• اخر تحديث : 2024-03-28 03:17
news-details
مقالات مترجمة

"ميدل إيست آي": هل يحضّر بن غفير لحرب مقدسة ضد الفلسطينيين؟


نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقالا للكاتب جوناثان كوك، تناول فيه زيارة زعيم القوة اليهودية إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى على الرغم من التقارير التي تفيد بأنه اتفق مع نتنياهو على تأجيل مثل هذه الزيارة خوفًا من عواقب الانفجار المحتملة، وفي ما يلي نص المقال مترجم الى العربية:

أظهر زعيم القوة اليهودية من خلال زيارة الأقصى أنه يحمل السوط، وبالتأكيد هناك المزيد من الاستفزازات في جعبته؛ لم يضيع وزير الأمن القومي الإسرائيلي الجديد إيتمار بن غفير الوقت في إظهار من هو الرئيس. يوم الثلاثاء ـ بعد أيام من أداء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية ـ سار السياسي القومي المتطرف مباشرة إلى المسجد الأقصى في البلدة القديمة في القدس المحتلة الموقع الأكثر اشتعالًا في الشرق الأوسط.

لقد فعل بن غفير ذلك على الرغم من التقارير التي تفيد بأنه اتفق مع نتنياهو على تأجيل مثل هذه الزيارة خوفًا من عواقب الانفجار المحتملة. لكن من سيحاسبه على اللعب بالنار؟: رئيس وزراء يحتاج بشدة إلى دعم بن غفير للبقاء في السلطة حتى يتمكن نتنياهو من إصدار تشريع لإنهاء محاكمته بالفساد وإبعاده عن السجن؟، أم قوة الشرطة الإسرائيلية التي يملك بن غفير نفسه الآن سيطرة غير مسبوقة عليها؟

استخدم زعيم حزب القوة اليهودية الفاشي الزيارة ليشير لكل من أتباعه ونتنياهو أنه لا يجيب على أحد، وأنه لن يتنازل عن أيديولوجيته المتطرفة الخاصة بالتفوق اليهودي.

كما حملت الزيارة رسالة أخرى: يبدو أن بن غفير مستعد لإثارة حرب دينية - حرب من شأنها أن تثبت مرة وإلى الأبد قوة هذا النوع من التعصب والبلطجة اليهودية لإخضاع كل معارضة إسلامية. والأقصى يمكن أن يكون برميل البارود لإشعال مثل هذا الحريق.

مرت زيارة بن غفير ـ على الأقل حتى الآن ـ من دون رد فعل فلسطيني كبير على الرغم من أن حماس حذرت مسبقًا من أنها لن "تقف مكتوفة الأيدي"، مهددة "بالعنف المتفجر".

سيعود بن غفير قريبًا باستفزازات أكبر بالتأكيد. هو دعا ـ خلال حملة الانتخابات العامة الإسرائيلية الأخيرة وبعدها ـ اليهود إلى أن يكونوا قادرين على الصلاة في الموقع الإسلامي المقدس، وقال إنه سيطالب نتنياهو بإقرار ما يسميه "الحقوق المتساوية لليهود" هناك.

الاحتجاج الدبلوماسي

الخوف مما قد يفعله بن غفير بعد ذلك ما لم يكبحه نتنياهو كان جزءًا من أسباب عاصفة الاحتجاج الدبلوماسي التي أثارتها زيارته. واستدعى الأردن الذي يتمتع بوصاية رسمية على الموقع المقد سفير إسرائيل، بينما نهضت الولايات المتحدة ـ راعية إسرائيل ـ لوصف الزيارة بأنها "غير مقبولة". وأرجأت الإمارات زيارة نتنياهو المرتقبة.

