• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
قراءات

الصراع في السودان قراءة في النشأة والمواقف والتوجّهات


أعد مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير ورقة تحليل وضعية تقرأ ملف الحرب في السودان في إطار الصراع الداخلي والمصالح الإقليمية والدولية، وتحديدّا في ضوء متغير الاتفاق السعودي الإيراني وتأثيراته.

طبيعة الصراع والمؤشرات

 يشكّل موقع السودان الجغرافي وما فيها من ثروات أبرز عوامل الصراع، فضلًا عمّا تمثّله البلاد من مخاطر على المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة إذا تعافت. وتظهر المؤشرات أن الصراع الدائر على السلطة لا ليس داخليًّا ويتمتّع بالرعاية الإقليمية والدولية، ومنها أنّ حميدتي كان يجهز لانقلاب منذ شهرين؛ جهتي الصراع مرتبطتين بنفس المشروع والطرفان غير مختلفين في السياسة الخارجية؛ إمكانية الراعي التوفيق بينهما؛ عدم قيام الدول الإقليمية بمحاولات جديّة لحل الأزمة؛ مصلحة الجهات الخارجية بالاحتراب؛ وغلبة المصالح الإقليمية الدولية في هذه المعركة.

الأهداف والدوافع الاستراتيجية

 يعدّ الجيش السوداني مؤسسة عسكرية قوية صمدت على مدى ثلاثة عقود، وتشكّل عائقًا في طريق تقسيم السودان؛ الهدف الأمريكي الصهيوني. من هنا، فإن تفكيك الجيش السوداني يعني تقسيم السودان. وتاليًا التأثير على الأمن القومي المصري ومستقبل الجيش المصري الذي سيقع في أزمة أمنية. جاء توقيت الحرب بمثابة رد على الاتفاق السعودي الإيراني الذي أضعف النفوذ الأمريكي في غرب آسيا، ومثلت الحرب في السودان عملية تعويض للضعف الأمريكي في غرب آسيا بالنفوذ في أفريقيا (لقاء بايدن مؤخرًا مع قادة الدول الأفريقية والعمل على تحديد رؤية استراتيجية للعلاقة معها).

 عمل الأمريكي على تأمين الحضور الأمريكي العسكري في السودان منذ سنوات حيث قدّم نفسه بصيغة راعي أمن واستقرار مستغلًّا بيئة الفوضى الموجودة، بغية تجنّب مواجهة أي مقاومة محتملة أو أي ارتفاع في الكلفة وتكبّد الخسائر. أدركت إدارة أوباما بلسان رئيسها أن "مستقبل العالم هو أفريقيا لأنها لا تزال قارة الثروات الخام وستخدم لمائة عام مستقبلًا (2014)، فالسودان والنيجر ومالي دول غنية بالذهب؛ المعدن الذي يحتاج الأمريكي السيطرة عليه كبديل بعد خسارته للبترودولار.

 ومع انقلاب روسيا في مالي وبوركينا فاسو وعجز فرنسا عن حماية مستعمراتها وانسحاب ماكرون، بدأت أميركا ملء الفراغ حتى لا تقوم روسيا بذلك في ظل الوجود الروسي في بورسودان، مع الإشارة إلى أنّ الشركات الروسية الأمنية تسعى لإحداث انقلابات بغية السيطرة على مناجم الذهب الأفريقية -وهذه الشركات لديها مراكز في الامارات- إضافة إلى الحضور الصيني المتقدم في أفريقيا. ناهيك عن الاستقرار السعودي العربي الإيراني وتأثيرات هذه العوامل كلها على تقويض النفوذ الأمريكي في السودان وإحداث التوتر فيها.

نشأة قوات الدعم السريع وانفجار الصراع الداخلي

 كانت الأزمة  بين الرئيس السوداني عمر البشير والحركة الإسلامية قبل سنه  2019 حول بقاء البشير بالحكم أو الخروج منه. وكان توجه الحركة الاسلامية بعدم التجديد له، ودائمًا ما تذرّع البشير بحجة المحكمة الدولية والاعتقال والسجن؛ فتم التعهد له بعدم تسليمه لكنه بقي مصرًّا على موقفه. خلال فترة ما قبل الانقلاب عليه وإزاحته، اشتغل البشير على إقالة بعض القيادات ومنها نافع نافع نائب الرئيس، ومحمد عطا رئيس المخابرات وتعيين مجموعات لها علاقات وتواصل مع الإمارات ومصر، كرئيس المخابرات الجديد.

دعم البشير المجموعات المسلحة في الجنوب والشرق ودارفور ومن القبائل، وقد كّلف البشير حميدتي -وللعلم، هو رجل أمي لم يدخل المؤسسة العسكرية، وفكره العسكري فكر بدوي على طريقة "عندما تشعر بالخطر اهجم من دون تفكير وتخطيط"- كلّفه بتشكيل قوة "الجنجويد"، وقوامها 5000 عنصرًا، وتتبع للاستخبارات العسكرية. ولما نجحت القوة بحسم معركة دارفور تم تطويرها وزيادة عديدها حتى وصل 23,000عنصرًا، ثم قام  بنقل هذه المجموعات لحرس الحدود، ولما شكّلت عبءًا بسبب طبيعتها القبلية ولما تضم من المرتزقة، قام بتشكيلها تحت عنوان الدعم السريع تحت جناح المخابرات.

