• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
مقالات مترجمة

ما الدروس الكبرى المستفادة من العقوبات على روسيا؟


تمثل مسألة العقوبات الغربية أحد الموضوعات المهمة المرتبطة بالحرب الأوكرانية، خاصةً في ظل سعي الولايات المتحدة وحلفائها إلى تكثيف الضغوط الاقتصادية والمالية على موسكو من أجل وضع حد للحرب. وفي ضوء هذا نشر موقع "فورين بوليسي" الاميركي مقالاً للكاتبة أجاث ديمارايس مديرة التنبؤات العالمية في وحدة المعلومات الاقتصادية، بعنوان "عقوبات روسيا: 10 دروس وأسئلة عما سيأتي بعد ذلك"؛ تشير فيه إلى الدروس المستفادة من العقوبات الغربية على روسيا، بجانب التنبؤات بـ"ما بعد العقوبات" الغربية على روسيا.

دروس مستفادة

يشير المقال إلى أن العقوبات التي فُرضت على روسيا رداً على هجومها على أوكرانيا، تُعَد إجراءات غير مسبوقة؛ إذ إنها المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تستهدف فيها الدول الغربية قوة كبرى مثل روسيا؛ ما يجعل هذه العقوبات حالة اختبار حاسمة لفن الحكم الاقتصادي الغربي. وقد قدمت الكاتبة ستة دروس مستفادة من العقوبات؛ وذلك على النحو التالي:

1عدم اعتبار العقوبات “حلاً سحرياً” وحدها: يشير المقال إلى أن العقوبات لا تعمل من تلقاء نفسها على تجاوز الأزمات؛ إذ إنها عنصر واحد فقط في مجموعة الأدوات الدبلوماسية الغربية، بجانب أدوات أخرى، مثل إمدادات الأسلحة والدعم المالي. وبحسب المقال، يجب أن تكون التوقعات حول فاعلية العقوبات توقعات واقعية. ففي حالة روسيا، تعد العقوبات طريقة قوية لتقييد قدرتها الاقتصادية والمالية والتكنولوجية لشن حرب ضد أوكرانيا. ومع ذلك، لن تؤدي العقوبات إلى تغيير النظام في موسكو؛ إذ يُظهر التاريخ أن ذلك لم ينجح مسبقاً؛ وذلك بالنظر إلى فشل العقوبات الأمريكية ضد كوبا لأكثر من نصف قرن، كما أنها لن تؤدي إلى انهيار اقتصادي لروسيا؛ وذلك بالنظر إلى أن روسيا هي تاسع أكبر اقتصاد في العالم، كما أنه لن يكون في مصلحة الدول الغربية انهيار روسيا؛ لأن ذلك من المرجح أن يؤدي إلى ركود عالمي. وأخيراً، يرى المقال أنه لن تغير العقوبات حسابات الكرملين؛ إذ إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقتنع بأنه يخوض حرباً وجودية ضد أوكرانيا والغرب.

2ضرورة تحديد أهداف واضحة للعقوبات: يشير المقال إلى أن العقوبات على روسيا مثيرة للجدل؛ فبالنسبة إلى بعض النقاد، هي عقوبات عديمة الفائدة؛ إذ يرى هؤلاء أن الاقتصاد الروسي قد تكيَّف بسرعة، بينما ضعفت أوروبا بسبب فقدان إمدادات الطاقة. ومن ناحية أخرى، يجادل مؤيدو العقوبات بأن هذه الإجراءات مجدية؛ لأنها ستُجبر الكرملين تدريجياً على اتخاذ خيارات مالية مختلفة ما بين شن الحرب والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ومع ذلك، يعتقد المقال أنه لا يمكن الحكم على العقوبات إذا ما كانت فعالة أم لا، إلا في وجود مجموعة من الأهداف المحددة جيداً.

ووفقاً للمقال، تكمن المشكلة في أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يقدموا قائمة أهداف محددة للعقوبات، وهذا يمثل إشكالية لسببين على الأقل: الأول– الافتقار إلى الوضوح بشأن تعريف النجاح، افتقاراً يؤدي إلى إثارة الارتباك حول فاعلية الإجراءات، وهو أمر يساعد بدوره الكرملين في نشر ادعاءاته بأن العقوبات لا تجدي نفعاً. الثاني– أن وجود أهداف واضحة مهم لكي تحقق العقوبات النتائج المرجوة. واستشهدت الكاتبة بالعقوبات التي فُرضت على ليبيا في التسعينيات، والتي دفعت البلاد إلى تفكيك ترسانتها من الأسلحة، واعتبرت أنها مثال للعقوبات التي تركز على نتيجة واضحة.

