• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

إقصاء ترامب: تداعيات تقرير تحقيق لجنة الكونجرس في أحداث 6 يناير على الداخل الأمريكي


أعلنت لجنة التحقيق بمجلس النواب في أحداث 6 يناير 2021، في 19 ديسمبر 2022، عن الملخص التنفيذي للتقرير النهائي الذي سيكون مكوناً من ثمانية فصول حول الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 عشية تصديق الكونجرس على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وقد كشف الملخص عن وجود دور مباشر للرئيس السابق دونالد ترامب في الهجوم، موجهاً اتهامات جنائية إليه بحجة أنه دعا إلى رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أعلنت فوز المنافس الديمقراطي –حينذاك – جو بايدن، فضلاً عن تعمده التصريح ببيانات كاذبة، ومحاولة الإضرار بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال تحريض المواطنين على رفض نتيجة الانتخابات، وعرقلة المؤسسات الأمريكية.

ومع إعلان الرئيس السابق، في منتصف نوفمبر الفائت، عن ترشحه للمرة الثالثة للانتخابات الرئاسية لعام 2024، فإنه من المتوقع أن يكون لهذا التقرير تداعيات على الداخل الأمريكي، خاصةً على مستوى زيادة حدة الانقسامات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فضلاً عن ميل بعض الجمهوريين داخل الكونجرس إلى الانتقام من بايدن وإدارته، في وقت تواجه فيه الإدارة الأمريكية العديد من التحديات الداخلية والخارجية. وسيكون للتقرير انعكاسات كبيرة على مستقبل العملية السياسة في البلاد، وتحديداً مسألة ترشح “ترامب” للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024؛ وذلك بعدما اعتبر تقرير اللجنة أن “ترامب” عديم الأهلية لتولي أي منصب رسمي مستقبلاً.

اتهامات جنائية

أوضح الملخص الصادر عن لجنة التحقيق التي استمرت في سماع الشهادات وإجراء التحقيقات لمدة تصل إلى 18 شهراً، مجموعة من الأمور التي يمكن تلخيصها فيما يلي:

1– اتهام “ترامب” بنشر أكاذيب بشأن تزوير انتخابات 2020: وجهت اللجنة اتهامات إلى الرئيس الأمريكي السابق بتعمد نشر مزاعم كاذبة عن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بدايةً من ليلة 6 يناير 2021 وما بعد ذلك؛ من أجل تحقيق هدفه الرئيسي الخاص بإلغاء الانتخابات؛ وذلك رغم خسارته هو وأنصاره عشرات الدعاوى القضائية الانتخابية. وأضاف التقرير أنه بالرغم من دحض كبار مستشاري “ترامب” ادعاءاته المتعلقة بالتزوير وحثه على الاعتراف بخسارته في الانتخابات، فإنه رفض قبول النتيجة القانونية لانتخابات عام 2020، وبدلاً من احترام التزامه الدستوري بـ”الحرص على تنفيذ القوانين بأمانة”، تآمر لإلغاء النتيجة.

2– عرقلة “ترامب” عمل الكونجرس للمصادقة على النتائج: تم توجيه الاتهام أيضاً لـ”ترامب” بمحاولة الضغط على نائبه “مايك بنس” لرفض فرز الأصوات الانتخابية خلال جلسة الكونجرس المشتركة في 6 يناير 2021، رغم معرفته بعدم قانونية الإجراء. ووفقاً لتقرير اللجنة، ضغط “ترامب” كذلك على أعضاء الكونجرس للاعتراض على قوائم صالحة للناخبين من عدة ولايات، دون أي أساس إثباتي، وبما يتعارض مع قانون هذه الولايات والقانون الفيدرالي، وضغط أيضاً بشكل غير قانوني على المسؤولين والمشرعين لتغيير نتائج الانتخابات في ولاياتهم، وخلال ذلك أشرف “ترامب” بنفسه على الجهود التي بُذلت لأجل الحصول على شهادات انتخابية مزورة وإرسالها إلى الكونجرس والأرشيف الوطني.

3– تآمر “ترامب” لإفساد عمل وزارة العدل لإلغاء النتائج: أشار التقرير إلى أنه بالتوازي مع ما سبق، لم يتراجع “ترامب” عن تحركاته الرامية إلى إفساد عمل وزارة العدل الأمريكية، من خلال محاولة تجنيد مسؤولي الوزارة للإدلاء ببيانات كاذبة عن عمد، ومن ثم مساعدة جهوده لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية. وبعد فشل هذا الجهد، عرض “ترامب” منصب القائم بأعمال النائب العام على “جيف كلارك”، الذي كان ينوي نشر معلومات كاذبة تهدف إلى إلغاء الانتخابات، بحسب ما تشير نتائج تحقيقات لجنة 6 يناير.

