• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

دلالات خروج مالي والنيجر وبوركينا فاسو من إيكواس


أعلنت المجالس العسكرية الحاكمة في كلٍّ من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في بيان ثلاثي صدر في 28 يناير 2024، الانسحاب الفوري من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وبررت انسحابها بخضوع المنظمة الإقليمية لدول أجنبية، في إشارةٍ ضمنية إلى فرنسا والغرب، بما يُقوِّض مبادئ المنظمة التي أُسِّست في عام 1975، بينما أعلنت إيكواس أنها لم تتلقَّ أيَّ إخطار رسمي بشأن الانسحاب، وأكدت التزامها بالاستمرار من أجل إيجاد حل تفاوضي للمأزق السياسي في الدول الثلاث عقب الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها.

ولم يَكُن هذا القرار مفاجئاً، خاصةً بعد سلسلة التوترات التي شهدتها العلاقة بين الدول الثلاث وبين إيكواس خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، على خلفية رفض الأخيرة للانقلابات العسكرية التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر في أعوام 2020 و2022 و2023 على التوالي، وما صاحب هذا الرفضَ من إجراءات قاسية من جانب إيكواس كان لها أثرها السلبي على الأوضاع الاقتصادية لشعوب البلدان الثلاثة، وهو ما أسهم في تعقُّد السياق الإقليمي، وصولاً إلى هذه الخطوة التي تُهدِّد بدورها وحدة وتماسك التكتل الإقليمي خلال المرحلة المقبلة.

 

دلالات كاشفة

تحمل هذه الخطوة من جانب الدول الثلاث العديد من الدلالات الكاشفة، ويتمثل أبرزها في الآتي:

1تحدٍّ غير مسبوق لتماسك ودور إيكواس: يُعَد هذا الانسحاب بمنزلة زلزال جيوسياسي لتكتل إيكواس الذي يُنظَر إليه باعتباره واحداً من أكثر التنظيمات الإقليمية الفرعية نجاحاً في القارة الأفريقية، وهو ما قد يؤثر على علاقاته الإقليمية مع دول المنطقة، وعلى مستقبل وحدته وتماسكه؛ ما قد يُعزِّز زعزعة الاستقرار الإقليمي في غرب أفريقيا خلال الفترة المقبلة.

2الحد من الضغوط الإقليمية على الدول الثلاثة: ترغب المجالس العسكرية الحاكمة في البلدان الثلاثة في تحرير نفسها من الضغوط المستمرة التي تمارسها إيكواس عليها خلال السنوات الماضية، خاصةً أنها فرضت عقوبات اقتصادية قاسية على كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو بالأساس، وهي العقوبات التي أسهمت بدورها في تفاقم الأزمات الاقتصادية في البلدين؛ ما قد يعني أن الخروج من عباءة إيكواس ربما يدفعها إلى التفاوض وتقديم تنازلات خلال الفترة المقبلة لعودة الدول المنسحبة مجدداً إلى التكتل.

3تصعيد المجالس العسكرية الحاكمة ضد إيكواس: يبدو أن العلاقات قد وصلت إلى طريق مسدود، في ظل اعتقاد الحكام العسكريين الجدد أن بعض القوى الأجنبية – لا سيما فرنسا – تُحرِّض إيكواس على استمرار الضغط عليهم، واستمرار العقوبات الإقليمية التي تنعكس سلباً على الاستقرار الداخلي للدول الثلاث، دون التراجع أو تقديم تنازلات؛ الأمر الذي دفع القادة الجدد نحو هذا القرار رداً على عقوبات إيكواس، ولتوريطها في أزمة سياسية إقليمية ربما تُقوِّض أركانها خلال المرحلة المقبلة في ضوء السياق الإقليمي المُعقَّد هناك.

