• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
مقالات مترجمة

ما مخاطر تبني إدارة "بايدن" استراتيجية عدائية ضد التكنولوجيا الصينية؟


نشر موقع “بوليتيكو” مقالاً للكاتب جون بيتمان الزميل الأول في برنامج التكنولوجيا والشؤون الدولية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بعنوان “الموقف المناهض للصين في واشنطن سوف يأتي بنتائج عكسية”؛ وقد تطرق الكاتب خلاله إلى ملامح استراتيجية واشنطن العدائية ضد التكنولوجيا الصينية في العقد الأخير، ومخاطر تبني إدارة “بايدن” استراتيجية عدائية ضد التكنولوجيا الصينية. وأشار المقال إلى أن الشخصيات المتشددة في إدارة “بايدن” والكونجرس ووزارة الخارجية هي من تقود نهج الفصل التكنولوجي “المتشدد” تجاه الصين.

تحركات معادية

وفقاً للمقال، تآكلت الأسس الاستراتيجية التي قامت عليها العلاقة الاقتصادية القوية بين بكين وواشنطن في العقد الماضي؛ إذ أصبحت الصين في عهد الرئيس “شي جين بينج” أكثر حزماً في الخارج وأكثر قمعاً في الداخل. ورأى المقال أن هناك بعض المؤشرات الدالة على تبني واشنطن استراتيجية عدائية ضد التكنولوجيا الصينية في العقد الأخير، وهي:

1. تبني إدارة “أوباما” استراتيجية “القومية التقنية” ضد الصين: بحسب المقال، فإنه مع تنامي قدرة ونفوذ الشركات الصينية وقدرتها على تصنيع جميع الأشياء تقريباً، زادت المخاوف الأمريكية القديمة بشأن التجارة غير العادلة، حتى إن إدارة “أوباما”، التي كانت تتطلع في البداية إلى “علاقة إيجابية وبناءة وشاملة مع الصين”، أعلنت في النهاية عن “عودة المنافسة بين القوى العظمى”، ومن ثم بدأت واشنطن تتبنى استراتيجية “الفصل التكنولوجي والقومية التقنية”.

وأوضح المقال أن “القومية التقنية” تعني أن التكنولوجيا يجب أن يتم توجيهها وتسخيرها من قبل الدولة بدلاً من قوى السوق العالمية. وأضاف المقال أن تصاعد التهديدات الإلكترونية الأجنبية، وخاصةً سرقة الملكية الفكرية الصينية والتدخل الروسي في الانتخابات، جعل واشنطن ترى الانفتاح الرقمي الأمريكي مصدراً للضعف. وأشار المقال إلى أن النجاحات الهائلة التي حققتها الصين في القطاعات الاستراتيجية الناشئة مثل 5G والذكاء الاصطناعي، أدى إلى استنتاج صانعي السياسة الأمريكيين أن العلاقات التقنية الثنائية لم تعد تعمل لصالح واشنطن.

2. تطبيق إدارة “ترامب” القومية التقنية ضد بكين بشكل حاسم: نوه المقال أن إدارة “ترامب” طبقت القومية التكنولوجية الأمريكية بشكل حاسم ضد الصين، مدللاً على ذلك بتكثيف ضوابط التصدير التي تستهدف الصين بشكل كبير، وتحديداً من خلال قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة التي تمنع الشركات الأجنبية من استيراد المنتجات الأمريكية. ولفت المقال إلى أن عدد الشركات الصينية في هذه القائمة تضاعف أربع مرات بين عامي 2018 و2022، وكان من أبرز المستهدفين شركة هواوي.

وطبقاً للمقال، فإنه بجانب ضوابط التصدير، عملت مجموعة من الإجراءات الأمريكية الأخرى على كبح تدفق التكنولوجيا من الصين وإليها؛ إذ شددت إدارة “ترامب” الرقابة على الاستثمارات الصينية، وفرضت تعريفات جمركية واسعة النطاق على السلع الصينية، وقيدت استخدام المعدات الصينية من قبل الوكالات الفيدرالية والمقاولين. وأكد المقال كذلك أن الطلاب والباحثين الصينيين وجدوا صعوبة أكبر في الحصول على التأشيرات، وواجه بعضهم تحقيقات جنائية ومقاضاة لتقليل العلاقات مع بكين.

