• اخر تحديث : 2025-04-15 11:25
news-details
قراءات

بالرغم من إعلان ترامب، يوم 9 أبريل 2025، الإيقاف المؤقت، لمدة 90 يوماً، لتطبيق الزيادة في الرسوم الجمركية التي أعلن عنها في بداية شهر أبريل 2025، فإن سياسة ترامب لا تزال تثير مخاوف كبيرة لدى دول الاتحاد الأوروبي؛ ففي الثاني من أبريل الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 20% على واردات الولايات المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي، في خطوة اعتُبرت الأوسع نطاقاً منذ أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد شمل هذا القرار ما تُقدَّر قيمته بـ380 مليار يورو من الصادرات الأوروبية السنوية إلى السوق الأمريكية، أي ما يمثل نحو 70% من إجمالي الصادرات الأوروبية نحو الولايات المتحدة، مستهدفاً قطاعات استراتيجية كصناعة السيارات والصلب والصناعات الدوائية.
 
وفي تعليقها على هذه الإجراءات، وصفت المفوضية الأوروبية الخطوة الأمريكية بأنها تصعيد تجاري غير مبرر، في حين أكدت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى إلى المواجهة، لكنه لن يتردد في الرد إذا اقتضت الضرورة. وقد مثَّل هذا التحول المفاجئ تحدياً مزدوجاً لأوروبا؛ اقتصادياً واستراتيجياً، يستدعي تقييماً معمقاً لانعكاسات السياسات الجمركية الأمريكية وسبل مواجهتها على الصعيد الأوروبي.
 
انعكاسات حادة
أدى قرار ترامب رفْعَ الرسوم الجمركية إلى سلسلة من التداعيات الاقتصادية والسياسية العميقة على دول الاتحاد الأوروبي:
 
1– إرباك قطاع السيارات الأوروبي وتضرر ألمانيا: تُعد صناعة السيارات من أكثر القطاعات الأوروبية تضرراً من جراء الزيادات الجمركية التي أعلن عنها دونالد ترامب، خصوصاً ألمانيا، التي تمثل المُصدِّر الأول للسيارات إلى الولايات المتحدة. هذه الرسوم، التي بلغت 25% على السيارات وقطع الغيار، أصابت القطاع في مقتل، لا سيما أن شركات كبرى، مثل فولكسفاجن وبي إم دبليو ومرسيدس، تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية. وقد تكبَّدت هذه الشركات خسائر فادحة في أسواق المال، أبرزها بورصة فرانكفورت التي سجلت تراجعاً كبيراً في مؤشرات أسهم القطاع، كما حدث مع تراجع سهم شركة بورشه بنسبة 2.7%، وفولكسفاجن بـ4.2% في يوم واحد​.
 
ورغم امتلاك بعض الشركات الألمانية مصانع في الولايات المتحدة، فإن الإنتاج المحلي لا يغطي كل الطلب؛ ما يعني استمرار الاعتماد على قطع الغيار المصنعة في أوروبا. وقدَّر معهد "كيل" (Kiel) الخسائر المحتملة بـ0.49% من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا؛ ما يؤكد أن الرسوم الأمريكية قد تُطيح بآمال تعافي الاقتصاد الألماني، الذي يعاني أصلاً من ركود طويل الأمد​.
 
2– ارتفاع تكلفة الإنتاج واضطراب سلاسل التوريد العابرة للأطلسي: من أبرز تبعات الزيادات الجمركية الأمريكية، أنها أدت إلى اضطرابات خطيرة في سلاسل التوريد التي تربط بين المصانع الأوروبية ونظيراتها الأمريكية، خصوصاً في قطاعات تعتمد على مكونات عالية الدقة، مثل الطيران والدواء؛ فشركة "سافران" Safran الفرنسية، مثلاً، تُعد شريكاً رئيسياً لشركة بوينج الأمريكية في تصنيع محركات الطائرات، وتخشى الآن من تضرر العلاقات التجارية بفعل الكلفة الإضافية للرسوم على المكونات المستوردة من أوروبا​.
 
كما أن شركات أخرى، مثل إيرباص، رغم امتلاكها خطوط تجميع داخل الولايات المتحدة، فإنها تعتمد على استيراد آلاف المكونات من أوروبا؛ ما سيؤثر على هامش ربحها ويضعها في موقف تنافسي صعب. ويزيد الأمرُ سوءاً بالنسبة إلى الشركات التي تصنع منتجات طبية معقدة، مثل المعدات الجراحية والتقنيات الطبية، التي لا يمكن تصنيعها بالكامل في السوق الأمريكية، ومن ثم ستدفع ضريبة مزدوجة: ارتفاع التكاليف وخسارة التنافسية​. هذا الاضطراب قد يؤدي إلى إعادة توزيع الإنتاج عالمياً، مع خسارة أوروبا بعض سلاسل القيمة العالية.
 
