• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
قراءات

كيف تعزز قضية الهجرة الانقسامات داخل الولايات المتحدة؟


على الرغم من أن قضية الهجرة ومراقبة الحدود موضوع مثير للجدل في الولايات المتحدة لسنوات عديدة؛ نظراً إلى تشابك أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإنه الانتهاء الرسمي بالعمل بالقانون الذي يُعرَف باسم “المادة 42” في يوم 11 مايو 2023، أعطى هذا الملف مزيداً من الزخم، خشية تجدُّد المواجهات بين ضباط الهجرة الأمريكيين والمهاجرين غير النظاميين، بعد أن كانت تراجعت في وقت مبكر من هذا العام، لكنها زادت في الآونة الأخيرة؛ حيث إن توقف العمل بقانون “المادة 42″، يسمح نظريّاً بدخول آلاف المهاجرين غير النظاميين – وخاصةً طالبي اللجوء منهم – بطرق غير قانونية إلى الأراضي الأمريكية، وهم الذين تقدر التقارير عددهم بأكثر من 10 آلاف شخص يومياً.

والجدير بالذكر أن “المادة 42” هي سياسة استخدمتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، واستمرت إدارة بايدن في تبنيها، وتشير إلى قانون الصحة العامة الصادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في مارس 2020 استجابةً لوباء “كوفيد–19″، الذي يسمح بالطرد الفوري للذين يدخلون الولايات المتحدة من دولة أجنبية بدون وثائق مناسبة، بما في ذلك طالبو اللجوء والقُصر غير المصحوبين بذويهم، على أساس مخاوف تتعلق بالصحة العامة. وكان الهدف من هذا الإجراء في البداية أن يكون تدبيراً مؤقتاً للحد من انتشار فيروس “كوفيد–19” في مرافق الاحتجاز وبين سكان الولايات المتحدة. ومع ذلك، تم تمديد الأمر عدة مرات.

وبناءً على ذلك، تزايدت حالة الجدال؛ حيث يجادل مؤيدو هذه السياسة، خاصةً الجمهوريين، بأنها ضرورية لحماية الصحة العامة ومنع انتشار الفيروسات، فيما يجادل منتقدوها، خاصةً الديمقراطيين، بأنها تنتهك القوانين الدولية والمحلية المتعلقة باللجوء وحماية اللاجئين، وكذلك حقوق الإنسان، كما يجادلون بأنه يُعرِّض الأفراد المستضعفين، بمن فيهم القُصر غير المصحوبين بذويهم، لخطر الأذى؛ لذلك من المهم فَهْم الأبعاد المختلفة للصراع السياسي حول الهجرة ومراقبة الحدود في الولايات المتحدة، بما في ذلك المناقشات القانونية والحزبية، والاعتبارات الإنسانية، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة، والتحديات التي ينطوي عليها تطوير سياسات وحلول فعالة لهذا الملف.

أبعاد متشابكة

لا شك أن الصدام السياسي حول الهجرة والسيطرة على الحدود في الولايات المتحدة متعدد الأوجه، وينطوي على مجموعة من الأبعاد؛ وذلك على النحو التالي:

1تفاقم التحدي الأمني: مع الموعد النهائي الأخير لانتهاء سياسة “المادة 42″، أعلنت إدارة بايدن عن نشر 1500 جندي في الخدمة الفعلية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ حيث سيبقون لمدة 90 يوماً؛ وذلك فيما تستعد المجتمعات الحدودية لارتفاعات هائلة في المعابر. لذلك وصف وزير الأمن الداخلي “أليخاندرو مايوركاس” الوضع في الولايات المتحدة بأنه “تحدٍّ صعب” للتعامل مع الهجرة على الحدود الجنوبية مع انتهاء “المادة 42″، مؤكداً أنه ستكون هناك هجرة “غير مسبوقة” في جميع أنحاء نصف الكرة الأرضية منذ الحرب العالمية الثانية.

2مشكلة التخبُّط الإداري: على الرغم من مسارعة مساعدي بايدن إلى الإشارة إلى حقيقة أنه وضع رؤيته لإصلاح الهجرة في اليوم الأول من رئاسته، وتوجيههم أصابع الاتهام إلى الجمهوريين في الكونجرس؛ لرفضهم التفاوض على حل؛ تحدث الرئيس نفسه بشكل غير منتظم ونادر عن ذلك الموضوع، قائلاً إن المشاكل على الحدود لم تظهر بصورة مفاجئة، ولن يتم حلها بين عشية وضحاها، وأنه أبلغ زعماء الكونجرس الجمهوريين أن هدفهم المتمثل في خفض الإنفاق سيؤثر على رقابة الحدود. ومع ذلك فإنه على الرغم من أن بايدن حاول دون جدوى إنهاء “المادة 42” مرتين في العام الماضي، فإنه منذ مارس 2020، فإن 81% من حالات طرد المهاجرين تمت منذ تنصيب بايدن.