4تراجع دور إيكواس تجاه قضايا المنطقة: هناك اتهامات من جانب البلدان الثلاثة لإيكواس بالتخاذل في محاربة الإرهاب بالمنطقة، بجانب تعمُّد إيكواس التأثير على حرية الحركة بالنسبة إلى الأفراد والبضائع بين دول المنطقة، بما يقوض المساعي الإقليمية للتكامل الإقليمي، وهو ما يُصوِّر إيكواس معوقاً لتنمية العلاقات البينية بين دول المنطقة؛ الأمر الذي يشكل أحد الدوافع لانسحاب البلدان الثلاثة منها، وربما ينضم إليها أطراف إقليمية أخرى في هذا الصدد، خاصةً مع تنامي نشاط الإرهاب في عدد من الدول الأفريقية.

5اختلاف الرؤى حول مستقبل المراحل الانتقالية: تتعارض وجهة نظر كل من إيكواس والعسكريين الجدد حول مستقبل المرحلة الانتقالية في الدول الثلاث؛ ففي الوقت الذي تضغط فيه إيكواس من أجل إجراء انتخابات رئاسية في أقرب وقت، بما يضمن تسريع عملية انتقال السلطة إلى المدنيين؛ ترى السلطات العسكرية الحاكمة أن الأولوية لمحاربة الإرهاب في بلدانهم لتعزيز الأمن والاستقرار قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما فسره البعض برغبة رؤساء المجالس العسكرية الحاكمة في تمديد فترات حكمهم والاستمرار في السلطة حتى بعد إجراء الانتخابات الرئاسية عقب انتهاء المراحل الانتقالية فيها. ومن المرجح أن يظل هذا الخلاف قائماً بين الطرفين، وربما يعزز التباعد بينهما في ظل تمسك كل طرف برأيه.

6ربط العسكريين الجدد بين إيكواس والنفوذ الغربي: يدرك العسكريون الجدد العلاقة الارتباطية بين إيكواس والغرب، لا سيما فرنسا التي تُناصِبهم العداء منذ اندلاع سلسلة الانقلابات العسكرية في المنطقة منذ عام 2020، خوفاً على مصالحها ونفوذها التقليدي هناك. ومن ثم، ترى البلدان الثلاثة أن خطوة الانسحاب من إيكواس بمنزلة ضربة موجعة لقادة إيكواس، وتحديداً نيجيريا، وكذلك فرنسا التي سيتقلَّص نفوذها في المنطقة أكثر، لا سيما بعدما فقدت إيكواس هي الأخرى جزءاً كبيراً من نفوذها على الدول الثلاث.

مخاوف محتملة

هناك عدد من التداعيات المحتملة على تصعيد دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو ضد إيكواس، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1دعم التحالف الثلاثي الجديد: من المتوقع أن تدعم الدول الثلاث تحالف دول الساحل المنبثق حديثاً عن الاتفاق الثلاثي المبرم مؤخراً "ليبتاكو–جورما" في سبتمبر 2023، وأن تسعى إلى استقطاب بعض دول المنطقة من أجل توسيعه، والدفع نحو تشكيل تحالف إقليمي موسع لمحاربة الإرهاب في الساحل وغرب أفريقيا.

2تراجع نفوذ إيكواس في المنطقة: قد يفقد تكتل إيكواس جزءاً من نفوذه الإقليمي في المنطقة عقب الانسحابات الأخيرة، وهو ما يفتح المجال أمام التكهن بشأن تقويض المنظمة الإقليمية واحتمال تفككها خلال السنوات المقبلة؛ وذلك على غرار مجموعة دول الساحل الخمس.

3تعميق الأزمة السياسية في الساحل وغرب أفريقيا: تزيد هذه الخطوة الأخيرة السياقَ الإقليمي في الساحل وغرب أفريقيا تعقيداً واضطراباً، في ضوء تزايد المخاوف من انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء في التكتل، وهي الانقسامات التي قد تُولِّد حالة اصطفاف إقليمي ربما يعمق الخلافات السياسية بين دول المنطقة، وهو ما ينذر بارتدادات سلبية على أمن واستقرار المنطقة كلها.

