الخوف من تحكم تيار الصهيونية الدينية بمنظومات الحياة الداخلية (قضاء وتعليم وثقافة وعلمانية الدولة) من قِبل معسكر التغيير أو المعسكر العلماني الليبرالي - كما يحب أن يطلق على نفسه - أصبح واضحًا وقويًا، لدرجة أن رئيس الحكومة الحالي يائير لبيد وأركان حكومته أصبحوا يمارسون دور المعارضة وهم لا زالوا في الحكم؛ فردًا على اتفاق نتنياهو مع آفي ماعوز (رئيس حزب "نوعم") الذي تضمن تسلم ماعوز قسم المناهج الخارجية داخل وزارة التعليم، شنّ المعسكر العلماني بقيادة لبيد حملة تحريض قوية، بحيث إنه دعا إلى ما يشبه تمردًا على صلاحيات ماعوز، الأمر الذي كان له أثر كبير حتى بين صفوف علمانيي "الليكود"، ممّا اضطر نتنياهو للتأكيد على أنه شخصيًا صاحب الصلاحيات على ماعوز، وأن الأخير لن يكون حرّ التصرف دون العودة إلى نتنياهو، وذلك بهدف تهدئة مخاوف الغالبية التي احتجت على تسلم ماعوز لقسم مهم في وزارة التعليم.
آفي ماعوز، ابن الـ 67 عامًا، ورئيس حزب "نوعم" المنضم للصهيونية الدينية والممثل فيها بمقعد واحد من غلاة المستوطنين، ومن الأكثر تشددًا دينيًا، حيث يعتبر العلمانية والثقافة الغربية هي التهديد الأخطر على الحياة اليهودية، ويشكّك بيهودية المهاجرين من روسيا، ويطالب بتغيير قانون العودة بحيث يصبح أكثر تشددًا فيمن يعتبر يهوديًا ويحق له العودة، فضلًا عن موقفه الرافض للمثلية ولكل ما يتعلق بمفهوم الجندر وتمسكه بتطبيق منهاج الشريعة اليهودية، وترديده شعار "بالنور والنار سنطرد الظلام"، وهو الشعار الذي يردده من على منبر الكنيست، والظلام بالنسبة له هو نمط الحياة العلماني الذي يخالف الشريعة اليهودية.
في اتفاق ماعوز مع نتنياهو، أسند له نتنياهو منصب وزير في مكتب نتنياهو، وزير مسؤول عن قسم الدراسات الخارجية في وزارة التعليم، وهو قسم مهم وحيوي، حيث يحدد للطلاب ماهية المواضيع الدراسية والبحثية التي سيتعلمونها من خارج المنهاج المقرر من قِبل دائرة المناهج، وتسمى دراسات خارجية، واظب هذا القسم في السابق على التركيز على المدنيات والأدب والفلسفات والهوية والتاريخ، بينما ماعوز يعتبر أن أحد أهم أولوياته هو غرس مفاهيم الشريعة والتراث والهوية اليهودية لدى الطلاب بطريقة تجعلهم قادرين على التمسك بنمط الحياة المتوافق مع الشريعة اليهودية.
نتنياهو يعرف في قرارة نفسه أن ماعوز عبء كبير عليه مقارنة بكتلته البرلمانية، وهي مقعد واحد، وأنه غير مضطر لإدخاله للائتلاف، فبدونه سيبقى ائتلاف نتنياهو 63 بدلًا من 64 مقعدًا، لكن نتنياهو على ما يبدو أراد من إدخاله للائتلاف جعله بمثابة المنديل الأحمر الذي يلفت الأنظار ويجذب كل النار إليه ليغطي بذلك على ما يقلقه فعلًا، وهي الكتل الكهانية الكبيرة التي تشاركه الائتلاف وتشاركه الحكم؛ بل وتملي عليه إرادتها (بن غفير وسموتريتش)، فمن الجيد بالنسبة لنتنياهو أن يشتغل الإعلام والنشطاء والسياسيين بآفي ماعوز وأن توجه إليه كل طاقتهم الهجومية، وفي النهاية سيستجيب لهم نتنياهو ويكون بمثابة المهدئ الوطني والمهني الذي يخاف ويهتم بمستقبل الدولة ومؤسساتها، ويفرض سيطرته على ماعوز أو حتى يطرده من الائتلاف؛ وبذلك يكون قد اشترى وقتًا ثمينًا لبسط ائتلافه وشرعنته، داخليًا وخارجيًا.
ائتلاف سموتريتش - بن غفير بالنسبة لنا كفلسطينيين هو الائتلاف الأشد خطورة، وهو قفزه نوعية على طريق الضم وفرض السيادة وتعميق العنصرية وإنشاء حكومة للمستوطنين، توفر لهم الأمن الخاص والأموال والتشريعات القانونية والتغطية الحكومية، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد سكان في مدنهم وقراهم المحاصرة بدون حقوق سياسية.
وربما سيكون السؤال الأسرع الذي سيواجه حكومة نتنياهو هو العلاقة مع السلطة، وهو سؤال سيفرضه الاستحقاق المالي الشهري المتعلق بالتحويلات الضريبية، وحيث إن وزير المالية سموتريتش وطاقم وزارته هم المسؤولون عن إصدار أمر التحويل المالي بعد اجتماعات مقاصة شهريًا تعقدها مع وزارة المالية الفلسطينية، فهل سيُضطر سموتريتش (وهو الذي يطالب بفرض السيادة على الضفة وتفكيك السلطة والتعامل مباشرة مع السكان) إلى تحويل الأموال أم إنه سيصر على تجميدها، وربما ربطها باشتراطات تعجيزية؟
إن تحويل العائدات الضريبية للسلطة سيكون الاختبار الأول للائتلاف الكهاني، فضلًا عن علاقات السلطة مع منسق نشاطات الحكومة. اختبارات كثير تنتظر حكومة نتنياهو لتختبر وعود الكهانيين لجمهورهم، سواء في الضفة والقدس أو الـ 48، هل سيتمكنون من تحقيقها أو تحقيق بعضها؟ وهل يصرون على ذلك أم إنهم سيصطدمون بتحديات الواقع الأقوى من عنترياتهم ومن أيديولوجياتهم؟