العلاقات الحالية بين روسيا وأوروبا، وبين روسيا والغرب، ليست نفسها بالضبط. أوروبا أكثر ارتباطاً بنا (أو نحن بها). إلى جانب ذلك، يضاف هنا عنصر من التشابك الوثيق يشمل الجوانب المادية والاقتصادية، ناهيك بالثقافة والتاريخ. والصراع الذي يحدث الآن محسوس بشكل خاص، لأن أجهزة امتصاص الصدمات التي كانت دائماً في علاقتنا بسبب هذا الارتباط الوثيق لم تعد فعالة، بل تبين عكس ذلك تماماً، فما كان يعتبر تقارباً، تبين أنه في أشد ظروف الصراع الجيوسياسي والأخلاقي حدة يتحول إلى عوامل مشددة، وليس مخففة، كما يقول رجال القانون.
إذا تحدثنا عن الغرب ككل، فعلينا بالأحرى أن نتحدث عن الولايات المتحدة، التي نحن معها في علاقات عدائية حادة تشبه إلى حد ما الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن بمعنى ما، لم يكن الإلغاء المتبادل موجود بهذه الحدة في تلك الفترة. كانت الحرب الباردة، حتى في أخطر لحظاتها، قائمة على اعتراف معين بشرعية الجانب الآخر. الآن، الأمر ليس كذلك.
من جانبنا، استنتجنا بشكل قاطع أن الولايات المتحدة انتحلت لنفسها بشكل خاطئ الحق بإدارة العالم وتشكيله من دون أسس قانونية أو أخلاقية. لديهم تصور معاكس تماماً، وهو أن روسيا ليس لديها الحق القانوني أو الأخلاقي بالإصرار على ما تصر عليه في تغيير هيكل العلاقات التي تطورت بعد الحرب الباردة.
خلاصة القول أن العلاقات الروسية الغربية غائبة الآن. وحتى تفاعلنا في النزاع غامض، وليس مباشراً. مثل هذا المزيج من الحرب الهجينة الكبيرة يعقد الوضع أكثر، ولا يسمح بإيجاد بعض الأرضية على الأقل لعودة أخرى إلى شكل منظم من العلاقات.
وخلال سنوات الحرب الباردة أيضاً، تمكنا من بناء نوع من الحوار على الأقل وإيجاد خطوط اتصالات. الآن، الوضع ليس نفسه على الإطلاق، واتضح أن الاتصالات والتفاعل الوثيق ليس ضماناً للتفاهم المتبادل، وربما العكس بالعكس إلى حد ما.
يمكن للمرء أن يجادل لفترة طويلة في أسباب حدوث ذلك، ولكن إذا اختصرنا كل شيء، فقد كانت علاقاتنا مع الغرب طوال الأعوام الثلاثين الماضية فريدة من نوعها، فلم تكن روسيا تريد السير وفق التوجه الغربي فحسب، بل كانت في الواقع مستعدة أيضاً للاندماج المؤسسي في النظام الغربي، وخصوصاً في المرحلة الأولى، وليس فقط في البداية، بل وحتى وقت قريب نسبياً.
كان بوتين، خلال نصف الفترة التي قضاها في السلطة على الأقل، ينطلق من حقيقة أن مثل هذا الاندماج ممكن، وإن كان ذلك في ظل ظروف معينة. نعم، طالبت روسيا بمقدار ما كانت تعزز حضورها بالمزيد، لكنها بشكل عام لم تتحدَّ النظام الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها.
