• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات مترجمة

ما الأزمات المتتالية التي يشهدها النظام العالمي؟


يشهد العالم حالة غير مسبوقة من تصاعد الأزمات خاصةً وأنها تأتي بشكل متزامن وترتبط بالعديد من التداعيات السلبية على الاستقرار العالمي، وهو أمر لم يعد يقتصر على الدول النامية بل امتد ليشمل الدول المتقدمة أيضاً، وبما عزّز من حالة القلق الشعبي والرسمي من إمكانية تفاقم هذه الأزمات في المديين المنظور والمتوسط، وتراجع قدرة صانعي القرار على مواجهتها وتحجيم آثارها، وفي ضوء هذا فقد نشر موقع “فورين بوليسي” مقالاً بعنوان “شيوع القلق: كم عدد الصدمات التي يمكن أن يتحملها العالم؟” لخبير العلاقات الدولية ستيفن والت، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأمريكية ريني بلفر، ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

1تصاعد حالة عدم اليقين منذ التسعينيات: على الرغم من أن انهيار الاتحاد السوفييتي، واندلاع الثورات في أوروبا الشرقية، مثَّلا تطورات إيجابية من نواحٍ عدة، فقد خلقا أيضاً قدراً كبيراً من عدم اليقين وعدم الاستقرار، وفتحا الباب أمام تطورات سياسية، مثل توسع حلف الناتو، لا يزال يتردد صداها حتى اليوم؛ فلقد أدى الانفصال مباشرة إلى حرب بين أذربيجان وأرمينيا، وساهم في تفكك يوغوسلافيا وحروب البلقان اللاحقة، كما شجع الشعور غير الصحي بالغطرسة في الولايات المتحدة، وأعاد تشكيل السياسة في آسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، أدى فقدان الرعاية السوفييتية إلى زعزعة استقرار الحكومات في أفريقيا والشرق الأوسط وحتى في الأمريكيتين، مع عواقب غير متوقعة وأحياناً مؤسفة. ومع ذلك، فإن التاريخ لم ينتهِ بعد، وإنما اتجه لتوه إلى مسار مختلف.

2اعتبار صعود الصين صدمة للنظام العالمي: اعتقد الأمريكيون في البداية أن النظام الأحادي القطب سيستمر لفترة طويلة، ولكن ظهر خصم جديد من القوى العظمى على الفور تقريباً. ربما لا يكون صعود الصين صدمة مفاجئة أو غير متوقعة، لكنه لا يزال سريعاً بشكل غير عادي؛ ما أثبت خطأ معظم خبراء الغرب في تنبُّؤاتهم. صحيح أنه لا تزال الصين أضعف بشكل ملحوظ من الولايات المتحدة، وتواجه رياحاً معاكسة خطيرة في الداخل والخارج، إلا أن نموها الاقتصادي المذهل، وطموحاتها المتزايدة، وقوتها العسكرية المتوسعة، لا يمكن إنكارها. لقد أدى التقدم الاقتصادي الصيني إلى تسريع وتيرة تغير المناخ، وأثَّر على أسواق العمل في جميع أنحاء العالم، وساعد على إطلاق رد الفعل الحالي ضد العولمة المفرطة. وبالرغم من أن قوتها المتزايدة قد حسَّنت حياة الشعب الصيني وعادت بالفائدة على الآخرين أيضاً، فإن الصين لا تزال تُشكِّل صدمة للنظام العالمي القائم.

3تعزيز الاستقطاب بفعل “الحرب على الإرهاب”: أدت الهجمات الإرهابية التي دمرت مركز التجارة العالمي وألحقت أضراراً بوزارة الدفاع الأمريكية، في سبتمبر عام 2001، إلى تحول كامل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، التي وجدت نفسها محاصرة في حرب على الإرهاب لأكثر من عقد من الزمان؛ فلقد أدى هذا الحدث مباشرةً إلى الإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان، وغزو العراق في عام 2003، وكلَّفت الحربان الولايات المتحدة في النهاية، دماءً وأموالاً أكثر بكثير مما فقدته في ذلك اليوم المشؤوم. وقد أدت الحرب على الإرهاب أيضاً، إلى زعزعة استقرار الدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير، وخلقت عن غير قصد، جماعات متطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ساعدت أفعالها في صعود التطرف اليميني في أوروبا. كذلك أدت الحرب على الإرهاب إلى تسريع عسكرة واستقطاب السياسات الداخلية الأمريكية، وتعميم التطرف اليميني في الولايات المتحدة، وهي صدمة كبيرة بكل المقاييس.