4– توجيه “ترامب” مناصريه للاحتجاج بقوة يوم 6 يناير: طبقاً لتقرير اللجنة، في سياق هدفه لإلغاء نتيجة الانتخابات، تعمد “ترامب” استغلال مزاعم التزوير لحشد مناصريه، وهو ما كان سبباً رئيسياً لأحداث العنف في 6 يناير؛ فمن خلال مزاعمه بسرقة الانتخابات تمكن الرئيس السابق من استدعاء عشرات الآلاف من المؤيدين إلى واشنطن في 6 يناير. ورغم غضبهم وتسلح بعضهم، أمرهم “ترامب” بالسير إلى مبنى الكابيتول تحت زعم “استعادة” بلدهم؛ وذلك بعد أن دعا في تغريدة سابقة له نشرها في 19 ديسمبر 2020، إلى احتجاج “جامح” في واشنطن يوم 6 يناير، وهو ما ترجمه أنصاره واليمينيون المتطرفون إلى نداء للتحضير لحادث اقتحام الكابيتول، وفق ما ورد في التقرير.

5– قصور “ترامب” في أداء واجبه لحفظ الأمن في البلاد: بحسب تقرير اللجنة، رغم علم “ترامب” بأن أعمال العنف كانت جارية في مبنى الكابيتول، ورغم واجبه في ضمان تنفيذ القوانين؛ رفض الطلبات المتكررة على مدى ساعات عدة بدعوة مؤيديه إلى التفرق ومغادرة مبنى الكابيتول، وهو ما أدى إلى استمرار أحداث العنف وعرقلة إجراء الكونجرس فرز الأصوات الانتخابية. وفيما كان للرئيس “ترامب” السلطة والمسؤولية لتوجيه نشر الحرس الوطني في مقاطعة كولومبيا، لكنه لم يصدر أي أمر بنشر الحرس الوطني في 6 يناير أو في أي يوم آخر. وأكدت اللجنة أنها تتهم الرئيس السابق بـ”التقصير في أداء الواجب”؛ لأنه لم يأمر أي وكالة فيدرالية معنية بإنفاذ القانون بالمساعدة لإنهاء هذا الوضع.

تبعات محتملة

على الرغم من أن التوصيات التي جاءت في التقرير غير ملزمة، ورمزية؛ إذ إنها لا تُلزم وزارة العدل – التي عينت مستشاراً خاصاً للإشراف على التحقيقات التي تجريها بشكل مستقل في نوفمبر المنصرم – بإخضاع ترامب وأعوانه للتحقيق، فإنها ستكون لها تبعات متعددة على الداخل الأمريكي، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

1– دعم تحقيقات وزارة العدل الجارية بشأن أحداث الكابيتول: من المؤكد أن وزارة العدل ستضم نتائج تقرير الكونجرس إلى تحقيقاتها الجارية بشأن الهجوم على مبنى الكابيتول، وهو الأمر الذي قد يدعم فرص إجبارها الرئيس السابق ترامب وشركاءه على المثول أمام القضاء الأمريكي بشأن تلك الاتهامات. وقد أكد هذا الأمر العديد من أعضاء لجنة التحقيق داخل الكونجرس، بما في ذلك النائب الديمقراطي بيني تومسون رئيس لجنة التحقيق، الذي أكد – خلال حوار صحفي له بعد صدور نتائج التقرير – أن وزارة العدل “ستوجه الاتهام إلى الرئيس السابق ترامب”، مشيراً إلى أنه “لا أحد فوق القانون”.

2– معاقبة “ترامب” وداعميه المحتملة على الاتهامات الجنائية: قد تجرُّ إحالة اللجنة الرئيسَ السابق لوزارة العدل إلى محاكمته جنائياً، المزيد من الأعباء القانونية على ترامب الذي بدأ حملته الرئاسية لعام 2024؛ إذ لا يحقق المدعون الفيدراليون التابعون لوزارة العدل في جهود ترامب لإحباط نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة فحسب، بل أيضاً في سوء تعامله مع السجلات الرئاسية والمواد السرية التي أخذها معه عندما غادر البيت الأبيض. وقد يمضي المدعي العام في ولاية جورجيا قدماً في تحقيق بشأن جهود ترامب لعكس خسارته في الانتخابات في تلك الولاية، فضلاً عن الضغط على ترامب وتوسيع التحقيقات معه فيما يتعلق بالتهرب الضريبي، لا سيما أن منظمة ترامب وشركة “ترامب بايرول كورب” قد تم اتهامهما في ديسمبر الجاري بتنفيذ خطة احتيال للتهرب الضريبي خلال فترة زمنية قدرها 13 عاماً.

