• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
مقالات مترجمة

الأمم المتحدة.. إصلاح أم إلغاء؟


يكتب مدير البرامج في مركز فالدالي الدولي للنقاشات، تيموفي برداتشيف، مقالاً ينشر في موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، يتحدث فيه عن الأمم المتحدة وطبيعة التوازنات والصراعات القائمة في أروقتها، كما يتناول الدعوات عن ضرورة إصلاح هذه المنظمة الأممية. وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:

تمثل الأمم المتحدة نتاج العبقرية الفكرية للغرب، التي مكنت بعد الحرب العالمية الثانية من خلق ظروف عادلة نسبياً للحفاظ على موقع الغرب المركزي في السياسة الدولية. وكون الدول الغربية بدأت تفقد هذا المركز الآن، فذلك يعود لأسباب طبيعية. وهذا يؤثر حتماً على كل ما تحقق من إنجازات لتبسيط آلية تأثيرهم في الشؤون العالمية، الأمر الذي لم يكن شكلياً فحسب، بل بُني على امتلاك قدرات قوة فريدة.

إن تقليص مثل هذه الإمكانيات، التي نلاحظ عواقبها بشكل واضح الآن، لا يمكن أن يتخطى المؤسسات التي تم إنشاؤها في العصر الذي بدأت تنتهي ولايته. وهذا يعني أن مصير الأمم المتحدة في أي حال سيكون موضع تساؤل.

السؤال الوحيد هو من سيقرر طرح هذا السؤال ولأي غرض. الغرب - للحفاظ على موقعه في الشكل التنظيمي الجديد - أو قوى عظمى أخرى، لإنشاء مؤسسات أكثر انسجاماً مع الواقع الجديد للسياسة الدولية. هناك خيار ثالث ممكن أيضاً: العصر الجديد، الذي يبدو أنه سيكون فيه فرص قليلة لمجموعة احتكارية ضيقة من البلدان، لن يحتاج على الإطلاق إلى مؤسسات تقليدية لإدارة العالم.

في الوقت نفسه، لا ينبغي أن نشعر بالحرج من أن مثل هذه القوى المعادية للمجموعة الغربية، مثل روسيا أو الصين، هي أعضاء في المنظومة الحاكمة في الأمم المتحدة؛ أعضاء دائمون في مجلس الأمن.

إن قدرة الأمم المتحدة على إدارة العالم ظلت دائماً مجرد وهم. لذلك، فإن السبب الحقيقي لوجود هاتين الدولتين كعضوين دائمين في مجلس الأمن هو رغبة الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في تجنب تكرار وضع، يتم فيه استبعاد القوى التي تشكل خطراً على الاستقرار العالمي من المشاركة في المؤسسات الدولية.

علاوة على ذلك، فإن وجود اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والصين (بعد أن نجح الحزب الشيوعي في ترسيخ قوته في البلاد) على طاولة مجلس الأمن لم يزيد بأي شكل من الأشكال من قدرتهما التنافسية، ناهيك عن أنه في الوقت الذي تم فيه قبول عضوية بكين في مجلس الأمن، كانت علاقاتها مع موسكو عدائية بشكل علني، بل عرقلت القوتان الشيوعيتان بعضهما البعض. ليس هناك شك في أنه في بعض الحالات يمكن للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن يتصرفوا كـ "حكومة عالمية" شديدة القوة تحدد حدود ما هو مسموح به للأعضاء الأضعف في المجتمع الدولي.

يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يعكس فقط توازن القوى الحقيقي في عالم أوسع بكثير وأكثر تنوعاً من المواجهة الروسية الأميركية. لكن هذه الفرصة بالتحديد هي التي يحرم منها الآن نتيجة لتكوينه، الذي يسعى إلى تحقيق هدف ليس "إدارة العالم"، ولكن "الاحتواء العالمي" لروسيا والصين من قبل الغرب، الذي لا يزال يحتفظ بمكانته المهيمنة.

 

قد يبدو هذا التأكيد متناقضاً، لأن روسيا والصين تتمتعان بنفس الحقوق في مجلس الأمن الدولي، مثل بقية الأعضاء الدائمين الثلاثة الآخرين. هذا صحيح، ولكن بالإضافة إلى الوضع القانوني البحت الذي يمنح الخمسة جميعاً حق النقض، هناك قدرة عملية للتأثير على الحوكمة العالمية من خلال الموارد المادية الخاضعة للرقابة والممارسات الإجرائية (تعيينات الموظفين في المؤسسات الدولية، على سبيل المثال). وفي هذا الجزء، كانت للولايات المتحدة وحلفائها ميزة هائلة في وقت إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، وقد احتفظوا بها حتى الوقت الراهن بفضل جمود المؤسسة نفسها.

ونتيجة لذلك، فإن إدراج موسكو وبكين في أهم منظمة أممية، يقيد سلوكهما الثوري، لكنه لا يمنحهما درجة متساوية من التأثير على الحوكمة العالمية مع الغرب.