3. قيام “بايدن” في بداية ولايته بإصلاح أخطاء “ترامب” تجاه بكين: وفقاً للمقال، نجحت إدارة “ترامب” في بعض الحالات، في معالجة التهديدات العالية التأثير بطرق متناسبة، لكن في حالات أخرى، كانت هناك قيود تهدد بإلحاق ضرر أكثر من نفعها؛ فعلى سبيل المثال، هدد حظر “ترامب” لتطبيق “وي شات” بعرقلة اتصالات الشركات الأمريكية في الصين. وشدد المقال على أن الرئيس “جو بايدن” حاول بعد توليه الحكم إصلاح كل أخطاء “ترامب”، مشيراً إلى أنه بعدما اعتمد الأخير على التدابير التقييدية لمواجهة التهديدات التكنولوجية الصينية، عمل الأول مع الكونجرس لتأمين استثمارات ضخمة في النظام البيئي التكنولوجي للولايات المتحدة.

وأوضح المقال أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن الأدوات الدفاعية، مثل ضوابط التصدير، ليست قوية بما يكفي لإبقاء الصين في مأزق إلى الأبد، ولكن يمكنها منح الوقت للولايات المتحدة لإجراء تحسينات طويلة الأجل في قيادتها التكنولوجية ومرونتها. وبحسب المقال، قام “بايدن” بسد بعض الثغرات المهمة، وسعى – على سبيل المثال – إلى ضبط عمليات “ترامب” الفوضوية من خلال إجراء تحقيقات جادة حول شركات التكنولوجيا الصينية بدلاً من فرض حظر شامل، ونشر معايير أكثر تفصيلاً حول موعد فرض مثل هذا الحظر.

4. انتهاج “بايدن” استراتيجية جديدة أكثر عدائية تجاه الصين: ومع ذلك كانت هناك إشارات متزايدة، طبقاً للمقال،  إلى وجود أجندة أكثر عدوانية لدى إدارة “بايدن”؛ فقد أفادت تقارير في مايو الماضي بأن قائمة العقوبات الأمريكية الأكثر صرامة قد تستهدف لأول مرة شركة تكنولوجيا صينية كبرى، ثم جاء الإعلان المفاجئ في أكتوبر الماضي عن ضوابط تصدير جديدة على أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق.

ويعتقد المقال أن هذه الخطوة الأخيرة تمثل أشد تصعيد للفصل حتى الآن، خاصةً أن ضوابط التصدير الأمريكية الجديدة تمنع الصين من استيراد أشباه الموصلات الأجنبية المتطورة التي تحتاجها لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وبحسب المقال، فإنه في الوقت نفسه، سعت واشنطن إلى منع الصين من صنع إصدارات محلية من هذه الرقائق، أو حتى الرقائق متوسطة المدى التي تشغل إنترنت الأشياء والأجهزة الأخرى الأقل حجماً.

نتائج عكسية

أوضح المقال أن تحركات “بايدن” وجهت أقوى ضربة حتى الآن لطموحات الصين التكنولوجية، وأشارت إلى أن المزيد من الإجراءات القاسية قادمة، لكن المقال أكد أنه لا يمكن لواشنطن المضي قُدماً دون تقييم التصعيد العميق الجاري بالفعل، والمخاطر المتزايدة على المصالح الأمريكية، ومن أبرزها ما يلي:

1. تعريض الشركات الأمريكية لخسائر ضخمة نتيجة قيود التصدير: أشار المقال إلى أنه لدى الاقتصاد الأمريكي الكثير ليخسره؛ فقد توقعت شركات تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة خسائر بمليارات الدولارات من الإيرادات المفقودة نتيجة الجولة الأخيرة من ضوابط التصدير، وهو ما يقلل الأموال المتاحة للبحث والتطوير للحفاظ على القدرة التنافسية العالمية وتحسين قوة الحوسبة في العالم، وفق ما ذكر المقال.

