• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

الاتجاهات العشرة الحاكمة لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي 2022


بدأت يوم الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022، انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، والتي يتم فيها التصويت لتجديد جميع مقاعد مجلس النواب (435 عضواً)، بالإضافة إلى ثلث مقاعد مجلس الشيوخ الأمريكي (35 عضواً).

وتحولت هذه الانتخابات إلى مسار استقطاب واسع بين الجمهوريين والديمقراطيين، خاصة مع ترجيح استطلاعات الرأي فوز الجمهوريين بأغلبية في مجلس النواب على الأقل، الأمر الذي سوف يمكنهم من وضع قيود على توجهات الرئيس الأمريكي الديمقراطي، جو بايدن. وتتمثل أبرز الاتجاهات الرئيسية في هذه الانتخابات في التالي:

1. ارتباط التجديد النصفي بالانتخابات الرئاسية: تأتي انتخابات التجديد النصفي الراهنة في منتصف فترة الرئيس الديمقراطي جون بايدن، وتعد بمنزلة استفتاء على رئاسته، وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس بايدن نيته الترشح للانتخابات المقبلة 2024، تشير تقديرات إلى أن الرئيس السابق ترامب، من المحتمل أيضاً أن يترشح لهذه الانتخابات، والتنافس بين بايدن، وترامب فرض نفسه على انتخابات التجديد النصفي، حيث يحاول بايدن حشد الديمقراطيين للحفاظ على سيطرتهم على الكونغرس، في حين يسعي ترامب لدفع الجمهوريين لانتزاع أحد مجلسي الكونغرس من الديمقراطيين، تمهيداً لخوض معركته الرئاسية المحتملة ضد بايدن.

2. تزايد حجم الاستقطاب الداخلي: تعكس هذه الانتخابات واقع الاستقطاب السياسي الحاد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والمنافسة الشرسة بين الحزبين، فالديمقراطيون والبيت الأبيض يريدون استمرار سيطرتهم على الكونغرس لمنع الجمهوريين من السيطرة عليه، حتى لا يتم تمهيد الطريق أمام ترامب للعودة إلى البيت الأبيض.

وفي هذا الإطار، تعتبر هذه الانتخابات بمنزلة ساحة للخصومة بين الطرفين، فالديمقراطيون يحاولون قطع الطريق على الجمهوريين، والأخيرون يهددون في حال سيطرتهم على الكونغرس، بإعادة كتابة التاريخ، وإطلاق إجراء تشريعي لعزل بايدن، وأيضاً في حال سيطرتهم سيعملون بكل قوة على منع أجندة الرئيس بايدن التشريعية خاصة المرتبطة بالسياسات الداخلية.

3. تأكيد هيمنة ترامب على الجمهوريين: لا تمثل انتخابات التجديد النصفي معركة بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولكنها كذلك تعكس نجاح ترامب في تأكيد شعبيته في أواسط الجمهوريين، خاصة إذا ما تمكنوا من تحقيق الأغلبية، ومن ثم غياب أي منافس له داخل الحزب الجمهوري، والذي يمكن أن يهدد ترشيحه إلى البيت الأبيض.

4. أولوية القضايا الاقتصادية: تمثل إحدى الأوراق الرابحة التي يوظفها الجمهوريون ضد الديمقراطيين هي تدهور الأوضاع الاقتصادية، خاصة مع وجود استياء شعبي واضح من السياسات الاقتصادية لحكومة بايدن، فقد أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي إن إن" أن 75% من الأمريكيين يعتقدون أن اقتصاد بلادهم في حالة ركود، في حين أن 55% غير راضين عن وضعهم المالي، بينما ارتفعت نسبة من يرون أن الأمور تسير بشكل سيئ إلى 74%. وتراجعت نسبة من يرون أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح إلى 19% فقط، وهي كلها أمور قد تؤثر سلباً على حظوظ الديمقراطيين.

وعلى الجانب الآخر، يلعب الديمقراطيون على الوتر نفسه، وإن بطريقة مختلفة، إذ يؤكدون أن فوز الجمهوريين سوف يعرقل سياسات إدارة بايدن للنهوض بالاقتصاد، وهو ما سينعكس سلباً على سياسات تحفيز الاقتصاد، فقد حذر بايدن من أن خطط الجمهوريين الاقتصادية ستسبب فوضى في أكبر اقتصاد في العالم إذا فازوا بالسيطرة على الكونغرس.