بعبارة أخرى، يصبح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة شكلاً متطوراً للغاية من أشكال الردع، من خلال منح وضع خاص لدولتين خصمين. هذا الوضع يحد من فرصهما في السلوك المستقل، ويفصلهما أيضاً عن بقية المجتمع الدولي. بالنسبة لهذا الأخير، فإن الوضع المذكور هو امتياز خصصته "النخبة العالمية" لنفسها والتي ترفض أن يشاركها أحد فيها.

وهكذا، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في شكله الحديث، هو وسيلة للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية على السياسة الدولية.

وحتى لو أدانت بعض الدول رسمياً تصرفات روسيا في أوكرانيا أثناء تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن سياساتها تثبت أنهم على دراية بموقفهم المتغير في النظام الدولي. هذا الاستنتاج مدعوم أيضاً بحقيقة أن الهند والبرازيل وإندونيسيا وفيتنام، على سبيل المثال، فضلت عموماً موقف الحياد الإيجابي. وفي الحقيقة، لا نعرف ما إذا كانت القيادة الروسية نفسها متأكدة من أنه سيكون من المستحيل عزل موسكو.

إن للتحولات في ميزان القوى العالمي 3 مصادر رئيسية. أولاً، مكّنت العولمة الاقتصادية الخاضعة للهيمنة الغربية، العديد من البلدان المتوسطة والكبيرة من الحصول على موارد جديدة لمواجهة تحديات التنمية. ثانياً، التخفيض الموضوعي للإمكانيات المادية للغرب نفسه، الذي لم يعد قادراً على أن يقدم لبقية العالم مثل هذه المصادر الجذابة للازدهار، بحيث يستحق التضحية من أجلها. ثالثاً، الثقة بالنفس للعديد من المشاركين الجدد نسبياً في السياسة الدولية نفسها، والتي تبين أنها مشتقة من العاملين الأولين.

إن فشل محاولات عزل روسيا، على الرغم من اعتماد الغرب على قواعد القانون الدولي في إدانة أفعالها، أظهر بوضوح رفض الدول الأخرى السير على سكة الغرب. معظم دول العالم تفعل ذلك ليس من منطلق التعاطف مع السلوك الروسي، ولكن لاعتبارات أنانية خاصة بها.

مثل هذا العالم الجديد لا يتجسد ولا يمكن أن يتجسد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،لأن هذه المؤسسة، ببساطة، تم إنشاؤها لعالم مختلف، ويتم تكييف جميع إجراءاتها وممارساتها وفقاً لخصوصياتها، بدءاً من موقع المقر الرئيسي وانتهاءً بخصائص التعيين إلى المناصب البيروقراطية العليا أو المتوسطة.

لذلك، فإن أياً من جهودنا للحفاظ على هذه المؤسسة قد يتبين بداهة أنها تذهب سدى وستؤدي فقط إلى إطالة عذاب النظام الدولي السابق مع كل المخاطر التي تصاحب هذه العملية.

لذلك، سيكون من المجدي الآن أن نتعامل بجدية أكبر مع مسألة مستقبل الأمم المتحدة وخاصة تكوين هيئتها الرئيسية؛ مجلس الأمن. لقد أثيرت قضية إصلاح مجلس الأمن مراراً وتكراراً من قبل عدد من الدول الكبرى في العالم، على أساس أنه في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح من الغريب الانطلاق من الشرعية التي نشأت نتيجة الحرب العالمية الثانية، التي لم تكن معظم الدول الحديثة موجودة خلالها.

الآن، وبالعودة إلى هذا الموضوع، قد لا تكون هناك أسباب تاريخية فحسب، بل أسباب مرتبطة بتغيير ميزان القوى. ولن يكون على الغرب فقط أن يتصالح مع هذا، ولكن أيضاً روسيا والصين، اللتان يعتبر موقعهما الفريد في نظام الأمم المتحدة نتاجاً لهيمنة القوى الإمبريالية القديمة في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية.

قد نكون غير مستعدين بعد لخطوة حاسمة كإلغاء الأمم المتحدة وإنشاء (إذا لزم الأمر) مؤسسة دولية رئيسية جديدة. ولكن حان الوقت بالتأكيد لتوسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن الخاص، لتشمل الهند والبرازيل وإندونيسيا ودولة أو دولتين أفريقيتين رئيسيتين معروفتين بموقفهما المستقل. هذا، بالطبع، لن يحل مشكلة عدم أهمية الأمم المتحدة في مثل هذه الظروف التاريخية المتغيرة، لكنه سيسمح بكسب الوقت لمناقشتها بشكل أكثر عمقاً وجدوى. ومن المنطقي أن تنتمي المبادرة إلى روسيا، وكذلك الصين، لأنهما الطرفان الأكثر اهتماماً.