• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
تقدير موقف

هل تؤثر الاتهامات الجنائية للرئيس الأمريكي السابق على فرصه في انتخابات 2024؟


في استمرار للأزمات القضائية التي يواجهها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2024 – حتى الآن – وجَّه المدعي الخاص جاك سميث، الذي عيَّنته وزارة العدل، لائحة اتهامات جديدة لترامب تضم تهماً تتعلق بالأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسة لعام 2020، التي فاز بها المرشح الديمقراطي جو بايدن، ومنها اتهام ترامب بالتآمر ضد الولايات المتحدة، وعرقلة إجراء رسمي، وانتهاك الحقوق الانتخابية؛ فقد قال “سميث” إن الرئيس الأمريكي السابق تعمد نشر الأكاذيب حول حدوث تزوير في الانتخابات الرئاسية، التي كانت دافعاً لاقتحام مناصريه مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، لعرقلة تصديق الكونجرس على فوز منافسه.

متاعب قضائية

تُعَد لائحة الاتهام الأخيرة الثالثة لترامب خلال الأشهر الأربعة الماضية؛ حيث سبق أن وجهت إليه هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بمدينة نيويورك في أبريل الماضي اتهامات له، بعد تحقيق بقضية تتعلق بتقديم 130 ألف دولار لإسكات نجمة الأفلام الإباحية “ستورمي دانيالز” قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016، من أجل إخفاء علاقة مفترضة خارج نطاق الزواج.

وفي يونيو الماضي، وُجِّهت إليه اتهامات تتعلق بتعامله مع وثائق سرية بعد مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير 2021، تتضمن معلومات عن القدرات الدفاعية والأسلحة الخاصة بالولايات المتحدة ودول أخرى، ومعلومات عن البرامج النووية الأمريكية، وخططاً للرد على هجوم أجنبي، وثغرات محتملة لدى الولايات المتحدة وحلفائها، تُعرِّضها لهجمات عسكرية. ولن تكون الاتهامات الأخيرة هي نهاية الأزمات القضائية التي يواجهها ترامب؛ حيث لا تزال هناك تحقيقات حول تدخُّله غير القانوني في تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في ولاية جورجيا، التي فاز بها منافسه “جو بايدن” بفارق ضئيل.

تُعَد لائحة الاتهامات الأخيرة بالنسبة إلى العديد من الخبراء القانونيين هي الأخطر بحق الرئيس السابق؛ لأن لائحتَي الاتهام السابقتَين كانتا لجرائم أقل بكثير من الأخيرة؛ لأنها تتعلق بمحاولة ترامب الفاشلة للإطاحة بحكومة الولايات المتحدة، وهو ما يُثير التساؤل داخل الولايات المتحدة وخارجها حول تأثيرات تلك الاتهامات على فُرَصه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

استثمار انتخابي

يستغل الرئيس الأمريكي السابق المتاعب القضائية التي يواجهها لتعزيز فُرَصه الانتخابية للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة؛ وذلك على النحو التالي:

1تعزيز الشعبية بين القاعدة الانتخابية: لم تؤثر المتاعب القانونية التي يواجهها المرشح الجمهوري الأبرز على حجم تأييد قاعدته الانتخابية المحافظة الجمهورية؛ فهو يتقدم على أقرب منافسيه حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس بنسبة 54% مقابل 17%، وفقاً استطلاع أجرته وفقاً لاستطلاع أجرته (New York Times / Siena College)، في الفترة من 23 إلى 27 يوليو 2023.

وتشير استطلاعات الرأي أيضاً إلى أن المتاعب القضائية التي يواجهها دونالد ترامب لن تؤثر على فُرَصه في الفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن، إذا فاز بترشيح الحزب الجمهوري؛ فقد أظهرت نتائج الاستطلاع – السابق الإشارة إليه – أنه في مباراة افتراضية للانتخابات الرئاسية لعام 2024 بين ترامب وبايدن، ذكر 43% من الناخبين المسجلين أنهم سيدعمون بايدن، بينما قال 43% آخرون إنهم سيدعمون ترامب في مثل هذه المنافسة.

2اصطفاف الحزب الجمهوري وراء “ترامب”: دفعت الاتهامات التي تُوجَّه إلى ترامب إلى رص المعسكر الجمهوري صفوفه تأييداً له؛ فهناك شبه إجماع جمهوري على أن الاتهامات الجنائية التي توجه إلى ترامب ذات دوافع سياسية بامتياز، وأنها إساءة استخدام صارخة للسلطة من قِبَل المدعي العام، وتركز على الانتقام السياسي، وأدانوا ما يعتبرونه تسليح النظام القانوني الأمريكي للنهوض بأجندة سياسية.