4معاناة دولية ممتدة منذ الأزمة المالية في 2008: أثار انهيار سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة، حالة من الذعر المالي انتشرت بسرعة في جميع أنحاء العالم؛ فلقد تبين أن “سادة الكون” المفترضين في وول ستريت، غير معصومين من الخطأ أو غير قابلين للفساد مثل أي شخص آخر. وعلى الرغم من أن الذين تسببوا في الكارثة لم يخضعوا للمساءلة أبداً، فإنهم لم يتمتعوا بالسلطة التي كانت لديهم قبل اندلاع الأزمة. نتج عن ذلك الانهيار المالي أيضاً، معاناة أوروبا من الركود الحاد، وأزمة العملة المطولة، وعقد من التقشف المؤلم؛ ما أعطى الأحزاب الشعبوية دفعة سياسية أخرى. كذلك رأى المسؤولون الصينيون في الأزمة، علامة واضحة على الانحدار الغربي، وفرصة لتوسيع طموحاتهم في السياسة الخارجية.

5ارتدادات سلبية لـ”الربيع العربي” بالشرق الأوسط: رغم أنه يبدو منسياً في بعض الأحيان، لكن الربيع العربي كان حدثاً صاخباً أطاح بالحكومات في العديد من الدول، وأثار الآمال في حدوث تحولات ديمقراطية واسعة النطاق، كما أدى إلى حروب أهلية في ليبيا واليمن وسوريا لا يزال يتردد صداها حتى اليوم. ولكن، مثل ثورات 1848 المشؤومة في أوروبا، التي مثلت نقطة محورية فشل فيها التاريخ الحديث في التحول، انتهى الربيع العربي بارتدادات سلبية عكست تقريباً جميع المكاسب التي حققها الإصلاحيون. ومع ذلك، استهلك الربيع العربي الكثير من وقت واهتمام كبار صناع القرار، وشوه سمعة عدد من كبار المسؤولين، وأدى إلى معاناة إنسانية كبيرة.

6تحول أزمة اللاجئين والنازحين إلى معضلة خطيرة: وفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، ارتفع عدد “النازحين قسراً”، من نحو 42 مليوناً في عام 2001، إلى ما يقرب من 90 مليوناً في عام 2021. لقد كانت تدفقات اللاجئين هي نفسها نتيجة لبعض الصدمات الأخرى التي شهدها النظام، لكنها تتسم بتأثيرات أعمق. على هذا النحو، فإنها تشكل صدمة أخرى كافحت الحكومات والمنظمات الدولية لمعالجتها في السنوات الأخيرة.

7شيوع الشعبوية بشكل أكبر في الدول المتقدمة: شهد عام 2016 حدثَيْن مروعَيْن على أقل تقدير: انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وتصويت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي. كلا الحدثين حدَّد التوقعات، وتبيَّن أن كلاً منهما كان سيئاً كما كان يخشى الخصوم؛ فبالنسبة للحدث الأول، أثبت ترامب أنه متقلب ونرجسي وغير كفء كما بدا خلال الحملة الانتخابية، لكن حتى أشد منتقديه قللوا من استعداده لمهاجمة أسس الديمقراطية الأمريكية. وبعد أكثر من عامين من هزيمته الانتخابية ومواجهة تحديات قانونية متعددة، يواصل ترامب ممارسة تأثير سام على الحياة السياسية الأمريكية.

كذلك كان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأثير مماثل في بريطانيا العظمى. صحيح أنه لم يتسبب ترك الاتحاد في إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد البريطاني – على وجه التحديد كما حذر المعارضون – لكنه أدى إلى تسريع انتقال حزب المحافظين من الواقع إلى الخيال والسلوك غير النزيه مع رئيس الوزراء الأسبق “بوريس جونسون، والسياسات البالية المتهشمة مع خليفته “ليز تراس” التي لم تستمر سوى فترة قصيرة في رئاسة الوزراء. بعبارة أخرى، فإنه ليس من الجيد أن يحكم سادس أكبر اقتصاد في العالم مجموعةٌ من “المهرجين المتخبطين” على حد وصف المقال نصاً.

