تشتد حدة الصراع بين إدارة الرئيس جو بايدن وولاية تكساس وحاكمها الجمهوري جريج أبوت، على خلفية التباينات حول السياسات الأنجح للتعامل مع قضية الهجرة وتأمين حدود الولاية لمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين. وكان من أحدث الخلافات بينهما تعنت الولاية وعرقلتها تحركات عملاء حرس الحدود على الحدود المشتركة بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً في منطقة نهر ريو جراندي، لضبط عمليات تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فضلاً عن وضع أسلاك شائكة عائمة على النهر حالت دون تمكن السلطات من إنقاذ المهاجرين، بجانب توجه الولاية نحو تطبيق قانون يعطي الحق للشرطة المحلية في تنفيذ عمليات اعتقال بحق المهاجرين غير الشرعيين؛ ما أجج الخلافات مع الإدارة الأمريكية التي ارتأت أن تحركات الولاية تنتهك الدستور الأمريكي، وتتعدى على اختصاصاتها، كما دفع البعض إلى القول إن هذه الخلافات ستكون ذات تداعيات سلبية على الإدارة الديمقراطية من جهة، وعلى الولايات المتحدة عامةً من جهة أخرى.
أسباب التوترات
على مدار العامين المنصرمين، ازدادت حدة الخلافات بين الولاية الواقعة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وبين الإدارة الفيدرالية التي امتلكت رؤية مختلفة بشأن الهجرة مقارنة بالرئيس السابق دونالد ترامب الذي تبنى سياسات هجرة متشددة. ويمكن توضيح أسباب هذه التوترات والخلافات فيما يأتي:
1- الصراع حول كيفية إدارة الحدود: يتبادل الطرفان الاتهامات بشأن آليات إدارة الحدود؛ فبينما ترى الإدارة الأمريكية أن الولاية تنتهك الدستور الأمريكي وتتعدى على السلطات الممنوحة للإدارة الفيدرالية لتنظيم عمليات الهجرة على الحدود، خاصة أنها – على سبيل المثال لا الحصر – مررت تشريعاً يتيح للقضاء بولاية تكساس "إصدار أوامر ترحيل للمهاجرين"، بالرغم من أن هذه الخطوة تقع ضمن اختصاصات الحكومة الفيدرالية. وترى سلطات الولاية أن الإدارة الأمريكية لا تستغل السلطات المخولة لها لحماية الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية من تدفقات الهجرة غير الشرعية؛ ما تسبب في دخول أعداد كبيرة من المهاجرين بطريقة غير قانونية إلى البلاد، ومن ثم فإن لها الحق في التدخل لحماية مواطني الولاية.
2- رفض ولاية تكساس الأحكام القضائية برفع الحواجز الحدودية: أقامت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية ضد ولاية تكساس أمام المحكمة العليا التي حكمت لصالح الإدارة الفيدرالية في 22 يناير الجاري، وأمرت الولاية برفع الأسلاك الشائكة العائمة على نهر ريو جراندي، وهو ما لم تنصع له الولاية؛ فمنذ مارس 2021، شرعت الولاية في تنفيذ عملية تُدعى "لون ستار" وهي العملية التي نشرت بموجبها قوات من الحرس الوطني لولاية تكساس، فضلاً عن موظفي إنفاذ القانون وموظفين تابعين لإدارة تكساس للسلامة العامة، وأقامت أسلاكاً شائكة في مدينة إيجل باس لوقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، لتقوم دورية خاصة بالحكومة الفيدرالية بإزالة هذه الأسلاك في سبتمبر 2023. وعلى إثر ذلك أقامت الولاية دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية في 24 أكتوبر الماضي اعتراضاً على إزالة هذه الأسلاك، ثم أقامت الولاية سياجاً حول متنزه شيلبي في مدينة إيجل باس في 10 يناير؛ لعرقلة حرس الحدود من الوصول إلى نهر ريو جراندي، فاشتد السجال القضائي على من يملك الحق في إدارة هذا الجزء من الحدود.
3- تحول قضية الهجرة إلى ورقة للصراع الجمهوري الديمقراطي: أحد الأسباب التي تؤدي إلى تسليط الضوء على مشكلة بين الولاية والإدارة، هو رغبة الجمهوريين في تحقيق مكاسب سياسية؛ حيث يتعنت الجمهوريون في مجلس النواب، متمسكين ببعض الشروط المتعلقة بإدارة الحدود؛ ما يعرقل التشريع الخاص بإدارة الحدود الذي من شأنه توفير المزيد من التمويلات والتدريبات لسلطات حرس الحدود لمساعدتهم على ضبط عمليات الهجرة غير النظامية، وتنظيم عمليات تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وهو أمر يشير الديمقراطيون إلى أنه يحدث بسبب رغبة الجمهوريين في استغلال القضية سياسياً والتربح من ورائها تزامناً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024.
