نشرت وكالة بلومبرغ مقالا للكاتب هنري براندز تناول فيه استراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه الازمة الاوكرانية وتكثيف الدعم لأوكرانيا الآن على أمل التوصل إلى حل دبلوماسي نهائي عبر استراتيجية "التصعيد لخفض التصعيد" التي قد يكون من الصعب جدًا تنفيذها. وفي ما يلي نص المقال مترجم الى العربية:
وصلت الحرب في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة، وتمر استراتيجية الولايات المتحدة بتحول مهم. تنحسر المخاوف من التصعيد النووي الروسي مع تزايد المخاوف من حرب طويلة تتسم بالاستنزاف المستمر. لذا تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على تكثيف الدعم لأوكرانيا الآن على أمل التوصل إلى حل دبلوماسي نهائي عبر استراتيجية "التصعيد لخفض التصعيد" التي قد يكون من الصعب جدًا تنفيذها.
بعد مرور ما يقرب من عام على الحرب، أصبح عدم اليقين بشأن مسارها أكبر من أي وقت مضى. خلال الأشهر الستة الأولى كانت المبادرة لدى روسيا: كانت الأسئلة الرئيسة هي متى وأين وما هو النجاح الذي ستحققه بالهجوم. على مدى الأشهر الخمسة التالية، حصلت أوكرانيا على المبادرة، وحاول المحللون تحديد موقع وآفاق هجماتها المضادة. أما الآن فمن الصعب معرفة ما سيأتي بعد ذلك ومن يمتلك القيادة. قد يكون كلا الجانبين يستعد لهجمات جديدة. ويتعامل كلا الجانبين مع مزيج من الخسائر في ساحة المعركة والقدرات الجديدة التي تجعل من الصعب تمييز نقاط قوتهما النسبية.
ربما يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت أفضل حليف له إذا كان بإمكانه الاستمرار في ضرب بنية أوكرانيا التحتية مع الاحتفاظ بما حققه في ساحة المعركة على الأقل، ربما يمكنه إنشاء معركة طويلة الأمد تكون فيها القوى العاملة الروسية المتفوقة حاسمة. فيما تعتبر أوكرانيا الوقت عدوها، ويجب أن تستغل ضعف القوات الروسية وتجهيزها الآن قبل وصول القوات الروسية الإضافية التي تم حشدها حديثًا إلى ساحة المعركة، وقبل أن يصل الإنتاج الدفاعي الروسي إلى مستوى عالٍ، وقبل أن يتبدد دعم داعمي كييف الغربيين.
ان إدارة بايدن متفائلة بحذر بشأن آفاق أوكرانيا. ربما كانت أسهل المكاسب على حساب الجيش الروسي المنهك قد تحققت بالفعل. وعندما يدافع بوتين عن جبهة أقصر بعدد أكبر من القوات فقد تصبح استعادة كل شبر من الأراضي الأوكرانية أمرًا صعبًا، حتى ولو كان جيش كييف الملتزم والمبدع قادرًا على الذهاب أبعد مما هو عليه حتى الآن. لذا فإن الإدارة الأميركية تعمل على تحديث استراتيجيتها بثلاث طرق:
أولاً ـ من الأفضل تحديد أهداف الحرب الأميركية، ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي أعلن وزير الخارجية أنطوني بلينكين أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة أوكرانيا في تحرير الأراضي التي فقدتها منذ شباط/فبراير 2022، ولكن ليس بالضرورة كل شبر من الأراضي التي سرقها بوتين منذ العام 2014. وأن هدف واشنطن هو أن تكون أوكرانيا قادرة على الدفاع عن نفسها عسكريًا ومستقلة سياسيًا ومزدهرة اقتصادياً؛ وهذا لا يشمل بالضرورة استعادة المناطق الصعبة مثل شرق دونباس أو شبه جزيرة القرم.
ثانيًا ـ ترسل الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أوكرانيا أسلحة أكثر تطورًا: ناقلات جند مدرعة، وصواريخ باتريوت، ودبابات يمكنها اختراق الدفاعات الروسية المتعددة الطبقات. وتتجه واشنطن أيضًا نحو توفير ذخائر طويلة المدى يمكن أن تسحق مناطق روسيا الخلفية: القنبلة الصغيرة القطر التي يتم إطلاقها من الأرض، ومن المحتمل أن تكون جزءًا من حزمة المساعدة المقبلة، ومداها ما يقرب من ضعف مدى طلقات HIMARS التي استخدمتها القوات الأوكرانية. قد يشمل النقاش التالي طائرات متطورة: قال بايدن مؤخرًا إن الولايات المتحدة لن تزود أوكرانيا بمقاتلات F-16، ولكن هذا أيضًا ما قاله عن تزويد الدبابات الأميركية حتى اللحظة التي غيّر فيها رأيه.
ثالثًا ـ قد لا يتصور بايدن قيام أوكرانيا بتحرير شبه جزيرة القرم بالقوة، لكن يقال إنه أصبح أكثر دعمًا للضربات ضد الأهداف الروسية هناك. فهل يؤدي قصف القرم ـ وهي أمر محوري في رواية بوتين عن قيام روسيا العظمى في ظل حكمه ـ إلى التصعيد؟ ربما. لكن بوتين خادع بشأن التصعيد مرات عديدة لدرجة أن تهديداته تفقد مصداقيتها. ولأن شبه جزيرة القرم مهمة جدًا لبوتين، فإن تهديده بفقدانها قد يكون أفضل طريقة لإجباره على التفاوض بجدية.
على الرغم من أن هذه التحولات السياسية المختلفة تبدو وكأنها تقطع اتجاهات متعاكسة، إلا أن هناك منطقًا موحدًا: لا تريد الولايات المتحدة أن تستمر الحرب إلى الأبد، لأنها تحول أوكرانيا إلى أرض قاحلة تؤثر سلبًا على سندات الخزانة والترسانات الغربية. لذلك يهدف بايدن إلى مساعدة أوكرانيا لزيادة الضغط على القوات الروسية، وربما تحويل الخطوط لصالحها أكثر كطريق للمفاوضات بعد انتهاء المرحلة التالية من القتال.
لا يوجد شيء بسيط في هذه الاستراتيجية كما يتضح من المشاجرات الأخيرة عبر المحيط الأطلسي حول من سيعطي أوكرانيا وأي نوع من الدبابات. تمكنت الولايات المتحدة من إدارة هذه المشكلة ببراعة في النهاية، حيث تعهدت بإرسال 31 دبابة أبرامز المتقدمة بعد أشهر من الآن كوسيلة لتسليم مئات الدبابات الأوروبية ربما في الأسابيع المقبلة. لكن هذا ليس التحدي الوحيد. ويراهن بايدن على أن هناك مكانًا رائعًا يتأرجح فيه الروس بشكل سيئ بما يكفي للتفاوض وليس للتصعيد، وفيه يوافق الأوكرانيون - بعد أن فازوا بمركز أقوى - على الامتناع عن تحقيق ما يرغبون فيه ويستحقونه.
هذا ممكن، على الرغم من أنه بعيد عن اليقين: فهو سيتطلب من كلا الجانبين استنتاج أن استمرار الحرب يضر بهما في الغالب، وتحديد صيغة دبلوماسية أنيقة لجسر الفجوة بين مواقف كل منهما بشأن قضايا مثل شبه جزيرة القرم.
استراتيجية بايدن المحدثة هي جهد ذكي للتعامل مع ساحة معركة متغيرة ومعرفة كيف يمكن للتقدم العسكري أن يسهل تسوية ثابتة. وهذا لا يعني أنها ستنجح بالضرورة.