سوف يسعد بن غفير بمثل هذا التوبيخ غير الفعال. والسابقة التي استند إليها هي الزيارة التي قام بها زعيم المعارضة آنذاك أرييل شارون إلى الأقصى في أيلول\سبتمبر 2000 مدعومًا بألف عنصر من قوات الأمن الإسرائيلية على خلفية معارضة شرطة القدس. وقد أدى هذا التوغل إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ـ الانتفاضة الثانية ـ كانت تبريرًا لسنوات من القمع العسكري الإسرائيلي الساحق. واستخدمت إسرائيل الدبابات لحصار الزعيم الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات في مقر قيادته في رام الله، بينما أضعف الجيش الإسرائيلي السلطة الفلسطينية، مما عكس فعليًا الوعد بالحكم الذاتي المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو. لقد أُستنزف المجتمع الفلسطيني تدريجيًا من القدرة والإرادة على تحمل الانتفاضة التي حصدت أرواح الآلاف.

قد يكون بن غفير يسعى إلى إثارة مواجهة مماثلة لتوفير ذريعة لإنهاء ما تبقى من السلطة الفلسطينية. يمكن أن تكون هناك مكافأة سياسية داخلية أيضًا: فقد ركب شارون موجة القومية اليهودية التي أطلق العنان لها مباشرة في مكتب رئيس الوزراء. أراد الجمهور الإسرائيلي جنرالاً لا هوادة فيه ووطنيًا يهوديًا ليقصفوا الشعب الفلسطيني لإخضاعهم. ومدعومًا بالفعل بموجة متجددة من الشوفينية اليهودية، إلى جانب الشرعية السياسية التي منحها إياها نتنياهو من خلال إيصال حزبه إلى الحكومة، ربما يأمل بن غفير في رؤية هذا السيناريو يتجدد مرة أخرى.

القوميات المتنافسة

صوّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية والدول العربية والدبلوماسيون الغربيون زيارة بن غفير على أنها تهدد ما يُعرف بـ "الوضع الراهن": مجموعة من المبادئ المتفق عليها في القرن التاسع عشر، وتجددت بعد احتلال إسرائيل للقدس في العام 1967 سيادة المسلمين على المساجد وسلطة الأوقاف الإسلامية في تنظيم الدخول والعبادة.

مع ذلك، فالحقيقة هي أن إسرائيل تعمل على تقليص الوضع الراهن بوتيرة أسرع منذ زيارة شارون. وهذا هو السبب في أن توغل الجنرال الإسرائيلي أشعل شرارة انفجار الفلسطينيين قبل عقدين من الزمن، وهو ما لم يحدث ـ حتى الآن على الأقل ـ مع زيارة بن غفير. لم تعد انتهاكات السياسيين الإسرائيليين المتطرفين للوضع الراهن خارجة عن المألوف.

ربما أكثر من أي زعيم إسرائيلي آخر في عصره، قدّر شارون الدرجة التي أصبحت بها الأقصى القلب الرمزي النابض لتلاعب القوة بين القوميتين الإسرائيلية والفلسطينية المتنافستين. وساعد عدم وضوح التمييز بين المشاعر القومية والدينية كما فعل في الأقصى في توحيد المجتمع الإسرائيلي المنقسم بشدة بسبب مسائل الدين.

كان يُنظر إلى ملكية المسجد - أو جبل الهيكل ـ كما يسميه اليهود الإسرائيليون في إشارة إلى معبدين يهوديين قديمين يفترض أنهما يقعان أسفل الساحة - كنتيجة طبيعية وتأكيدًا لملكية اليهود للأرض. أو كما قال شارون في ذلك الوقت، فإن الموقع المقدس كان "أساس وجود الشعب اليهودي، وأنا لا أخاف من أعمال الشغب من قبل الفلسطينيين".

وقد حرص اليهود على الإشارة إلى معبدين يهوديين قديمين يفترض أنهما يقعان أسفل الساحة في المسجد الأقصى – كنتيجة طبيعية وتأكيدًا لملكية اليهود للأرض، أو كما قال شارون في ذلك الوقت، فإن الموقع المقدس كان “أساس وجود الشعب اليهودي، وأنا لا أخاف من أعمال الشغب التي يقوم بها الفلسطينيين”.

