• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
مقالات مترجمة

وول ستريت جورنال: انقلاب النيجر يقلب الخطط الأمنية الأمريكية في غرب إفريقيا ويمنح روسيا فرصة


إن الانقلاب العسكري الذي وقع هذا الأسبوع في النيجر يهدد بتعطيل استراتيجية الولايات المتحدة بأكملها لمحاربة الإسلاميين المتشددين الذين يوسعون مجال تأثيرهم في غرب إفريقيا، ومن المحتمل أن يفتح فرصة استراتيجية لروسيا، في الوقت الذي تحاول فيه توسيع نفوذها بالمنطقة.

النهج الأمريكي من الأمن الإقليمي تمحور حول إرسال قوات الكوماندوس الأمريكيين لتدريب قوات النخبة المحلية لمواجهة تنظيمي القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، التي انتشرت أيديولوجيتهما العنيفة في السنوات الست الأخيرة بسرعة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإلى منطقة الساحل والصحراء الأفريقية.

ومع الغموض الذي يحيط بالمشهد في النيجر بعدما أطاح ضباط عسكريون برئيسها محمد بازوم يوم الأربعاء، تجد الولايات المتحدة نفسها مقيدة بالقانون الأمريكي الذي يحظر عليها تقديم معظم المساعدات الأمنية للأنظمة العسكرية. ومع إعلان القوات المسلحة النيجرية يوم الخميس عن دعمها للتمرد، فإن القلق في واشنطن هو أن قادة الانقلاب يخاطرون بالتنازل عن المزيد من الأرض للمسلحين بعد الانفصال عن الولايات المتحدة، ويمكن أن يلجأوا بدلا من ذلك إلى المرتزقة الروس لمساعدتهم على القتال.

وكان بازوم، الذي تم انتخابه في عام 2021، حليفا مهما في حملة الولايات المتحدة. وتستضيف الدولة الشاسعة الأطراف الواقعة في غرب إفريقيا قاعدة مسيرات أمريكية وقوات كوماندوس، قامت بتدريب القوات الخاصة النيجرية وقدمت المشورة لها أثناء المهام القتالية ضد جماعة بوكو حرام والجماعات المحلية التابعة لتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية. وقتل أربعة جنود أمريكيين في كمين نصبه تنظيم الدولة الإسلامية في النيجر عام 2017.

انفقت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار منذ عام 2012 لبناء وتدريب قواتها المسلحة. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مليار يورو كمساعدات للنيجر، الأمر الذي أدى بدوره إلى توقف تدفق المهاجرين المتجهين شمالا نحو ليبيا والبحر الأبيض المتوسط.

الانقلابات في بوركينا فاسو ومالي على مدى العامين الماضيين أدت بالفعل إلى إعاقة المساعدة العسكرية الأمريكية للمنطقة، ويحد قانون التخصيصات الأمريكية بشدة من المساعدات للجيوش التي أطاحت بالحكومات المدنية.  على الرغم من أن محامي وزارة الخارجية لم يعلنوا أن الأحداث في النيجر هي انقلاب، فإن مثل هذه الخطوة تبدو مرجحة.

وبعد الاستيلاء على السلطة، طلبت الجيوش في كل من مالي وبوركينا فاسو من فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في معظم أنحاء غرب إفريقيا سحب قواتها.

ثم تعاقدت مالي مع مئات من مقاتلي مجموعة فاغنر المرتبطين بروسيا، والذين اتهموا بارتكاب مذابح ضد المدنيين ونهب الموارد الطبيعية للبلاد.

وقال مسؤول استخباراتي أمريكي رفيع المستوى: “النيجر هي آخر قطعة من الدومينو نأمل ألا تسقط. إذا سقطت، فأنا لا أعرف بالضبط ما الذي سنفعله”. وقال المسؤول إن النيجر كانت “آخر موطئ قدم رئيسي” في منطقة الساحل للقوات الأمريكية والفرنسية.

