نشر موقع "سي جي تي أن" الصيني، امس الاربعاء مقالاً يتحدث عن الهجمات الإلكترونية الأميركية المتكررة على الصين، ويقول إنها تكشف وجهاً جديداً للإمبريالية، إذ أصبحت جرائم الإنترنت هواية جديدة لأميركا المهووسة بالتكنولوجيا المتقدمة في سبيل مشاريع الهيمنة. وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
عادة ما يدور النقاش حول الحروب الإمبريالية الأميركية، وما تقوم به من تدخلات عميقة في شؤون الدول، ومحاولات الانقلاب، والعقوبات، والبلطجة الدبلوماسية، ومغامرات شتى في السياسة الخارجية.
وفي الآونة الأخيرة، زادت الولايات المتحدة من ابتزازها لمنافسيها من خلال وسائل غير تقليدية عبر الفضاء الرقمي، ومن خلال هجمات الكترونية معقدة وواسعة.
وكانت الهجمات الإلكترونية لوكالة الأمن القومي الأميركية (أن أس آي) على أهداف بارزة في الصين، صدمت العديد من الأشخاص حول العالم، مع أنها ليست سوى قطرة في محيط. فقد أصبحت جرائم الإنترنت هواية جديدة لأميركا المهووسة بالتكنولوجيا المتقدمة في سبيل مشاريع الهيمنة.
وقد كشف تحقيق أجراه المركز الوطني للاستجابة لحالات الطوارئ لفيروسات الكمبيوتر في الصين، أن إحدى الدوائر التابعة لوكالة الأمن القومي، نفذت ما لا يقل عن 10000 هجوم إلكتروني غير قانوني، ضد أهداف صينية في السنوات الأخيرة.
التحقيق وجد أيضاً أن جهاز الاستخبارات الأميركي سرق 140 غيغابايت من البيانات الحيوية أثناء الهجمات، بعد اختراق جامعة نورث وسترن للفنون التطبيقية، وهي جامعة بحثية شهيرة في الصين.
ردت وزارة الخارجية الصينية على الجرائم بحزم، حينها، وانتقدت تصرفات وكالة الأمن القومي، وأكدت أن بكين تريد العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على الإنترنت آمناً، على عكس نهج أميركا العدواني تماماً.
في الواقع، وفي إطار التحضير لهجمات وكالة الأمن القومي المغامرة، كانت بكين تدق ناقوس الخطر مراراً وتكراراً من الهجمات الإلكترونية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تستهدف بشكل روتيني أهدافاً صينية حساسة، مثل المراكز التعليمية الكبرى وشركات الطاقة وشركات التكنولوجيا.
حجم جرائم وكالة الأمن القومي الأميركي
لفهم حجم هجمات وكالة الأمن القومي على الصين، يحتاج المرء إلى تخيل سيناريو افتراضي يحدث فيه العكس. لنفترض، على سبيل المثال، أن وكالة استخبارات صينية تخترق أجهزة الكمبيوتر في جامعات أميركية رائدة، وتطلق العنان لآلاف الضربات الإلكترونية على أهداف أميركية، وتسرق بيانات حساسة. فكيف سيكون رد فعل واشنطن وحلفاؤها ووسائل الإعلام الغربية؟ كانوا سيصرخون ويعلنوا عن حالة طوارئ عالمية لملاحقة الصين كما لو أنها شنت حرباً على أميركا.
الآن، اقلب هذا السيناريو الافتراضي من خلال وضع الولايات المتحدة على أنها المعتدي. في الواقع هذا هو بالضبط ما حدث بالفعل بشكل فادح ووقح كسمات بارزة في وكالة الأمن القومي الأميركي، المكتنز لسجل طويل من العمليات السرية القبيح، بالاضافة الى عمليات تجسس غير مشروعة على أهداف أجنبية وداخلية ولم تستثني أحداً.
في العام 2013، سرب الأميركي إدوارد سنودن، تفاصيل دقيقة عن كيفية قيام وكالة الأمن القومي بشكل غير شرعي بإدارة برنامج شامل للمراقبة وجمع البيانات، واستهدف المواطنين الأميركيين وكذلك السكان الأجانب.