كما يروج الديمقراطيون لبعض المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تحققت في عهد بايدن، مثل انخفاض عجز الميزانية المالية لعام 2022 بمقدار النصف عن العام السابق إلى 1.375 تريليون دولار، غير أنه بالنظر إلى عدم انعكاس ذلك إيجاباً على معيشة الأفراد، فإنه يتوقع أن يستمر الغضب الشعبي من سياسات بايدن الاقتصادية، خاصة في ظل عجزه عن خفض التضخم، والذي بلغ أعلى مستوى له منذ 40 عاماً، ووصل إلى 9.1% في يونيو 2022، أو كبح أسعار الطاقة، فضلاً عن شنّه هجوماً، في مطلع نوفمبر، على شركات صناعة النفط الأمريكية، مؤكداً أنها تحصل على  أرباح قياسية، فضلاً عن اتهامها بعدم الوفاء "بواجب الاستثمار في أمريكا، لدعم الشعب الأمريكي".

5. تراجع الممارسات الديمقراطية: يسود حالياً نقاش واسع في الدوائر الأمريكية حول تراجع وموت الديمقراطية الأمريكية، وهو ما يرتبط بتصاعد مناخ الاستقطاب بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبدت تجلياته في تشكيك بعض مرشحي الجمهوريين والديمقراطيين في نتائج الانتخابات في حالة خسارتهم لها، فضلاً عن تأكيد الديمقراطيين أن فوز الجمهوريين سوف يمثل انتكاسة للديمقراطية، وهو ما يعد في حد ذاته ضد قواعد الممارسة الديمقراطية.

ومن جهة أخرى، تتنامى مخاوف الديمقراطيين من حشد الجمهوريين لعدد واسع من المراقبين للتأكد من نزاهة الانتخابات، إذ يرون أن ذلك العدد قد يتم توظيفه في ترهيب الناخبين أو التأثير على توجهاتهم، وهو ما يعكس سيادة مناخ غير صحي قبل الانتخابات، ويعكس تشكيك الديمقراطيين كذلك في مسار العملية الانتخابية، وهو ما يرتد سلباً على الممارسات الديمقراطية في الولايات المتحدة، ويغذي رأياً عاماً مشككاً في نتائج الانتخابات على الجانبين.

6. امتداد الصراع إلى مواقع التواصل: امتد الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين إلى الواقع الافتراضي، فقد انتقد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، استحواذ الملياردير إيلون ماسك على شركة تويتر، قائلاً إن منصة التواصل الاجتماعي مسؤولة عن بث الأكاذيب، وتزامن ذلك مع حث إيلون ماسك، المالك الجديد لموقع تويتر، الأمريكيين، في 7 نوفمبر، على اختيار الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، على سند من القول إن "السلطة المشتركة تكبح أسوأ تجاوزات كلا الحزبين".

ويلاحظ أن ماسك يتبنى بعض توجهات الجمهوريين، خاصة فيما يتعلق بضرورة التوصل لتسوية سلمية للحرب الروسية – الأوكرانية، وهو الأمر الذي يؤيده أغلبية الجمهوريين.

7. محاكمة ترامب في مواجهة تسييس الـ "أف بي آي": سعى الديمقراطيون على مدار شهور لاتهام ترامب بالتورط في اقتحام مبني الكونغرس الأمريكي، فضلاً عن مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل الرئيس السابق ترامب بحجة احتفاظه بأوراق سرية تضر بالأمن القومي الأمريكي، وهي الاتهامات التي رفضها الجمهوريون، واعتبروها محاولة من الديمقراطيين لإقصاء ترامب عن خوض الانتخابات القادمة في 2024، ولذلك اتحدوا في الدفاع عنه.

ومن جانب آخر، شن الجمهوريون هجوماً على مكتب التحقيقات الفيدرالي، متهمين إياه بإساءة استخدام السلطة، وبالتسييس، وذلك في تقرير تم إصداره من قبل اللجنة القضائية في الكونغرس في 4 نوفمبر 2022. وتتمثل أبرز الاتهامات التي كالها الجمهوريون في إساءة استخدام سلطة المراقبة في الخارج، والسماح بالاعتداء على الكنائس والعيادات التي تعارض الإجهاض، ومساعدة شبكات التواصل الاجتماعي في قمع حرية التعبير. ولا شك أن هجوم الجمهوريين على مكتب التحقيقات يوازن اتهام الديمقراطيين لترامب بتورطه في الهجوم على الكونجرس، أو تعريض الأمن القومي للأمريكي للخطر، وبغض النظر عن حقيقة هذه الاتهامات، فإنها ستستخدم سياسياً للتأثير على توجهات الناخبين.