3إظهار أهمية الوحدة الغربية بشأن العقوبات: يشير المقال إلى أن الوحدة عبر الأطلسي بشأن العقوبات كانت قوية للغاية، لا سيما بالنظر إلى السجل الحافل لنزاعات العقوبات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ فبحسب المقال، كان التجميد المُنسَّق لجزء من الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي الروسي بعد أيام قليلة من الغزو بمنزلة رد فعل قوي على بوتين، الذي كان يراهن على أن الدول الغربية ستفشل في التصرف بشكل متماسك، كما أثبت الاتحاد الأوروبي – وفقاً للمقال – أنه مُتَّحد على نطاق واسع في حملة العقوبات؛ حيث تمكَّن من فرض عقوبات صارمة بسرعة؛ وذلك بالنظر إلى أن هذه الإجراءات يجب أن يتم تبنِّيها بالإجماع من قِبل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، كما دفع تسليح الكرملين إمدادات الطاقة، الكتلةَ الأوروبية إلى تبني إجراءات لم يكن من الممكن تصوُّرها سابقاً، بما في ذلك فرض حظر على واردات النفط الروسية.

4أولوية تحجيم الصين عن مساعدة روسيا: وفقاً للمقال، استهدفت العقوبات غالباً في 2022 قدرة روسيا على استيراد منتجات عالية التقنية، مثل أشباه الموصلات من الدرجة الأولى، بجانب الأجزاء الأخرى التي تدخل في صناعة الطائرات والسيارات. وبالنسبة إلى موسكو، كان تحديد موردين بديلين أمراً ذا أولوية. ومع ذلك، لم تَسْعَ الشركات الصينية للوصول إلى المستوى المطلوب لسد الفجوة التي خلَّفتها الشركات الغربية. فقد نمت صادرات الصين إلى روسيا بنسبة 13% في عام 2022، وهو معدل مساوٍ لشركاء بكين التجاريين الرئيسيين الآخرين، كما لا يرجح المقال أن تُزوِّد التجارة “غير المشروعة” روسيا بمكونات عالية التقنية كافية لاقتصادها الواسع، كما أنه لا يمكن – بحسب المقال – أن تنمو شحنات النفط والغاز عبر خط أنابيب الغاز الرئيسي بين روسيا والصين كثيراً حتى يتم الانتهاء من ترقيات خط الأنابيب في عام 2025.

5مواجهة حرب المعلومات المضللة الروسية: يشير المقال إلى أن الإحصائيات جزء أساسي من جهود الكرملين لزرع الشكوك حول فاعلية العقوبات. وبحسب المقال، فإن لهذا التكتيك ثلاثة مكونات: أولاً– إتاحة البيانات الاقتصادية بجودة مشكوك فيها وتحتاج إلى المراجعة بشكل متكرر، في حين أن البيانات والإحصاءات الأخرى المهمة لا تتاح ببساطة. ثانياً– تؤخر موسكو نشر المؤشرات التي تشير إلى تدهور الاقتصاد الروسي. ثالثاً– يتواصل الكرملين وداعموه بشكل مكثف بناءً على التوقعات الأكثر إيجابيةً، ويقدمونها على أنها حقائق رغم أنها بعيدة – بحسب المقال – عن وجهة النظر المتفق عليها. بالإضافة إلى ذلك، هناك عاملان يدعمان بشكل تقني الناتج المحلي الإجمالي لروسيا: أولاً– ارتفاع أسعار الطاقة العالمية منذ بداية الحرب، ودعم النمو والصادرات في عام 2022. ثانياً– أصبحت روسيا اقتصاد حرب، وتنتج الدبابات والصواريخ وغيرها من الأسلحة بوتيرة سريعة. ويعتقد المقال أن هذه الأنشطة تغذي النمو الرئيسي، لكنها بالكاد تؤدي إلى ارتفاع في مستويات المعيشة في روسيا.

6ثمار العقوبات تتحقق على المدى الطويل: بحسب المقال، نشرت خدمة الإحصاء الروسية بيانات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 في أواخر فبراير الفائت. ووفقاً لموسكو، انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 2.1% في عام 2022. ويرى المقال أن هذا الرقم مشكوك فيه؛ إذ إنه في ديسمبر 2022، سجَّلت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي أكبر انخفاضات على أساس سنوي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات؛ ما يُبرز حقيقة أن الاقتصاد الروسي ليس في وضع الانتعاش بعد، كما يتوقع المقال أن تكون بيانات النمو لعام 2023 مضللة؛ وذلك بالنظر إلى القاعدة المنخفضة للمقارنة من عام 2022. وبالنظر إلى حجم الاقتصاد الروسي تبدو الأمور قاتمة؛ إذ يرجح المقال أن يستغرق الناتج المحلي الإجمالي لروسيا نحو خمس سنوات للتعافي إلى مستوى ما قبل الحرب.