ويشعر القادة العسكريون الأمريكيون بالقلق من أن الانقلاب سيشجع المسلحين، لا سيما من القاعدة، الذين شنوا آلاف الهجمات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو منذ عام 2017 ويضغطون الآن جنوبا في المناطق الشمالية من ساحل العاج وتوغو وبنين. وهناك قلق بين المسؤولين الأمريكيين والغانيين من أن المسلحين يضعون أعينهم على غانا، وهي قوة اقتصادية وسياسية إقليمية تضم عددا كبيرا من المسلمين في شمالها الفقير نسبيا.

وقال ضابط عسكري كبير من بنين، وهي دولة ساحلية تقع على حدودها الشمالية بوركينا فاسو التي تضررت بشدة والنيجر، “لا يزال عدم الاستقرار السياسي في النيجر مصدر قلق كبير. من الآن فصاعدا، قد نواجه نشاطا متزايدا من قبل الجماعات الإرهابية على طول حدودنا المشتركة”.

وبينما أعرب المسؤولون الأمريكيون عن أمل غامض يوم الخميس في أن الانقلاب في النيجر ربما يتم عكسه، تشير الأدلة على الأرض إلى أن الإطاحة بزوم كانت نهائية. وعلق مسؤولون كبار سابقون في النيجر وأوروبيون على معرفة بما حدث أن المجلس العسكري لم يواجه معارضة كبيرة في داخل القطاعات الموالية للجيش، لكن اليد العليا الآن له.

وفي بيان وزع الخميس قال اللواء عبده صديقو عيسى، الناطق العسكري، إن كبار ضباط الجيش قرروا دعم التمرد “للحفاظ على السلامة الجسدية للرئيس وعائلته وتجنب المواجهات الدامية” بين وحدات القوات المسلحة.

وفي بيان متلفز يوم الخميس أعلن الرائد أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم مدبري الانقلاب عن تعليق جميع الأحزاب السياسية. كما اتهم فرنسا بانتهاك أمر إغلاق المجال الجوي للبلاد من خلال هبوط طائرة عسكرية في مطار العاصمة نيامي.  ويتمركز العديد من القوات الأجنبية في النيجر، بما في ذلك حوالي 1100 جندي أمريكي متمركزين هناك، في الجانب العسكري من المطار، الذي يسمى القاعدة الجوية 101.

وأشار المسؤول الاستخباري الأمريكي الكبير إلى أن جيش النيجر ربما لا يزال يريد تعاونا وثيقا مع الغرب. ولكن بالنظر إلى القيود التي يفرضها القانون الأمريكي، فمن المرجح على ما يبدو أن يؤدي الانقلاب لدق إسفين بين واشنطن والنيجر.

وبحسب كاميرون هدسون، المسؤول السابق لطاقم المبعوث الأمريكي الخاص للسودان: “إنها ضربة قوية للولايات المتحدة. لقد وقفنا مع هذا الزعيم أكثر من أي زعيم آخر في المنطقة”. ومنح الرئيس بايدن بازوم مقعدا شرفيا إلى جانبه في القمة التي احتضنتها الولايات المتحدة العام الماضي مع القادة الأفارقة في واشنطن. وزار وزير الخارجية أنطوني بلينكن النيجر في آذار/ مارس للإعلان عن مساعدات إنسانية بقيمة 150 مليون دولار فيما وصفه دبلوماسيون أمريكيون بأنه محاولة لإظهار فوائد اختيار الولايات المتحدة على فاغنر.

ويرى محللون أن الانفصال عن الغرب بعد الانقلاب يمكن أن يمنح موسكو فرصة للتدخل بالسلاح والمرتزقة، كما فعلت في مالي.

وعلق هدسون، وهو الآن باحث كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “أصبحت النيجر داخل اللعبة الآن. لقد انتقلت بقوة من المعسكر الغربي إلى نموذج للانتهازية الروسية”.

وفي تعليق من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال فيه إن الانقلاب على بازوم غير دستوري. وقال في تصريحات نشرت على موقع الوزارة على الإنترنت: “في مثل هذه الحالات، نتخذ دائما موقفا واضحا”.