4- التأثير السلبي لحادث غرق مهاجرين: تسببت حادثة غرق امرأة وطفلين في 12 يناير الجاري في تبادل الانتقادات بين الطرفين، لا سيَّما أن حادثة الغرق وقعت في منطقة من نهر ريو جراندي التي تولت السلطات المحلية تأمينها؛ ما دفع هنري كويلار أحد أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين عن ولاية تكساس إلى انتقاد الحرس الوطني في تكساس الذي لم يسمح "لشرطة الحدود بالوصول لإنقاذ المهاجرين"، قائلاً "إنها مأساة تتحمل ولاية تكساس مسؤوليتها"، خاصة أن القانون الفيدرالي يعطي الحق "لعملاء حرس الحدود في الوصول إلى الأراضي الخاصة – ولكن ليس المساكن – لغرض حراسة الحدود لمنع الدخول غير القانوني للأجانب إلى الولايات المتحدة"، بما يعني أن تحركات تكساس المختلفة تتعدى على القانون الفيدرالي.
5- توقيع حاكم ولاية تكساس قانوناً يسمح باعتقال المهاجرين: وقع حاكم ولاية تكساس "أبوت" قانون "SB 4" الذي يسمح لسلطات الولاية بالقبض على الأشخاص الذين يُشتبه في عبورهم الحدود الأمريكية–المكسيكية بشكل غير قانوني. وسيدخل هذا القانون حيز التنفيذ في مارس القادم، وبموجبه سيعتبر الدخول غير القانوني إلى الولاية جريمة جنائية، تتراوح عقوبتها بين 180 يوماً و20 عاماً.
6- محاولة حاكم تكساس نقل أزمة المهاجرين إلى ولايات أخرى: حاول حاكم تكساس تعزيز ضغوطه على إدارة بايدن من خلال ترحيل الأزمة إلى ولايات أخرى؛ ففي شهر سبتمبر الماضي كشف "جريج أبوت" أن ولاية تكساس نقلت أكثر من 35 ألف مهاجر بالحافلات إلى ما تسمى "مدن الملاذ" التي تقع غالبيتها في ولايات أو مقاطعات ديمقراطية، بما في ذلك أكثر من 13000 إلى مدينة نيويورك وحدها؛ وذلك احتجاجاً على سياسات إدارة "بايدن" وتساهلها مع المهاجرين. وأشار المحافظ إلى أن "أكثر من 11300 تم نقلهم إلى العاصمة واشنطن، وأكثر من 13300 إلى مدينة نيويورك، وأكثر من 6700 إلى شيكاغو، وأكثر من 2600 إلى فيلادلفيا، وأكثر من 1000 إلى دنفر، وأكثر من 480 إلى لوس أنجلوس".
احتمالات التصعيد
إن قراءة المشهد الراهن المتأجج على خلفية الصراع بين الإدارة الأمريكية والسلطات الجمهورية الحاكمة لولاية تكساس، تشير إلى سيناريوهات مختلفة وأشكال للتصعيد بين الطرفين يمكن الإشارة إليها فيما يأتي:
1- تزايد دعوات استقلال تكساس: على خلفية تصاعد حدة الخلاف مع الإدارة الأمريكية، تكثر الأحاديث المتعلقة بالحركات الانفصالية التي تشجع استقلال الولاية عن الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من صعوبة تحقق هذا الأمر في الآونة الراهنة لاعتبارات عديدة، فإن الصراع الدائر قد يسمح بإجراء تغييرات دستورية تتعلق بتحديد مسؤولية حماية الحدود، وجعلها تخضع لسلطات الولايات بدلاً من خضوعها لسلطات الحكومة الفيدرالية، على غرار الصراع الذي تسبب في إلغاء حكم قضية رو ضد وايد الذي كان يحفظ حق النساء في إجراء عمليات الإجهاض، وهو أمر سيمثل خطراً على الولايات المتحدة الأمريكية عند التفاوض مع الدول الأجنبية؛ حيث سيجعل من الصعب على الحكومة الفيدرالية إجراء مفاوضات بشأن قضايا الهجرة، وسيكون عليها حينها إشراك سلطات الولايات الواقعة على الحدود الأمريكية، بما سيتسبب في تشتت الجهود، وصعوبة بلورة سياسات واضحة ومحددة بشأن الهجرة.
