• اخر تحديث : 2024-04-24 13:38
news-details
إصدارات الأعضاء

الاقتصاد الأوراسي وسورية والبروفسور دوغين وخصومه؟


يكثر الحديث حاليا عن (الأوراسيّة) والبعض يربطها مع  المفكر الروسي ألكسندر دوغين الصديق الكبير لسورية، وهنا يتطلب مني الواجب أن أتقدم له وللشعب الروسي الشقيق بالتعزية باستشهاد ابنته الدكتورة الباحثة داريا دوغين بتاريخ 20/8/2022 بعملية تفجيرية إجرامية في ضواحي موسكو، ومعروف أنها كانت تعمل مع والدها في تجسيد معالم (الأوراسية) على أسس عصرية أي ليس بالمعنى القديم الذي يجمع القارتين (أسيا وأوروبا) وإنما على اسس جديدة هدفها مواجهة التصرفات والمخططات الغربية (الناتو) للهيمنة على العالم وفرض القطبية الأحادية وامركة العالم أي ربط الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأمريكي وللمصلحة الامريكية.

وأكد السيد دوغين ان نظريته هي البديل للنظريات الثلاث السابقة (الليبرالية والشيوعية والفاشية)، وقد فرضت عليه وعلى ابنته المرحومة العقوبات الغربية بسبب دعمهما لبلدهما روسيا في العملية الخاصة في أوكرانيا وصنفته مجلة "فورين  بوليسي" الأمريكية بانه ضمن أفضل /100/ مفكر في العالم، وينطلق في رؤيته للأوراسية من (إنسانية الانسان) وفرض قوة المنطق بدل منطق القوة الذي تعتمده الليبرالية الغربية المتوحشة وهي امتداد للاستعمار القديم، وبرأيه ان الاوراسية تتطلب عودة روسيا بقوة إلى المسرح الدولي لتضمن استقرار العالم انطلاقا من المنطقة الاوراسية التي تمتد من (المحيط الأطلسي غربا وإلى جبال الاورال والمحيط المتجمد الشمالي والهادي  شرقا، ومن روسيا وفنلندا والنرويج شمالا إلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي جنوبا) أي أن سورية في مركز الاوراسية).

وبرأي السيد دوغين أن الاوراسية تختلف عن الحضارة الأطلسية التي صنعت القوى الإرهابية العالمية مثل (داعش) وملحقاتها وهي منتج من قبل (الأطلسيين الأوربيين والمحافظين الجدد الأمريكيين) ، ويؤكد في مقالاته ان الواجب الطبيعي لروسيا ودول اوراسيا هو التصدي لهذه الحركات الإرهابية لأنها ستصل الى أراضيها مستقبلا إذا لم تواجه بقوة وهذا يتطلب دعم سورية لأن سورية إذا سقطت ستسقط الدول الأخرى وفق ما يطلق عليها (نظرية أحجار الدومينو)  في الشرق الأوسط وستنتشر الفوضى غير الخلاقة.

وبهذا يختلف عن الكثير من الباحثين الغربيين الذين أكدوا أن الليبرالية الغربية انتصرت وانتصر معها قيم الحرية والمساواة وان الديمقراطية الليبرالية هي الصيغة النهائية للحكومة البشرية أي لكل دول العالم،  وعبرّ عن هذا الكثير من المفكرين الغربيين ولا يتسع المجال لتناول أفكارهم، لكن من اهمهم  المفكر الأمريكي من اصل ياباني (فرانسيس فوكو ياما) في كتابه (نهاية التاريخ) سنة /1992/ أي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، و كما كتب (صموئيل هنغكتون) وغيره حول صدام الحضارات وأيضا (برنارد لويس) الذي أكد على ان الصدام  هو بين (الحضارة الغربية وعدوهم الإسلام والمسلمين)...الخ.

هنا لا اريد الدفاع عن البروفسور دوغين وإنما لأقول رأيي كباحث سوري يخالف بشكل كبير ما تناولته (المعارضات السورية) عنه في قنوات إعلامية مغرضة وقولته ما لم يقله وقالت به اكثر مما قاله (مالك في الخمر)، واعتمدت بالتحليل الحقد السياسي على الحقائق الاقتصادية، وبرأينا اول ما يجب على الباحث العلمي هو (الحيادية والموضوعية)، فالأوراسية كيان قائم بذاته ويمتلك مقومات النجاح والفشل، وبرأيي يمكن ان تملأ الفراغ الأيديولوجي السياسي والاقتصادي العالمي الحالي، وسأدلل اقتصاديا عن ذلك  ببعض الحقائق على سبيل المثال وليس الحصر [أن اكبر معدلات النمو العالمية الحالية تتحقق من دول اوراسيا - يتزايد يوميا التنسيق الاقتصادي بين مراكز روسيا مثل  روسيا وايران والصين، فمثلا تزايدت العلاقات التجارية بين روسيا وايران في سنة 2021 بنسبة /80%/ وتم تجاوز العقوبات الاقتصادية الغربية ووصل التنسيق بينهما إلى مناورات عسكرية وإطلاق قمر صناعي مشترك وتوقيع عقود كبيرة بين العملاق الروسي شركة (غاز بروم) وشركة النفط الإيرانية ووقعت صفقات اقتصادية كبيرة مع الصين أيضا وتعتبر من اكبر الصفقات العالمية وبالمقايضة ووصلت لحدود /50/ مليار دولار.

كما أن الافاق المستقبلية مفتوحة امام أوراسيا بمفهوم دوغين حيث تحتوي على اكثر من /70%/ من الموارد العالمية ويسكنها أكثر من /75%/ من سكان العالم وأكثر من /70%/ من موارد الطاقة وفيها الاتحاد الأوراسي الذي ينسق مع منظمة شنغهاي وبريكس وغيرهما وهذه المنظمات تضم أغلب دول المنطقة الأوراسية و اغلب دول عدم الانحياز أيضا، فالسؤال هل تتحقق رؤية دوغين والمؤيدين له باعتماد آرائهم من قبل مراكز القرار حتى لا تبقى حبرا على ورق، وأقول لكل من سفّه أفكار دوغين قراءتها بشكل موضوعي وان الاشتراكية لا تصنع بشتم الليبرالية والليبرالية لا تصنع بشتم الاشتراكية، فهل نسعى لننضم إلى الاوراسية الجديدة؟