 كانت خطوة زيادة العديد لأجل التدخل في اليمن. ولما رفض الجيش الدخول في الحرب على اليمن، أرسلت قوات الدعم السريع  بدعم إماراتي. ويبلغ تعداد القوات الآن 120,000 أي ما يوازي نصف الجيش السوداني وينافسه في العتاد والسلاح والقوة. والجيش السوداني جيش إسلامي ووطني متحفظ على قطع العلاقة مع إيران وقد رفض دخول اليمن كما يرفض التطبيع مع اسرائيل. وكان رئيس المخابرات السابق محمد عطا يعارض البشير بهذه الأمور إلى أن أقيل من منصبه.

وفي حين عيّن البشير ضابط قوات الدعم السريع في مجلس قيادة المؤسسة العسكرية وجعل الدعم السريع موازيا للجيش، عارض الأمر وزير الدفاع كما رفض الجيش جعل قوات الدعم بمثابة قوة مستقلة، لكن البشير أصر. ولاحقًا، تم تقليص مدة صلاحية جهاز المخابرات العامة من الإسلاميين بسبب معارضة البشير المستمرة لقرارات الحركة الإسلامية في أمور مثل العمليات الخارجية، وعمليات التنصت، والنفوذ، وجهاز حماية المؤسسات الدولة للدعم السريع، وجعْلها بيد حميدتي.

عُيّن البرهان وزيرًا للدفاع خلفًا لـ كوش"، وهو لا ينتمي إلى التيار الاسلامي، فضباط الجيش ينقسمون بين إسلامي عقائدي وغير العقائديين، وينتمي البرهان للقسم الثاني الذي يسمى بـ "المحلفين أوالطلقاء" كونهم يقسمون على الولاء للمشروع الإسلامي.

 ولما صار الصراع على السلطة واستمرارية هذه الأحداث الأخيرة، كان مصير الإستمرارية الثنائية  بالسلطة هو الحرب بعد أشهر، وكانت المعلومات تشير الى ذلك. بيد أن قرار دمج قوات الدعم السريع بالجيش الذي اتّخذه البرهان عجّل خطوة حميدتي ببدء الهجوم. وبما أن الأخير يمتلك كل عناصر القوة وكل مؤسسات العسكر والأمن تحت سلطته، سارعت قوته بالسيطرة على الخرطوم وعلى القاعدة الجوية. وباللحظات الأخيرة سحب البرهان الطائرات فأزال عنصر القوة من يد حميدتي. حتى أن الأخير كاد أن يقبض على البرهان، ولكن تم تهريب البرهان خارج قصر الرئاسة.

عرضت الإمارات اقتراحًا بإعادة هيكلة الجيش؛ جيش صغير مع تجهيزات عالية، وتكون علاقة حميدتي مع مجلس الوزراء وقوات الدعم السريع. وكان هذا كله بمثابة إشارات على مدى سنوات لإخراج الاسلاميين من الجيش حتى يصبح في منحى آخر. طالب حميدتي بالتسليح والدعم كما يتلقّى الجيش من قبيل الآليات والمدرعات، وعندما رفض البرهان سيطر حميدتي على المصانع العسكرية التي سبق أن انشاتهأ إيران في عهد البشير. بيد أن الجيش استعاد السيطرة عليها  وخفّف من قوة حميدتي.

أطراف الصراع 

 يتجاذب الصراع أطراف خارجية عدّة تريد الفوضى في السودان؛ منها الإمارات والكيان المؤقت والولايات المتحدة. وكل من البرهان وحميدتي له علاقاته مع الخارج. وقد نسج حميدتي مع هذه الدول عبر الإمارات علاقات واسعة مع كل منها، وحتى الصين وروسيا. تموّل الإمارات حميدتي في حين أن تدريبه وتسليحه إسرائيلي، بينما تكمن المصلحة الروسية معه في التفاوض على الذهب عبر شركاتها الموجودة في الإمارات. من الواضح أنّ الأخيرة تبحث عن موطئ قدم جديد بعد الاتفاق السعودي الإيراني.

 وتعدّ علاقة الكيان المؤقّت مع حميدتي هي الأساس في حين أنّ العلاقة مع البرهان طارئة؛ إن حميدتي هو من عمل على إسقاط عمر البشير. وقد جاءت زيارة البرهان إلى إسرائيل حتى لا يترك الأمر لحميدتي ويكون مفتاح العلاقة مع أميركا وإسرائيل، وذلك في عملية التفاف حتى تكون العلاقة مع الدولة وليس مع الدعم السريع. وفي حين تشبه طريقة حميدتي في التطبيع العلاقة الإسرائيلية مع الأردن، حاول البرهان كبح العملية وضبطها وتحديدها -علمًا أنه ليس أقل خيانة- انطلاقًا من موقع رجل الدولة لا العصابة مع استغلال هذه الورقة في ممارسة الابتزاز على أميركا لنيل المساعدات.