ومؤخراً أعلن البيت الأبيض أن بايدن سيرسل 1500 جندي في الخدمة الفعلية إلى الحدود لتنفيذ المهام الإدارية وتقديم دعم آخر لأفراد الجمارك وحماية الحدود الأمريكيين الموجودين بالفعل. ويُشبِّه المدافعون عن الهجرة هذه الخطوة بما فعله ترامب عندما أرسل قوات إلى الحدود في عام 2018، على الرغم من أن البيت الأبيض يؤكد أن الظروف مختلفة. وفي فبراير 2023، دعم بايدن قيوداً جديدة على قدرة العديد من الأشخاص على طلب اللجوء في الولايات المتحدة إذا عبروا لأول مرة عبر بلدان أخرى مثل المكسيك ولم يطلبوا اللجوء هناك أولاً، وهو ما يشبه “حظر العبور” الذي نفذه “ترامب”، على الرغم من أن الإدارة تقول إنها توفر للمهاجرين مسارات أخرى لطلب الحماية.

3فرصة للتجاذبات الحزبية: إذ أصبحت قضية الهجرة ومراقبة الحدود مُسيَّسة إلى حد كبير في الولايات المتحدة؛ حيث يتبنَّى كلا الحزبَين السياسيَّين الرئيسيَّين مواقف تعكس أولوياتهما الأيديولوجية والانتخابية الأوسع؛ ففي الوقت الذي يميل فيه الجمهوريون إلى تفضيل تشديد الرقابة على الحدود وسياسات الهجرة الأكثر صرامةً، يتبنَّى الديمقراطيون بشكل عام موقفاً أكثر دعماً للهجرة، ويدعون إلى إصلاح شامل لهذا الملف. وقد أكد وزير الأمن الداخلي “مايوركاس” للكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية، أن الحدود الجنوبية مغلقة، ورفض وصف العدد الهائل من المعابر غير الشرعية بـأنها “أزمة”. في المقابل، دعا الجمهوريون إلى استقالة “مايوركاس” أو مساءلته، زاعمين أنه كذب على الكونجرس والشعب الأمريكي، وانخرط في تقصير في أداء واجبه.

لقد ظهر الاستقطاب الحزبي في التصريحات الصادرة عن النخب السياسية من الحزبين خلال الآونة الأخيرة؛ فعلى سبيل المثال، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، أن “هناك بالفعل أزمة إنسانية في نصف الكرة الغربي… نشر العسكر يشير إلى أن قضية المهاجرين تعتبر تهديداً وتتطلَّب تدخُّل الجيش… وهذا شيء غير صحيح”. وفي المقابل، ذكر حاكم ولاية تكساس الجمهوري جريج آبوت، في مؤتمر صحفي يوم 8 مايو 2023، أن “انتهاء العمل بالبند 42 بفتح الأبواب والترحيب بالمهاجرين من جميع أنحاء العالم، سيؤدي إلى عبور عدد لا يُصدق من الأشخاص عبر الحدود بشكل غير قانوني”، وأضاف أن “سياسات الإدارة ستؤدي إلى كارثة”.

4مخاوف إنسانية واجتماعية: تستدعي قضية الهجرة في الوقت الراهن بعض المخاوف الإنسانية والاجتماعية؛ حيث تشمل الهجرة ومراقبة الحدود اعتبارات إنسانية مهمة، بما في ذلك كيفية تقديم المساعدة والدعم للاجئين وطالبي اللجوء الذين يفرون من العنف والاضطهاد وأشكال أخرى من المشقة. وكان هناك بالفعل ما يُقدَّر بنحو 2.8 مليون شخص طُردوا منذ مارس 2020 بموجب “المادة 42”. علاوةً على ذلك، تثير الهجرة أيضاً مخاوف اجتماعية وثقافية، بما في ذلك قضية اندماج المهاجرين في المجتمع الأمريكي، وتأثير الهجرة على ثقافة وقيم الولايات المتحدة، وتحديات إدارة مجموعات سكانية متنوعة.

تداعيات متعددة

بشكل عام، من المرجح أن تستمر أزمة الهجرة ومراقبة الحدود في كونها قضية سياسية مهمة حتى الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ لذلك من المتوقع أن تكون لها آثار وتداعيات مهمة؛ ليس على نتيجة الانتخابات فقط، بل أيضاً على عدد من الملفات الهامة، أبرزها ما يلي:

1إذكاء الانقسامات السياسية: من المتوقع أن تستمر الأزمة في طبيعتها قضيةً خلافيةً للغاية؛ حيث اتخذ كلا الحزبَين السياسيَّين الرئيسيَّين مواقف مضادة قوية بشأن هذه القضية، وقد أدى ذلك إلى زيادة الاستقطاب السياسي والجمود في الكونجرس؛ ما زاد من صعوبة تطوير حلول سياسية فعَّالة.