وقدمت لجنة 6 يناير عبر الأدلة التي قدمتها حجة قوية ضد “ترامب” وداعميه، وبات في الإمكان تقديم هذه الأدلة ضد “ترامب” وأنصاره لمعاقبتهم على مخططهم للإعلان عن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020 عن طريق الدفع بمجموعة متنوعة من الأكاذيب التي بلغت ذروتها في الحديث عن وجود قوائم انتخابية مزيفة، كما أوصت اللجنة بمحاكمة “ترامب” بتهمة التحريض على العصيان، وتقديم الدعم للمتمردين، وهي تهمة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية. وبشكل عام، تنحصر اتهامات اللجنة لـ”ترامب” في أربع جرائم؛ هي: عرقلة إجراء رسمي، والتآمر للاحتيال على الحكومة، والإدلاء ببيانات كاذبة عن علم وعن قصد للحكومة الفيدرالية، والتحريض على التمرد أو المساعدة فيه.

3– تهديد فرص ترشح ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة: في غمار عزم الرئيس السابق الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة التي قد تسمح له بدخول البيت الأبيض من جديد، قد تكون نتائج التحقيق وما جاء في تقرير اللجنة ذات تأثير سلبي على سمعة ترامب؛ الأمر الذي قد يفقده الدعم على المستوى الشعبي من جانب العديد من مؤيديه السابقين أو كارهي الإدارة الديمقراطية، كما سيفقده الدعم على المستوى الحزبي؛ إذ قد تجعل نتائج التحقيق الحزب الجمهوري يتبرأ من ترامب ويرفض دعمه في الانتخابات القادمة، لا سيَّما أن هناك انقسامات بالأساس داخل الحزب حوله، كما أن هذا التقرير سيؤثر على سمعة الحزب الجمهوري نفسه، وعلى سمعة العديد من أعضائه الذين تم توجيه الاتهامات إليهم في دعم ترامب، أو رفض مساعدة اللجنة عبر الامتناع عن الإدلاء بشهادتهم أمام الكونجرس.

4– منح الفرصة لمرشحين رئاسيين آخرين بالحزب الجمهوري: قد يسهم هذا التقرير، وما تمخض عنه من نتائج، في منح فرص أكبر لظهور مرشحين آخرين داخل الحزب الجمهوري يكونون أكثر حظاً في الفوز ببطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة، خاصةً أنه حتى لو دفع الحزب الجمهوري بترامب في الانتخابات القادمة، فقد يزيد من فرصة خسارته أمام مرشح الحزب الديمقراطي الذي سيستغل تلك الحادثة بشكل كبير، وسيسلط الضوء عليها طوال حملته الانتخابية، على غرار ما فعل الديمقراطيون خلال حملاتهم الانتخابية الخاصة بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الماضي.

5– إحداث المزيد من الانقسامات الحزبية بداخل الكونجرس: يرفض العديد من الجمهوريين توجيه اتهامات للرئيس السابق، ويرون أن الإدارة الديمقراطية الراهنة، والديمقراطيين داخل الكونجرس، يحاولون قلب الأمور على ترامب انتقاماً منه، ولتحقيق مكاسب سياسية على الحزب الجمهوري، لا سيَّما أنها تعد سابقة أن يوجه الكونجرس طلباً لوزارة العدل بمقاضاة رئيس حالي أو سابق. وقد توعد العديد من المشرعين داخل الكونجرس حتى قبل صدور التقرير النهائي، وانتهاء تحقيقات اللجنة، بتأكيد أن توجيه الاتهامات لترامب سيدفعهم للرد عبر عرقلة أجندة الرئيس بايدن، ورفض تمرير مشاريع القوانين خلال وجودهم داخل الكونجرس على مدار العامين القادمين، وهو الأمر الذي قد يعطل العديد من مشاريع الرئيس بايدن خلال الفترة القادمة، خاصةً في حال مثول ترامب فعلياً أمام القضاء الأمريكي.

مأزق جمهوري

وختاماً، يمكن القول إن استنتاجات اللجنة تؤكد أن الرئيس السابق دونالد ترامب كان العامل الرئيسي في اندلاع أعمال الشغب والهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير من خلال ما نشره من أكاذيب ومزاعم حول تزوير الانتخابات، ومن خلال محاولاته للتأثير على كافة المسؤولين لإلغاء نتيجة الانتخابات، والتشكيك في نتائج الولايات التي فاز بها بايدن. وسيكون لهذا الأمر تداعيات داخلية ستصب في صالح الحزب الديمقراطي خلال الفترة القادمة، وستزيد من حدة الانقسامات داخل الحزب الجمهوري الذي سيكون عليه العمل على التخلص من هيمنة ترامب على الحزب، وهو أمر سيشكل معضلة داخله بالنظر إلى أن ترامب لا يزال يتمتع بشعبية غير محدودة، وتأثير على العديد من الأعضاء، كما أنه يرفض التنحي عن المشهد السياسي.