ومما لا يثير الدهشة، أنه ظهر أيضاً أن وكالة الأمن القومي كانت تلاحق الصين. وكشف سنودن أيضاً في العام 2014، أن الوكالة الأميركية كانت تتجسس على شركة الاتصالات الصينية هواوي، في سعيها لمعرفة ما إذا كانت لها علاقات وثيقة مع الحكومة الصينية.
وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.. المعتدي الآخر
في الواقع، فإن الحيل القذرة لوكالة الأمن القومي تتضاءل مقارنة بإرث هيئة التجسس الأميركية الأكثر شهرة، وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي آي)، ففي العام 2017، وبعد أربع سنوات من كشف سنودن وكالة الأمن القومي الأميركي، سرب موقع "ويكيليكس"، ما شاركت فيه وكالة الاستخبارات المركزية بعمق في المراقبة الرقمية على المستوى الدولي والأنشطة السيبرانية غير القانونية.
وكشفت تسريبات "ويكليكس" المزعجة، أن وكالة المخابرات المركزية، التي عرف عنها نشاطها التجسسي في العالم الحقيقي، كانت تعمل أيضاً على اختراق أجهزة التلفزيون والهواتف المحمولة وأنظمة التشغيل ومتصفحات الإنترنت وغيرها الكثير.
وتقول الصحيفة الصينية، إن الأعمال الدنيئة لوكالات الاستخبارات الأميركية التي تستهدف الصين، هي في الواقع انتهاك صارخ لتفاهم عام 2015 بين البلدين، بشأن تجنب تنفيذ هجمات إلكترونية ضد بعضهما البعض. وقد استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الأميركي السابق باراك أوباما، في ذلك العام في البيت الأبيض، حيث اتفق الزعيمان على التعاون في مجال الأمن السيبراني، بطريقة تتفق مع القوانين الوطنية الخاصة بكل منهما والالتزامات الدولية ذات الصلة، مع تعزيز التحقيق في الجرائم الإلكترونية، وجمع الأدلة الإلكترونية، وتخفيف النشاط السيبراني الضار.
من الواضح تماماً أن واشنطن قد أزاحت جانباً الترتيب الثنائي لعام 2015، واستمرت في السماح لوكالاتها الاستخبارية باستهداف الصين في قطاعات مختلفة.
لعب ورقة الضحية
طوال الوقت، أثناء تنفيذ الهجمات الإلكترونية، كانت الولايات المتحدة تصور نفسها باستمرار على أنها ضحية الحرب الإلكترونية، مشيرةً بأصبع الاتهام إلى الحكومة الصينية، وإلقاء الشكوك على شركات الاتصالات الناجحة مثل هواوي، وتصوير روسيا على أنها من أكبر المتسلطين عبر الإنترنت.
تُظهر عودة بسيطة إلى تاريخ مجتمع الاستخبارات الأميركية إرثاً غارقاً في إعداد الانقلابات العسكرية المشبوهة، والمهام التخريبية والتدخلات غير المصرح بها ومحاولات تغيير النظام. والذاكرة السياسية والإنسانية تحتفظ بالكثير من تلك الأعمال المشينة للإمبريالية. وهكذا فعلوا في العام 1953، عندما أطاحوا مع الشريك البريطاني برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، وكرروا الأمر نفسه في غواتيمالا بعدها بعام للإطاحة بالرئيس جاكوبو أربينز، ثم، غزو خليج الخنازير الفاشل لكوبا في العام 1961، ومحاولات اغتيال متعددة للزعيم الكوبي فيدل كاسترو، إلى دور الولايات المتحدة السري في تغيير النظام في تشيلي عام 1973، والاستجوابات التي قادتها وكالة المخابرات المركزية في خليج غوانتانامو بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر. هذه مجرد أمثلة قليلة من الأعمال القذرة لمجتمع الاستخبارات الأميركية.
بالنظر إلى تاريخ أميركا الطويل من أعمال التجسس، فإن ولع وكالات المخابرات والتجسس الأميركية، بالهجمات الإلكترونية في السنوات الأخيرة ليس سوى امتداد لسياسات وطموحات واشنطن الإمبريالية القديمة.