2تزايد التباينات المجتمعية: ربما تدفع قضية الهجرة إلى تزايد التباينات داخل المجتمع الأمريكي؛ فمع التوقعات بتزايد الضغوط الاقتصادية في الداخل الأمريكي خلال الفترة القادمة، قد تنشأ موجة رفض واسعة للمهاجرين الجدد، ويساعد على ذلك أن ثمة ظهيراً سياسيّاً يدعم إجراءات تقييد استقبال الدولة للمهاجرين، ولعل هذا ما دلل عليه استطلاع للرأي أجراه Associated Press–NORC في شهر فبراير 2023، وشمل 1247 شخصاً، وأوضح أن 4 من كل 10 أمريكيين يرون ضرورة تقييد الهجرة، والسماح لعدد أقل من المهاجرين بدخول الولايات المتحدة. واللافت أن ثلثي جمهور الحزب الجمهوري، ممن تم استطلاع آرائهم، يتبنون هذا الاتجاه.

3انخفاض معدلات قبول بايدن: تعكس هذه القضية تناقض سياسات بايدن بين القول والفعل؛ لذلك من المؤكد أن لأزمة الهجرة ومراقبة الحدود، التأثير الكبير على الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ حيث رصد استطلاع جديد لرويترز وإبسوس، شمل 1022 بالغاً في الولايات المتحدة في الفترة بين 5–7 مايو 2023، انخفاض معدلات قبول بايدن وسط مخاوف تتعلق بالهجرة؛ حيث وصلت نسبة تأييد الرئيس بايدن إلى 40%. وكان الاقتصاد والهجرة من أهم اهتمامات المستجيبين، كما وجد الاستطلاع أن 26% فقط من المستجيبين قالوا إنهم يوافقون على تعامل بايدن مع الهجرة، كما وجد الاستطلاع أن نحو 54% من المستجيبين عارضوا زيادة عدد المهاجرين المسموح لهم بدخول البلاد كل عام، بما في ذلك 77% من الجمهوريين و34% من الديمقراطيين. وكذلك أعرب 66% من المستجيبين عن تأييدهم إرسال جنود أمريكيين في الخدمة الفعلية إلى الحدود؛ لتقديم الدعم لوكلاء مراقبة الحدود.

4إثارة الجدل بشأن مخاطر الأمن القومي: إذ تثير الأزمة مخاوف بشأن أمن الحدود وقدرة الولايات المتحدة على مراقبة حدودها والسيطرة عليها بشكل فعَّال. وقد يؤدي ذلك إلى نقاشات مستمرة حول التوازن المناسب بين الأمن وحماية الحريات المدنية. وبدورها، ستحاول إدارة بايدن وقف تدفُّق المهاجرين من خلال سَن قاعدة جديدة من شأنها استبعاد المهاجرين الذين لم يطلبوا اللجوء، عن طريق زيادة عمليات الترحيل، وإنشاء مراكز معالجة جديدة في كولومبيا وجواتيمالا، لكن من غير الواضح ما هو تأثير القواعد الجديدة؛ ما يعني أن المهاجرين يصطفون بالفعل على الحدود، ويعسكرون في المكسيك لمعرفة إذا ما كان بإمكانهم الاستفادة من نهاية الحكم.

كذلك أخبر المهربون العديد ممن سافروا لآلاف الأميال لمحاولة الوصول إلى الولايات المتحدة، أنه سيكون من الأسهل الدخول عندما ينتهي سريان “المادة 42″، ولكن سيكون هناك 1500 جندي والمزيد من حرس الحدود في الخدمة يحاولون منعهم. أما بالنسبة إلى طالبي اللجوء، فلن تتم معالجتهم بعد الآن، ولكن السياسة الحدودية المختلفة التي تُعرف باسم “المادة 8″، تمنح المهاجرين الذين طلبوا الحماية، مقابلة أولية أو فرصة للمثول أمام قاضي الهجرة. وهذا يعني أنه يمكن إطلاق سراح عابري الحدود في الولايات المتحدة، ويمكن احتجازهم في مراكز الاحتجاز أو احتجازهم في مراكز المعالجة أثناء البت في قضيتهم.

إجمالاً لما سبق، فإن أزمة الهجرة والسيطرة على الحدود ليست مشكلة جديدة، بل مشكلة طويلة الأمد تفاقمت بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك الاستقطاب السياسي، والظروف الاقتصادية في البلدان المرسِلة، والصراعات والأزمات المستمرة، لكنها أيضاً كشفت تناقضاً وتخبطاً في إدارة “بايدن”؛ حيث إنه يواجه موجة محتملة من المهاجرين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، كما أن من المرجح أن تستمر في تداعياتها القوية على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024 وما بعدها؛ لذلك من المرجح أن يُجبَر الرئيس “بايدن” على التعامل مع سياسة الهجرة الأمريكية القائمة بطريقة لم يضطر إلى القيام بها منذ توليه منصبه؛ لذلك تتطلَّب معالجة الأزمة اتباع نهج مستدام وشامل يأخذ في الاعتبار العوامل المعقدة التي تسهم في المشكلة.