8عدم استعداد العالم بشكل جيد لجائحة كورونا: لقد حذر الخبراء منذ فترة طويلة من أن مثل هذا الحدث أمر لا مفر منه، وأن العالم لم يكن مستعداً له؛ فلقد أصيب ما لا يقل عن 630 مليوناً في جميع أنحاء العالم. العدد الفعلي أعلى بلا شك، وتجاوز عدد الوفيات العالمي الرسمي الآن 6.5 مليون. كذلك كان للوباء عواقب وخيمة على التجارة والنمو الاقتصادي والإنجاز التعليمي والتوظيف في العديد من الدول، خاصةً العالم النامي. فلقد تعطَّلت أنماط الحياة العملية، واضطرت الحكومات إلى اتخاذ تدابير طارئة لإنقاذ اقتصاداتها. ومن شبه المؤكد أن نمو الإنتاجية في المستقبل قد انخفض، وساعد الاضطراب في سلسلة التوريد على إطلاق التدخل المستمر من جانب الحكومات والبنوك المركزية لاحتواء الأمر.

9إعادة تشكيل سياسات الدول بعد الحرب الأوكرانية: ما زال من غير المعروف مدى التأثير الكامل للتدخل الروسي في أوكرانيا، لكنه لن يكون هيناً. لقد ألحقت الحرب أضراراً جسيمة بأوكرانيا، وهددت القوانين الحالية التي تمنع الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وكشفت عن الضوابط العسكرية لروسيا، وأثارت ما قد يتَّضح أنه جهد أوروبي جادٌّ لإعادة التسلح. ذلك الأمر فاقم إمكانات التدخل العالمي وزاد خطر التصعيد، بما في ذلك إمكانية استخدام الأسلحة النووية إلى مستوى لم نشهده منذ عقود. لقد تدهورت العلاقات بين روسيا والغرب لبعض الوقت، لكن قلة من المراقبين توقعوا أن يؤدي ذلك إلى حرب كبرى في عام 2022.

10تجاهل الحكومات قضية “تغير المناخ” لفترة طويلة: لقد أصبح تأثير تغير المناخ محسوساً الآن، في تفاقم الكوارث الطبيعية، وزيادة الصراعات المدنية، وزيادة الهجرة. وستكون جهود الهجرة أو التكيف مع ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي، باهظة الثمن، كما أن التعاون العالمي للحد من انبعاثات الكربون وغازات الاحتباس الحراري، متعثرة. أخيراً، فإن نطاق تغير المناخ صدمة أخرى تجاهلتها الحكومات لفترة طويلة، وسيتعين عليها التعامل معها لعقود قادمة.

11صعوبة التعاطي السياسي مع الصدمات المتعاقبة: يترتب على تعاقب الصدمات مجموعة من المشاكل، يتمثل أولها في النطاق الترددي؛ فعندما تحدث الكثير من الاضطرابات بسرعة كبيرة جداً، لا يملك القادة السياسيون الوقت أو مدى الاهتمام لتطوير حلول إبداعية أو تقييم البدائل بعناية، بل تزداد احتمالات رد فعلهم السيئ. كما أنه ليس لديهم الوقت الكافي لتقييم مدى نجاح الحلول التي اختاروها؛ ما يجعل من الصعب تصحيح الأخطاء في الوقت المناسب. أما المشكلة الثانية فتتعلق بنقص الموارد. وهناك مشكلة ثالثة ترتبط بصعوبة حل مشكلة واحدة، عندما تكون الصدمات المتتالية متصلة بعضها ببعض. وفي سياق متصل، فإن محاولة التعامل مع صدمات متعددة تميل إلى تآكل الثقة العامة بالنظام السياسي بأكمله.

وختاماً، أوضح المقال أنه سيكون من السهل إضافة بعض الأحداث الأخرى إلى تلك القائمة، ولكن سيكون من الصعب معالجة حدث أو حدثين منها بنجاح. فلقد ثبت أن التعامل مع مثل هذا التعاقب السريع من الصدمات، أمر شبه مستحيل؛ فلقد كنا نعيش في عصر حيث كان “التحرك بسرعة والانطلاق” هو الشعار، لا سيما في عصر التكنولوجيا الرقمية السريع الحركة. ولكن بالنظر إلى الصدمات التي تحملناها في السنوات الأخيرة، فقد يكون الشعار الأفضل في الوقت الحالي هو “الإبطاء وإصلاح الأشياء”.