2- احتمالية نشوب صراع مسلح: يتنبأ البعض بإمكانية حدوث صراع مسلح أو نشوب "حرب أهلية" تؤدي إلى استقلال الولاية، خاصة أن الحاكم أبوت يرفض الانصياع لقرار المحكمة العليا بإزالة الأسلاك الشائكة، أو السماح لعناصر حرس الحدود بالوصول إلى منطقة نهر ريو جراندي الواقعة في مدينة إيجل باس، مشيراً إلى أنه سيعمل على رفع مستويات وجود دوريات حرس الحدود المحلية، كما سيعزز الأسلاك الشائكة والحواجز العائمة، مؤكداً أن بايدن لم يستغل القوانين والسلطات الممنوحة له لحماية الحدود، ومن ثم سيكون على الولاية تأمين نفسها من المخاطر القادمة من الحدود، وهو أمر يخالف الدستور والقانون الفيدرالي وقد يدفع نحو نشوب صراع مسلح إذا أصر أبوت على عدم تنفيذ أحكم القضاء، خاصة أن سياسات الهجرة تقع تحت سلطة الإدارة الفيدرالية، ومن شأن خطوة تكساس بعدم الانصياع أن تشجع ولايات أخرى على أن تحذو حذوها، بما قد يدفع الحكومة الفيدرالية إلى التصعيد.
3- التوجه نحو عزل وزير الأمن الداخلي: يخضع وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس لجلسات استماع في مجلس النواب، يهدف الجمهوريون من ورائها إلى عزله بسبب فشله في ضبط الأمن على الحدود الأمريكية الجنوبية، وزيادة تدفق أعداد المهاجرين في عهده، وهو أمر يشير الخبراء إلى صعوبة تحققه أو تسببه في عزل مايوركاس، لا سيَّما أنه لا يوجد وزير نجح في وقف تدفقات المهاجرين غير النظاميين بصورة كاملة.
4- الترويج لفشل الإدارة الديمقراطية: يستغل الجمهوريون، ومن بينهم حاكم ولاية تكساس، أرقام الهجرة على الحدود لتسليط الضوء على فشل الإدارة الديمقراطية، ودعوة الناخبين إلى التصويت لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب خلال الانتخابات القادمة، وعدم التصويت لصالح الرئيس الحالي جو بايدن الذي فشل في معالجة قضية الهجرة التي تعتبر من أهم القضايا التي تشغل اهتمام الناخبين الأمريكيين. وقد سار ترامب على هذا الخط حينما شجع الولايات المختلفة، عبر بيان، على "نشر حراسها في تكساس لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، وإعادتهم عبر الحدود"، وعبر الإشارة خلال الأحداث الانتخابية المختلفة إلى أنه سيعاود العمل على بناء الجدار الحدودي، وتنفيذ سياسات أكثر تشدداً تحد من الهجرة غير النظامية.
5- إمكانية انضمام ولايات جديدة إلى ولاية تكساس: ربما تدفع الأزمة الراهنة إلى تزايد الانقسامات الداخلية عبر تشجيع المزيد من الولايات للانضمام إلى ولاية تكساس. وفي هذا الصدد، شارك المدعي العام في ولاية أيوا برينا بيرد، والمدعي العام في ولاية يوتا شون رييس في قيادة تحالف من 27 ولاية قام بتوجيه رسالة إلى إدارة بايدن، يوم 29 يناير الجاري، لدعم ولاية تكساس والسياسات التي تتبناها الولاية لتأمين الحدود. وتضمنت الرسالة توجيه انتقادات حادة إلى الرئيس "بايدن" وسياساته بشأن موضوع الهجرة وضبط الحدود.
خلاصة القول أن تعنت تكساس والجمهوريين بشأن قضية الهجرة يرجع إلى اختلاف رؤيتهم عن الديمقراطيين فيما يتعلق بالسياسات التي يجب اتباعها لمعالجة مشكلة الهجرة غير النظامية في المقام الأول، لكن الضغط على هذه المسألة في الآونة الراهنة هو ما يمكن تفسيره على أنه رغبة في تحقيق مكاسب سياسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ورغبة الجمهوريين في عودة السيطرة على البيت الأبيض، لكن من غير المرجح أن تتسع حدة السجال لترقى إلى مستوى الصراع المسلح؛ حيث ستستمر التجاذبات القضائية بين الطرفين لحين انعقاد الانتخابات في نوفمبر القادم.