• اخر تحديث : 2024-03-28 03:17
news-details
إصدارات الأعضاء

إردوغان يتواصل مع دمشق... ولم يحكم "الإخوان"... ولم يف جعجع بوعده


من يزور سورية في هذه المرحلة والظروف الراهنة، يرى بعينه المجردة ويلتمس بيده، ويشعر بوجدانه، مدى العذابات التي يتعرض لها الشعب السوري، جراء الحصار الأميركي- الغربي الجائر، الذي يرزح تحته هذا الشعب الصابر، الذي واجه خلف جيشه ورئيسه و بالاشتراك مع حلفائه، حربًا كونيةً وحشيةً، استخدمت فيها القوى المعتدية على سورية، أقذر وأفظع أساليب الإرهاب والترهيب (أكلة القلوب والأكباد)، لضرب النسيج الاجتماعي لهذا الشعب، ثم تفرقته، ومحاولة حرف أنظاره عن عدوه الحقيقي، وإقحامه في فتنٍ داخليةٍ، بالتالي دفعه الى التخلي عن ثقافته المقاومة، ودوره التاريخي في دعم مختلف الحركات الثورية على امتداد العالم وتضامنه معها، وإدخال آفاتٍ اجتماعية غربيةٍ بعيدة كل البعد عن القيم المشرقية، كـ "جهاد النكاح".

وكان كل ذلك تمهيدًا لتطويعه، ومن بعدها محاولة تركيعه، علّ أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف الى سقوط الدولة السورية، والإتيان بحكمٍ صوريٍ يحل مكانها، على أن يدخلها في نادي الدول العربية "المعتدلة"، وفقًا للمفهوم الأميركي- "الإسرائيلي".

وهنا لا يمكن إغفال الدوافع الاقتصادية لهذه الحرب غير المسبوقة في العالم بأسره، كمنع تنفيذ اتفاقية مرور خط الغاز الإيراني عبر العراق ثم في الأراضي السورية وصولًا الى مياه البحر المتوسط، والموقعة في تموز 2010. ما أثار حفيظة دولة قطر ومن خلفها، كونها كانت تطمح بتمرير أنبوب الغاز القطري عبر الأراضي السورية نحو المتوسط أيضًا، لذا أسهمت بكل ما أوتيت من قوة في هذه الحرب المدمرة (دعم المجموعات المعارضة المسلحة، مال، إعلام مضلل) وسوا ذلك، هذا على سبيل المثال لا الحصر. وكانت الشرارة الأولى في 15 آذار 2011، يوم بدأت الحرب المذكورة تحت عناوين براقة وخداعة، كالمطالبة بـ "الحرية" و"تداول السلطة".

وأشرفت تركيا الطامحة الى العودة الى زمن السلطنة العثمانية، وتولي الزعامة على المسلمين السنّة في العالم، خصوصًا إثر وصول "تنظيم الإخوان المسلمين" إلى السلطة في مصر وتونس، على إدارة هذه الحرب في البداية، وكان لها نتائج كارثية على الشعب السوري، لا يمكن إغفالها، وعلى مختلف الصعد، خصوصًا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، تحديدًا بعد سقوط الأجزاء الشرقية من عاصمة سورية الاقتصادية حلب في يد المجموعات المسلحة المدعومة في شكلٍ أساسيٍ ومباشرٍ من أنقرة.

لاريب أنه كان لهذه الحرب تداعياتٍ خطيرةٍ على النسيج الاجتماعي للشعب السوري وعيشه الواحد في بداياتها، غير أن وعي غالبية هذا الشعب وتمسكه بوحدته، دفعه الى الالتفاف حول جيشه وقيادته، للتصدي للعدوان من جهة، ودفع في سبيل ذلك خيرة شبابه ومفكريه وعلمائه أيضًا، كذلك احتضن هذا الشعب بعضه، بالتالي تفويت الفرصة على من راهن على زرع الشقاق بين أبناء هذا الشعب الواحد، والدليل الى ذلك، هو احتضان أبناء محافظتي طرطوس واللاذقية، لأخوتهم النازحين من محافظتي إدلب وحلب من جهةٍ أخرى، هذا على سبيل المثال، لا الحصر.

وكان التحوّل المفصلي في الحرب على سورية، يوم استعاد الجيش السوري وحلفاؤه مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص الجنوبي الغربي من "جبهة النصرة" وملحاقاتها، في أيار 2013، ووجه بذلك ضربةً كبيرة لمخطط تقسيم سورية. وعلى صخرة القصير تحطم "مشروع حكم الإخوان في المنطقة"، من مصر الى تونس، الى سورية، ذاك المخطط الذي راهن على نجاحه بعض الأفرقاء اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وسواه، وهو من قال حرفيًا في حديثٍ صحافيٍ في العام 2012: "فيلحكم الإخوان".

وبعد معركة القصير وسقوط "مشروع الإخوان" أسندت إدارة هذه الحرب إلى مدير المخابرات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان، ولم ينجح بما عجز عنه حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة.

وبعدها دخل تنظيم "داعش" على خط الحرب المذكورة، علّه يحقق ما عجز عن تحقيقه من تعاقب قبله على إدارة هذه الحرب، فتصدى له الجيش السوري بالاشتراك مع فصائل المقاومة وفي مقدمها حزب الله والحشد الشعبي العراقي، ثم الجيش الروسي في أيلول 2015.

وكانت هزيمة هذا التظيم الإرهابي في لبنان على يد الجيش اللبناني في عملية "فجر الجرود" في صيف العام 2017. وما إن شارفت الحرب الميدانية على الأفول، تحديدًا عقب عملية فجر الجرود، حتى بدأت الولايات المتحدة بفرض حصارٍ ماليٍ واقتصادي على لبنان وسورية، أرهق هذين الشعبين، وذلك إنتقامًا لفشل الحرب العسكرية على سورية، وردًا على تمرد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون على الإملاءات الأميركية، الداعية الى تأجيل العملية في حينه. على أمل أن يكون هذا الحصار آخر الحروب المفروضة على لبنان وسورية، ليخرجا منها نحو الاستقرار.

وفي صيف 2022، تمضي سورية بخطىٍ ثابتةٍ نحو تحقيق نصرٍ كبيرٍ، تجلى من خلال إعلان الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان عزمه على إعادة التواصل مع دمشق، لا بل أكثر من ذلك، فقد بدأ التواصل بين الجانبين السوري والتركي، بحسب بعض المعلومات... وهكذا دواليك، فشل المراهنون على سقوط سورية... ولم ولن يحكم "الإخوان"، كذلك لم يحلق جعجع شاربه مباشرةً على الهواء، كما وعد "رئيس القوات" في العام 2012، "في حال لم يسقط الحكم في سورية".