3– إضعاف الثقة ببيئة الأعمال الأوروبية وقلق المستثمرين: أثارت القرارات الأمريكية المفاجئة موجة من القلق العميق بين المستثمرين الأوروبيين، ليس فقط بسبب الرسوم بحد ذاتها، بل بسبب مناخ عدم اليقين الذي بات يحيط بالعلاقات الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي. كان الانخفاض الحاد في مؤشرات الأسواق الأوروبية بعد القرارات، خصوصاً في بورصة فرانكفورت، إشارة واضحة على تراجع ثقة المستثمرين. وتَبيَّن أن المستثمرين يتخوفون من موجة تصعيد تجاري لا يمكن توقع حدودها، وقد تعيق النمو على المدى المتوسط. والشركات الكبرى، مثل شركات الأزياء ومستحضرات التجميل، التي كانت تعتمد على السوق الأمريكية كركيزة للنمو، باتت تُعيد النظر في خططها الاستثمارية.
 
كما أن بعض المجموعات التجارية الأوروبية التي كانت بصدد ضخ استثمارات جديدة في الولايات المتحدة (مثل بيرنود ريكار Pernod–Ricard أو ديور Dior)، وجدت نفسها أمام معضلة: إما المضي قدماً رغم الخطر، وإما تجميد المشاريع والمجازفة بخسارة السوق​. هذا المناخ السلبي قد يطيل أمد حالة الانكماش التي تمر بها أوروبا.
 
4– انكشاف هشاشة العلاقات الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي: كشفت الأزمة الجمركية عن هشاشة الموقف الأوروبي الموحد في القضايا التجارية الكبرى؛ فبينما دعت دول مثل ألمانيا وإيطاليا والسويد إلى التهدئة والتفاوض، طالبت دول أخرى، كفرنسا وبولندا، بتصعيد الرد من خلال إجراءات انتقامية قوية​. أما المجر، فذهبت إلى حد تحميل المفوضية الأوروبية المسؤولية عن فشل التنسيق مع واشنطن.
 
هذه الانقسامات عرقلت اتخاذ موقف موحد، وأظهرت محدودية أدوات السياسة التجارية الأوروبية في زمن الأزمات. حتى داخل فرنسا، لم يتفق القطاعان العام والخاص على كيفية التصرف؛ فبينما دعا الرئيس ماكرون إلى تعليق الاستثمارات في الولايات المتحدة، رفضت كبريات الشركات الفرنسية الانصياع لذلك. هذا التباين أضعفَ الرسالة الأوروبية، وترك انطباعاً لدى واشنطن بأن الاتحاد الأوروبي غير قادر على اتخاذ موقف متماسك؛ ما قد يُشجِّع ترامب على المضي قدماً في سياسته دون مخاوف حقيقية من رد فعل أوروبي موحد.
 
5– فتح الباب أمام تزايد حضور المنتجات الصينية في السوق الأوروبية: مع فرض واشنطن رسوماً قاسية على المنتجات الصينية (بلغت 54%)، بدأت الصين تعمل على توجيه فائض إنتاجها نحو أوروبا؛ ما أثار مخاوف من موجة إغراق تجاري قد تهدد الصناعات الأوروبية، لا سيما في مجالات مثل الفولاذ والمنسوجات والإلكترونيات​. هذه الظاهرة تُعرف بـ"تحويل التجارة" Trade Diversion؛ حيث يتم تحويل مسار الصادرات من سوق مغلقة إلى سوق أقل حواجز؛ ما يضع أوروبا في موقع المستقبِل غير المحصَّن. وقد أبدت المفوضية الأوروبية خشيتها من تكرار سيناريو 2017، عندما اضطرت إلى فرض تدابير حمائية على واردات الصلب إثر تدفقها من الصين.
 
الآن، يتوقع مسؤولو بروكسل أن يمتد الخطر إلى قطاعات أخرى، مثل المنتجات الصيدلانية والمعدات الإلكترونية؛ ما يهدد التوازن التجاري الأوروبي، ويزيد الضغوط على صناعاتها الهشة. هذا الخطر غير المباشر من الرسوم الأمريكية يجعل أوروبا تدفع ثمن قرارات لا علاقة لها بها بشكل مباشر، لكنه يُبرز تبعيتها البنيوية لاضطرابات النظام التجاري العالمي.
 
