأوروبا تجاه المنطقة، بشكل أساسي، على الروايات العدوانية تجاه روسيا. ومع ذلك، فإن استراتيجية الغرب تحتاج إلى إعادة تفكير جذري واستجابة واضحة للتقارب الأيديولوجي بين روسيا وتركيا، وتحديد الروايات الرئيسية تجاه الوضع الجيوسياسي الجديد، وتأثير التعاون المتزايد بين موسكو وأنقرة. على وجه الخصوص، تتطلب الشراكة مع تركيا وجهات نظر جديدة وفهماً جديداً للثقة.