وكثيراً ما يشير الجمهوريون إلى أن القضاء الأمريكي يكيل بمكيالين؛ حيث يوجه اتهامات جنائية متعددة للرئيس الأمريكي السابق، بينما يتغاضى عن مخالفات هانتر بايدن ابن الرئيس، التي سيكون لها تداعيات كبيرة على فرص فوزه لفترة رئاسية ثانية؛ فقد وصف رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب النائب الجمهوري جيم جوردان، توجيه اتهامات جديدة لترامب بأنه “يوم حزين لأمريكا”، فيما يقول رئيس المجلس كيفن مكارثي: “أقف – مثل الأمريكيين جميعاً الذين يؤمنون بسيادة القانون – مع الرئيس ترامب”.

3استهداف الرئيس “بايدن”: يستخدم ترامب الاتهامات الجنائية المتعددة التي توجه إليه في خطاباته الانتخابية لانتقاد الرئيس بايدن؛ فكثيراً ما أشار إلى أن إدارته تستخدم القضاء سلاحاً ضده، ويصفها فريق حملته الانتخابية بأنها “أحدث فصل فاسد” للتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ويروج ترامب وحملته الانتخابية لتلك التهم بأنها محاولة من الإدارة الديمقراطية لإخراجه من السباق الانتخابي؛ لكونه المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز ببطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة، وأنه المرشح الجمهوري الأقوى القادر على هزيمة الرئيس الأمريكي جو بايدن الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية.

4التغطية على إنجازات بايدن: يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس وأعضاء إدارته بزيارات متعددة إلى الولايات الأمريكية للترويج للإنجازات الاقتصادية التي حققتها الإدارة الأمريكية خلال أول عامين لها في البيت الأبيض، وفي المقابل فإن التغطية الإعلامية لها تتراجع، في ظل تصدُّر محاكمات ترامب كافة التغطيات الإخبارية الأمريكية وقت ذروة المشاهدة، والتركيز على تأثيراتها على فُرَصه الانتخابية، والجدل القانوني الذي تثيره؛ ولذلك فإن تعدد المتاعب القضائية التي يواجهها الرئيس الأمريكي تُعِيده مرة ثانية إلى بؤرة الاهتمام الإعلامي، التي تصب في التحليل الأخير في مصلحة حملته الانتخابية، وتعزيز شعبيته بين قاعدته الانتخابية.

قيود متعددة

على الرغم من محاولات الرئيس الأمريكي استغلال الاتهامات الجنائية المتعددة التي توجه إليه لتعزيز شعبيته بين قاعدته الانتخابية، وفرصه للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ فإنها ستكون لها تداعيات سلبية على حملته الانتخابية.

1- أصوات جمهورية معارضة لترشح “ترامب”: رغم اصطفاف الجمهوريين ومنافسي ترامب على بطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية، وراءه بعد توجيه اتهامات جنائية إليه في ثلاث قضايا – حتى الآن – فإن هناك عدداً من الجمهوريين، ولكنهم قلة ويعربون عن رأيهم علناً، يرون أن ترامب ليس المرشح الأفضل للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة، وأن ترشحه سيضر بفرص الحزب في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، وتحقيق الحزب الأغلبية في مجلسَي الكونجرس (مجلس النواب والشيوخ)، أو أحدهما في نوفمبر 2024، كما حدث في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في نوفمبر 2022؛ حيث أرجعت العديد من التقديرات الجمهورية عدم تمكن الحزب من الفوز بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، والفوز بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، إلى هيمنة ترامب على الحزب الجمهوري، ودعمه المرشحين الجمهوريين الذين يدعمون مزاعمه بسرقة الانتخابات الرئاسية السابقة، وأنها شهدت تزويراً.

2- تفسيرات قانونية متعددة لإدانة “ترامب”: هناك تفسيران قانونيان لطبيعة الاتهامات الجنائية للرئيس الأمريكي السابق؛ يرى أولهما أنها لن تؤثر على فُرَصه للترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ لأن قوانين الولايات المتحدة الأمريكية تعطي الحق لأي شخص متهم جنائياً أو مُدان في الترشح لأي منصب وأن يتم انتخابه، ولكن ينص الدستور على استثناء واحد فقط لممارسة وظيفة رسمية، وهو المشاركة في “عصيان” أو “تمرد” ضد الولايات المتحدة.