كانت هذه هي الطريقة التي أعاد بها شارون القومي المتطرف والعلماني تعريف الصراع. لقد جعل تأكيد السيادة اليهودية على الساحة شرطًا أساسيًا لأي سياسي إسرائيلي يتنافس على السلطة. وبعدما أصبح رئيسًا للوزراء، وفي خضم الانتفاضة الثانية فرض شارون في العام 2003 بشكل أحادي دخول اليهود وغيرهم من غير المسلمين بسبب معارضة السلطات الدينية الإسلامية في الأقصى.

اليوم، لم يتبق سوى القليل من اتفاقية الوضع الراهن؛ فقوات الاحتلال الإسرائيلي هي التي تحدد بشكل حصري من يدخل الأقصى. وتقيّد عبادة المسلمين متى قررت إسرائيل ذلك. فيما الفلسطينيون من غزة المحاصرون في جيبهم بسبب الأسوار وأبراج المراقبة مستبعدون بشكل دائم من الموقع المقدس.

في غضون ذلك، يتمتع الجنود الإسرائيليون بالزي العسكري، واليهود المتدينون والمستوطنون بإمكانية الوصول بسهولة؛ وغالبًا ما يستخدمون زياراتهم للصلاة في انتهاك صارخ للوضع الراهن. وعلى نحو متزايد، تقتحم قوات الأمن الإسرائيلية المسجد متى شاءت؛ وقد ساهمت هذه الاقتحامات في أيار\مايو 2021 في أسابيع من العنف في كل أنحاء الأراضي المحتلة وداخل إسرائيل.

يرى بن غفير ـ كما شارون ـ الأقصى على أنه قضية وطنية عليا. وحدد أحد مشرعيه القائد العسكري الإسرائيلي السابق المسؤول عن غزة زفيكا فوغل هدف بن غفير، مشيرًا إلى أنه يمكن تحقيقه من دون رد فعل فلسطيني: "لا ينبغي أن نتعامل مع زيارته على أنها شيء من شأنه أن يؤدي إلى التصعيد. لماذا لا نعتبره جزءًا من تحقيق سيادتنا [اليهودية]؟ "

ومع ذلك ـ في مواجهة نتنياهو الضعيف ـ يجب أن يأمل بن غفير في دفع سياسة شارون أبعد من ذلك، ليس تأكيد مبدأ الملكية اليهودية للمكان المقدس فقط، ولكن أيضًا ترسيخ الواقع المادي للسيطرة اليهودية المطلقة. وهذا يشمل إعطاء الأولوية للعبادة اليهودية كما يحدث الآن في الخليل في المسجد الإبراهيمي. إنه أنموذج يريد المستوطنون الذين يتبعون بن غفير تكراره في الأقصى، كما يعني التقسيم المادي لساحة الأقصى، مما يعكس الواقع في الخليل.

مثل هذه الطموحات تكرر في الأقصى علاقة السيد والعبد التي طورتها إسرائيل في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وشرق القدس. في حالة الطعن في الحكم اليهودي على الساحة، يمكن للحكومة الإسرائيلية معاقبة المسلمين وحظر وصولهم إليه، مع تمكين شرطة الدولة - الآن تحت سيطرة بن غفير - من اقتحام المسجد أو أي موقع آخر في الساحة متى رأت ذلك ضروريًا. ولا تقف عند هذا الحد. لأن بن غفير مثل أنصاره يريد تدمير الموقع الإسلامي المقدس واستعادته كمعبد يهودي. وقال ذلك في أيار\مايو الماضي عندما زار الأقصى، موزعًا صورة تدعو إلى تدمير المسجد من أجل "إقامة كنيس على الجبل".

الحرب الأخيرة

يبدو أن بن غفير يستخدم في الوقت الحالي نواب حزبه ليكونوا لسان حاله كي لا يعرض اتفاقه الائتلافي مع نتنياهو للخطر. فقد استمتع زفيكا فوغل باحتمال رد حماس بإطلاق الصواريخ من غزة بعد زيارة يوم الثلاثاء. وقال إن مثل هذه المواجهة "تستحق العناء لأن هذه ستكون الحرب الأخيرة، وبعد ذلك يمكننا الجلوس وتربية الحمائم والطيور الجميلة الأخرى الموجودة".