ما بعد العقوبات

يشير المقال إلى أن الإجابة على التساؤل “ماذا بعد العقوبات على روسيا؟” ستعتمد إلى حد كبير على الإجابات المرتبطة بالمحددات التالية:

1مدى قدرة الغرب على تشديد العقوبات المفروضة: يشير المقال إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيسعيان إلى تحديد ثغرات العقوبات وسدِّها في عام 2023، كما سيكون تفسير قوانين العقوبات من الأولويات. ويؤكد المقال أنه لتعزيز تنفيذ العقوبات، ستحتاج الديمقراطيات الغربية إلى إشراك الدول التي لا تفرض عقوبات، كما يشدد المقال على ضرورة تركيز الجهود على تركيا وكازاخستان اللتين أصبحتا مركزين لتهريب البضائع الخاضعة للعقوبات من روسيا وإليها. وستركز الدول الغربية أيضاً – بحسب المقال – على زيادة تشديد وصول روسيا إلى أشباه الموصلات المتقدمة؛ إذ إن هذه العقوبات لها تأثير هائل على الكرملين. وعلى المدى القصير، ستحتاج روسيا إلى رقائق دقيقة لبناء الصواريخ التي تستخدمها في أوكرانيا. وعلى المدى الطويل، فإن افتقار روسيا إلى إمكانية الوصول إلى أشباه الموصلات، سيؤثر على جهود التنويع الاقتصادي للكرملين، ولن تتمكن بكين من مساعدة موسكو كثيراً؛ لأن الصين تواجه قيوداً مماثلة على الرقائق الدقيقة.

2مواجهة الدعاية الروسية للعقوبات في الجنوب العالمي: وفقاً للمقال، تعمل آلة التضليل الروسية بكامل قوتها لنشر الخداع حول العقوبات في دول الجنوب العالمي؛ إذ تسعى دعاية موسكو إلى زرع الشكوك حول الآثار المتتالية للعقوبات، مدعيةً أن انعدام الأمن الغذائي والطاقة في البلدان الناشئة هو تأثير العقوبات وليس الحرب والحصار الروسي على البحر الأسود. وبحسب المقال، سيكون التصدي للدعاية الروسية أولوية أخرى للدول الغربية في عام 2023.

3تحديد جدوى فرض واشنطن عقوبات ثانوية على روسيا: يشير المقال إلى أن النفوذ الاقتصادي العالمي لروسيا يعني أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يستنفدا جميع الخيارات في ترسانة العقوبات؛ فالعقوبات الغربية ضد روسيا ليست هي الأشد صرامةً على الإطلاق؛ فقد كانت العقوبات ضد إيران بين عامي 2012 و2015 أكثر صرامةً بكثير، بينما تريد الدول الغربية في حالة روسيا الاحتفاظ ببعض العقوبات، وهو من شأنه أن يمنح الغرب نفوذاً في مفاوضات السلام النهائية، فيما يرى المقال أن فرض الولايات المتحدة عقوبات ثانوية على روسيا، سيُجبر الشركات في جميع أنحاء العالم على الاختيار بين الأسواق الأمريكية والروسية، وهو سيناريو ستتخلى فيه معظم الشركات عن روسيا بالتأكيد، لكن من ناحية أخرى سيكون لذلك آثار سلبية؛ إذ من شأنه أن يعطل أسواق السلع العالمية ويعطي مصداقية لمزاعم روسيا بأن العقوبات تغذي الطاقة وانعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.

4معضلة تصاعُد مواجهة فاعلية العقوبات الغربية: يشير المقال إلى أن روسيا وإيران والصين ودولاً أخرى تكثف جهودها لتحصين اقتصاداتها ضد العقوبات، وهي خطوات وقائية لجعل العقوبات المالية المحتملة غير فعَّالة تماماً. وتشمل هذه الآليات جهود إزالة “الدولرة”، وتطوير بدائل لنظام “سويفت”، وإنشاء عملات رقمية للبنوك المركزية. وبحسب المقال فإن هذه الابتكارات خطيرة؛ فبالإضافة إلى التأثير على فاعلية العقوبات، تتيح للجماعات غير المشروعة الوصول إلى القنوات المالية البعيدة عن الرقابة الغربية، كما يعكس صعود الأدوات المالية غير الغربية أيضاً التشرذم المتزايد للجغرافيا السياسية العالمية بين التحالف الغربي والكتلة التي تقودها الصين ومجموعة ثالثة من البلدان الناشئة لم تتخذ جانباً بعد؛ وذلك كما ورد في المقال.

وختاماً، يشير المقال إلى أن العقوبات ليست السبب الوحيد للركود الاقتصادي الروسي؛ فالعوامل الديموغرافية الضعيفة، ونمو الإنتاجية المنخفض من القضايا المؤثرة الأخرى، كما يتوقع المقال أن تؤدي العقوبات إلى تفاقم نقاط الضعف هذه من خلال تسريع انهيار قطاع النفط والغاز في روسيا، الذي أصبح الآن محروماً من التكنولوجيا الغربية التي يحتاجها لتطوير حقول جديدة في منطقة القطب الشمالي.