4تقويض جهود التكامل الإقليمي في غرب أفريقيا: يمثل انسحاب الدول الثلاث (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) ضربة قاسية لمساعي التكامل الإقليمي، لا سيما أنه سيترتب عليه قيود عديدة ربما تُقوِّض الجهود الحالية في هذا الصدد؛ وذلك في ضوء دينامية التفاعلات المعقدة والمضطربة في المنطقة، التي تفرض مستقبلاً ضبابيّاً بخصوص المشروعات الإقليمية بها، في ظل الانقسامات السياسية الطاغية على المشهد الإقليمي هناك.

5مخاطر تزايد الإرهاب في المنطقة: قد يترتب على الانسحاب الأخير للدول الثلاث من تكتل إيكواس تنامي المخاوف من توسع نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل، خاصةً أن إيكواس وحلفاءها الدوليين، لا سيما فرنسا، قد تجد صعوبة في التنسيق والتعاون مع الدول المنسحبة التي تحتضن إحدى أخطر البؤر الإرهابية عند المثلث الحدودي الواقع بينها في منطقة ليبتاكو–جورما، وهو ما يمثل قيداً في تعزيز التعاون الأمني الإقليمي، وربما يدفع العناصر الإرهابية إلى توسيع هجماتهم في نطاق جغرافي واسع بالمنطقة.

6زيادة النفوذ الروسي في غرب أفريقيا: تبدو موسكو الطرف الدولي المستفيد من فك الارتباط بين الدول الثلاث وبين إيكواس، وانعكاسات ذلك على تعقد التفاعلات الإقليمية في الساحل، خاصةً أنه قد يسهم في تقليص النفوذ الفرنسي في المنطقة أكثر، وهو ما يصبُّ في مصلحة الروس الذين يُتوقَّع أن تتوسع علاقاتهم مع الحكام العسكريين الجدد، وما يرتبط بذلك من تأكيد النفوذ والحضور الروسي في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.

7تشجيع التمرد الإقليمي على إيكواس: قد تسهم التطورات الأخيرة في إضفاء المزيد من الضعف المؤسسي على تكتل إيكواس، بما قد يجعلها عرضة للمزيد من الانتقادات الإقليمية والدولية، واحتمال معارضة بعض أعضائها فيما يتعلق ببعض قراراتها، وهو ما يعزز الشعور بتهميش التكتل الإقليمي، وربما يدفع بعض دول المنطقة نحو التفكير في الانضمام إلى التحالف الثلاثي الجديد بجانب كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر من أجل محاربة الإرهاب بمساندة روسية.

8تعميق الخلافات الإقليمية في المنطقة: ربما تزداد العلاقات توتراً بين المجالس العسكرية الحاكمة وبعض دول الساحل ودول غرب أفريقيا نتيجة الانسحابات الأخيرة، واحتمال الاعتماد بشكل متزايد على قوات فاجنر الروسية خلال الفترة المقبلة؛ وذلك على غرار الخلافات التي دبَّت بين بوركينا فاسو وغانا في ديسمبر 2022، وهو ما قد يعزز التوترات الإقليمية التي ربما تؤدي إلى صدامات محتملة خلال الفترة المقبلة.

إجمالاً، ربما تكون خطوة الانسحاب الأخيرة هي مقدمة لنتائج قادمة أكثر صعوبةً على مستوى تكتل إيكواس، بما قد يضر بتماسكه ووحدته، والطموحات الإقليمية الخاصة بالتكامل الإقليمي في غرب أفريقيا والساحل خلال الفترة المقبلة. وفي إطار المساعي لتخفيف حدة التداعيات المحتملة على الصعيد الإقليمي، ربما تشهد الفترة المقبلة بدء وساطة إقليمية أو دولية بين إيكواس والدول الثلاث للتراجع عن القرار الأخير، ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتقديم التنازلات من أجل الحيلولة دون انقسام تكتل إيكواس، بما في ذلك تخفيف أو إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدول الثلاث، وإن كان استمرار النفوذ الفرنسي على قادة إيكواس سيظل عائقاً أمام أي تقارب محتمل بين إيكواس والعسكريين الجدد في المنطقة خلال الفترة المقبلة.