وكان العميد موسى سالو بارمو، قائد القوات الخاصة النيجيرية والحليف الموثوق به للجيش الأمريكي، من بين كبار الضباط الذين ظهروا علنا في نيامي، العاصمة، لإظهار دعمهم للإطاحة بالرئيس. إلا أن العميد بارمو لم يستجب لطلبات الصحيفة من أجل التعليق.

وقال البروفيسور إيمانويل كويسي أنينج، رئيس مركز كوفي عنان للتدريب على حفظ السلام في أكرا، غانا: “إن استراتيجية الولايات المتحدة لا تساعد منطقة الساحل ولا الولايات المتحدة نفسها”.

وقال مسؤولون إن الانتفاضة – الخامسة من نوعها منذ استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960 – تعكس سنوات من الإحباط داخل الجيش بسبب الفشل في هزيمة المتمردين الإسلاميين. كما انزعج الضباط من محاولات بازوم لإصلاح الجيش. في خطوة واحدة في حزيران/ يونيو، عينت حكومته ساليفو مودي، قائد القوات المسلحة النيجرية السابق، سفيرا في دولة الإمارات.و يوم الخميس، تكهن مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بأن مودي، الذي تعذر الوصول إليه، سيظهر الآن كزعيم للمجلس العسكري.

هناك سبب آخر للانقلاب هو قرار بازوم تقليص الامتيازات المالية للحرس الرئاسي – القوة التي قادت التمرد من خلال محاصرة الرئيس في مقر إقامته، على حد قول مسؤول أوروبي سابق.  وأنه لأكثر من عام، كان الرئيس يدرس ما إذا كان سيعزل قائد الوحدة، الجنرال عمر تشياني. كما عمل بازوم على بناء وحدات عسكرية أخرى كقوة موازنة للسلطة التي يمارسها الحرس الرئاسي.

ومع تصاعد المواجهة في مقر إقامته إلى محاولة انقلاب، تلقى بازوم مكالمة هاتفية ظهر الأربعاء من مسؤول أمريكي سابق يحتفظ باتصالات منتظمة مع المسؤولين الدبلوماسيين والأمنيين الأمريكيين. وطمأنه بازوم خلال تلك المكالمة بأن الوضع لا يزال تحت السيطرة وأنه يتوقع وصول الجيش قريبا إلى مقر إقامته ليفكك الحصار. وبدلا من ذلك، خرج كبار الجنرالات في البلاد لدعم الثورة. وقال المسؤول الأوروبي السابق عن التمرد: “كان لا بد أن يحدث ذلك. لم يتفاجأ أحد”.

ولأكثر من عام، كان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون قلقين بشأن ما يسمونه موجة المعلومات المضللة على شبكات التواصل الاجتماعي في غرب إفريقيا. ففي مقطع فيديو عمره شهر، تمت مشاهدته أكثر من مليون مرة على تيك توك وفيسبوك، أعلن مذيع أخبار فرنسي أن انقلابا جاريا في النيجر. وكانت التعليقات معادية للفرنسيين بأغلبية ساحقة، وتتهم الرئيس بأنه دمية في يد الغرب.

وأظهرت مقاطع فيديو أخرى انتشرت على نطاق واسع هجمات إرهابية في محاولة لإثبات أن الوجود الأمريكي في النيجر جعل البلاد أقل أمنا. وفي العام الماضي، سار بضعة آلاف من النيجريين، بعضهم يحمل أعلاما روسية أو لافتات موالية لروسيا، في شوارع نيامي مطالبين الجيش الفرنسي بالرحيل.

قال جون بيتر فام، دبلوماسي أمريكي كبير سابق في إفريقيا: “إن وجود يد لروسيا ليس بالضرورة في الانقلاب نفسه، ولكن في إرساء الأساس له، أمر واضح للغاية. سواء كانوا في وضع يسمح لهم باستغلالها، فهذه مسألة أخرى”. وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الإدارة ليس لديها دليل على أن روسيا أو مجموعة فاغنر وراء الانقلاب.