بينما يرى ثانيهما أن الاتهامات الأخيرة لترامب حول تورطه في أحداث يناير قد تُفسَّر على أنها مشاركة في عصيان وتمرد بما يحد من فُرَصه الانتخابية، ولكن ذلك يثير جدلاً قانونياً حول توصيف طبيعة الاتهامات التي تُوجَّه إلى الرئيس السابق، ولكن إدانة ترامب والحكم عليه بالسجن يعني أنه سيواجه صعوبات في الترشح أو إدارة البلاد إذا تم انتخابه رئيساً، على اعتبار أنه سيكون خلف القضبان.

3- استنزاف أموال الحملة الانتخابية: يستغل الرئيس الأمريكي السابق بنجاح لوائح الاتهامات الجنائية التي توجه إليه، ويروج بأنها تهدف إلى إخراجه من الانتخابات الرئاسية؛ وذلك لدفع مؤيديه وكبار المتبرعين الجمهوريين لتمويل حملته الانتخابية. وبالفعل تحقق زيادة في معدلات التمويل مقارنة بمنافسيه الجمهوريين، لكن هناك مخاوف من أن زيادة الأزمات القضائية التي تواجه ترامب، ستجعله يوجه جزءاً كبيراً من أموال حملته الانتخابية لشركات قانونية تدافع عنه وشخصيات تطالها التحقيقات في دائرته، بدلاً من إنفاقها على الدعاية الانتخابية وفعاليات حملته الانتخابية، ولا سيما في الولايات الحاسمة التي تحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية.

4- إخفاق استراتيجية المماطلة: يسعى فريق ترامب الانتخابي إلى تقليل تأثيرات الاتهامات الجنائية التي وُجِّهت إليه على فُرَصه الانتخابية إذا فاز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة؛ لتأجيل المحاكمات إلى ما بعد انتخابات 2024 على أمل الفوز بها، ومن ثم العفو عن نفسه بموجب سلطة العفو الرئاسية الممنوحة له بموجب الدستور الأمريكي، ولتكون الأولى في التاريخ الأمريكي، ولكن تلك المحاولات تُواجَه بمقاومة من القضاة الذين قد لا يتسامحون مع تكتيكات المماطلة، ويرغبون في إجراء المحاكمات قبل تصويت الناخبين لاختيار الرئيس الأمريكي القادم.

5- وجود تيار شعبي كبير رافض لخطاب ترامب: لا يزال ثمة تيار شعبي واسع رافض لخطاب ترامب وتوجهاته، وخاصةً فيما يتعلق بترويجه لفكرة مؤامرة المؤسسات ضده أو حتى فكرة تزوير الانتخابات التي يستند إليها “ترامب”. علاوةً على ذلك، لا يزال العديد من الأمريكيين ينظرون بصورة سلبية إلى أحداث اقتحام الكابيتول، ويعتبرونها دليلاً على الدور السلبي الذي يقوم به “ترامب” بالنسبة إلى النظام الديمقراطي الأمريكي.

قوة الإصرار

في الختام، رغم تعدد الاتهامات الجنائية التي وُجِّهت إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، وتلك التي يتوقع أن تُوجَّه إليه لاحقاً لتدخُّله لتغيير نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا؛ فإنها تزيد من قوة إصرار ترامب على خوض الانتخابات الرئاسية القادمة؛ حيث تعهد بالترشح للانتخابات القادمة بغض النظر عن إمكانية إدانته في أيٍّ من القضايا المرفوعة ضده؛ فهي تزيد من اصطفاف الحزب الجمهوري خلفه، وكذلك تزيد قاعدته الانتخابية، ناهيك عن أنه ليس هناك نص دستوري يمنع ترشح ترامب للانتخابات إذا أدين جنائياً، أو إدارة شؤون البلاد إذا فاز بها، فضلاً عن امتلاكه سلطة الإعفاء الرئاسية، التي قد يستخدمها للإعفاء عن نفسه إذا أدين في أيٍّ من القضايا التي يواجهها، بجانب ثقته بأن المحكمة العليا، التي عيَّن ثلاثة من أعضائها خلال رئاسته، ستُلغِي أيَّ أحكام بإدانته.