 وعليه، يشابه نموذجه في العلاقة مع إسرائيل النموذج المصري حيث ضبط الجيش العلاقة مع إسرائيل. يتلقى البرهان الدعم من السعودية وقد وقف الجيش السوداني بقيادة البشير إلى جانبهم في عاصفة الحزم، كما أرسل عصابات حميدتي إلى اليمن كمرتزقة. ويحاول حفظ وجوده في السودان من خلال الجيش. أما بالنسبة لمصر، وإذ كان متوقعًا أن تنجر إلى الصراع في السودان لأن حميدتي استهدف في البداية القاعدة المصرية إلا أن مصر تفادت الدخول في الميدان وعالجت المشكلة سياسيًّا، واصطفّت إعلاميًا مع البرهان.

الوضع الميداني

 نجح حميدتي في الأيام الأولى في السيطرة على الخرطوم، لكن استعاد الجيش السيطرة عليها وأمسك بزمام الأمور. بداية التزم الموقف الدولي الصمت لكن مع فقدان حميدتي  السيطرة يتحدث الغرب والأمريكي والصهيوني عن وساطات لكن لا تأخذ السودان إلى المشهد الليبي او الصومالي، وتسعى كل التدخلات الخارجية لتأمين مخرج آمن أو صيغة سياسية تحفظ حميدتي، لكن الجيش السوداني يرفض الموضوع.

مواقف الدول العربية من الصراع

 تتباين المواقف بين دولة وأخرى. تقف السعودية على الحياد لعدم وجود مصلحة لها في التدخل، بينما يصطف القطري مع الأمريكي بأي اتجاه تميل معه، علمًا أن قطر لامصلحة لها بالدخول في أي اشتباك مع السعودية؛ لذا فهي ليست بوارد اتخاذ أي موقف يتعارض مع الموقف السعودي.

موقف المحور من الصراع

 تؤكّد رؤى محور المقاومة على ثوابت وحدة الأراضي السودانية والمؤسسات الرسمية والحفاظ عليها وعلى وحدة الجيش السوداني، وضرورة حل النزاع بالتفاوض، والتحذير من الحضور الأمريكي المباشر في السودان على المستوى العسكري، مع الالتفات لموقع السودان وما يشكله من بوابة لدخول شرق أفريقيا. وتشير إلى خطورة المخطط الأمريكي في الحفاظ على استنزاف الأمة بعد توقف النزيف اليمني، كما ترشّح بروز علاقة جيدة بين السودان وإيران بالاستفادة من العلاقة التي بدأت قبل انتصار الثورة الإسلامية وخاصية الجيش السوداني ذي المبادئ الإسلامية، وعودة العلاقات بين السعودية وإيران التي ستدفع بهذا الاتجاه في حال سيطرة الجيش.

علاقات الجهات الإسلامية السودانية

 هناك عدة حركات في السودان، ويضم التيار الاسلامي 25 جهة إسلامية. وعلى الرغم من انقطاع العلاقات بين إيران والسودان منذ العام 2014، تحافظ إيران على علاقاتها مع الحركات الإسلامية هناك. وقد توحدت غالبية التيارات الإسلامية ونبذت كل خلافاتها وتوافقت بعد خسارتها للسلطة لأنه لم يعد هناك ما يختلف عليه من جهة، ومعرفة أن خلافاتها تسببت بانهيار سلطة البشير واطلاقه من الجيش، من جهة أخرى. وكذلك تتسم العلاقات المصرية بأنها جيدة مع الحركات الإسلامية وهي تدعمهم ضد الإمارات وحميدتي للحفاظ على الجيش الذي يحظى بدعم الإسلاميين حيث أنّ ضباط الجيش الأساس هم إسلاميون ومركز ثقلهم هو جهاز المخابرات العامة للجيش.  فهو يطبع في الظاهر، كما حارب الدفاع الشعبي (قوات إسلامية) في الجنوب لمنع الانفصال. وعلى الرغم من أن الأمريكي موجود ولديه نفوذ داخل الجيش السوداني لكنه لا يسيطر على الجيش. وحتى الآن، لم تتغير العقيدة القتالية للجيش السوداني.

موقف واتجاهات الكتلة المدنية

 تسعى إلى البحث عن راعٍ أمني، وتطالب بحل التدخل السريع وفتح المجال لتدخل القوات الدولية وسحب الجيش من الشارع. وإذ تنشط حركة السفارة الأمريكية والبريطانية على المستوى الأمني، تراجع دور المجتمع المدني نتيجة التحول للصراع العسكري، والسقوط في انقلاب البرهان (حمدوك)، والسير في دعم الخطاب الرسمي الأمريكي المحفّز للتدخل الأجنبي. يتواصل البرهان مع الصين للتحضير لاتفاقيات معها، بينما يتم تحضير مواجهة مدنية مع الجيش تحضيرًا لانقلاب من قبل ضابط تدريب عراقي -تابع لحزب البعث- يدعم حميدتي.