عند ذلك، بدأت الآمال بإمكانية دمج روسيا في المجتمع الغربي تتلاشى. كانت هناك مؤشرات على هذا الطريق، بدءاً من الحرب في يوغوسلافيا عام 1999، عندما ارتد الكثيرون في روسيا عن التوجه الموالي للغرب، لأنهم لم يتمكنوا من تصديق أنه يمكن قصف عاصمة أوروبية في وقت السلم، ثم كانت هناك جورجيا، عندما أظهرت روسيا بوضوح شديد أن هناك خطوطاً حمراً مستعدة للدفاع عنها بالقوة، لكن حتى هذا لم يكن المنعطف الأخير. أعتقد أن نقطة التحول النهائية التي لا رجعة فيها كانت عام 2014، عندما أعلنت روسيا بالفعل أنها ستلعب وفقاً للقواعد التي ستضعها لنفسها، بما أنك أنت نفسك تلعب وفقاً للقواعد التي حددتها لنفسك.
كما أن وباء كورونا لم يشكل أي نقطة تقارب، بل على العكس، أظهر أن تلك الميول التي بدأت في العالم منذ وقت طويل أخذت بالتفكك، لكن الوباء لم يكن في أي حال من الأحوال هو الذي أثارها، بل حفزها بقوة. ثانياً، أصبح الوباء مثالاً على أنه في مثل هذه الحالة الحادة من الأزمات، على الجميع في النهاية الاعتماد على أنفسهم فقط.
الشيء ذاته يتعلق بالإرهاب، إذ سرعان ما اتضح في النهاية أن كل شخص يحارب إرهابه بنفسه، ولن يعتمد أحد على أحد. ربما الشيء الرئيسي هنا أنك لا يمكنك الاعتماد على أي شخص. يمكنك الاعتماد فقط على نفسك.
أما عند الحديث عن الأخطاء في الحسابات التي ارتكبها الغرب تجاه روسيا، والتي ارتكبتها روسيا تجاه الغرب، فلم يكن حتى خطأ، بل نمط سلوك.
لم يحاول الغرب بالفعل دمج روسيا، ولكن حتى عندما حاول، انطلق من حقيقة أن روسيا هي الطرف الخاسر، وليس لها الحق في وضع الشروط، وليس لأحد مثل هذا الحق، لأن التاريخ وضع كل شيء في مكانه.
ارتبط هذا السلوك بالجهل والغطرسة وتحقيق نجاحات آنية. كما أنه لم يكن لدى الغرب أي فكرة عن المكان الذي يمكن لروسيا أن تتأقلم فيه، كما أننا نفسنا لم يكن لدينا تصور عن ذلك، ولكن كانت هناك فكرة عن نوع من البيت الأوروبي المشترك، لكنها كانت فكرة طوباوية. أما ما كان يعنيه عملياً دمج روسيا في "الغرب الكبير"، فلم يكن لدى أحد أي صورة واضحة، ربما لأنه في الواقع أمر مستحيل.
أما إذا تحدثنا عن الأخطاء من جانبنا بالطبع فهي، وقبل كل شيء، الإيمان الأعمى بأننا نتبع نوعاً من الطريق المشترك، وكذلك محاولة تطبيق وصفات تم استخدامها في أجزاء أخرى من العالم، على وجه الخصوص في بلدان ما بعد الشيوعية.
أما الآن، فالمشكلة ليست في المواجهة بين روسيا والغرب. لقد دخل العالم مرحلة من التحولات والتغيرات الجذرية، وهذا سيؤثر في الجميع. تعتبر التناقضات الروسية الغربية عنصراً مهماً، ولكنها ليست العنصر الوحيد في أي حال من الأحوال، وربما لاحقاً لن تصبح حتى العنصر المركزي في عملية إعادة بناء النظام العالمي.
هذه العملية ستكون مؤلمة وطويلة. والتوقعات بأن كل شيء الآن سوف يستقر بطريقة ما أو يتزعزع، وأن نظاماً عالمياً جديداً سيأتي، لا أساس لها. هذا النظام الذي نقصد به الاستقرار غير مرئي على الإطلاق، والتوجهات التي نراها في النظام الدولي لا توفر التوازن، وربما في السنوات أو العقود القادمة، سيستمر التوتر والحمى. وروسيا والغرب جزء من كل هذا، وبشكل منفرد لن يتمكنا من بناء علاقات متوازنة.