6– تصاعد التوترات الاجتماعية بسبب تهديدات فقدان الوظائف: نتيجة تراجع القدرة التنافسية للمنتجات الأوروبية في السوق الأمريكية وارتفاع التكاليف، بات خطر تقليص الإنتاج وتسريح الموظفين ماثلاً في عدة قطاعات حيوية؛ فعلى سبيل المثال، قطاع الشركات ذات الحجم المتوسط (METI) في فرنسا، الذي يضم 6000 شركة، ويشكل ثلث صادرات فرنسا إلى الخارج، بدأ تقييم التأثير المحتمل للرسوم الجمركية على قدرته التشغيلية، وقد أبدى ممثلوه تخوفهم من تسريح محتمل للعمال أو تجميد التوظيف، وكذلك الحال في قطاع البلاستيك والزجاج والمعدات الصناعية؛ حيث تعتمد بعض الشركات المتوسطة الحجم على السوق الأمريكية في تحقيق ما يصل إلى 40% من رقم تعاملاتها. مثل هذه الصدمات التجارية تترجَم سريعاً إلى ضغط على الوظائف، خصوصاً في الدول ذات الاعتماد التصديري الكبير، مثل ألمانيا وأيرلندا. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن الحكومات الأوروبية ستجد نفسها مضطرة إلى تمويل خطط دعم اقتصادي طارئة؛ ما يضيف أعباء جديدة على الموازنات العامة في لحظة حساسة تمر بها اقتصادات القارة.
 
آليات المواجهة
أمام التصعيد الأمريكي، بادرت أوروبا إلى تفعيل جملة من الخيارات الاستراتيجية والدبلوماسية في محاولة لاحتواء الأزمة والدفاع عن مصالحها:
 
1– تفعيل استراتيجية ثلاثية تقوم على التفاوض والرد بالمثل وتنويع الشركاء: وضعت المفوضية الأوروبية خطة متكاملة لمواجهة التصعيد الجمركي الأمريكي، تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: التفاوض مع واشنطن، وتطبيق إجراءات مضادة مدروسة، والسعي نحو تنويع الأسواق التجارية خارج الولايات المتحدة. وقد أكدت أورسولا فون دير لاين أن أوروبا لن تسعى إلى التصعيد، لكنها لن تتردد في الرد المناسب.
 
وفي هذا الإطار، باشرت بروكسل اتصالات دبلوماسية رفيعة مع الإدارة الأمريكية؛ حيث عقدت عدة اجتماعات بين مُفوِّض التجارة الأوروبية ماروس شيفكوفيتش مع وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك؛ لمحاولة احتواء التصعيد. وفي الوقت نفسه، شرعت المفوضية في إعداد قوائم بمنتجات أمريكية ستُفرَض عليها رسوم جمركية مضادة، خاصةً في القطاعات التي لا تضر بالمستهلك الأوروبي. وقد طُرحت أيضاً داخل أروقة المفوضية الأوروبية دعوات لفرض ضرائب أو قيود تنظيمية على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مثل "جوجل" و"أمازون" و"ميتا"، بوصفها إحدى أوراق الضغط المؤثرة على واشنطن​.
 
واعتبرت أوساط أوروبية أن استهداف هذه الشركات قد يُشكِّل وسيلة فعالة لتعديل ميزان القوة في ظل التصعيد الجمركي القائم. أما على المدى المتوسط، فتراهن أوروبا على شبكتها التجارية الأوسع في العالم، التي تضم أكثر من 42 اتفاقية تجارية مع 76 دولة، لتعويض الخسائر المحتملة في السوق الأمريكية. وتشمل هذه الشراكات كلاً من المكسيك وأستراليا والهند وميركوسور، رغم وجود بعض التحفظات. ويشكل تنويع الأسواق محاولة لفك التبعية التجارية عن واشنطن، وتقليل الضغط الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل.
 