8. تراجع محتمل للدعم الأوكراني: يلاحظ أن الجمهوريين بدؤوا الترويج لسياسات مختلفة عن سياسة إدارة بايدن، خاصة فيما يتعلق بالدعم الأمريكي لأوكرانيا، والذي كلف الولايات المتحدة حوالي 60 مليار دولار خلال الفترة من فبراير 2022 وحتى أكتوبر 2022.

فقد أكد زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، كيفين مكارثي، الذي سيصبح رئيساً لمجلس النواب في حال فوز حزبه بغالبية مقاعد المجلس: "أعتقد أننا سنواجه ركوداً، ولن نكتب شيكاً على بياض لأوكرانيا. هذا غير ممكن". ويلاحظ أن مثل هذا التطور سوف يؤثر سلباً على حجم الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي لكييف، وهو ما يعني أنه لن يكون بمقدورها مواصلة الحرب، وسوف يتوجب عليها الجلوس على طاولة المفاوضات لتقديم تنازلات قد تبدو صعبة.

وعلى الرغم من تأكيد البيت الأبيض، في 7 نوفمبر، أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيكون "ثابتاً" حتى وإن فاز الجمهوريون، غير أن الواقع العملي قد لا يتجاوب مع هذه التصريحات، خاصة مع تسرب أنباء في الصحافة الأمريكية تفيد بأن الإدارة الأمريكية تضغط على أوكرانيا للتراجع عن رفضها للجلوس على طاولة المفاوضات، وهو ما يعني في النهاية أن الخيار التفاوضي هو الذي سيحسم الصراع، وليس عبر تحرير الأراضي الأوكرانية كاملة، كما كان يلوح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

9. استمرار اتهامات التدخل الروسي: تنفي موسكو تورطها في التدخل في الانتخابات الأمريكية، فقد أكد رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين، في 7 نوفمبر، أن بلاده لا تتدخل في الانتخابات الأمريكية، مؤكداً أن "الاتهامات الأمريكية الجديدة هي محاولة من قبل الديمقراطيين لتبرير هزيمتهم في انتخابات الكونغرس".

ويتنافى ذلك تماماً مع تأكيد غالبية الصحافة الأمريكية تدخل روسيا في الانتخابات، فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن خبراء أمريكيين في مجال الأمن الرقمي قولهم وجود محاولات روسية للتدخل في الانتخابات، في حين تحدث موقع "أكسيوس" عن حملة تضليل يشتبه بوقوف روسيا وراءها.

ولعل ما أكد هذه الاتهامات تصريح نسب إلى رجل الأعمال الروسي، إيفغيني بريغوجين، مالك شركة فاغنر الروسية يوم 7 نوفمبر، على مواقع التواصل الاجتماعي لشركته كونكورد لخدمات الضيافة على موقع فكونتاكتي، المكافئ الروسي لفيس بوك، والتي أكد فيها "لقد تدخلنا، نقوم بذلك وسنواصل القيام بذلك. بحذر ودقة، بطريقة موضعية، بطريقة خاصة بنا". وبغض النظر عن صحة هذا التصريح من عدمه، فإنه من المؤكد أن حديث "التدخل الأجنبي" سوف يظل ركناً أساسياً في دعاية الديمقراطيين ضد الجمهوريين.

10. ثبات السياسة الأمريكية تجاه الصين: في حين أن السياسة الأمريكية تجاه الحرب الأوكرانية قد تختلف في حال فوز الجمهوريين بالانتخابات، فإنه من الثابت أن هناك إجماعاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أبعاد السياسة الأمريكية تجاه الصين، أي مواصلة السياسات الحمائية الأمريكية في مواجهة ما تعتبره واشنطن ميزة غير عادلة تتمتع بها الصين في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن مواصلة الأخيرة تأسيس تحالفات دولية في مواجهة الصين، وتوظيف تايوان ضدها.

وفي الختام، يمكن القول إن انتخابات التجديد النصفي سوف تكون حاسمة في تحديد هوية المرشحين للرئاسة الأمريكية، كما أنها تعكس استمرار الاستقطاب الحاد في الداخل الأمريكي بين الديمقراطيين والجمهوريين، فضلاً عن إمكانية تأثيرها على مستقبل السياسة الأمريكية، إذا فاز الجمهوريون بأغلبية في أحد المجلسين، أو كلاهما، إذ يتوقع أن يتم تقييد سياسة الرئيس بايدن تجاه بعض الملفات، خاصة فيما يتعلق بفرض كوابح للدعم الأمريكي للحرب الأوكرانية، غير أنها لن تنعكس إيجاباً على العلاقات الأمريكية – الصينية.