ونوه المقال أنه مع تقدم التكنولوجيا، ستصبح فئة الرقائق والمعدات الفائقة الخاضعة للتحكم، شريحة أكبر من أي وقت مضى في السوق، وهو ما سيؤدي تدريجياً إلى توسيع فجوة الإيرادات للشركات الأمريكية. ووفقاً للمقال، فإنه على الرغم من أن واشنطن تغرق قطاع أشباه الموصلات بالدعم، فإن المحللين حذروا من أن مثل هذه المبالغ لن تحقق الأهداف التي يتوقعها الكثيرون، ولن يتساهل الكونجرس في دعم كل صناعة أمريكية تواجه ضوابط تصدير مستقبلية، بحسب ما ذكر المقال.

2. الإضرار بعلاقة واشنطن مع حلفائها الاقتصاديين والتكنولوجيين: أكد المقال أن الولايات المتحدة تخاطر بعزل الحلفاء والشركاء الذين تحتاجهم لتحقيق تطلعات اقتصادية وتكنولوجية أكبر، خاصةً أن ضوابط التصدير الجديدة تمتد إلى خارج نطاق الحدود الإقليمية، وتقيد مبيعات وعمل التايوانيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين والهولنديين في الصين، ولكن تم فرضها من جانب واحد، وفق ما ذكر المقال.

ونوه المقال إلى أنه بعد أن فشلت واشنطن في تأمين دعم هذه الحكومات، مضت قُدماً بدونها. ووفقاً للمقال، أثار هذا الأمر تذمر الحلفاء الذين يشعرون بالغضب أيضاً من الإعانات الأمريكية التمييزية الجديدة للسيارات الكهربائية وتصنيع أشباه الموصلات والقطاعات الأخرى. ورغم أن واشنطن تأمل مواءمة الإعانات مع حلفائها، بحسب المقال، فإنها تخاطر بإطلاق سباق دعم غير منسق ومهدر، إن لم يكن حرباً تجارية شاملة.

3. زيادة مستوى التدهور في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة: رأى المقال أن تبني واشنطن استراتيجية “شبه الاحتواء” للصين سيؤدي إلى زيادة انحدار العلاقات الأمريكية الصينية، وهو ما سيجعل التعاون أكثر صعوبة ويزيد من احتمالات حدوث أزمة، وفق ما ذكر المقال. وأكد المقال كذلك أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية الأكثر قسوة قد تؤدي إلى زيادة الآثار الخطيرة للتنافس بين الجانبين.

4. إعاقة معظم الابتكارات التجارية والعلمية في جميع أنحاء الصين: بحسب المقال، أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن المعالجات المتقدمة يمكن أن تساعد بكين على تعزيز قدراتها النووية والصاروخية، ونوهوا أنه يجب حظرها لهذا السبب. ورأى المقال أن هذه التطبيقات العسكرية تشكل جزءاً صغيراً من الاستخدامات المهمة التي لا حصر لها لأشباه الموصلات القوية والذكاء الاصطناعي.

وطبقاً للمقال، توجد استخدامات حميدة لأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، ومن بينها أتمتة العمليات التجارية، والتجارة الإلكترونية، والأمن السيبراني، وتشخيص الأمراض. ونوه المقال أنه يتم استخدمها كذلك في أبحاث تغير المناخ، بشكل سيفيد الولايات المتحدة والعالم. ورأى المقال أنه إذا نجحت الضوابط الجديدة، فإنها ستعوق مجموعة واسعة من الابتكارات التجارية والعلمية في جميع أنحاء الصين وستقلل ما يصل إلى 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وختاماً، أشار المقال إلى أن من المؤكد أن الولايات المتحدة تواجه تهديدات حقيقية من قبل الصين، مضيفاً أن إدارة “بايدن” تواجه معضلات حقيقية في معالجتها، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا توجد خيارات خالية من المخاطر لإدارة الترابط مع منافس استراتيجي. وشدد المقال على ضرورة وجود تقييمات واقعية وقرارات منطقية تستند إلى أفضل المعلومات المتاحة، وأكد أيضاً ضرورة وجود مساحة سياسية للتشكيك في المسار الحالي لإدارة “بايدن” وإجراء تحليل أكثر دقة للتكلفة والعائد. ودعا المقال كذلك إلى الاستماع باهتمام أكبر إلى حلفاء واشنطن وشركائها، الذين يشاركونها مخاوفها بشأن الصين، لكنهم يفضلون ردود أفعال أكثر اعتدالاً.