2– دعوة فرنسا إلى تعليق الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة كأداة ضغط: في خطوة سياسية رمزية تهدف إلى تعزيز موقف التفاوض الأوروبي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 3 أبريل 2025 كبريات الشركات الأوروبية، خصوصاً الفرنسية، إلى تعليق مشاريعها الاستثمارية الجديدة في الولايات المتحدة، بانتظار اتضاح الرؤية في ملف الرسوم الجمركية​. هذه الدعوة لم تكن ملزمة قانونياً، لكنها مثَّلت إشارة قوية إلى واشنطن بأن أوروبا مستعدة لاستخدام أوراق ضغط اقتصادية حقيقية.
 
وأكد ماكرون أن هذا التجميد المؤقت سيكون وسيلة لحشد تضامن أوروبي موحد، ومنع أي اختراق أمريكي عبر تفاهمات منفردة مع دول أو قطاعات معينة. وقد تجاوبت بعض الشركات المتوسطة الحجم مع هذه الدعوة، بينما رفضت غالبية الشركات الكبرى، المنضوية في مؤشر CAC 40 (الذي يضم أكبر 40 شركة فرنسية)، تجميد استثماراتها الجارية، مبررة موقفها بالتزاماتها تجاه الشركاء الأمريكيين. رغم هذا التباين، فإن المبادرة الفرنسية فتحت نقاشاً داخل أوروبا حول كيفية توظيف الأدوات الاقتصادية كسلاح تفاوضي، وطرحت إشكالية الموازنة بين المصالح الخاصة والحاجة إلى موقف قاري موحد في مواجهة سياسة أمريكية عدوانية ومتقلبة.
 
3– التوجه نحو تفعيل آلية "مكافحة الإكراه" داخل الاتحاد الأوروبي: في ظل انسداد أفق التفاوض مع إدارة ترامب، دفع عدد من المسؤولين الأوروبيين باتجاه الدعوة إلى تفعيل أداة أوروبية جديدة تُعرَف باسم "آلية مكافحة الإكراه" Anti–Coercion Instrument. هذه الأداة تسمح للاتحاد الأوروبي بفرض إجراءات مضادة بشكل سريع ومنسق ضد الدول التي تستخدم التجارة سلاحاً للضغط السياسي أو الاقتصادي. وقد تم التصويت على تفعيل هذه الآلية في البرلمان الأوروبي؛ ما يعني أنها قد تُستخدم قريباً ضد الولايات المتحدة إذا استمرت في نهجها التصعيدي. وتختلف هذه الآلية عن الردود التقليدية بأنها لا تقتصر على الرسوم الجمركية، بل تشمل أيضاً قيوداً على الاستثمارات، أو الحظر المؤقت على بعض الشركات الأجنبية. ويرى المدافعون عن هذه الأداة أنها تمنح الاتحاد الأوروبي قدرة ردع فعلية، في عالم تتزايد فيه الإجراءات الأحادية. وبالفعل، تم وضع لائحة أولية بالمنتجات والخدمات التي يمكن أن تشملها الإجراءات الانتقامية، تراعي فيها بروكسل ضرورة تحقيق أثر سياسي من دون الإضرار بالمصالح الأوروبية الجوهرية.
 
4– اعتماد سياسة الانتقاء في اختيار المنتجات المستهدفة بالرد الجمركي: اختارت المفوضية الأوروبية، في إعدادها لحزمة الردود الجمركية، استراتيجية دقيقة تراعي تحقيق ثلاثة أهداف: التأثير المؤلم على الاقتصاد الأمريكي، وتقليل الأثر على المستهلك الأوروبي، وتوزيع الضرر بالتساوي بين دول الاتحاد؛ لذلك، تم إدراج منتجات رمزية أمريكية على قائمة الردود، مثل الدراجات النارية "هارلي ديفيدسون"، والفول السوداني، وفول الصويا، ومعدات زراعية، بجانب منتجات كمالية مثل مستحضرات التجميل، كما تم استبعاد منتجات مثل "البوربون" Bourbon الأمريكي لحماية مصالح المصدرين الأوروبيين للنبيذ والمشروبات الروحية، الذين يخشون من رد انتقامي.
 
هذه المقاربة الهادئة والانتقائية تعكس نضج السياسة التجارية الأوروبية، التي تسعى إلى الرد دون الانجرار إلى دوامة تصعيدية غير محسوبة. وتمثل هذه الخطوة مثالاً في استخدام أدوات السياسة التجارية لأهداف سياسية، بما يحفظ التوازن الداخلي الأوروبي ويعزز الرسالة السياسية الموجهة إلى الولايات المتحدة بأن أوروبا قادرة على حماية مصالحها بطرق مدروسة ومتعددة الأبعاد.
 
5– تعبئة الدعم الحكومي للقطاعات المتضررة داخل الدول الأعضاء: إدراكاً لحجم الضرر المحتمل، بادرت عدة دول أوروبية إلى إعداد خطط دعم وطنية موجهة إلى القطاعات الأكثر تضرراً، سواء عبر مساعدات مالية مباشرة أو إجراءات لتسهيل التحول إلى أسواق بديلة. في إسبانيا، أعلنت الحكومة عن خطة طوارئ لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، فيما كشفت ليتوانيا عن حزمة إجراءات تشمل تمويل مشاريع للتصدير نحو وجهات أخرى​. ومن المتوقع أن تحذو دول أخرى مثل رومانيا والدنمارك حذوها. تهدف هذه الخطط إلى امتصاص الصدمة القصيرة الأمد، وتفادي فقدان الوظائف أو إغلاق المصانع، كما تعكس تفهُّماً سياسياً لحساسية المرحلة، خاصة في ظل تنامي التيارات الشعبوية التي قد تستثمر السخط الاجتماعي الناتج عن أي تدهور اقتصادي. هذا التفاعل السريع من الحكومات الوطنية، بالتوازي مع جهود بروكسل، يُبرز أهمية التنسيق بين المستويين الأوروبي والمحلي، كما يعكس إدراكاً بأن الأزمة الحالية ليست فقط اقتصادية، بل تحمل تبعات سياسية واجتماعية بعيدة المدى.
 
6– تفعيل الشراكات الدولية والتكتلات البديلة لمواجهة السياسة الأمريكية: كرد استراتيجي بعيد المدى، دعا عدد من المفكرين الأوروبيين، إلى قيادة تحالف عالمي من الدول المؤمنة بالتجارة الحرة، مثل اليابان وكندا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، بهدف التصدي للنهج الأحادي الذي بات يميز السياسة التجارية الأمريكية. هذه المبادرة تهدف إلى إعادة إحياء دور منظمة التجارة العالمية من خلال تحالف قوى متعددة الأطراف مصغَّرة، تلتزم بمبادئ الشفافية وعدم التمييز. وتُطرَح فكرة تشكيل تكتل تجاري يملك آليات مشتركة للرد على الإجراءات الحمائية، ويعزز صوت أوروبا في المنتديات الدولية. إضافة إلى ذلك، تسعى أوروبا إلى تكثيف مفاوضاتها الثنائية مع الشركاء في آسيا وأمريكا الجنوبية، لتعزيز الوصول إلى الأسواق البديلة وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية. هذه السياسة تُعبِّر عن تحول أوروبي تدريجي نحو إعادة تموضع استراتيجي في النظام التجاري الدولي، من موقع التابع إلى موقع المبادِر، بما يضمن استقراراً أكبر للمنظومة التجارية العالمية، ومكانةً أكثر استقلالاً للاتحاد الأوروبي.
 
7– تدرُّج الرد الأوروبي لتفادي التصعيد المباشر مع واشنطن: أعلنت المفوضية الأوروبية عن قرار برفع الرسوم الجمركية الأوروبية بنسبة 25% على مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، تشمل عصير البرتقال وفول الصويا والدراجات النارية والمكياج والأرز والملابس والصلب والدواجن، بقيمة إجمالية تُقدَّر بـ21 مليار يورو سنوياً​. ولكن بالرغم من ذلك حاول الاتحاد الأوروبي الإبقاء على حيز للتفاهم مع واشطن، وخاصةً بعد قرار ترامب الإيقاف المؤقت لمدة 90 يوماً لتطبيق الزيادة في الرسوم الجمركية على الواردات. وفي هذا السياق، ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، يوم 10 أبريل الجاري، أن الاتحاد الأوروبي سيعلِّق رسومه الجمركية المضادة على المنتجات الأمريكية لمدة تسعين يوماً، بهدف "إعطاء فرصة للمفاوضات".
 
ختاماً، في ظل هذا التصعيد التجاري، تجد أوروبا نفسها أمام ضرورة تحقيق موازنة دقيقة بين الرد الحازم على الإجراءات الأمريكية والحفاظ على استقرار الشراكة العابرة للأطلسي؛ فبين خيار المواجهة وخيار التهدئة، تسعى بروكسل إلى الدفاع عن مصالحها دون الإضرار بعلاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن. هذا التحدي يفرض على الاتحاد الأوروبي تطوير أدواته التجارية، وتعزيز وحدته الداخلية لمواجهة الأزمات المقبلة بثقة واستقلالية أكبر.